خطب مختارة - [91] الرافضة والصفويون والعلاقة بينهما
أن أعداء الإسلام بين عدوٍّ ظاهر وعدوٍّ خفي، والعدوُ الخفي أشد خطرًا وحقدًا من العدو الظاهر؛ لأن العدوَ الظاهرَ لا يـخفى أمرُهُ على المسلمين، فالتنبه له أسرع والحذر منه أيسر، أما العدوُ الخفي فإنه ينخرُ في العظم؛ ولا تشعر إلا وقد سقط البناء، لذلك كان شرُّه أعظمَ وأخطرَ، ووجب التحذير منه أشد التحذير.
الخطبة الأولى:
عباد الله ، اعلموا أن أعداء الإسلام بين عدوٍّ ظاهر وعدوٍّ خفي، والعدوُ الخفي أشد خطرًا وحقدًا من العدو الظاهر؛ لأن العدوَ الظاهرَ لا يـخفى أمرُهُ على المسلمين، فالتنبه له أسرع والحذر منه أيسر، أما العدوُ الخفي فإنه ينخرُ في العظم؛ ولا تشعر إلا وقد سقط البناء، لذلك كان شرُّه أعظمَ وأخطرَ، ووجب التحذير منه أشد التحذير.
إخوة الإسلام، ومن أخطر الأعداء الأخفياء على مرّ التاريخ الشيعةُ الرافضة، وقد سمّاهم علماءُ أهل السنة بالرافضة لرفضهم الإمامَ زيدَ بنَ علي بنَ الحسينِ بنَ علي بنَ أبي طالب، وذلك بعد أن أعلن خلاف ما يريدون من ولائه ومحبته لأبي بكر وعمر، وإن كان يرى أن عليا وآل البيت هم الأولى بالخلافة، مع ترضيه عن جمع الصحابة، ومن هذه الحادثة انقسم الشيعة إلى زيدية ورافضة يسمون أنفسهم بالشيعة، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه منهم براء، بل قام بتحريق الذين عبدوه منهم من دون الله.
ومن أشدِّ طوائفِ الرافضةِ الشيعةُ الإماميةُ الاثنا عشرية، وهم طائفة تتظاهر بـمحبة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وموالاتهم، وباطنهم وحقيقة عقيدتهم بغضُ عامة الصحابة؛ بل والطعنُ فيهم وتكفيرُهم، بهدف رفض الدين الحق إذ الصحابةُ هم حملة الدين عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهم يسبون الصحابة؛ وخاصة أبا بكر وعمر وعائشة رضي الله عنهما أجمعين، ومن عقائدهم: القولُ بعصمة أئمتهم؛ وأنهم يعلمون الغيب؛ والغلوُ فيهم إلى درجة صرف بعض العبادة لهم؛ كالاستغاثة بهم، ويزعمون أن القرآن ناقص، وأن القرآن له ظاهر وباطن؛ وأن علم الباطن قد اختص به الأئمة، ويرون أن أئمتهم أودعوا علما ليكملوا الشريعة إذ يرون أن الشريعة لم تكتمل، ويغالون في عليٍّ والحسنِ والحسينِ وسائرِ من جعلوهم أئمةً لهم، ويغالون في قبورهم، ويعتقدون رجعة أئمتهم من قبورهم، وبالأخص الإمام الثاني عشر الذي لم يظهر بَعْد منذ ألف ومائتين سنة تقريبا؛ ليخرج من السرداب؛ ويكونُ القائمُ في آخر الزمان؛ وأنه يذبح جميعَ خصومه السياسيّين ويعيد للمظلومين حقوقهم (ويَعْنُون بالخصوم أهلَ السنة، ويعنون بالمظلومين أنفسَهم)، ويرون أن من لم يؤمن بعقيدتهم الإماميّة فهو من النواصِب، والنواصب عندهم كفار.
إخوة الإسلام، لقد شهد الزمان على الروافض بتاريخهم الأسودِ على مرِّ العصور، وإليكم شيئًا من تاريخهم في الكيد على الإسلام والمسلمين، وكأن الزمان يدور دورتَه ويُعيدُ نفسَه، {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [الفتح: 23].
دولة الخلافة العباسية من أعظم دول الإسلام، حكمت خمسة قرون، بل وحكامها من آل البيت ومع ذلك، سقطت عام 656هـ بأسبابٍ أعظمها مكرُ الوزير الباطني الرافضيّ محمد بن العلقمي، حيث ائتمنه الوالي الخليفة المستعصم بالله وقرَّبَه، فمكر به، حتى قتل قائدُ التتار الخليفة المستعصم ومعه سبعمائةٍ من الأعيان والقضاة والعلماء، ثم دخل التتار بغداد؛ وقد فتح أبوابها لهم الوزيرُ ابنُ العلقمي، فدخلوا يقتلون وينهبون ويأسرون ويدمّرون ويحرقون، أربعين يومًا؛ حتى أصبحت بغداد التي كانت حين ذاك زهرةَ مدائنِ الدنيا أصبحت خرابًا، وقُتل فيها حوالي مليونين من المسلمين.
عباد الله، وممن مثَّل الرافضة بتاريخهم الأسود الصفويون؛ فقد جاؤا بمذهب الرافضة الإمامية، وأحيوا شعائره التي كادت أن تندثر.
والصفويّة نسبةٌ إلى الشاه إسماعيل الصفوي الذي حوّل بلاد فارس ـ إيران حاليًا ـ ذاتَ الأغلبيةِ السُنِّية إلى دولة شيعية، هذا الرجل كان يَعتبر رئيسَ الدولة الصفوية نائبًا للإمام، فكان هذا أول تمهيد لنظرية ولاية الفقيه التي هي بدل عن الإمام الغائب المنتظر، وهذه الفكرة الدينية السياسية (ولاية الفقيه) ابتدأها الهالك الخميني إمام الضلالة في هذا العصر، ثم خلفه إلى الآن خامنئي.
وقد أجبر الصفويُّ رعيتَه على اعتناق مذهب الشيعة الإمامية بالنار والحديد، ومن لم يستجِب لدعوته فمصيره القتل والتحريق، كل ذلك بهدف التميّز عن الخلافة العثمانية السنِّية؛ وتم له ذلك عام تسعمائة وسبعة للهجرة، فقد دَرّب هذا الصفويُّ جيشًا فاتكًا هدفُه القضاءُ على من رفض التشيع، فأعملَ سيفه في مدن السنة ببلاد فارس، لا يفرِّقُ بين صغير وكبير؛ ولا بين رجل وامرأة، وكان يستقصد العلماء والعباد بالقتل والتنكيل، وارتكب في ذلك مجازرَ مروِّعة؛ ومشاهدَ فظيعة؛ من بقرِ البطون وقطعِ الأنوف وحرقِ الجثث؛ وهدمِ المساجد، وكان يمتحن عامةَ الناس في سب الخلفاء الثلاثة، وأمر أن يُعلن السبُّ في الشوارع والأسواق وعلى المنابر، وحصل للمسلمين من البلاء في أنفسهم ودينهم ما لا يعلمه إلا الله، حتى ذكرت بعضُ مصادر الشيعة التاريخية أنه قتل في تلك الحِقبة أكثرَ من مليون مسلم من أهل السنة.
وقد أحيا الصفويون شعائر الرافضة، كما أضافوا طقوسًا أخرى لم يعرفها أسلافُهم؛ حتى أصبحت تلك الأفكارُ الصفويّةُ من مسلَّمات رافضة اليوم، فمِمَّا أحيا الصفويون مما بدأه أسلافُهم الاتيان بعد الشهادةِ بأن محمدًا رسولُ الله بالشهادةِ بأن عليًّا وليُّ الله. كما أحيوا أيضًا ما يسمى بالحوزات العلمية، والسجود على التربة الحسينية، وأحدثوا ما يسمى بالمواكب الحسينية في عاشوراء، وأحدثوا دفن الأموات في النجف، والحج إلى مراقد الأئمة، وطلاء أضرحتهم بالذهب والفضة، بل وتعدى الأمر إلى أن عظّموا قبرَ أبي لؤلؤة المجوسي وجعلوه مزارا، لأنه الذي قتل عدوهم الأكبر عمر الفاروق رضي الله عنه الذي أسقط امبراطوريتهم الفارسية.
عباد الله، يقول الله ومن أصدق من الله قيلا: {وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الجاثية:19]. كان رافضة العراق في عهد الصفويين يستبشرون بقيام الدولة الصفوية ببلاد فارس، وكانوا يراسلون الصفويين لتحرير العراق من حكم أهل السنة؛ وجعلها دولة إمامية، فاستجاب الصفويون لهم، وتحركت جيوشهم صوب بغداد، وقتلوا أهلها قتلة عظيمة، وخربوا دور العلم، وأحرقوا المساجد، وجعلوها مراتع لخيولهم.
واضطُر أهلُ السنة للخروج من بغداد، وفرَّ وجهاؤُهم إلى العالم الإسلامي؛ مستنجدين الأمّة ؛ ومنذرين من هذا الغُول الصفوي؛ فوصلت أخبارُ المجازرِ الصفوية إلى الخلافة الإسلامية العثمانية؛ والتي كانت مشغولة بجهاد الصليبيين في قلب أوروبا، فاضطُروا إلى عقد معاهداتٍ وصلحٍ مع تلك الدول؛ للرجوع إلى هذا العدو الذي طعنهم من جهة المشرق، وأعلنوا الجهادَ ضدَّ الصفويين، وسارت جيوشُ العثمانيين بقيادة السلطان سليم الأول لمنازلة الصفويين، والتقى الجيشان في معركة جالديران، انتهت بانتصار العثمانيين؛ وخروج الصفويين من أرض العراق؛ بعد ست سنوات من احتلالها.
أيها الإخوة، وفي الوقت الذي كان فيه الصفويون جبارين على أهلِ السنة؛ كانوا ليِّنين متوادّين مع عُبّاد الصليب؛ ولذلك استنجدوا بملوك أوروبا، وعقدوا معهم اتفاقياتٍ وتعاونٍ ضدَّ الخلافةِ الإسلامية، وكان النصارى يمدون الرافضةَ بأنواعِ السلاح والعتاد، وظلت العراقُ وعاصمتُها بغداد في سجال بين الصفويين والعثمانيين؛ لأنها بالنسبة للصفويين لها بعدٌ دينيٌ قبل أن يكون سياسيًا، ففي العراق توجد معابدهم الطائفية بكربلاء والنجف والكاظمية، ومن عقائد الصفويين تفضيلُ كربلاء على مكة؛ واعتبارُ زيارةِ قبر الحسين أفضلَ من حج بيت الله الحرام.
واستمرت الطعناتُ الصفوية والدسائسُ العدائيةُ ضدّ الخلافة الإسلامية العثمانية طوال عهد الصفويين الذي دام مائتين وخمسين سنة. وتسببت هذه المؤامرات على المسلمين في إعاقةُ الفتوحات الإسلامية في أوروبا، كما كان للتحالفات التي عقدها الرافضةُ الصفويون مع الدول الأوروبية والتسهيلات التي منحوها لهم تمهيدًا لبداية عهد الاستعمار والوجود الأوروبي في بلاد المسلمين.
تلك ـ يا عباد الله ـ بعضٌ من صفحات الرافضةِ والصفويين؛ وشيءٌ من سياساتهم الدموية وعقائدهم الضالة، {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} [البقرة: 204]. نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
مِنْ بَلَدِ العَلْمانِيَّةِ التي حاربتْ الدِّينَ في أُورُوبا، وعَزَلَتْهُ في الأَدْيرَةِ والصَّوامِعِ، من هناك... مِنْ فرنسا حَلَّقَ الطَّيرانُ الفَرنسيُ، معه شخصيةٌ دِينِيَّةٌ إلى إِيرانَ، ليكونَ هذا الرَّجُلُ رمزاً بَاقياً، وأثراً واضحاً في زَعْزَعَةِ العالمِ الإسلامي إلى اليوم. فقامتِ الثورةُ الخُمَيْنِيَّةِ على حكومةِ الشَّاهِ العَلْمانية، بمباركةٍ من فرنسا العَلمانية، وانتقلتْ إيرانُ بعدَ قرونٍ مِنْ الحاكميةِ الشَّاهِنْشَاهِيَّةِ، إلى جُمهوريةِ ولايةِ الفقيه. الذي له دورَ الإمامِ الغائبِ التي تجب طاعته وعدم مخالفته.
ولمْ يَقفِ الأمرُ عندَ هذا، بل سَعَتْ تلك الحكومةُ الخمينيةُ إلى تَصْدِيرِ ثَوْرَتِها إلى الخارجِ، والذي يَعْني نشرَ التَّشَيُّعِ، وبالأَخَصِ في العالمِ الإسلاميِّ، وهو أيضًا رسالةٌ خَفِيَّةٌ للإطاحةِ بالقياداتِ السُّنِّية؛ واستبدالِها بِزَعاماتٍ مواليةٍ للإمبراطوريةِ للفرس، فظهرت الأحزابُ السِّياسيَّةُ الشِّيعيَّةُ المعارضةُ لحكوماتِهم، كحزبِ الدعوةِ الإسلاميةِ في العراق، وحركةِ أمل وحزبِ الله في لبنان، وجبهةِ التَّحريرِ الإسلاميِّ في البحرين، والحركةِ الحوثيَّة في اليمنِ. قامت هذه الأحزاب استجابةً لأوامرِ آياتِ قُمْ، وأصبحتْ بعد ذلك صدىً للصوتِ الصَّفويِّ الفارسي.
وها هي اليوم أحداث العراق وسوريا ولبنان واليمن تعيدُ التاريخَ نفسَه؛ ليرى العالم ُكلُّه حقيقةَ هؤلاء الصفويين الْجُدُد. الذين وجدوا من مجيء التتارِ الْجُدُد واحتلالِهم لبلاد المسلمين فرصةً لا تعوَّض؛ للتحالف معه؛ ليتم لهم التنفيسُ عن أحقادهم ضدَّ أهلِ السنة، فعاثَوا ويعيثون في الأرض فسادًا كما فعل أسلافُهم من قبل.
فالواجب علينا ـ أيها المسلمون الأخيار ـ أن نعرف أعداءنا، وأن نحذر منهم، ومن الركون إليهم، إذ لا يُؤمَنون أبدًا، وعلينا أن نحذر من تضليل الكثير من وسائل الإعلام التي لا يهمُّها نصرةَ الإسلام والمسلمين؛ أو أنها لا تقوى على ذلك، وعلينا أن ندرس التاريخ لنأخذ الدروسَ والعظاتِ والعبر؛ فإنّ التاريخ يعيد نفسه؛ لأن سنن الله فيه لا تتغير ولا تتبدل.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين.
- التصنيف:
- المصدر: