مراجعات أمريكيّة في جدوى الديموقراطيّة العربيّة !

منذ 2010-04-23

ثمة مناظرات وجدالات كبيرة في المؤسسات البحثية والسياسية في واشنطن حول جدوى الضغوط الأمريكية، على النظم العربية، للسير باتجاه الديمقراطية والإصلاح السياسي، وتجري حالياً عملية تقييم للفترة الماضية التي شهدت اندفاعاً أمريكياً بهذا الاتجاه.



ثمة مناظرات وجدالات كبيرة في المؤسسات البحثية والسياسية في واشنطن حول جدوى الضغوط الأمريكية، على النظم العربية، للسير باتجاه الديمقراطية والإصلاح السياسي، وتجري حالياً عملية تقييم للفترة الماضية التي شهدت اندفاعاً أمريكياً بهذا الاتجاه.
 
في الفترة الأخيرة كانت الدراسات والمناظرات الأمريكية تدور حول ثلاثة اتجاهات فكرية- سياسية رئيسة: الاتجاه الأول "الفوضى البنّاءة"، المقرب من المحافظين الجدد، ويرى أهمية زيادة وتفعيل الضغوط الأمريكية على النظم العربية، التي تمثل، في رؤية هذا التيار، مصدراً رئيساً للإرهاب من خلال تصدير أزماتها للخارج. في حين يرى أنصار هذا الاتجاه أنّ الإصلاح، بأبعاده السياسية والاقتصادية والثقافية، هو السلاح الأنجع لمواجهة "الإرهاب"، ويدعون إلى إعادة تأهيل حركات الإسلام السياسي "المعتدلة" من خلال اندماجها في اللعبة السياسية والسلطة.
 
 
أما الاتجاه الثاني، فيدعو إلى تجديد التحالف مع النظم العربية، والتعامل مع كل دولة وفقاً لظروفها الخاصة، وعدم جعل الديمقراطية "فرصة" للحركات الإسلامية باستلام السلطة وتهديد مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، وينظرون إلى الحركات الإسلامية على أنها حلت محل الخطر الشيوعي، وأن مسؤولية الإدارة الأمريكية الآن بناء تحالفات عريضة مع مختلف القوى التقليدية والليبرالية وحتى اليسارية لمواجهة الإسلام السياسي، ويرفض دعاة هذا الاتجاه التمييز بين إسلام سياسي معتدل وآخر متطرف، فوفقاً لهم كل الحركات الإسلامية تسعى إلى هدف واحد، وهو إقامة دولة إسلامية تهدد المصالح الأمريكية، ويمثل هذا الاتجاه نخبة واسعة داخل مراكز الدراسات والمؤسسات السياسية، وبالتحديد من المقربين من إسرائيل.
 
الاتجاه الثالث يقع في رؤيته الفكرية والسياسية في الوسط بين الاتجاهين السابقين، ومعقله في الحزب الديمقراطي، ويرى أهمية أن تساهم الولايات المتحدة في نشر الديمقراطية، لكن على أن يكون ذلك وفق شروط رئيسة أهمها: التدريج والمرحلية إلى أن يقوى عود التيار الليبرالي- الديموقراطي العربي، وأن يكون ذلك وفق معادلات الاستقرار السياسي وتفضيل المصالح الأمريكية، بمعنى استئناف المعادلة التقليدية للسياسة الخارجية الأمريكية: المصالح أولاً، والديموقراطية وحقوق الإنسان ثانياً، أو ربما ثالثاً و رابعاً.
 

في السنوات الأخيرة كانت الغلبة والانتصار للاتجاه الأول، وبدا كأن خطاب الإدارة الأمريكية ينطلق من مواقفه ودراساته، وأرادت الإدارة الأمريكية أن يصبح العراق، بعد الغزو، أنموذجاً ديموقراطياً، يؤدي إلى انتشار العدوى "الديموقراطية" إلى باقي أرجاء المنطقة العربية. إلاّ أن العراق ذاته تحوّل إلى أنموذج مرعب من الفوضى والحروب الداخلية، وتراجع "الطموح" الأمريكي من عملية بناء الديموقراطية إلى إدارة الصراع الداخلي، فيما أصبح العراق مركزاً إقليمياً جديداً للقاعدة تهدد باقي الدول العربية، وإلى مسرح نفوذ إيراني، وترافق ذلك مع الفوز التاريخي لحركة حماس في فلسطين، وصعود حركات الإسلام السياسي في المنطقة.
 
أحد المخرجات الرئيسة للمناظرات والجدل الأمريكي الحالي يتمثل بتراجع قوة الضغوط الأمريكية على الدول العربية. ويعلّق د. فواز جرجس على ذلك بالقول: "على الرغم من عدم تبلور رؤية أمريكية جديدة، فإن الاتجاه العام للسياسة الأمريكية يصب حالياً في مسار التخفيف من حدة الخطاب الداعي إلى الديموقراطية". في حين يشير (هارولد لافرانشي)، محرر شؤون الشرق الأوسط في صحيفة (كريستيان سيانس مونيتور) إلى أن الرئيس بوش خفف من حدة لهجته إزاء الديموقراطية في زيارته الأخيرة لباكستان.
 
 
الإشارة ذاتها يمكن التقاطها من زيارة كوندوليزا رايس الأخيرة إلى القاهرة، فهي-وإن أشارت إلى تراجع مصري في مجال الانفتاح السياسي- لم توجه انتقادات مباشرة إلى الحكومة المصرية، بخاصة بعد تأجيل الانتخابات المحلية لمدة سنتين، بعد نتائج الإخوان اللافتة في الانتخابات. وتكفي المقارنة بين زيارة رايس الأخيرة للقاهرة والزيارة التي قبلها، التي شهدت خطابها الشهير، في الجامعة الأمريكية هناك، ليتبين لنا الفجوة الكبيرة في الضغوط الأمريكية باتجاه الديموقراطية.
في حين يقر عدد من المثقفين والخبراء أنه لا يوجد حالياً "أجوبة جاهزة" حول الضغوط من أجل الديموقراطية، وأن التغيير الذي طرأ على السياسة الأمريكية في الأيام الأخيرة لا يزال مستتراً وضمنياً، غير معلن، إلاّ أن وصف (هارولد لافرانشي) للوضع الحالي بـ"الحذر والتخفيف من الحماسة من أجل الديموقراطية" يبدو أكثر المصطلحات دقة.

من "الفوضى البناءة" إلى "الدبلوماسية التحويليّة" (الصيغة المخففة لدعوة الإصلاح الأمريكية) يبدو التراجع في الضغوط الخارجية بادياً للعيان، الأمر الذي يعيد رهانات الإصلاح السياسي في العالم العربي إلى "قوى الداخل"، ويعيد من جديد طرح الأسئلة القديمة- الجديدة: هل بإمكان هذه القوى حمل مشروع الإصلاح والدفاع عنه من دون ضغوط وتدخلات خارجية مثيرة للشك والجدل أم أن النظم العربية، على الرغم من كل علامات الكهولة والخرف، ستتمكن من احتواء القوى الداخلية ولجم طموحها؟!
أم أن الأيام القادمة كفيلة بولادة ما ليس في قراءتنا الحالية..!!

 

المصدر: محمد أبو رمان - الإسلام اليوم
  • 1
  • 0
  • 3,522

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً