خطب مختارة - [31] الأعداء الثلاثة 3-3

منذ 2016-01-20

إن مداخل عداوة الشيطان للإنسان كثيرة جدًّا، فمنها: الوسوسة، والتحريش وإيقاع العداوة بين المسلمين، والصدُّ عن ذكْر الله، والغضب، والشَّهوة، والعجلة وترْك التثبُّت، والتكاسُل في الطاعات، وارتكاب المحرمات، والرفيق السيِّئ، والبُخْل، والحسد، والتعصُّب للهوى والمذاهب، ومشاركة الإنسان في أهله وطعامه ومبيته، وغيرها مِن المداخل التي لا يسع المقام للتفصيل فيها.

العدو الثالث: الشيطان

الخطبة الأولى

لا شكَّ أن عداوة الشيطان للإنسان قديمة قِدَم الإنسان؛ فهو قد نصَب العداء له منذ أن خلق اللهُ آدم عليه السلام  بيده، ونفَخ فيه مِن روحه، ثم أمَر الملائكة بالسجود له، فرفض الشيطان أن يسجد؛ حسدًا لآدم عليه السلام، قال تعالى:{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} [الإسراء: 61]، وقال تعالى:{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12] .

لذا فقد أمرنا الله تعالى بأن نتَّخذ الشيطان عدوًّا؛ فقال  تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6]. وعداوة الشيطان لابن آدَم ظاهِرة، ومَسالِكه في ذلك كثيرة؛ قال تعالى إخبارًا عن إبليس: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ . ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 16: 17].

فالشيطان – نعوذ بالله منه - حريص يَبذل جهده في إغواء العباد وصدِّهم عن صراط الله المستقيم بكلِّ ما يَستطيع، فما مِن طريق خير إلا وله فيه صدٌّ واعتِراض وتثبيط، وما مِن طريق شرٍّ إلا وله فيه ترغيب وتسهيل وتزيين وحثٌّ وتشجيع، فهو حريص على إيقاع بني آدم معه في النار، فيُحسِّن لهم الكفْر والمعاصي، قال الله تعالى: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا} [النساء: 120]، فالشيطان يَعد ويمنِّي، فإذا وقع العبد في حبائله تخلَّى عنه وتبرَّأ منه.

وإن مداخل عداوة الشيطان للإنسان كثيرة جدًّا، فمنها: الوسوسة، والتحريش وإيقاع العداوة بين المسلمين، والصدُّ عن ذكْر الله، والغضب، والشَّهوة، والعجلة وترْك التثبُّت، والتكاسُل في الطاعات، وارتكاب المحرمات، والرفيق السيِّئ، والبُخْل، والحسد، والتعصُّب للهوى والمذاهب، ومشاركة الإنسان في أهله وطعامه ومبيته، وغيرها مِن المداخل التي لا يسع المقام للتفصيل فيها.

فالعاقل الناصح لنفسه عليه أن يعرف عدوه الذي حذَّره الله منه ومداخله على الإنسان، فلا يَنخدِع بما يُزيِّن له الشيطان مِن مَعاصٍ؛ فهو عدو يوقع في المعصية ويتبرَّأ ممَّن وقَع في فخِّه؛ كما قال تعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [إبراهيم: 22].

فيَنبغي للعبد أن يتسلَّح بسلاح الإيمان، وأن يَكون حَذِرًا مِن هذا العدو في جميع أحواله، وأن يكون متمسِّكًا بكتاب ربِّه وسنَّة نبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم. كما يجب عليه أن يكون معتدلًا في أموره، لا إفراط ولا تفريط، سادًّا على الشيطان جميع المَنافذ التي يُمكن أن يدخل عليه منها؛ فإن الشيطان يَجري مِن ابن آدم مجرَى الدم؛ ويشمُّ منافذ الضَّعف في العبد فيَأتيه منها.

وعلى العبد أن يتحصَّن مِن عدوه الشيطان بما شُرع مِن المحافظة على الأذكار والاستعاذة بالله والبسملة، وكثرة الاستِغفار الذي يمحو الذنوب؛ ويفسد جهد هذا الشيطان الرجيم، كذلك يلجأ إلى الله ويدعوه بالدعوات المأثورة بأن يَحفظه مِن عدوِّه، وكذلك قراءة القرآن؛ وخاصَّةً السور والآيات التي ورَدت في ذلك؛ كالمعوِّذتَين والإخلاص وآية الكرسي، ونحوها.

إخوة الإيمان، وإن مما يعين العبد على السلامة من عدوه الشيطان الرجيم أن يتبصر العبد في نفسه؛ وأنه لا يَدري ما مدَّة إقامته في هذه الحياة الدنيا؛ فإن هذا يدفعه للمبادرة بالأعمال الصالحة قبل فوات الأوان؛ يقول نبيُّنا صلوات الله وسلامه عليه: «اغتنم خمسًا قبل خمسٍ؛ شبابك قبل هَرَمك، وصحَّتك قبل سقمك، وغِناك قبل فقرك، وفراغَك قبل شُغلك، وحياتك قبل موتك» [الترغيب والترهيب:4/203]، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: "إِذا أمسيتَ فلا تَنتظرِ الصَّباح، وإِذا أصبحتَ فلا تنتظرِ المساء، وخذْ مِن صحَّتك لمرضك، ومِن حياتك لمَوتِك".

كذلك مما يعين على اتقاء مكايد عدو الله الشيطان أن يفكر العبد في لذَّة الطاعة وطمأنينة النفس بها، بخلاف المعاصي التي تجلب الشَقاء والعناء والقلق ونكد العَيش، ولا شكَّ أن للطاعات أثرًا في سعادة العبد في حياته، وأن للمعاصي تأثيرًا على العبد في حياته، يَعرِف ذلك مَن اتَّصف بصفات أهل السعادة، ومَن اتَّصف بصفات أهل الشَّقاوة، والسعيد مَن وفَّقه الله واختار لنفسه سعادة الدنيا والآخِرة، والشقي مَن اختار لنفسِه طريق الشَّقاوة فخَسِر دُنياه وأُخراه.

أما إن كان قد غَرق في بحر الجهل وأنْتان المعاصي، واسْوَدَّ قلبه مِن المعاصي، وران عليه ما كسب، وأصبح لا يَعرف معروفًا ولا يُنكِر منكرًا،  فهذا لا ينجو إلا إذا استيقظ وأعاد التفكير في حقيقة أمره وحاله، في الحديث عن أبي هُريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن العبد إذا أذنب ذنبًا كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب منها صُقل قلبه، وإن زاد زادتْ؛ فذلك قول الله تعالى:{كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14]» [مسند أحمد:15/98]

 نعوذ بالله من موت القلوب؛ ومن نزغات الشياطين، وأصلح أحوالَنا ربنا الرحمنُ الرحيم، العليم الخبير. أقول ما سمعتم وأستغفر الله .........

الخطبة الثانية

عباد الله، لنعلم يقينا أن الله لا يَظلم الناس شيئًا، ولكنَّ الناس أنفسهم يَظلمون، وقد بيَّن الله سبحانه وتعالى طريقَ السعادةِ ؛ ورغَّب في سلوكه، وبيَّن طريقَ الشقاوة؛ ونهَى وحذَّر مِن سُلوكه؛ يقول جل وعلا: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]، ويقول سبحانه وتعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى . وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى . قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا . قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه: 123 – 126].

فالحياة الطيبة والحياة السعيدة هي حياة الطاعة لله، والإقبال عليه، والأُنسِ به جل وعلا. وإنَّ نكَدَ العيش وشَقاءَ الحياة في طاعة الشيطان وارتكاب معاصي الرحمن. والعبد لن يؤتى إلا مِن قِبَل نفسه؛ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8]، فعليه أن يَحتاط لنفسه؛ بعمل الصالحات، والبُعدِ عن الموبقات، ويطَّرح بين يدَي مولاه ومالكه، ويتضرَّعَ إليه بأن يوفِّقه لعمل الصالحات، وأن يجنِّبه السيئات، حتى يَفوزَ بخيرَي الدنيا والآخِرة؛ يقول جل وعلا: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الأنفال: 29].

وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الدُّنيا حُلوةٌ خضِرةٌ، وإنَّ الله تعالى مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتَّقوا الدُّنيا واتَّقوا النِّساء؛ فإنَّ أوَّل فتنة بني إسرائيل كانت في النِّساء» [رواه مسلم:2742]. ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزِنوا أنفسكم قبل أن توزَنوا". فعلى العبد أن يغتنم فرصة العمل؛ فاليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل.

اللهم أعذنا من الشيطان الرجيم، ووفقنا لصراطك المستقيم.

  • 16
  • 3
  • 9,260
المقال السابق
[30] الأعداء الثلاثة 2-3
المقال التالي
[32] الابتسامة

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً