دور المرأة المسلمة في تنشئة الجيل الصالح

منذ 2016-05-12

الأمة بأبنائها وبناتها، بأجيالها البناءة المهيأة لنشر راية الإسلام خفاقة ودحر عدوان ملل الكفر والطغيان. إن بناء الأجيال هو الذخر الباقي لما بعد الموت... وهو لذلك يستحق التشجيع والاهتمام أكثر من بناء القصور والمنازل من الحجارة والطين. وحيث إن التربية ليست مسؤولية البيت وحده؛ إذ هناك عوامل أخرى تساهم في تربية الأجيال، فسوف نتناول الدور التربوي للمرأة المسلمة في تنشئة الجيل الصالح.

الأمة بأبنائها وبناتها، بأجيالها البناءة المهيأة لنشر راية الإسلام خفاقة ودحر عدوان ملل الكفر والطغيان. إن بناء الأجيال هو الذخر الباقي لما بعد الموت... وهو لذلك يستحق التشجيع والاهتمام أكثر من بناء القصور والمنازل من الحجارة والطين.

وحيث إن التربية ليست مسؤولية البيت وحده؛ إذ هناك عوامل أخرى تساهم في تربية الأجيال، فسوف نتناول الدور التربوي للمرأة المسلمة في تنشئة الجيل الصالح.

إنه لحلمٌ يراود كل أم مسلمة تملّك الإيمان شغاف قلبها، وتربع حب الله تعالى وحب رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم على حنايا نفسها، أن ترى ابنها وقد سلك سبل الرشاد، بعيداً عن متاهات الانحراف، يراقب الله في حركاته وسكناته، أن تجد فلذة كبدها بطلاً يعيد أمجاد أمته، عالماً متبحراً في أمور الدين، ومبتكراً كل مباح يسهّل شأن الدنيا.

إنها أمنية كل أم مسلمة، أن يكون ابنها علماً من أعلام الإسلام، يتمثل أمر الله تعالى في أمور حياته كلها، يتطلع إلى ما عنده عز وجل من الأجر الجزيل، يعيش بالإسلام وللإسلام.

وسيبقى ذلك مجرد حلم للأم التي تظن أن الأمومة تتمثل في الإنجاب، فتجعل دورها لا يتعدى دور آلة التفريخ! أو سيبقى رغبات وأماني لأم تجعل همها إشباع معدة ابنها؛ فكأنها قد رضيت أن تجعل مهمتها أشبه بمهمة من يقوم بتسمين العجول! وتلك الأم التي تحيط أبناءها بالحب والحنان والتدليل وتلبية كل ما يريدون من مطالب سواء الصالح منها أو الطالح، فهي أول من يكتوي بنار الأهواء التي قد تلتهم ما في جعبتها من مال، وما في قلبها من قيم، وما في ضميرها من أواصر؛ فإذا بابنها يبعثر ثروتها، ويهزأ بالمثل العليا والأخلاق النبيلة، ويقطع ما أمر الله به أن يوصل.

والأم المدلّلة أول من يتلقى طعنات الانحراف؛ وأقسى الطعنات تتمثل في عقوق ابنها. ولنا أن نتساءل عن أهم ما يمكن للأم أن تقدمه لأبنائها.

أولاً: الإخلاص لله وحده:
إن عليها قبل كل شيء الإخلاص لله وحده؛ فقد قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ} [البينة:5]، فاحتسبي أختي المؤمنة كل جهد تكدحينه لتربية الأولاد، من سهر مضنٍ، أو معاناة في التوجيه المستمر، أو متابعة الدراسة، أو قيام بأعمال منزلية... احتسبي ذلك كله عند الله وحده؛ فهو وحده لا يضيع مثقال ذرة، فقد قال جل شأنه: {وَإن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47] فلا تجعلي للشيطان سلطاناً إن قال: أما آن لك أن ترتاحي؟!

فالرفاهية والراحة الموقوتة ليست هدفاً لمن تجعل هدفها الجنة ونعيمها المقيم.

والمسلمة ذات رسالة تُؤجَر عليها إن أحسنت أداءها، وقد مدح الرسول صلى الله عليه وسلم المرأة بخصلتين بقوله: «خير نساء ركبن الإبل نساء قريش: أحناه على ولد في صغره، وأدعاه على زوج في ذات يده» [1].

ثانياً: العلم:
والأم المسلمة بعد أن تحيط بالحلال والحرام تتعرف على أصول التربية، وتنمي معلوماتها باستمرار.

قال تعالى: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114] فهذا ديننا دين يدعو إلى العلم، فلماذا نحمّل الإسلام قصور تفكيرنا وتخلفنا عن التعلم، ليقال: إن الإسلام لا يريد تعليم المرأة... وإن الإسلام يكرس جهل المرأة؟!

لا... إن تاريخنا الإسلامي يزخر بالعالمات من مفسرات ومحدثات وفقيهات وشاعرات وأديبات. كل ذلك حسب هدي الإسلام؛ فلا اختلاط ولا تبجح باسم العلم والتحصيل!

فالعلم حصانة عن التردي والانحراف وراء تيارات قد تبهر أضواؤها من لا تعرف السبيل الحق، فتنجرف إلى الهاوية باسم التجديد والتحضر الزائف، والتعليم اللازم للمرأة، تفقهاً وأساليب دعوية، مبثوث في الكتاب والسنة. ومما تحتاج إليه المرأة في أمور حياتها ليس مجاله التعلم في المدارس فحسب، وإنما يمكن تحصيله بكل الطرق المشروعة في المساجد، وفي البيوت، وعن طريق الجيران، وفي الزيارات المختلفة. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما بال أقوام لا يفقّهون جيرانهم ولا يعلّمونهم ولا يعظونهم ولا يفهمونهم؟! ما بال أقوام لا يتعلمون من جيرانهم ولا يتفقهون ولا يتعظون؟ والله لَيُعلّمن قوم جيرانهم ويفقهونهم ويعظونهم ويأمرونهم وينهونهم، وَلَيتَعلّمنّ أقوام من جيرانهم ويتعظون أو لأعاجلنهم بالعقوبة» [2]. فهيا ننهل من كل علم نافع حسب ما نستطيع، ولنجعل لنا في مكتبة البيت نصيباً؛ ولنا بذلك الأجر إن شاء الله.

ثالثاً: الشعور بالمسؤولية:
لا بد للمرأة من الشعور بالمسؤولية في تربية أولادها وعدم الغفلة والتساهل في توجيههم كسلاً أو تسويفاً أو لا مبالاة.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6] فلنجنب أنفسنا وأهلينا ما يستوجب النار.

فالمحاسبة عسيرة، والهول جسيم، وجهنم تقول: هل من مزيد؟! وما علينا إلا كما قال عمر رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا، وتجهزوا للعرض الأكبر".

ولن ينجي المرأة أنها ربت ابنها لكونها طاهية طعامه وغاسلة ثيابه؛ إذ لا بد من إحسان التنشئة، ولا بد من تربية أبنائها على عقيدة سليمة وتوحيد صافٍ وعبادة مستقيمة وأخلاق سوية وعلم نافع.

ولتسأل الأم نفسها: كم من الوقت خصّصتْ لمتابعة أولادها؟ وكم حَبَتهم من جميل رعايتها، ورحابة صدرها، وحسن توجيهاتها؟!

علماً بأن النصائح لن تجدي إن لم تكن الأم قدوة حسنة!

فيجب أن لا يُدْعى الابن لمكرمة، والأم تعمل بخلافها. وإلا فكيف تطلب منه لساناً عفيفاً وهو لا يسمع إلا الشتائم والكلمات النابية تنهال عليه؟! وكيف تطلب منه احترام الوقت، وهي أي أمه تمضي معظم وقتها في ارتياد الأسواق والثرثرة في الهاتف أو خلال الزيارات؟! كيف.. وكيف؟

أختي المؤمنة: إن ابنك وديعة في يديك، فعليك رعايتها، وتقدير المسؤولية؛ فأنت صاحبة رسالة ستُسألين عنها، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].

أما متى نبدأ بتوجيه الصغير؟! فذلك إذا أحس الطفل بالقبيح وتجنبه، وخاف أن يظهر منه أو فيه، فهذا يعني أن نفسه أصبحت مستعدة للتأديب صالحة للعناية؛ ولهذا يجب أن لا تُهمل أو تُترك؛ بل يكون التوجيه المناسب للحدث بلا مبالغة، وإلا فقدَ التوجيهُ قيمته. وفي كل تصرف من تصرفات المربية وكل كلمة من كلماتها عليها أن تراقب ربها وتحاسب نفسها لئلا تفوتها الحكمة والموعظة الحسنة، وأن تراعي خصائص النمو في الفترة التي يمر فيها ابنها، فلا تعامله وهو شاب كما كان يعامل في الطفولة لئلا يتعرض للانحراف، وحتى لا تُوقِع أخطاءُ التربية أبناءنا في متاهات المبادئ في المستقبل يتخبطون بين اللهو والتفاهة، أو الشطط والغلو؛ وما ذاك إلا للبعد عن التربية الرشيدة التي تسير على هدي تعاليم الإسلام الحنيف؛ لذلك كان تأكيدنا على تنمية معلومات المرأة التربوية لتتمكن من معرفة: لماذا توجه ابنها؟ ومتى توجهه؟ وما الطريقة المثلى لذلك؟

رابعاً: لا بد من التفاهم بين الأبوين:
فإن أخطأ أحدهما فليغضّ الآخر الطرف عن هذا الخطأ، وليتعاونا على الخير بعيداً عن الخصام والشجار، خاصة أمام الأبناء؛ لئلا يؤدي ذلك إلى قلق الأبناء، ومن ثم عدم استجابتهم لنصح الأبوين.

خامساً: إفشاء روح التدين داخل البيت:
إن الطفل الذي ينشأ في أسرة متدينة سيتفاعل مع الجو الروحي الذي يشيع في أرجائها. والسلوك النظيف بين أفرادها.

والنزعات الدينية والخلقية إن أُرسيت قواعدها في الطفولة فسوف تستمر في فترة المراهقة ثم مرحلة الرشد عند أكثر الشباب، وإذا قصّر البيت في التربية الإيمانية، فسوف يتوجه الأبناء نحو فلسفات ترضي عواطفهم وتشبع نزواتهم ليس إلا.

فالواجب زرع الوازع الديني في نفوس الأبناء، ومن ثَمّ مساعدتهم على حسن اختيار الأصدقاء؛ وذلك بتهيئة الأجواء المناسبة لاختيار الصحبة الصالحة من الجوار الصالح والمدرسة الصالحة، وإعطائهم مناعة تقيهم من مصاحبة الأشرار.

سادساً: الدعاء للولد بالهداية وعدم الدعاء عليه بالسوء:
عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم؛ لا توافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاء فيستجاب لكم» [3].

وأولاً وأخيراً: ينبغي ربط قلب الولد بالله عز وجل لتكون غايته مرضاة الله والفوز بثوابه {فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ} [الأنبياء:94]. وهذا الربط يمكن أن تبثه الأمهات بالقدوة الطيبة، والكلمة المسؤولة، والمتابعة الحكيمة، والتوجيه الحسن، وتهيئة البيئة المعينة على الخير، حتى إذا كبر الشاب المؤمن تعهد نفسه: فيتوب عن خطئه إن أخطأ ويلتزم جادة الصواب، ويبتعد عن الدنايا، فتزكو نفسه ويرقى بها إلى مصافِّ نفوس المهتدين بعقيدة صلبة وعبادة خاشعة ونفسية مستقرة وعقل متفتح واعٍ وجسم قوي البنية، فيحيا بالإسلام وللإسلام، يستسهل الصعاب، ويستعذب المر، ويتفلت من جواذب الدنيا متطلعاً إلى ما أعده الله للمؤمنين المستقيمين على شريعته: {إنَّ الَذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [ فصلت:30].

كانت ابنة هادئة مهذبة يجللها الحياء. وبعدما دخلت المرحلة المتوسطة بدا التغير عليها...
رآها والدها وقد لوّنت إحدى خصال شعرها باللون الأخضر، فلما سأل والدتها عن ذلك مستغرباً قالت: ما العمل؟! هكذا تفعل معلمتها في المدرسة؛ إذ تلوّن خصلة شعرها حسب لون فستانها! ثارت ثائرة الرجل، وما كان منه إلا أن أقسم أن لا يعلّم بنتاً له بعد اليوم!!

رويدك أيها الأب الغيور! فبالعلم حياة القلوب ولذة الأرواح، وبه يُعرف الدين ويكشف عن الشبهات.

إن ديننا الإسلامي دين علم، وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كانت عَلَماً في ذلك؛ حيث حفظت وروت كثيراً من الأحاديث النبوية داخل المنزل الشريف. ومثلها كانت أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن وذلك استجابة لهدي هذا الدين:

- عن الشفاء رضي الله عنها قالت: دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة رضي الله عنها فقال لي: «ألا تعلّمين هذه رقية النحلة كما علمتِها الكتابة؟» [4].

فالعلم مطلب شرعي للرجل والمرأة على السواء. فلماذا نضيّق واسعاً، ونحمّل الأجيال وزر معلمات كن قدوة سوء؟! نحن بحاجة إلى القدوة الحسنة، وغرس التعاليم الشرعية الصحيحة.

- يجب أن لا يُهمل تعليم البنات؛ فقد قيل: تعليم رجل واحد هو تعليم لشخص واحد، بينما تعليم امرأة واحدة يعني تعليم أسرة بكاملها. وبتعليم بناتنا وتنشئتهن النشأة الصالحة نردم الهوة الكبيرة التي تفصل أمتنا عن التقدم في كثير من ديار المسلمين.

بل إن ديننا الإسلامي بلغ فيه حب العلم والترغيب في طلبه أن دعا إلى تعليم الإماء من نساء الأمة؛ كي تزول غشاوة الجهل، وتسود المعرفة الواعية، وقبل ذلك ليُعبد الله على بصيرة وتستقيم الأجيال على أمر الله.

وفيما رواه الإمام البخاري رحمه الله قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أيما رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن تعليمها، وأدبها فأحسن تأديبها، ثم أعتقها فتزوجها فله أجران» [5].

هذا إذا روعي في التعليم المنطلقات الشرعية.

وقد عرف أعداؤنا أهمية العلم؛ فأسرعوا إليه؛ ولكن على أسس علمانية، وعرفوا أثر المعلمة؛ فعملوا على إفسادها، وبإفسادها أضلوا الأجيال منذ مطلع هذا القرن. ومما يؤسف له أن العلمانيين والملاحدة قد سبقوا أصحاب العقيدة السليمة إلى تعليم المرأة، فعاثت نساؤهم في العالم الإسلامي تخريباً وإفساداً نتيجة لما يربين عليه الأجيال من مبادئ ضالة ومضلة، وكان لتأسيسهن الجمعيات النسائية الدور الكبير في صرف بناتنا عن طريق الهدى والرشاد.

فلا بد من بديل إسلامي لنحصن بناتنا بالتربية الرشيدة، حتى لا يكون موقفنا مجرد النقد واللوم، وذلك بالتعليم النافع، وأساليب الدعوة الجادة بين بنات جنسهن.

- لا بد من إعداد المرأة إعداداً مناسباً لرسالتها باعتبارها أنثى؛ إضافة إلى العلوم الشرعية الواجب عليها تعلمها، فإذا أتقنت ذلك وكانت ممن أوتي موهبة غنية، وعقلاً خصباً، وفكراً نيراً، وتعلمت غير ذلك من العلوم والفنون فإن هذا حسن؛ لأن الإسلام لا يعترض سبيلها ما دامت لا تتعدى حدود الشرع الحنيف.

وقد كانت نساء السلف خير قدوة في التأدب والحياء خلال خروجهن وتعلمهن؛ إذ كانت المرأة المسلمة تتعلم ومعها دينها يصونها، وحياؤها يكسوها مهابة ووقاراً بعيداً عن الاختلاط والتبذل.

أَمَا وقد تمثل التعليم في عصرنا في المدارس الرسمية، فلا بد أن تتولى المرأة تعليم بنات جنسها، لا أن تعلم المرأة في مدارس الذكور أو في مدارس مختلطة، ولا أن يعلم الرجل في مدارس الإناث؛ فذلك من أعمال الشياطين.

وحتى في ديار الغرب المتحلل بدأت صرخات مخلصة تدعو إلى التراجع عن التعليم المختلط بين الجنسين وتنادي بالعودة إلى الفطرة السليمة التي تنبذ الاختلاط. لقد تبين بعد دراسات عديدة أن البنين والبنات يحتاجون إلى معاملة مختلفة؛ نظراً للاختلاف في تطورهم الجسمي والذهني، كما أن الاختلاط يجرّ إلى ما لا تحمد عقباه من مفاسد يندى لها الجبين؛ هذا فضلاً عن اختلاف المادة الدراسية التي يحتاجها كل من البنين والبنات.

- فالمنهج المدرسي للفتاة ينبغي أن يتناسب مع سنها مما يعدّها لوظائفها الأصلية: ربة بيت، أمّاً، وزوجة؛ لتضطلع بمهمتها التي تنتظرها، وتقوم بأدائها بطريقة سليمة؛ مما يهيئ الحياة الناجحة لها ولأسرتها المقبلة، ويجنبها العثرات، ويجعلها داعية خير تتفرغ وأخواتها المؤمنات لوظيفة إعداد النشء الصالح، وأنْعمْ بها من وظيفة لإعداد الأجيال، لا لجمع الأموال وتتبع مزاجيات الفراغ!

- الواجب أن تكون معلمات الأجيال المسلمة نخبة صالحة تحمل همّ الإسلام، وتسير بخطوات إيجابية في تعليم الأجيال المسلمة وتثقيفها، وتزويد بناتنا بأساليب التربية التي تفيدهن مستقبلاً، لا بحشو الأذهان بقضايا لا تفيد ولا تغني في الحياة العملية شيئاً.

إنها خير منقذ لطالباتها من الوقوع في أحضان الانحراف والإلحاد؛ فهي تعلمهن الفضيلة بسلوكها وأقوالها: تنمي شخصيتهن، وتشحذ عقولهن، وتنقل إليهن الحقائق العلمية مع حقيقة ثابتة وهي: أن نجاح الجيل وتفوّقه لا يتمثل إطلاقاً في مدى ما يحفظ، بل فيما يعي ويُطبّق، ثم إن التفوق في الدراسة ليس غاية وهدفاً... بل الفائز حقاً هو من فاز بالدار الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن.

هذا؛ ومع أننا نرفض أن تكون أجيالنا ضحايا الإهمال واللامبالاة، فإننا نؤكد على الأم المعلمة؛ إذ عليها أن تقوم أولاً بواجبها الأساس كزوجة صالحة، وأم مربية تحسن تربية أولادها، ومن ثم تربي أولاد الآخرين، ولا تنسى أن فرض العين أوْلى من فرض الكفاية.

- وقد حدد علماؤنا القدماء صفات المعلم المسلم في التعامل مع طلابه، وذكروا أفضل الآداب لاتباعها، وعلى ضوء تلك الآداب؛ فعلى المعلم أو المعلمة:

إخلاص النية لله تعالى: وأن تقصد بتعليمها وجه الله وتحتسب الثواب منه وحده، وتتطلع إلى الأجر الجزيل الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله» [6].

فلا تعمل لأجل المكانة ولا لمدح الناس ولا للراتب وحده، وإنما عملها في سبيل الله، وتكون قدوة للناشئات في ذلك، وإلا... فإن فاقد الشيء لا يعطيه، وأنّى للأعمى أن يقود غيره ويرشده للطريق السليم؟!

أن تقوم بعملها وتربي الأجيال على أدب الإسلام: فيتعلمن العلم ويتعلمن الأدب في آن واحد؛ وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:2].

أمّا أن تأتي الطالبة كل يوم بقصة جديدة حدثتها بها معلمتها مما ينبو عن الذوق السليم، أو بتقليعة جديدة جاءت بها إحدى المدرّسات مما تتنافى مع ديننا، فهذا أسلوب من أساليب الهدم لا البناء!

على معلمتنا المسلمة أن تنضبط بتعاليم الشرع، ولا تستهين بمخالفته مهما بدت المخالفة بسيطة؛ فإن ذلك السوء ينطبع في نفس الجيل ويصعب بعد ذلك إزالته.

 أن تكون حسنة المظهر تهتم بحسن هندامها باعتدال؛ فالمظهر الأنيق يعطي نتائج إيجابية في نفس الطالبة فتحترم معلمتها، ويعين ذلك على العمل بنصائحها، والعكس صحيح... وأن تركز على أن يعتاد الجيل الاهتمام بالجوهر لا المظهر، مع الابتعاد عن توافه الموضات المتجددة.

وليس من الإسلام أن تكون أحاديث طالبات المدارس مقتصرة على زي المعلمة وتسريحة شعرها، وجمال فستانها، وهاتفها الجوال الظاهر للعيان. وللأسف؛ فإن بعض المدرسات يتبادلن أشرطة الأفلام والمجلات الإباحية مع بعض الطالبات؟! فيا لخيبة مسعاهن!

 أن تتحلى بمكارم الأخلاق التي يدعو لها الدين ولا سيما الصبر فتحسن التلطف في تعليم الطالبات مما يجعلهن بعيدات عن التجريح والتشهير؛ فتكون بحق داعية بالحكمة والموعظة الحسنة عملاً بقوله تعالى: {ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125].

والمدرّسة الحكيمة تنوّع في الطريقة التي تخاطب بها طالباتها حسب مقتضى الحال، وحسب سن الطالبات، ولا يفوتها أن التعامل الطيب الحنون يجذب الطالبات إليها وإلى المبادئ التي تنادي بها... وليس من الدين الجفاف في المعاملة أبداً! فالمعلمة كالأم الرؤوم تتعاطف مع تلميذاتها وتشفق عليهن وتشجع المجيدة منهن، ولتذكر أن نتائج التشجيع والمدح أفضل من التوبيخ والتقريع؛ فتشحذ همة طالباتها نحو الخير ببث الثقة في أنفسهن، وتحبيبهن بالفضائل دون أن تثبط عزيمتهن.

وإن احتاجت إلى عقوبتهن أو تنبيههن يوماً مّا فلتجعل الطالبات يشعرن أن العقوبة إنما هي لأجل مصلحتهن، ولو كانت بشكل غير مباشر؛ فإن ذلك أشد تأثيراً، ولتشعرهن أنها حريصة عليهن وعلى سمعتهن ومستقبلهن، ولتربط توجيهاتها بالدين وسلوك السلف الصالح؛ ليصبح الدافع الأساس في أعمالهن هو الدين لا المصلحة ولا المجتمع... وكل ذلك باعتدال من غير مبالغة لئلا يؤدي إلى نتائج عكسية.

ولتكثر المعلمة من ذكر نماذج نساء السلف الصالح في الأجيال الخيّرة حتى تبتعد الأجيال الجديدة عن الانبهار بنساء الغرب المنحلّ.

ومن صفات المعلمة المسلمة التواضع: فذلك من خلق الإسلام وقد قال تعالى لنبيه الكريم: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ} [الشعراء:215]. فتبتعد عن المفاخرة والمباهاة، وإلا أصبحت أضحوكة حتى أمام طالباتها اللاتي يزهدن فيها وفيما تدعو إليه. والمعلمة التي تعامل طالباتها بصلف وكبرياء لن تجني غير كرههن لها، والمعلمة التي تسخر من طالباتها ولو بالهمز واللمز تترك جرحاً غائراً في نفس أولئك الطالبات. فأين هي من أدب الإسلام الذي حذر من تلك المثالب بقوله تعالى: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} [الهمزة:1]. وأين القدوة الواجبة عليها والمنتظرة منها؟!

وأن تكون المعلمة يقظة في رسالتها: فهي يقظة لجزئيات المنهج المدرسي لتستفيد منها كما يجب، وتوظفها لخدمة عقيدتها؛ فلا يُدرس العلم بمعزل عن العقيدة.

وينبغي أن تكون المعلمة يقظة لما يتجدد من أحداث يومية: فلا تدعها تمر دون استفادة منها، بل بالطرْق والحديدُ ساخن كما يقال فتعلق على الحادثة التعليق المناسب في حينه. وعليها أن تلاحظ تصرفات طالباتها، فتزجرهن عن سيّئ الأخلاق، وترغّبهن في حسنها بطريقة سليمة ولا تلجأ للتصريح إذا نفع التلميح. 

تستفيد من النظريات التربوية: شريطة أن تتناسب مع قيمنا، فتستثير أذهان طالباتها بالأسئلة الموجهة والمفيدة، مما ينمي شخصياتهن وينقل الحقائق العلمية لعقولهن.

وعليها أن تشجع ذوات المواهب والكفاءات بالثناء على أعمالهن وتصرفاتهن، ولتذكر أن بدايات الابتكار على مقاعد الدراسة. 

تتعاون مع زميلاتها المدرسات: فالتفاهم والوئام بين أعضاء الأسرة المدرسية يفسح للمديرة القيام بعملها ومتابعة العملية التعليمية، والارتفاع بمستوى الأداء الوظيفي... بدلاً من أن يكون عملها حل المشكلات التي تعملها المدرسات الفارغات.

تتعاون مع أسر الطالبات: فهن شريكات في عمل واحد، وعلاقتها مع الأم علاقة محبة وتقدير وتعاون لما فيه خير الطالبات، فتساعد على تثقيفهن؛ ويتم ذلك من خلال حلقات إرشادية للأمهات؛ فتعقد المدرسة الندوات وتقيم المحاضرات التي تُدعى لها الأمهات، سعياً لتضافر الجهود، لوضع الأجيال أمام رؤية واضحة للحياة ألا وهي: العمل لمرضاة الله تعالى، وإلا فما تبنيه المدرسة يمكن أن تهدمه الأسرة والعكس صحيح.

أخواتي المعلمات: إن رسالتكن جليلة وهي أمانة في أعناقكن وسيسألكن عنها رب العباد. إنها رسالة إعداد الأجيال المؤمنة بربها وصد كل هجوم فكري يحاول التسلل إلى حصوننا، وغرس الفضائل السامية في النفوس، والعلوم النيرة في العقول.

والمعلمة الصالحة لن تنساها طالباتها، بل تبقى في ذاكرتهن يشدن بأمجادها وفضائلها، ويأتسين بجميل خصالها {وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الأنعام:32].

المرأة والمجتمع:
إن كثيراً من الفتيات، ما إن تنتهي إحداهن من الدراسة النظامية حتى تهجر الكتب، بل والمطالعة عموماً، وتنتكس إلى الأمية لارتباطها المعدوم بالكتاب، وتصبح اهتماماتها المحدودة لا تتعدى لباسها وزينتها والتفنن في ألوان الطعام والشراب، وهي هموم دنيوية قريبة التناول، لا غير.

- المرأة المسلمة عضو في مجتمع الإسلام، فهي مؤثرة ومتأثرة به، لا شك في ذلك؛ فهي ليست هامشية فيه أو مهملة، ولا يصح بحال أن تكون سلبية أو اتكالية، وإن كان الأمر كذلك فهو الجحود عينه، والنكران للجميل، والابتعاد عن الإيثار والتضحية. أمتنا الإسلامية تنتظر من يعيد لها أمجادها من أبنائها البررة وبناتها الوفيات.

- وللمسلمة حضور اجتماعي واضح في كل ما هو نافع، وهكذا ينبغي أن يكون.  فعليها أن تضع نصب عينيها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا تكونوا إمعة تقولون: إن أحسن الناس أحسنّا، وإن ظلموا؛ ظلمنا ولكن وطّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا» [7].

- للمرأة رسالة تربوية هادفة للرقي بمجتمعها...
 وتبدأ هذه الرسالة بإيفاء حق جيرانها، فتعلّم الجاهلة ما تحتاجه لدينها ودنياها، وفي ذلك خدمة تؤديها للأجيال الناهضة؛ فتصبح اجتماعات الجارات ليست للقيل والقال، بل للارتفاع بأسرنا المسلمة من الاهتمامات السطحية الساذجة إلى آفاق سامية؛ فكل حديث يمكن أن تحوّله المسلمة الصالحة إلى حديث هادف، حتى الحديث التافه لن تعدم المسلمة اللمّاحة أن تحوله للعبرة والتأمل، والجارات الصالحات يتدارسن أفضل السبل لتربية أولادهن وحل مشاكلهن.

ومن الصور المشرقة في التعاون بين الجارات:
أن أحد الأبناء كان يسرق المال من جيب أبيه وينفقه على ثلة من أصحابه الذين كانوا يشجعونه على ذلك العمل المشين.

عرفت الأم ذلك عن طريق جارتها الناصحة التي ساعدتها في اجتياز الأزمة، بمدارسة المشكلة والنظر في جذورها، ومن ثم احتواؤها وإيجاد الحل المناسب.

ومن ذلك أن امرأة كانت تكمل دراستها العليا، وحيث إن لها أطفالاً بحاجة إلى رعاية، فقد تكفلت جارتها بالعناية بأطفالها تحتسب الأجر: أجر الإحسان إلى الجار، وأجر تخفيف الكربة عن جارتها التي من الممكن أن تتعرض لضغوط نفسية عصيبة لو لم تجد الصدر الحنون من جارتها المسلمة.

وبالمقابل يجب أن لا ننسى الفضل لأهله، فكلتاهما تشارك في الأجر. وهذه إحدى صور التضامن بين الجيران بدلاً من الجفاء الذي عم وطم.

- ومن مهام المرأة المسلمة أن توطد العلاقات الحميمة بين الأقارب: من صلة للأرحام، وزيارة للمرضى، ومشاركة في الأفراح... وغير ذلك من أعمال الخير مما يشيع روح التعاون والمحبة، فتنشأ الأجيال على مُثُل الإسلام، وقيمه السامية، بالتعامل الطيب وبالمحاكاة الودودة. وعلى المرأة المسلمة أن تشجع كل بادرة خيرة تبدو من أجيالنا الناشئة، فتهنئ بنجاحهم، وتفرح لتفوقهم.

أمّا ما نسمعه عن خروج التافهات إلى الساحات العامة ليشجعن المباريات؛ فذلك ليس من التشجيع المشروع؛ فضلاً عن أنه لا يدل بحال على وعي المرأة لما يناسبها من مهام.

- وبالمقابل أن تتيح الفرصة لمناقشة الصغار وسماع آرائهم وتقدير أعمالهم الناجحة دون ضجر، ولنذكر أن من يعتبره بعض الناس طفلاً كثير الثرثرة قد يكون ممن له شأن في المستقبل، وكثرة أسئلته ما هي إلا دليل على قوة ملاحظته، وتعبير عما يجيش في نفسه التواقة للمعرفة والاطلاع. ولا ننسى الأثر الطيب في توجيه الصغار وتشجيعهم.

سمعنا أن محاضِرة كانت تتحدث بطلاقة تبهر كل من تسمعها من بنات جنسها، وكان من أكثر ما أثر فيها أن جاراتها ومعارف أبيها كانوا يستمعون لخطبها ويشجعونها وهي لا تتعدى السادسة من عمرها. فعلينا ألا نبخل بكلمة طيبة نشجع بها صغارنا؛ فالكلمة الطيبة صدقة، والتوجيه الهادف لن يعدم له أثر، والكلمة المخلصة تصل إلى القلوب بلا حواجز.

من المهام الأساسية للمرأة المسلمة أن تساهم في تحصين الأجيال بالثقافة الأصيلة والعقيدة الصحيحة، ولا تترك قيادة الأجيال بيد العابثات اللاتي يركبن كل موجة من أجل الوصول إلى أهدافهن في تخريب النشء. فمن خلال مشاركتها في المراكز الثقافية وعدم ترك هذا المجال الهام لغيرها من صاحبات المذاهب الهدامة. ممن جعلن همهن أن تكون هذه المراكز بؤرة للإفساد ووسيلة للتخريب.

ومن الصور المشرفة مساهمة المسلمة في الجمعيات النسائية الخيرية لتحافظ على وجهتها السليمة من خلال مشاركتها بما تقدر عليه، بالمحاضرات والندوات والنشاطات الاجتماعية الطيبة والمتنوعة؛ فتصبح تلك فرصة طيبة لها للتعلم والتعليم وتوجيه الأجيال، فتستفيد وتفيد في آن واحد، ورب كلمة طيبة ونصيحة مخلصة تأخذ بيد الأمهات والمعلمات والمربيات نحو الخير، وتبعدهن عن الأخطار التربوية، وتصل بالنشء إلى التقدم والفلاح.

إننا إذ نطلب مساهمات المرأة والاستفادة من عمرها الذي ستسأل عنه وعن علمها الذي تعلمته، لا نعني بذلك التزامها بعمل رسمي مهني تداوم فيه ولو أدى ذلك إلى إهمال حق زوجها ورعاية أبنائها ولا نعني المرأة العاملة التي تعود إلى بيتها مكدودة الجسم مثقلة النفس بهموم العمل؛ فأنّى لأمثال هذه المكدودة المتعبة أن تفيد الأجيال التي تنتظر اللمسة الحنون منها، فلا يجدون لديها إلا الزجر والتأنيب؛ لأن أمهم متعبة وتريد أن ترتاح من عناء العمل طوال يومها!... وبنفس الوقت لا يعني هذا أن تترك الأعمال الممكنة التي تتناسب مع فطرتها ولا تشق عليها كتطبيب النساء، وتعليمهن الخياطة ونحوها؛ ولا تترفع عن أعمال يمكن أن تسد بها ثغرة طيبة في مجتمعها.

إنها وهي المسلمة التي تريد أن تربي الأجيال على تعاليم الدين يجب أن تبذل جهدها في تنقية الوسائل الإعلامية من كل ما يهدم الأخلاق ويسيء للمثل العليا. ولا يخفى أن الإعلام يؤدي وظيفة من أخطر وسائل الغزو الفكري الحديث. وقد اهتم به المروجون لأفكارهم وتنوعت أدواته من إذاعة وتلفزيون وصحافة ومجلات وسينما ومسرح وكتب وفيديو و.... وأكثرها يعتمد على الإثارة ويتفنن في طرق مخاطبة الغرائز وعداوة الدين وتعاليمه، وتدعو بمجملها وفي غالب أحوالها إلى التحلل والسفور والتمرد على الفطرة، والتطبيل والتهليل لكل خبث وخبيث، مما يشيع الخنا والفجور، ويشكك بالشخصية المسلمة وقدرتها على الإبداع، حين يصفونها دائماً بالمتخلفة، فتنشأ الأجيال وقد فقدت ثقتها بنفسها؛ وكأن الإبداع والتفوق مقصوران على الكفار وحدهم؛ وأما المتدينون فهم المتخلفون مما يُشعِر الأجيال بالدونية والصّغار، وهذه توجيهات خبيثة تنفث سمومها في مجتمعاتنا، فلا بد من تحصين الأجيال ضد هذا الغزو الفكري المركّز.

- والمسلمة الواعية تتعامل مع الإعلام بفطنة وحذر، ولا يفوتها أن من مقاصد التشريع الإسلامي حفظ الكليات الخمس وهي: الدين، والعقل، والنسب، والنفس، والمال، فإذا وجدت المسلمة ما يعمل على إضاعة هذه الكليات أو بعضها فيجب أن تسعى ما أمكنها لتكون حائلاً دونه. إننا نناشد الأقلام النسائية لنصر الفضيلة، وتسفيه رأي شياطين الإنس وبيان زيفهم وضلالهم.

لا بد من مواجهة العدو الماكر بتخطيط سليم وعمل مضاد، وإذا لم نبذل الجهد لتدعيم الأخلاق الفاضلة وترسيخ العقيدة السليمة، ندمنا حيث لا ينفع الندم؛ فقد تُكَرّس الخرافة والمثل الهابطة، وتعيش الأجيال وهي تستنشق ذلك العبق القاتم.

ومن المزايا التي اختصت بها نساؤنا في الماضي كثرة القصص يسلين بها الأطفال، ويجذبنهم للأسرة ولمعتقداتها.
فلماذا تترك نساؤنا المثقفات أبناءهن هدفاً لقصص جرجي زيدان (وأمثاله) يشوهون تاريخنا ويسيئون إلى مُثُلنا؟
فلنساهم في الإعلام المقروء والإعلام المسموع كل واحدة بقدر طاقتها، حتى الأناشيد ينبغي أن تنظمها المسلمة ليترنم بها أبناؤنا، ولتحل محل الأغاني الهابطة، ولتغرد الأجيال بكلمات عذبة تظهر الصورة الوضيئة للإسلام ومثله السامية، وتستميل قلوب الناشئة للخير.

وكذلك الحال في المجالات والقصص والروايات التي تعلم في كثير من حالاتها خداع الآخرين في سبيل المال وتكرس القيم والأفكار الخاطئة، من العنف أو اللامبالاة، أو العقوق وغير ذلك من سيئ الأخلاق؛ فإن واجب المسلمة أن تستفيد من وسائل المعرفة السريعة هذه، حتى تصبح منبراً يعلم الخير ويدعم العقيدة، ويثقف العقل، وفي الوقت ذاته يروّح عن النفس.

- إن أخطر أنواع الإعلام الحديث هو التلفزيون؛ إذ زاحم الأسرة في توجيه أبنائها وبناتها وذلك بجاذبية مدروسة، وغزو مستور، وشياطين الإنس تؤزّه لهدم كل فضيلة. وقد قال الرئيس الفرنسي السابق ديغول متحدثاً عن أثر التلفاز: أعطني هذه الشاشة أغير لك الشعب الفرنسي.

ولو علمنا أن كثيراً من الأسر قد تخلت عن دورها نهائياً في مهمة التربية العقدية والفكرية، وأسلمت أبناءها للتلفزيون يصنع بهم ما يحلو له من التوجيه وغرس المفاهيم والعقائد المغايرة في كثير من الحالات لعقائدنا وحضارتنا؛ لقدّرنا أي واجب يحتم على المثقفة المسلمة أن تستفيد من إمكاناتها إن كانت تحسن كتابة القصة أو الأنشودة أو الحوار أو المقالة.

يجب أن لا تتردد المسلمة في النزول إلى ميدان الإعلام، لمواجهة الفتح الإعلامي الذي يصب في آذان الناشئة صباح مساء.

فمن أجل أبنائنا ومن أجل مستقبل أفضل، ولكي يبقى صوت الحق عالياً؛ فإن على المسلمة أن تساهم في وضع المادة الصالحة البديلة عما يسيء لدينها وعقيدتها، وتنشط فلعلّ كتابتها تكون سداً حائلاً دون تسرب الخبث؛ لأن من يُقدّم له الطعام فيشبع لن يشتهي الفضلات ولن يُقْدِمَ على تناولها.

أختي المسلمة:
لا تتعللي بالأسباب فتقولي: أنا متعبة الصحة، كثيرة الالتزامات، ضيقة الأوقات؛ فاغتنام الوقت والصحة والغنى من تعاليم شرعنا الحنيف؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك [8].

- فإذا نظمت المرأة حياتها واستفادت من جزئيات وقتها، وضنت به أن يستهلك في الطهي وفضول الكلام... فإننا عند ذلك لن نسمع لها شكوى من ضيق الوقت؛ فتلتفت إلى واجبها داعية للخير وقدوة لغيرها، تثري الفكر في المجالات التربوية والصحية التي تعود بالفائدة على الأجيال المؤمنة والمجتمع الإسلامي بأسره، وتبذل جهدها لإيجاد بديل إسلامي لمواجهة هذا الزخم الهائل من الهجمة الفكرية، وتدافع عن حوزة الدين في مجتمع الذئاب الذين يدأبون على التخطيط والعمل لصرف الناس عن دينهم.

إن على المرأة المسلمة أن تنبذ الراحة الموهومة، والنوم والكسل الذي ران على نفوس الكثيرات، وتجتهد لتقوم بواجبها نحو أمتها المسلمة، ونحو أجيالها الرشيدة بما تقدر عليه، وتستثمر وقتها بما يفيد؛ مع انتهاز الفرص المناسبة؛ علّنا نزيل الظلمة الحالكة التي ألمت بأمتنا... ونورث الخير للأجيال القادمة... وإلا بقيت آمالنا حبيسة لا تتعدى صدورنا، وبقيت أجيالنا في مؤخرة الركب بدلاً من قيادته.


الهوامش :
[1] متفق عليه: البخاري، ح./ 5082، ومسلم ح./2527.
[2] رواه الطبراني في الكبير.
[3] رواه مسلم، ك./الزهد والرقائق، ح./3014.
[4] أخرجه أبو داود، ح./ 3887، وأحمد، ح./ 26555 وصححه الحاكم.
[5] رواه البخاري، ح./97، ك. العلم.
[6] رواه مسلم، ح./ 1893، ك. الإمارة.
[7] أخرجه الترمذي، ح./ 2007، ك. البر والصلة عن حذيفة رضي الله عنه .
[8] أخرجه الحاكم وإسناده صحيح. 

خولة عبدالقادر درويش

المربية الفاضلة الأديبة خولة عبدالقادر يوسف درويش رحمها الله. توفيت ليلة السبت 22 رجب 1437 هـ الموافق 29 أبريل 2016. بعد عمر قضته رحمها الله في التأليف للبيت المسلم وللمرأة المسلمة وللطفل المسلم. أصدرت 22 كتابا، وكثيرا من المقالات.

  • 18
  • -8
  • 58,946

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً