أنقذوا القطط والكلاب من سكان مضايا
ويح أمي ماذا كتبتُ، وهل تُجدي السطور؟ وكم من الجموع سيعنيه أنين القلم وصدى الصوت؟ حدّثت بها نفسي فتردد قلمي، غير أني أرغمتُه على المضي، فلربما وصلت إلى صاحب قلب، فجرَت على لسانه دعوة خير، أو ربما وصلت إلى مسؤول يحمل همّ أمته، فمضى يبذل الجهد.
"إلى الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الحيوان، أنقذوا القطط والكلاب في مضايا، فإن أهل مضايا المجرمين قد بدأوا يأكلون لحومها"
التوقيع: الإنسانية التي سقطت.
تلك رسالة بعث بها عدد من السوريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى منظمة الأمم المتحدة، يجسدون طرفًا من مأساة إنسانية يعيشها أهل مضايا السورية، الذين أكلوا الكلاب والقطط كي يظلوا على قيد الحياة، بينما يؤكد بعض أهالي المدينة البائسة أن المدينة خلَت من الكلاب والقطط والمواشي والطيور.
مدينة مضايا بريف دمشق صورة جديدة لموت الضمير الإنساني، ودليل آخر على أن سعر الإنسان يتحدّد أمام المجتمع الدولي بحسب فصيلة دمائه و(هويته).
سبعة أشهر من الحصار فرضته قوات الأسد وحلفاؤهم من حزب اللات، أحدثت كارثة إنسانية بكل المقاييس، حيث بات البحث عن سدّ الرمق أسمى أمنيات الإنسان في مضايا.
آلاف من السكان أصبحوا هياكل عظمية، ينتظرون دورهم في طابور الموت، الذي يأتيهم عبر الجوع، أو في طريق المخاطرة للبحث عن كسرة خبز يابسة في النفايات، ربما تُزاحمهم عليها الألغام وتُحوّلهم إلى أشلاء قبل أن تمتد إليها أيديهم.
عندما تنظر إلى هؤلاء الراقدين في المستشفى الميداني وتقترب منهم وتسأل الأطباء، ستعلم أنهم مصابون بالتسمم، ليس بسبب (وجبة دليفري دسمة)، ولا من قضمة من (دجاج كنتاكي)، لكنه أثر الاقتيات على أوراق شجر الزيتون.
ولو تحمّل قلبك لجولة أخرى في المستشفى، سترى مئات المواطنين أصابتهم حالات الإغماء من فرط الجوع ونقص التغذية، بعد أن استنفد العالم المتحضر طاقته الإنسانية في رعاية الحيوان، والتفاني في الحفاظ على الظباء من الانقراض، فليست هناك ضرورة في الإبقاء على فصائل من بني الإنسان.
أما من تراهم يتمدّدون على الأرصفة أو على أبواب المنازل، فلا تحسبنّهم يعانون الملل، أو أقعدتهم البطالة، إنهم يختزنون ما تبقى لديهم من طاقة ليظلوا على قيد الحياة فترة أطول.
لا تسل لماذا لا يفر أهلها، فمن يحاول الهرب، يجد على حدود المدينة رصاصات القناصة في انتظاره، فمُت بالرصاص...أو مُت جوعًا.
نعم أرى تلك الكميات الكبيرة من الأطعمة على حواجز عناصر حزب الله وشبيحة الأسد الذين يحاصرون المدينة، هل تصدق أنها يتاجرون بها؟
نعم لقد امتلأت قلوبهم رحمة، وأرادوا تخفيف المعاناة عن سكان مضايا، ويبيعونهم كميات من الأطعمة، وبأسعار رمزية:
فقط 150 دولار أمريكي ثمن علبة الحليب للطفل الذي جفّ ضرع أمه.
فقط 153 دولار أمريكي ثمن كيلو السكر.
ليس معك أموال لتشتري بها؟ حسناً، لا عليك، يمكن المقايضة معهم:
لو كان لديك سيارة يمكنك استبدالها بـ 15 كيلوغرام من الطعام.
لو كان لديك دراجة نارية يمكن استبدالها بـ 10 كيلوغرام من الطعام.
لو حالفك الحظ وتجاوزت الحدود بسلام، سترى بعد مضي عشر دقائق بالسيارة مقر الأمم المتحدة، لكني لا أنصحك بأن ترسل إليهم نداءات استغاثة لإنقاذ أهل المدينة، فهم مشغولون بفصائل دم أخرى، ولا تُلقِ باللائمة عليهم، فالمسلمون والعرب تفرّغوا لمعاركهم المفضلة في الشتات والشقاق.
أيها العرب، أيها المسلمون، أيها المناضلون على أرض سوريا، الأرض لن تبقى أرضًا بعد فناء أهلها، فقاتلوا عن بقاء الإنسان قبل استرداد الأرض، فُكّوا الحصار عن إخوانكم فهو واجب الوقت والمرحلة.
يا كُل فصيل في سوريا يقاتل من أجل الشعب السوري ومن أجل هذه الأمة، إخوانكم يدفعون ثمن المعارك في الزبداني، فعجّلوا بإنقاذهم قبل أن يلحقكم العار أبداً.
يا أهل الإسلام والعروبة، يا وُلاة أمور المسلمين.. أنقذوا 40 ألف مدني يتساقطوا جوعًا، قبل أن تحاسبكم عليها الشعوب قبل محكمة علام الغيوب.
ويح أمي ماذا كتبتُ، وهل تُجدي السطور؟ وكم من الجموع سيعنيه أنين القلم وصدى الصوت؟ حدّثت بها نفسي فتردد قلمي، غير أني أرغمتُه على المضي، فلربما وصلت إلى صاحب قلب، فجرَت على لسانه دعوة خير، أو ربما وصلت إلى مسؤول يحمل همّ أمته، فمضى يبذل الجهد.
إحسان الفقيه
- التصنيف: