معنى أخر للعدل بين الأبناء

منذ 2016-01-09

العدل مطلب أساسي من مطالب التربية المستقيمة، ومن أسس إنشاء الشخصية القويمة، والبيت الذي لا يقوم على أساس العدل ينتج أفرادا مشوهين معوجين. وقد علمنا ديننا معاني العدل بشتى صورها وأعطى مثالا نموذجيا رائعا لتصور العدل وتطبيقه وتنفيذه ومنهجيته على شتى المستويات ابتداء من المحاضن التربوية الصغيرة وإلى أعلى مستوى من مستويات الأمة بأجمعها.

عندما يصرخ أحد الأبناء وقد صار عمره ثلاثين عامًا شاكيًا من أنه لم يلق تربية عادلة يجب أن تضع احتمالاً كبيرًا أنه إنما يعبر عن تراكم نفسي عبر السنين من أثر مواقف وقرارات لم تتسم بالعدل.

العدل مطلب أساسي من مطالب التربية المستقيمة، ومن أسس إنشاء الشخصية القويمة، والبيت الذي لا يقوم على أساس العدل ينتج أفرادا مشوهين معوجين.

وقد علمنا ديننا معاني العدل بشتى صورها وأعطى مثالا نموذجيا رائعا لتصور العدل وتطبيقه وتنفيذه ومنهجيته على شتى المستويات ابتداء من المحاضن التربوية الصغيرة وإلى أعلى مستوى من مستويات الأمة بأجمعها.

ما يهمنا في الحديث الآن هو العدل تطبيقيا بين الأبناء، وهو أنواع وأشكال متعددة كثيرة يلزمنا جميعا كأباء ومربين أن نهتم بها ونرعاها.

فالعدل في العطاء المالي أساس ضروري بل واجب شرعي إذ إن الظلم فيه محرم لا محالة.

وانظر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لا أشهد على جور» (رواه البخاري لمن أراد أن يشهده على عطاء خص به بعض أبنائه.

وانظر إلى غضبه صلى الله عليه وسلم وقوله: «إتقوا الله واعدلوا بين أبنائكم» (متفق عليه)، عندما لاحظ نوعا من ميل نحو البعض دون البعض، وفي لفظ لمسلم: ثم قال: "أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟" قال: بلى، قال: "فلا إذن".
وقال صلى الله عليه وسلم: «اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم» (رواه الإمام أحمد والنسائي).

إن العدل في العطاء المالي يذهب بغضاء النفوس وشحناءها ويعين على مروءة الأفعال ويعود على المودة والتفاهم بين أبناء البيت الواحد، والعدل في المحاسبة نوع أيضا هام من أنواع العدل، إذ لا يقبل أن يحاسب بعض الأبناء حسابا دقيقا ثقيلا في حين أن يترك للآخر حبله على الغارب، فيشعر المحاسب وكأنما صار مضطهدا مكروها، بل إن ذلك يراكم عنده رغبة داخلية في أنواع الانحراف المختلفة، فإذا أردت أن تساءل أبناءك فسائل الجميع، وتابع الجميع، واستقص من الجميع .

كذلك العدل في القرب والمودة فإن بعض الآباء والأمهات يقربون بعض أبنائهم على حساب بعض، ربما فعلوا ذلك لما وجدوا ليونة أو طاعة منهم في حين لا يجدونها من الآخرين، لكنهم وعلى حساب معاملتهم ظاهرية يتركون بقعا سوداء في نفوس أبنائهم الآخرين الذين يرون أخوانهم مقربين محبوبين حائزين على الفضائل والدعوات والمكرمات بينما هم لا يجدون معشار ذلك، على أنهم لا يمتازون عنهم ميزة  في عمل أو أداء أو إنجاز أو فضيلة.

كذلك فإن العدل في العتاب مطلوب أيضا، فالعتاب نوع من العقوبة، فلئن عاقبت فاعدل، وإياك أن تعاقب البعض دون البعض، فإن ذلك ينبت الغضب في قلوب الأبناء، ويشعر بمذاق للظلم قد يبقى في قلبه طويلا.

إننا بحاجة إلى نشر ثقافة العدل في بيوتنا، حتى يبلغ العدل في تطبيقه مقدار الطعام والشراب وآثار البسمة والعبوس، و الذكر في الأحاديث مدحا وذما وسواء في الحضور أو في الغياب.

نشر ثقافة العدل في بيوتنا مصدرها الأول ثقافة الأبوين حول العدل، وطبيعة فهمهما له وكيفية استقاء ذلك من كتاب الله سبحانه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فلئن جفت المنابع فكيف يسقى الزرع؟

كذلك فنحن بحاجة إلى إعادة تقويم لتطبيقات العدل في كثير من الصور التي عم فيها الجور، مثال ما يحصل بين الذكور والإناث في العطايا، أو في توزيع التركات، أو ما يحصل بين الكبار والصغار، أو ما يحصل بين المرضى والأصحاء أو غير ذلك.

لقد أكد كتاب الله سبحانه على العدل تأكيدا يجعل المتدبر فيه يضعه نبراسا أمام عينيه بينما هو يقوم بدور المربي، وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين ، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولُوا» (أخرجه مسلم والنسائي).

سئل الأحنف بن قيس عن الأبناء فقال: "ثمار قلوبنا ، وعماد ظهورنا، ونحن لهم أرض ذليلة، وسماء ظليلة، وبهم نصول على كل جليلة، فإن طلبوا فأعطهم، وإن غضبوا فأرضهم، يمنحوك ودهم، ويحبونك جهدهم، ولا تكن عليهم ثقلاً ثقيلاً، فيملوا حياتك، ويودوا وفاتك، ويكرهوا قربك".

-----

د. خالد رُوشه

  • 1
  • 0
  • 1,107

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً