حديث في الأرض وحديث في السماء
سكن عاصم إلى كلمات عبد الله ، وجلسا سويا يناجيان ربهما ، مستأنسين بتلك الكائنات التي تذكر ربها .. جلسا يناجيان ربهما في هدأت الليل .. حيث تجاب الدعوات ، وتقضى الحاجات ، وتتنزل الرحمات ..
سئما السهر ، والقيل والقال فصعدا إلى سطح وجلسا ينظران إلى السماء
... ودار حوار .
عبد الله : ما أجمل الليل ... ما أجمل صفاء السماء .. النجوم أشكال
وأشكال ... اثنان متجاورتان كأني بهما يتناجيان .. أسراً يحكيانه ؟ أم
همّاً يبثانه ؟ أم جلسة ذكر وثناء ؟
ومجموعة متلألئة الضياء . أعروس تزف ؟ .. أم بشر نجم بوليد ؟!
وأخرى وحيدة .. بعيدة شريدة .
أطريدة ؟
أم تحب الخلاء .. جلست تنظر أهل الأرض كما أنظر أهل السماء ؟
ويا سماء الله الذي رفعك بلا عمد ، ونثر النجوم فيك بلا عدد ...
عاصم : الظلمة مخيفة . تَسْتُرْ الشرَ ... تجيء بالبلاء .
عبد الله : في الظلمة حديث في الأرض وحديث في السماء .
عاصم : فيم حديث أهل الأرض وفيما حديث أهل السماء ؟
عبد الله : أقدام منتصبة ، وظهور راكعة ، وجباه ساجدة ، وعيون باكية
، وقلوب وجلة خائفة ، تناجي ربها ... تسعى في فكاك رقبتها من النار ..
تخاف أن يذهب شرفها .
عاصم : تخاف أن يذهب شرفها ؟!
عبد الله : شرف المؤمن قيام الليل ، وكم من مفرط في شرفه !! .
هذه البيوت يا عاصم لأهل الأرض كالنجوم لأهل السماء . ننظر للنجوم
والنجوم تنظر للمتهجدين ، وبين الأحبة حديث غاب عن الكثيرين .
عاصم : من الأحبة وكيف غاب حديثهم عن الكثيريين ؟
عبد الله : الأحبة هم عباد الله . كل من في الكون يسبح بحمد الله "
وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم " ، تفرح الطرقُ
بالذاكرين ، وتلعن البهائمُ العاصيين ، ويُلبي الشجرُ مع الملبين ،
وسلم الحجرُ على الرسول الأمين .
عاصم : صلى الله عليه وسلم .
عبد الله [ متابعاُ ] : صلى الله عليه وسلم ، وأَحَبَ ( أُحُدْ )
الصحابة أجمعين .
نحن يا عاصم أميون !
عاصم : كيف يا عبد الله ، وقد حصلنا على أعلى الشهادات ؟!
عبد الله : هناك من يَسمعْ ولا يَسمعْ ، ومن يَعقل ولا يَعقل ، ومن
يمشي على اثنين وهو دون ذوات الأربع !!
عاصم [ يُبَحلق ]
عبد الله [ يتابع ] : من لم تتجاوز أذنه الكلمات فلم يسمع ، ومن
عَقِلَ ولم يعمل فلم يعقل " وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في
أصحاب السعير " ، ومن لا هم إلا الطعام والشراب فهو دون ذوات الأربع
.
سكن عاصم إلى كلمات عبد الله ، وجلسا سويا يناجيان ربهما ، مستأنسين
بتلك الكائنات التي تذكر ربها .. جلسا يناجيان ربهما في هدأت الليل ..
حيث تجاب الدعوات ، وتقضى الحاجات ، وتتنزل الرحمات :
اللهم غارت النجوم ، وهدأت العيون وأنت حي قيوم .. أنت أحق من عبد ،
وأنت أحق من ذُكِر .. وأنصر من ابتغي .. وأرفأ من مَلَكْ .. أنت الملك
لا شريك .. والفرد الذي لا ندّ لك ، تطاع فتشكر ، وتعصى فتغفر ،
القلوب لك مفضية ، والسر عندك علانية ، الحلال ما أحللت والحرام ما
حرمت ، والدين ما شرعت ، وأنت الله لا شريك لك .
اللهم اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم ...
محمد جلال القصاص
[email protected]
- التصنيف: