ماذا بعد ما كشفته مأساة مضايا؟
سؤال لا بد من التوقف عنده مليًا لإدراك حجم المؤامرة الكبرى التي تتعرض لها ثورة الياسمين التي لم يكن عبثاً وصفها باليتيمة، فما كشفته مأساة مضايا من هول الوحشية التي يستخدمها الروافض والنصيرية ضد هذه الثورة، بدعم روسي صارخ، وتواطؤ غربي أمريكي فاضح، يؤكد أن الجميع متربص بأرض الشام وأهلها، وأن جميع الأضواء -وليس الأخضر فحسب- ممنوحة للنظام النصيري وحلفائه لإجهاض خروج الشام من قبضة حامي حدود الصهاينة.
سؤال لا بد من التوقف عنده مليًا لإدراك حجم المؤامرة الكبرى التي تتعرض لها ثورة الياسمين التي لم يكن عبثاً وصفها باليتيمة، فما كشفته مأساة مضايا من هول الوحشية التي يستخدمها الروافض والنصيرية ضد هذه الثورة، بدعم روسي صارخ، وتواطؤ غربي أمريكي فاضح، يؤكد أن الجميع متربص بأرض الشام وأهلها، وأن جميع الأضواء -وليس الأخضر فحسب- ممنوحة للنظام النصيري وحلفائه لإجهاض خروج الشام من قبضة حامي حدود الصهاينة.
ومع أن جميع المحطات التي مرت بها ثورة الياسمين تؤكد وجود تواطؤ دولي ضدها، ولا أدل على ذلك من ترك طاغية الشام يقتل الآلاف من الشعب السوري بكافة أنواع الأسلحة -ومنها الكيماوي- دون منع أو ردع، ومن منع إدخال السلاح النوعي الذي يمكن أن يحسم المعركة لصالح الثوار. إلا أن ما حدث ويحدث في مضايا الآن يشير بوضوح إلى مدى الانحطاط الذي وصل إليه العالم الغربي في تعاطيه مع الثورة السورية، فلا بأس في نظر الأمريكان والغرب وأدعياء حقوق الإنسان أن يقتل الروافض وطاغية الشام الشعب السوري جوعاً لإرغامهم على الاستسلام.
والحقيقة أن مجرد استعراض مواقف الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية وما يسمى الأمم المتحدة ومنظماتها من مأساة مضايا الإنسانية. يمكن أن يبرهن على مدى الكذب والنفاق والمرواغة التي تلجأ إليها تلك الدول والمنظمات للتمويه على حقيقة تآمرها على ثورة الياسمين.
فبعد كل الصور المفزعة المروعة التي نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام، والتي تتحدث بنفسها عن حجم الجريمة التي يرتكبها حزب اللات والنظام النصيري بحق الإنسانية هناك، لم تزد ردة فعل الولايات المتحدة الأمريكية على حث النظام السوري على فتح الطريق أمام دخول المساعدات الإنسانية إلى مضايا، ودعوته لرفع الحصار ... وكأنها تستجدي من المجرم أن يمنح المدنيين أبسط حقوقهم المشروعة!!
من جهتها لم تكن بريطانيا أفضل حالاً في موقفها من هذه الفضيحة الأخلاقية من توأمها أمريكا، فقد استبعد القادة العسكريون البريطانيون تلبية الحكومة لطلب زعيم حزب الديمقراطيين الأحرار الأسبق لورد بادي آشداون، وعضو البرلمان عن حزب العمال جو كوكس بضرورة إسقاط بعض المساعدات الإنسانية على أهل مضايا جواً، كما فعلت العام الماضي مع الأيزيديين في جبل سنجار بالعراق، متذرعة بامتلاك النظام السوري لصوارخ أرض جو المتطورة، بينما الحقيقة أن اهتمام بريطانيا بالأيزيديين والأقليات عمومًا لا يمكن أن يقارن بتواطئها وتآمرها على أهل السنة في كل من العراق وسورية وغيرها.
أما الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية التي من المفترض أن تكون أول من يسلط الضوء على أمثال هذه الانتهاكات، وأول من يطالب الدول الكبرى -المهيمنين عليها- باستخدام نفوذهم لإجبار النظام النصيري والرافضة لإدخال المساعدات الإنسانية قبل أن يتفاقم الوضع إلى هذه الدرجة - أي قبل أن يموت أكثر من 32 مدنيًا من الجوع حتى الآن ناهيك عن المئات المغمى عليه المهددين بالموت في أي لحظة - فنراها وكأنها آخر من يعلم بمأساة السكان هناك، ثم بعد كل ذلك تشيد بموافقة النظام النصيري على الاكتفاء بقتل العشرات من المدنيين جوعًا، من خلال السماح بدخول بعض المساعدات الإنسانية إلى الأهالي المنكوبين هناك.
ومع أن الموقف الكارثي الحاصل ببلدة مضايا لا يحتمل أي تأخير أو تسويف، إلا أن الأمم المتحدة لا تبدو أنها على عجلة من أمرها في توقيت إدخال ترياق الحياة للسكان، فقد كشف الصليب الأحمر الدولي في وقت سابق أن المساعدات التي وافق النظام على إدخالها إلى المحاصرين بمضايا لن تتم قبل يوم غد الأحد وكأن الجوعى الذين لا تفصلهم عن مفارقة الحياة إلا ساعات أو ربما دقائق يمكنهم أن ينتظروا كل هذه الأيام؟!!
وفيما يخص بعض المنظمات الدولية التي تزعم الاهتمام بما يسمى "حقوق الإنسان"، وكذلك بعض وسائل الإعلام الغربي، فقد وجدت نفسها مضطرة أخيرًا للحديث عن مأساة مضايا بعد أن انتشرت صور أهلها الجوعى في كل مكان، فسارعت منظمة هيومن رايتس ووتش إلى إصدار بيان يبعد عنها عار سكوتها حتى الآن عن تلك المأساة، تدعو فيه المجتمع الدولي على استحياء لتركيز الجهود من أجل إيصال المساعدات إلى سكان مضايا وبقية المناطق التي تحاصرها قوات النظام السوري، في الوقت الذي سارعت فيه بعض الصحف و وسائل الإعلام الغربية لتناول هذا الخبر أخيرًا، بعد أن عملت على التعتيم عليه بكل الوسائل الممكنة.
أما ما يسمى "مجلس الأمن الدولي" - والذي لا يعدو أن يكون أداة الدول الاستعمارية الكبرى للهيمنة على العالم - فقد تذكر بعد أن قضى الموت على العشرات من سكان مضايا جوعاً، أنه مختص ببحث كل ما يمس الأمن والسلام الدوليين، ومن هنا قرر عقد جلسة مشاورات مغلقة الاثنين المقبل، يبحث خلالها الأوضاع في بلدات مضايا والفوعة وكفريا المحاصرة، وذلك في ظل تأخير إدخال المساعدات الأممية إليها، دون توقع صدور أي قرار في ختامها، ليس لأن الفيتو الروسي جاهز لإجهاض أي قرار ضد النظام النصيري وحليفه الراضي فحسب، بل لأن الدول الخمس الدائمة العضوية في هذا المجلس المشؤوم ليست في وارد فرض أي عقوبات على أفضل عميل لها في دمشق.
إن ما سبق من مواقف دولية مخزية تجاه قضية إنسانية بالدرجة الأولى يشير بوضوح إلى مدى التآمر الدولي على الثورة السورية، ويطرح بالتالي سؤالاً في غاية الأهمية على الثوار والدول السنية الداعمة لهم: إذا لم يستطع المجتمع الدولي -أو لا يريد بمعنى أصح- الضغط على النظام السوري وحلفائه لإدخال مساعدات إنسانية عاجلة لإنقاذ الأهالي هناك من الموت المحتم، فكيف يمكن أن يصدق عاقل أن هذا المجتمع الدولي المتواطؤ مع الطاغية وحلفائه يمكن أن يعمل على تحقيق أهم مطالب الثوار بإسقاط هولاكو العصر عبر ما يسمى "الحوار" أو "الحل السياسي"؟!
زياد الشامي
29/3/1437 هـ
- التصنيف:
- المصدر: