أبو حصار وأبو حصيرة !!

منذ 2010-01-15

.. فهذا نداء متجـدّد لأمتنا العظيمة، أن تعيد وضع أزمـة حصار غزة في سلم الأوليات، وأن تسخر كلِّ طاقاتها لإثارة الغارة الشعواء على حصارها..



عجيبة هذه المفارقة بين انشغال الأمن المصري بتوفير ما يلزم من حراسة وغيرهـا لليهود الحاجّين إلى قبر (أبو حصيرة) اليهودي الذي يتبرك به اليهود، لأنـّه نجا على حصيرة من غرق سفينته المتوجّهة لحجّ أماكن اليهود المقدسة فلسطين المحتلّـة، حتّى مات في دمنهور 1880م!!!

وبين انشغال الأمن ببناء جدار فولاذي تحت الأرض، لحصار غزة، إمعانًا في التضييق على غزة الجهاد والمقاومة!!


ثـمَّ عجيب أمر أبو حصيرة هذا مع حصيرته تلك البالية التي سخرت أكبر نظام عربي لحماية حجَّاجه!!..ترى هل هي بركات حصيرتهِ؟!!... أعوذ بالله من الشرك والخرافة.. اللهم أحيينا بالتوحيد، وأمتنا على التوحيد.

لكن حقـا أيها القـوم.. ماذا لو كان قبر (أبو حصيرة) في غزة؟!.. هل ستكون من بركات حصيرته على النظام العربي أن تفتح كلِّ البوابات من رفح إلى مضيق هرمز، بل من مضيق باب المندب حتى مضيق جبل طارق!!


حقـَّا يستحق النظام العربي أن يطلق عليه نظام (أبو حصار)، ولكن لا ليُبنـى له ضريحٌ مثل ضريح أبو حصيرة للتبرّك به، بل ضريح ليُرجم كما رجم قبر أبي رغال.

لأنَّه إن كان ثمة ما يميـّز هذه الحقبة المزرية من النظام العربي، فهو جريمتـه في حصار غزة التي لا يقدر القلم أن يصفها بشاعة، ولا أن ينعتها إجراما وشناعة.

إنها جرائم التعذيب بالتجويع الجماعي والإبادة، والإهلاك للبشر، جهارًا نهارًا، أمام الخلق أجمعين، لا تخفى منها خافية.


وإنه لأمر مدهش أن تأتي رمزية الصورة مطابقة تماما للواقع السيّء للنظام العربي؛ فجدار غـزة هـو جدار من صنع أمريكي، وضـع ليفصل الأمّة عن سبيل نجاتها ونبع عزّها، وهو طريق الجهاد والمقاومة لعدوّها، ويفصمها عن نصرة بعضها، ويُنفق عليه من المال العربي، وتبنيه الأيدي العربية، ويُذبح وراءه شعبٌ عربي!!

وهذا هـو نفسه واقع الدول العربية وحدودها البائسة، وبينها الجدُر الأمريكية التي ورثها الأمريكيون من المستعمر الأوربي، تفصل الأمّة عن الأمّة، وتفصلها عن نصرها لبعضها، ويعزلها عن راية الجهاد...

ثـمَّ إنَّ الذي يكدح لبقاء هذه الجدُر هـم الشعوب العربية، يقاتلون تحت هذا الوهم الذي صنعه عدوُّهم لهم، ويسخِّرون لاستمراره كلَّ ما لديهـم من طاقات تحت شعار الوطنية الزائف الذي فرق الأمة، فلا حفظ لها كرامتها أمام الأمم، ولا هـو حفظ حتى كرامة تلك الكيانات المحصورة وراءه، ولا تلك الشعوب المخنوقة في تلك الحظائر الاستعمارية، بل تحوَّل إلى قيود ثقال في رقاب الشعوب، وحديد من أشد الأغلال يكبـّلها دون عزتها ورفعتها.


ولـم يعـد يخفى أنَّ هذا الجدار، الذي هو خنـدق يُحفر حول غـزّة الآن، إنما هو تمهيد لحرب جديدة يُعـد لها ضد غزة بعد أن فشل الصهاينة في الحرب الماضية، حرب الفرقان، والتي ضربت فيها غزة أروع الأمثلة في الصمود والثبات، والتمسك بالحـقّ والثوابت، والإصرار على مواجهة التحدّي حتى التضحية بالأرواح، والأولاد، والأموال، وكلِّ غالٍ ورخيص.

وأشد ما أقلق الصهاينة وهم يعدُّون لهذه الحرب الجديدة هو دخول السلاح إلى غزة؛ فقد أخذ أبطال القسّام وبقية فصائل المقاومة الغزيـّة المباركة على عاقتهـم أن يبدؤوا بالإعداد للحرب القادمة، منذ أوّل يوم أخزى الله فيه الصهاينة فارتدوا على أعقابهم لـم ينالوا خيرا فامتلأت غزة بالسلاح من جديد تتطلع إلى يوم النزال الجديد بثبات الرجال وصمود الأبطـال.


ومن أجل ضمان إحكام الخناق على غزة، أمر الأمريكيون والصهاينة النظام المصري بوضع جدار فولاذي غير قابل للتفجير إلى عمق كبير في الأرض وضخ المياه هناك حتى يتعذّر حفر التربة إلى الوصول إلى هذا الجدار لنقبه.

ولاريب أنَّ هذه المؤامرة الجديدة لن يرتد شرُّها إلاّ على كائدها، ولن تزداد غزة إلاّ صمودا بإذن الله، ولن يصنع الحصار الفولاذي شيئا في العزائم التي هي أقوي من الفولاذ، لن يصنع شيئا سوى أن يزيـدها إصرارا ومضاء وتمسُّكا بالحقّ.

والحمد لله الذي أكثـر الله تعالى على الأمـّة عامة، ولأهل فلسطين خاصّة، من البراهين الظاهرة الباهرة على أنَّ طريق غـزة هو الخيار الأوحد، وأنَّه ليس ثمة بديل آخر، إلاّ ما ينتهي إلى مثـل مصير عباس وزمرته، وهو أن يتحوّل الفلسطينيون إلى جنود مجنّدة للكيان الصهيوني، يُسخَّرون في تحقيق أمانيه، ثم والله لئن فعلوا ذلك فلـن ينالوا شيئا بعده، إلاّ كما ناله عرفات!!


ولقد أمعن الطرف الصهيوأمريكي من منح الدروس المجانية على أنَّ هذا هو الاتجاه الجبري للقضية الفلسطينية، إن سارت فيما يسمى (مسيرة السـلام)، منذ مؤتمـر أوسلو 93 الذي نجح في تدجين منظمة التحريـر الفلسطينية، بتحويلها إلى أنموذج جديد لأي نظام عربي، يرضى بوضع رقبته في الطوق، مقابل وضع عظمة البيت الأبيض في فمه!!

ولا تظنوا أنَّ مؤامرة أوسلو كانت لترويض عرفات ومن معه فحسب، بل كانت مشروع تزييفٍ ضخم وهائل لكلِّ العقل الفلسطيني والعربي، ولو قلت إنها كانت أكبر مشروع تزييف لعقل جماعي في العصر الحديث، لما شططت في وصفي.

لقد كان الهدف النهائي من مشروع أوسلو، هو ضـخّ ثقافة جديدة، ومفاهيم جديدة، وقوالب جديدة؛ لتنصهـر فيها كلُّ القضية الفلسطينية مثل: ثقافة الاعتدال والتطبيع، والمسار السلمي، والمفاوضات السياسية .. إلخ، ثم إعادة تنظيمها في عناوين جديدة لمواصلة الخداع، مثل خارطة الطريق، أنابوليس، كامب ديفيد الثانية.. إلخ.

وذلك لتنسخ هذه الثقافة كلِّ ما مضى من تلك الثقافة الثورية والنضالية وتمحوها من العقل والضمير الفلسطيني والعربي تماما، كما تُمحى حتى أسماء الشوارع والقرى والأزقة الفلسطينية في الكيان الصهيوني الآن.


وقد كانت المؤامرة أسطورية في مكرهـا، واشترك فيها عامّة الدول العربية، وقام كلُّ منها بدوره؛ لوضع (المؤامرة الأوسلوية) موضع التنفيذ، ولم ينسوْا حتـى دور الخطاب الديني المزيّف، الذي ضــخ ثقافة الخنوع والخضوع (لولاة الأمر الأوسلويين)، وتحريم الجهاد، وتهجين المقاومة للأجنبي.

حتـّى إذا خُيـّل للطرف الصهيوأمريكي أنَّ المؤامرة آتتْ أُكُلها، وأثمرت ما كانوا يرجون لها، انطلقت الانتفاضة الثانية مدوية كدويِّ البركان المتفجر بالغضـب، فقلبت كلَّ شيء رأسا على عقب.

فعادت مـع رهـج سنابك خيولها، ثقافة الثورة على الطغيان في أمتنا الثائـرة، يقودها ذلك الجبل الشامخ على كرسي متحرك، مؤسس مدرسة الاستشهاديين الشيخ أحمد ياسين رحمه الله.

عادت جذعـةً فتيـَّة، كزرع أخرج شطـأه فأزره، فاستغلظ، فاستوى على سوقه، حتى إذا علت، واشمخرّت، وقادتها عصبة، تسير على هيْنتها في السياسة بسيرة الحكماء، وتبطش أقطع من الجلم، في حدة الشفرة على أعناق الأعـداء، جعلت الثقافة (الأوسلوية) كأمس الذاهب، وعرت أتباعها كفضيحة الخائب.


ثـم جاؤوا بمؤامرة جديدة وهي حصار هذه الثقافـة في غزة، حتى ينفضُّ الناس عن قيادتها، وليرجعوا إلى طوق أوسلو من جديـد، فما زاد ذلك أهل غزة إلاّ إيمانا، وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، فانقلبوا بنعمة من الله، وفضل، لم يمسسهم سوء، واتبعوا رضوان الله، والله ذو فضل عظيم.

وما نرى وجوههم والله إلاَّ وجوه الصابرين، ولا منطقهم إلاّ منطق الثابتين على الحـقّ بإذن الله تعالى.


وأخيـرا..

فهذا نداء متجـدّد لأمتنا العظيمة، أن تعيد وضع أزمـة حصار غزة في سلم الأوليات، وأن تسخر كلِّ طاقاتها لإثارة الغارة الشعواء على حصارها، وأن تفعـّل كلَّ المناشط المتاحة للإسهام في فك الحصار من المظاهرات، والمؤتمرات، إلى تسيير القوافل عن طريق تركيا الأبيـِّة، وشعبها الماجـد، تركيا الإسلام والعـزّ، التي فتحت حدودها لمن يريد أن يشارك في هذا الشرف العظيم، شرف فك الحصار عن غزة.

والحمد لله الذي صبَّ على أهل غزة شآبيب الصمود، وأفرغ عليها عزيمة الأسـود، وإنَّ الناس لتشهـد أنَّ أهل غـزة قـد أدوا ما عليهم، وبيَّضوا وجـه الأمـة، ولـم يبـق إلاَّ الذي علينــا.

{وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ۚ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم} [سورة محمد: 38].

وحسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى، ونعم النصيــر.

حامد بن عبد الله العلي

أستاذ للثقافة الإسلامية في كلية التربية الأساسية في الكويت،وخطيب مسجد ضاحية الصباحية

  • 3
  • 1
  • 4,374
  • nada

      منذ
    أضحك الله سنك يوم النشور، وجعلك من الامنين حينها.. فقد بثّّ فينا مقالك عزيمة كادت تغور.. ولقد صدحت بالحق في وجه الطغاة غير هياب، فلك الله يا شيخنا وأعلى مقامك في العاملين ورزقك الشهادة في سبيله..
  • حسام الدين صلاح

      منذ
    اللهم إنا نتبرأ إليك من أفعال هؤلاء الحكام
  • nada

      منذ
    اللهم انصرالاسلام واعز المسلمين

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً