الحجاب المتبرج.. ضياع المضمون وفقدان الغاية
لم يكن الحجاب يومًا وسيلةً لإبراز المفاتن ولإغراء الشباب كما هو حاصل اليوم بما يسمى (حجاب الموضة)، إنما كان الحجاب ولم يزل خضوعًا لأمر الله عز وجل وصونًا لعفة وكرامة المرأة المسلمة.
لا يخفَى على أحدٍ أن نسبة ارتداء الحجاب بين الفتيات زادت في الآونة الأخيرة بصورة ملحوظة، غير أن الحجاب في حدِّ ذاته كغطاء للرأس أصبح يأخذ عدةَ أوضاعٍ مختلفةِ الشكل والحجم والمُسمَّى؛ حتى أضحت معظم المحجبات يرتدينه على اعتبار أنه موضةٌ تتغيَّر بين الحين والآخر كلما تغيَّرت خطوط الموضة، وظهرت الربطات المختلفة للحجاب، فتجد ربْطةً تُظهر الأذن وأخرى تُظهر الرقبة، ناهيك عن شكل الملابس التي يتم ارتداؤها أسفل الحجاب ذاته بصورةٍ تخلُّ بالحجاب نفسه كما فُرِض وشُرع!!
لقد تم اختزال الحجاب في عملية تغطية؛ تغطية بأي شكل وبأي لون؛ تغطية تجري وراء خطوط الموضة التي تنافي الوقار وتلفت الأنظار؛ تغطية لا تحقق المعني الشرعي ولا العرفي للستر؛ تغطية جمعت بين الضدين وشملت المتناقضين، فلا سترت جسدًا ولا أرضت ربًا.
إنه حجاب يحتاج لحجاب، تحررت فيه المرأة المحجبة من أصالة معتقداتها الدينية، وذلك دون أن تتخلى عن دينها بزعمها! حيث أظهرت مفاتنها، دون أن تنزع غطاء رأسها! ودخلت المسلمات إلى عالم الجمال والموضة بدون ضابط ولا رابط، وباتت العباءة الإسلامية قادرة على مواكبة الموضة، غربية كانت أم شرقية، حتى أنها فقدت من صرامتها ما يكفي لجعلها عباءة (كول)!
حيرة وتشتت
هناك أسباب كثيرة وراء ظاهرة (حجاب الموضة) منها ما هو اجتماعي ونفسي وإعلامي. فيمكن اعتبار أن لهذه الظاهرة مزيج من الدوافع من أهمها ضعف الوازع الديني والأمية الدينية بحقيقة وأهداف الحجاب الشرعية والاجتماعية ، ووصلت الأمية الدينية عند البعض لدرجة اعتباره نوعا من القيد الذي يفرضه المجتمع والعادات والتقاليد، الأمر الذي جعل الفتاة في صراع نفسي في كيفية التوفيق بين الحجاب ومسايرة رياح التغيير بارتداء كل ما هو جديد وجذاب.
فبعض النساء ينظرن إلى الحجاب على أنه عادة أو واجب أسري فُرض عليهن فرضًا، وبالتالي يحاولن التحايل عليه. فمنهن من تضعه أمام عائلتها وفي الخارج تخلعه، ومنهن من تضعه ولكن لا تلتزم بشروطه الشرعية، وربما أهلها مع الأسف يرضيهم هذا الحل الوسط! ويعتقدون أنه ما دامت بنتهم تضع خرقة على رأسها فقد التزمت بالحجاب!
أضف إلى ذلك ظاهرة (مذيعات حجاب الموضة) اللاتي ينتشرن على كافة الفضائيات، ويقدمن الدعم النفسي والعملي لهذا النوع من الحجاب الذي فرض نفسه على أرض الواقع الإعلامي، فباتت ظاهرة مألوفة، بل ومبررة في بعض الأحيان لدى البعض الذين يرون هذا الحجاب أحسن حالًا من التبرج السافر لدى المذيعات الأخريات.
الحق كل لا يتجزأ
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
» (مسلم:5704).قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقد فسر قوله صلى الله عليه وسلم: « » بأن تكتسي ما لا يسترها. فهي كاسية وهي في الحقيقة عارية. مثل من تكتسي الثوب الرقيق يصف بشرتها أو الثوب الضيق الذي يبدي تقاطيع خلقها، وإنما كسوة المرأة ما يسترها فلا يبدي جسمها ولا حجم أعضائها لكونه كثيفًا واسعًا. ومن هنا يظهر الضابط في نهيه صلى الله عليه وسلم عن تشبه الرجال بالنساء وعن تشبه النساء بالرجال، وأن الأصل في ذلك ليس هو راجعًا إلى مجرد ما يختاره الرجال والنساء ويشتهونه ويعتادونه.
ويروى أنه دخلت نسوة من بني تميم على عائشة رضي الله عنها وعليهن ثياب رقاق، فقالت عائشة: "إن كنتنَّ مؤمنات، فليس هذا بثياب المؤمنات"، ودخلت عليها عروس عليها خمار رقيق شفاف فقالت: "لم تؤمن بسورة النور امرأة تلبس هذا" فكيف لو رأت عائشة ثياب نساء هذا العصر التي كأنها مصنوعة من زجاج؟!
ماهية الحجاب
قال أهل اللغة: الحَجْب والحِجاب: المنع من الوصول، يقال حَجَبَهُ أي: مَنَعَه حَجْباً وحجاباً، ومنه قيل للستِّر الذي يحول بين شيئين (حجاب)؛ لأنه يمنع الرؤية بينهما، وسُمِّي الحجاب حجاباً؛ لأنه يمنع المشاهدة، ومادة الحجاب وردت في ثمانية مواضع من القرآن الكريم، ومعناها فيها جميعا يدور بين الستر والمنع.
وحجاب المرأة معناه أن تستر المرأة بدنها عن الرجال الذين ليسوا من محارمها، كما قال تعالى: {ولَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} [النور:31] ومن مجموع الأدلة الشرعية استخلص العلماء ثمانية شروط للحجاب الشرعي وهي:
- ستر بدن المرأة (مع خلاف بين العلماء في كشف الوجه واليدين).
- أن لا يكون الحجاب زينة في نفسه.
- أن يكون صفيقاً (ثخيناً) لا يشف ما تحته.
- أن يكون فضفاضاً واسعاً غير ضيق يصف ملامح الجسم.
- أن لا يكون مبخراً ولا مطيباً.
- أن لا يشبه ملابس الكافرات.
- أن لا يشبه ملابس الرجال.
- أن لا يقصد به الشهرة بين الناس.
الحجاب شعار العفة
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} [الأحزاب:59].
يقول الشيخ محمد بن أحمد بن إسماعيل المقدم: "ليس الحجاب الذي نعنيه مجرد ستر لبدن المرأة. إن الحجاب عنوان تلك المجموعة من الأحكام الاجتماعية المتعلقة بوضع المرأة في النظام الإسلامي، والتي شرعها الله سبحانه وتعالى لتكون الحصن الحصين الذي يحمي المرأة، والسياج الواقي الذي يعصم المجتمع من الافتتان بها، والإطار المنضبط الذي تؤدي المرأة من خلاله وظيفة صناعة الأجيال، وصياغة مستقبل الأمة وبالتالي المساهمة في نصر الإسلام والتمكين له".
لا شك أن زي الفتاة ومظهرها دليل عفتها وطهارتها أو علامة على عكس ذلك، ومن خلال ما تلبسه المرأة يمكن في أكثر الأحوال الحكم على نوع ما تحمله من فكر وخلق.
ولا يستطيع أحد أن ينكر أن المرأة كلما كانت محتشمة في زيها متأدبة في مشيتها مع وقار في هيئتها كل ذلك ينم عن داخل نقي ومنبت زكي ونفس طاهرة، وبقدر ما يظهر ذلك على الفتاة بقدر ما تبتعد عنها همم اللئام، وأنظار الذئاب، وأطماع الكلاب، وتطلعات مرضى القلوب، ولصوص الأعراض.
والفتاة التي تتفنن في إظهار مفاتنها من خلال الموضات المثيرة التي تظهر أكثر مما تخفي سواء بإظهار مفاتن البدن من خلال لبس الأزياء العارية أو الضيقة التي تصف تقاطيع البدن أو الخفيفة التي تشف عما تحتها أو من خلال الموضات الصارخة والعجيبة والغريبة التي تلفت الانتباه وتعلق عين الناظر؛ هذا كله يعرض الفتاة لأن يتعرض لها الفسقة ومرضى النفوس والقلوب، وهي في ذات الوقت تعرض نفسها لخطر هي في غنى عنه.
وأخيرًا، لم يكن الحجاب يومًا وسيلةً لإبراز المفاتن ولإغراء الشباب كما هو حاصل اليوم بما يسمى (حجاب الموضة)، إنما كان الحجاب ولم يزل خضوعًا لأمر الله عز وجل وصونًا لعفة وكرامة المرأة المسلمة.
فطالما أختي المسلمة أنك ارتضيتِ أن تكوني من المحجبات والحمد لله، وممن تبحثُ عن رضا الله ورسوله، فالواجب عليكِ ارتداء الحجاب كما أمر صاحب الأمر جلَّ وعلا، لا كما تتطلب الموضة أو تشتهي النفس، وهذه الكلمات التي بين يديك إنما هي تذكرةٌ عما غفلتِ عنه، وبيانٌ لصورة الحجاب الشرعي الذي يرضى عنه الله ورسوله ، عسى أن ينفع الله بكِ وبنا ويرزقنا سواء السبيل.
- التصنيف:
- المصدر: