عام على الأوهام
حين قرر الرئيس الأمريكي زيارة القاهرة بعد شهور قليلة من وصوله للحكم حظيت هذه الزيارة في بلادنا باهتمام غير مسبوق على كل المستويات في انتظار خطابه الموعود من قلب القاهرة إلى العالمين العربي والإسلامي..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
حين قرر الرئيس الأمريكي زيارة القاهرة بعد شهور قليلة من وصوله للحكم
حظيت هذه الزيارة في بلادنا باهتمام غير مسبوق على كل المستويات في
انتظار خطابه الموعود من قلب القاهرة إلى العالمين العربي والإسلامي،
وهو اهتمام بدأ منذ انتخاب أوباما ووصوله إلى سدة الحكم في أكبر دولة
في العالم، وفى رأيي أن هذا الاهتمام يعكس المحنة الكبيرة التي تعيشها
الأمة اليوم على مستوى النخبة أو الجماهير، أما النخبة فالذي يقرأ أو
يسمع ما تقوله أو تكتبه هذه النخبة لا يمكن أن يتصور أنها تصلح لتشكيل
وعى جماهير أكبر دولة في العالمين الإسلامي والعربي، أما الجماهير
فموقفها يشير أنها لا قرأت تاريخ ولا فهمت قرآن .
إن المحنة تتجلى في أوضح وأكبر صورها وأصدق وأمثل تعبير عنها في أن
ينتظر إنسان عاقل من رئيس لأمريكا -أيا كان اسم هذا الرئيس أو رسمه-
أن يساعد المسلمين أو أن يرد إليهم حقوقهم الضائعة.
نعم إن الضجة التي وقعت فى بلادنا والطبول التي دقت والمواكب التي خرجت والأفراح التي أقيمت في ديار المسلمين احتفالا بانتخاب أوباما هي أصدق تعبير عن شكل ونوعية ومدى جسامة المحنة .
هذا دون الدخول في التفاصيل ودون أن نكلف أنفسنا عناء التحليل والبحث والاستقراء فيما يتعلق بظاهرة أوباما لأننا لا نحتاج إلى ذلك أصلاً فنحن نعرف جيداً كيف تدار أمريكا ومن يحكمها ونعرف قصة اللوبي وأصحاب المصالح نعرفها ونفهمها ونحفظها عن ظهر قلب.
ليس هذا فقط بل وعندنا من التاريخ والدروس والقصص ما يكفى لأن نجعل من التعويل على رئيس لأمريكا خطئاً وخطلاً لا يقع فيه عاقل منصف يتابع ولو من بعيد نشرات الأخبار ويقرأ الصحف السيارة حتى لو كانت صحفاً موجهه .
وحتى إذا أراد رئيس أمريكي أن يفعل شيئاً فإن أصول اللعبة ستمنعه على
الفور وسيجد نفسه أمام فضائح لا قبل له بها وسينبشون تاريخه وإقراره
الضريبي وحساباته البنكية وكل من التقى بهم يوما في حياته ولن يتركوه
إلا جثة هامدة بل ربما قدموا جثته للقضاء .
أقول هذا دون الدخول في التفاصيل، فإن أبى السذج إلا الدليل من
كلام وأفعال القوم قلنا لهم: اسمعوا وعوا إذن :
أما عن أوباما فوصوله إلى سدة الحكم مقصود ومرتب بعد ما أحسّ صنّاع
القرار في أميركا بحتمية (النيولوك) دون أي تغيير في المضمون بعد أن
أصبحت أمريكا في عيون العالم هي أس الفساد وأصل كل داء بعد أن ورطت
الدنيا فى أفغانستان والعراق ثم عادت وأغرقت العالم في أكبر أزمة
مالية عرفها العالم لذلك كان لابد من تغيير شكلي هائل تم صناعته
بإتقان بالغ، وللإنصاف فإن اختياره كان عبقرياً حتى أنه خدع مئات
الملايين من البشر في الداخل والخارج وأعطى الأمل لمن سحقتهم العنصرية
في الداخل ومن سحقتهم الآلة العسكرية والأزمة المالية في الخارج. أما
العقلاء الذين يقرئون ويفهمون فلم يجدوا سبباً واحداً في كلامه ولا في
أفعاله يدعوهم إلى التحليق عالياً في سماء الوهم .
إذ يكفى أن تلقى نظرة خاطفة على بعض آراء أوباما المتعلقة بالإسلام وبالقضية الفلسطينية على سبيل المثال، وستكتشف أن الرجل من الصقور الكبار وهو متشدد بامتياز.
يقول أوباما: "سأجلب معي إلى البيت الأبيض التزاماً غير قابل للشك
بأمن دولة إسرائيل والصداقة بيننا، وستبقى علاقات الولايات المتحدة
وإسرائيل مغروسة في مصالح مشتركة وقيم مشتركة وصداقة عميقة بين
الشعبين، وهذا وضع يدعمه إجماع يتعدى الأحزاب في الولايات المتحدة،
وأنا فخور بأن أكون جزءاً منه". وأكد على "ضرورة عزل حماس وحزب الله
وسوريا طالما أنها لم تتخلى عن الإرهاب ولم تعترف بإسرائيل".
هذا عن أقوال أوباما أما أفعاله فليس أولها تعيينه لرام بنيامين ايمانويل كبيراً لموظفي البيت الأبيض، والذي كان أبوه عضواً في العصابات الصهيونية المتطرفة كالأرغون واتسيل وليحي التي ارتكبت مذابح دير ياسين وغيرها من المذابح المعروفة ضد أهل فلسطين، ولا آخرها تعيينه جو بايدن نائباً له، وهو المعروف بآرائه شديدة الكراهية ضد العالم الإسلامي .
ألم أقل لكم إنها محنة كبيرة وعميقة و لكن الله غالب على أمره.
ومع ذلك فنحن المتشددون كتمنا تشددنا ولم نشأ أن نقلب فرح وصول أوباما
مأتماً وحرصنا على الكلوب فلم نضرب فيه كرسياً واحداً وتصرفنا بكل
شياكة وأمهلنا الأمل الأوبامى عاماً - وياله من عام - مر هذا العام
ومعتقل جوانتانامو الذي أقسم الإيمان الغلاظ أنه سيغلقه فلم يفعل، مر
هذا العام والمستوطنات تبنى والقدس تهود والحفريات تهدد المسجد الأقصى
والمدنيون يموتون في باكستان تحت القصف الأمريكي، مر هذا العام
والعراق لم تذق طعم الراحة .
مر هذا العام ولم تزدد بلادنا بأوباما إلا دماءًا وجثثاً وبكاءًا
وخراباً فمتى يفهم قومنا ومتى يتعلمون ومتى يستمعون لنا ؟!
يا سيد أوباما وددت لو التقيتك حين زرت بلادي لأقول لك: نحن هنا، نوع
أخر من الناس في هذه البلاد، نوع مختلف غير الذين تلتقي بهم، وغير
الذين يهللون لحضورك، وغير الذين يعولون عليك ويجعلوك الأمل ومفتاح
التغيير ورد الحقوق ويجعلون المشكلة في سلفك بوش .
نحن خلق آخر نحترم العلم والتكنولوجيا ونؤمن بأهمية التعليم والعدالة
الاجتماعية ونحرم ظلم النساء والرجال والأطفال بل والحيوان .
لا ننكر أننا مسبوقون في كثير من مجالات الحياة النافعة والمفيدة ولا
ننكر أن عندنا من الآفات والأمراض ما ساهم بنصيب كبير فيما نحن فيه،
لكننا خلق نؤمن أننا خذلنا يوم تخلينا عن سلاحنا الأول ودرعنا الأمنع
ألا وهو الاستقواء بالله والاحتماء به، وأننا خذلنا يوم وكلنا إلى
أنفسنا، وأن هذا كان يوم ضيعنا الأمانة وأعطينا ظهورنا لديننا وانتشرت
في بلادنا المخالفات، نحن خلق نؤمن بأن الأمر بيد الله يعز من يشاء
ويذل من يشاء، يؤتى الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء، وأن الأرض لله
يورثها من يشاء من عباده، ونؤمن أن العاقبة للمتقين .
نحن خلق قرأنا القرآن فحدثنا عن نهاية الظالمين والباغين وعاقبة
المسرفين وقرأنا التاريخ فحدثنا عن أتلانتيك الغارقة والفرس وبيزنطة
وإسبرطة والنازية والفاشية وشاهدنا النشرات فأنبأتنا عن تسونامى
وكاترينا وهايتى، هايتى التي يسرق مواطنوك أطفالها الآن مستغلين فوضى
ما بعد الزلزال، نحن قوم نرى الأمور بغير ما يراها قومنا ونزنها
بميزان غير الذي يزنون وتزن أنت به الأمور .
عفواً نحن نعرف من أين أوتينا ولماذا خُذلنا ونعرف أن الحل سهل ويسير
وأن خطة العلاج مجربة وموثوقة وعبقرية ويكفى أنها حولت أعرابا أجلافاً
عاشوا طويلاً حياة تافهة حولتهم إلى ملوك للدنيا في عشر سنوات .
عفواً فلن نكون في انتظارك ولن نتابع أخبار زيارتك ولن نهتم بخطابك .
خالد الشافعي
[email protected]
- التصنيف: