خطب مختارة - [17] أمارات الساعة 1-4

منذ 2016-01-19

لما كان أمر الساعة شديدًا عظيمًا كان الاهتمام الشرعي بشأنها، ومن ذلك ذِكر النبي صلى الله عليه وسلم لأشراطها وأماراتها، وإخباره عما يأتي بين يديها من الفتن، تنبيهًا وتحذيرًا وتعليمًا. ولعلنا في خطب عِدَّة نتذاكر بعض علامات قرب الساعة التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم، فالإيمان بها واجب وهو من عقيدة المسلم.

العلامات الصغرى والوسطى

الخطبة الأولى

معاشر المؤمنين: يقول ربنا تبارك وتعالى: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} [الأحزاب:63]. ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم: متى الساعة؟ قال للسائل: «ماذا أَعْدَدتَ لَهَا» [رواه البخاري:3688]. ذلك يا عباد الله أن الساعة كما أنها بغتة فكذلك الموت، ومن مات قامت قيامته؛ وغادر الدنيا دار العمل وبدأ حياته الآخرة حياة الحساب. ولما كان أمر الساعة شديدًا عظيمًا كان الاهتمام الشرعي بشأنها، ومن ذلك ذِكر النبي صلى الله عليه وسلم لأشراطها وأماراتها، وإخباره عما يأتي بين يديها من الفتن، تنبيهًا وتحذيرًا وتعليمًا. ولعلنا في خطب عِدَّة نتذاكر بعض علامات قرب الساعة التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم، فالإيمان بها واجب وهو من عقيدة المسلم.

عباد الله، إنَّ أشْرَاطَ السَّاعَةِ وَأَمَارَاتِهَا – كما قال أهل العلم - تَنْقَسِمُ إِلَى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ ظَهَرَ وَانْقَضَى؛ وَهِيَ الأَمَارَاتُ الْبَعِيدَةُ، وَقِسْمٌ ظَهَرَ وَلَمْ يَنْقَضِ؛ بَلْ لا يَزَالُ فِي زِيَادَةٍ، والْقِسْمُ الثَّالِثُ وَهِيَ الأَمَارَاتُ الْقَرِيبَةُ الْكَبِيرَةُ الَّتِي تَعْقُبُهَا السَّاعَةُ. (العلامة السفاريني 1150هـ).

ولعلنا نبدأ في هذه الجمعة بالقسمين الأولَين من هذه الأقسام، ونبدأ الحديث في الخطبة الأولى بالقسم الأول وهي العلامات التي ظهرت وانقضت، والتي بدأت ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، كما قال صلى الله عليه وسلم: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوسْطَى» [صحيح البخاري:5301]. وقال صلى الله عليه وسلم:  «اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ، وذكر منها: موتَهُ» [صحيح البخاري:3167].

ومن هذه العلامات الستِّ التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم «فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ» [صحيح البخاري:3167]،  وهذا قد حدث في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة ست وثلاثين من الهجرة.

ومنها: طاعون (عَمْواس) المميت، الذي ألمح إليه النبي صلى الله عليه وسلم حينما ذكر هذه الأشراط الستة، وعمواس بلدة في فلسطين، وقد مات في هذا الطاعون بعدما انتشر في الشام قرابةُ ثلاثين ألفًا، وحدث هذا فِي خِلافَةِ عُمَرَ بَعْدَ فَتْحِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ.

ومنها: ظهور الفتن، قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا، وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا، وَيُصْبِحُ كَافِرًا» [صحيح أبي داود:4259].

وأول هذه الفتن ظهورًا قتلُ الخوارج لأمير المؤمنين عثمانِ بنِ عفانٍ رضي الله عنه، وقد أخبر بذلك حُذَيْفَةُ بن اليمان رضي الله عنه وهو أعلم الصحابة بالفتن وأشراط الساعة لتعليم النبي صلى الله عليه وسلم إيَّاه لها.

ومنها: ظهور كثير يدَّعون النبوة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، قَرِيبٌ مِنْ ثَلاثِينَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ» [رواه مسلم:157]  وقد ظهروا، ولا يزال الدجالون الكذابون يظهرون.

ومنها: ظهور نارُ عظيمة بالحجاز، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الحِجَازِ تُضِيءُ أَعْنَاقَ الإِبِلِ بِبُصْرَى» [رواه البخاري:7718]، وبُصرى مدينة بالشام، وقد ظهرت هذه النار في منتصف القرن السابع الهجري.

هذه بعض علامات الساعة التي ظهرت وانقضت؛ القسم الأول من علامات الساعة؛ وهناك علامات أخرى غير ما ذُكر مما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بها. أقول ما سمعتم، وأستغفر الله .........

الخطبة الثانية

القسم الثاني من علامات وأمارات قرب الساعة الأمارات المتوسطة، وهي التي ظهرت ولم تنقض، بل تتزايد وتكثر، وهي كثيرة.

منها: ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكُونَ أَسْعَدَ النَّاسِ بِالدُّنْيَا لُكَعُ ابْنُ لُكَعٍ» [صحيح الترمذي:2209]، واللكع: الأحمق، واللئيم، والمعنى: لا تقوم الساعة حتى يكون اللئامُ والحمقى ونحوُهم رؤساءَ الناس ووجهاءَهم.

وهو المقصود بإضاعة الأمانة، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» [رواه البخاري:6496]

وهناك أحاديث نبوية جمعت الكثير من هذه العلامات كما في الصحيحين وغيرهما من حديث أنس رضي الله عنه أنه قَالَ: لأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يُحَدِّثُكُمْ بِهِ أَحَدٌ غَيْرِي. سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ العِلْمُ، وَيَكْثُرَ الجَهْلُ، وَيَكْثُرَ الزِّنَا، وَيَكْثُرَ شُرْبُ الخَمْرِ، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ، وَيَكْثُرَ النِّسَاءُ حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِين امْرَأة القَيِّمُ الوَاحِد» [صحيح البخاري:5231]. والمعنى بقبض العلم ورفعه قبض العلماء الربانيين، فإذا ماتوا تصدر الجهال فضلوا وأضلوا.

وكذلك من علامات الساعة التي ظهرت ولا تزال تزداد: كثرة شهادة الزور؛ وكتمان شهادة الحق، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ ... ظُهُورَ شَهَادَةِ الزُّورِ وَكِتْمَانَ شَهَادَةِ الْحَقِّ» [مسند أحمد:5/333].

وكذلك من أشراط الساعة: استفاضة المال والاستغناء عن الصدقة، قال صلى الله عليه وسلم: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ، فَيَفِيضَ حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ صَدَقَةً، وَيُدْعَى إِلَيْهِ الرَّجُلُ فَيَقُولُ: لا أَرَبَ لِي فِيهِ» [صحيح مسلم:157]. وهذا تحقق كثير منه فيما مضى بسبب ما وقع من الفتوحات الإسلامية، وقد فاض المال في عهد عمر بن عبد العزيز رحمه الله، فكان الرجل يعرض المال للصدقة فلا يجد من يقبله. وسيفيض المال أيضًا في زمن المهدي وعيسى فلا يقبله أحد.

وكذلك من علامات الساعة التي ظهرت وتزداد ظهورًا: وقوع التناكرِ بين الناس، فعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ السَّاعَةِ فَقَالَ: «عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ، وَلَكِنْ أُخْبِرُكُمْ بِمَشَارِيطِهَا وَمَا يَكُونُ بَيْنَ يَدَيْهَا، وذكر منها: «وَيُلْقَى بَيْنَ النَّاسِ التَّنَاكُرُ فَلا يَكَادُ أَحَدٌ أَنْ يَعْرِفَ أَحَدًا» [مجمع الزوائد:7/312]،  وجاءت صورة من صور التناكر المذكور في الحديث بحديث آخر: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُسَلِّمَ الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ، لا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ إِلا لِلْمَعْرِفَة» [مسند أحمد: 5/326].

وكذلك من أشراط الساعة: كثرة القتل؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ الْهَرْجُ، قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: الْقَتْلُ الْقَتْلُ» [رواه مسلم:157].

ومن المواقف التي يكون فيها كثرةُ القتل التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر يقول فيه: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَحْسِرَ الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ، يَقْتَتِلُ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ، تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَيَقُولُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ : لَعَلِّي أَكُونُ أَنَا الَّذِي أَنْجُو» [رواه مسلم:2894].

وكذلك من أشراطها: تمني الموت بسبب شدة البلاء، فعن أبي هريرةرضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ، فَيَقُولَ: يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ» [رواه البخاري:7115].

ومن علامات الساعة: تقاربُ الزمان؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ» [رواه البخاري:7121]، والمراد والله أعلم سرعةُ مرور الساعات والأيام، وبالتالي قلةُ بركتها.

وكذلك من العلامات التي ظهرت ولا زالت تظهر ظهورُ الكاسيات العاريات، فهن يلبسن اللباس لكن اللباس يعريهن لضيقه أو لشفافيته أو لقصره، قال صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أهل النار لم أرهما؛ قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس؛ ونساءٌ كاسيات عاريات مميلات مائلات؛ رؤسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها؛ وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» [رواه مسلم:2128] وهذا الحديث مع دلالته على علامة من علامات الساعة ففيه الدلالة على سوء عمل هذين الصنفين؛ والوعيد لهم بالعذاب في النار والعياذ بالله.

عباد الله، في كل من هذه العلامات من القسم الثاني من علامات قرب الساعة التي ذكرنا نجد في غالبها اختلالَ الموازين وانقلابَ الحقائق، والتَّفَلُّتَ والانتكاسَ وانتشارَ الفواحش، وذلك بيان للخراب والفساد في الأرض وصعوبة العيش عليها من الفتن وغربة الدين. فنسأل الله أن يرزقنا الثبات على دينه. وتعقب هذه الأحداث والأمارات المتوسطة والأمارات الكبرى والعلامات العظام والأشراط الجسام التي تعقبها قيام الساعة، وهي القسم الثالث من أشراط الساعة.

وعنها سيكون حديثنا بمشيئة الله في خطبٍ قادمة. اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن. اللهم نسألك فعل الْخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ, وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ, وَإِذَا أَرَدْتَ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً أَنْ تَقْبِضَنِا إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونين. اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك.

  • 41
  • 13
  • 19,227
المقال السابق
[16] أعياد الكفار
المقال التالي
[18] أمارات الساعة 2-4

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً