رمضان شهر عظيم. فهل عرفنا كيف نستقبل العظماء؟!
شهر فضل الله عز وجل أيامه على سائر الأيام، وخص لياليه بالأسرار، والأنوار. ففيه نور يضئ القلوب التي عمرت بالإيمان، وسعدت بإلتزامها الإسلام..
يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:185].هذه الآية الكريمة، وما قبلها، وما بعدها قبس من النور القرآني أنزله الله عز وجل في: ركن من أركان الإسلام، وفريضة من فرائضه، ودعامة من دعاماته ذلك هو: الصيام في رمضان والذي أوشك زمانه أن يحل علينا بعد أيام قليلة.
وقبل الكتابة، والحديث عن الصيام، وفضائله وأحكامه، ينبغي أن نخصص حديثا عن رمضان نفسه، ذلكم: الشهر الكريم، والوافد العظيم، والذي هو خير الشهور، وسيدها، والشهر الوحيد الذي ذكر باسمه في كتاب ربنا عز وجل، وميزه الله بخصال من الخير، والبركة، والفضل ما ليست في غيره.
وهو شهر حدد رسول الله صلى الله عليه وسلم معالم الخير فيه فهو: عظيم مبارك يتجلى الله عز وجل فيه على عباده المؤمنين بالرحمات، ويحفهم بالخيرات والبركات.
شهر فضل الله عز وجل أيامه على سائر الأيام، وخص لياليه بالأسرار، والأنوار. ففيه نور يضئ القلوب التي عمرت بالإيمان، وسعدت بإلتزامها الإسلام، وله أسراره التي تعلو بالأرواح التقية والنفوس الزكية إلى السمو والرفعة في طاعة علام الغيوب ذي الجلال، والجمال والعظمة والإكرام.
شهر يحتفل بمقدمه السعيد: أهل السموات من الملائكة المقربين بالتسبيح، والتحميد والتمجيد، ويستقبله أهل الأرض من عباد الله الصالحين بالحفاوة والترحاب، والاستبشار والفرح والسرور، والإكثار من ذكر الله، وتلاوة القرآن، والبعد عن كل مايغضب الرحمن عز وجل. شهر جدير بأن يلقى من المسلمين هذا التكريم، وحسن الاستقبال والتقدير.
فشهر رمضان: يمتاز بخصوصية من الفضل والبركة، ونفحات من البهجة والسرور، فيه اتصلت السماء بالأرض، واتصل الملك بالإنسان، فكان الأمين جبريل عليه السلام : ينزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فيدارسه القرآن وذلك ليسلم للأمة الإسلامية: ينبوع حكمتها، ودستور تشريعها، محفوظا في صدره الشريف، وليتوارثه من بعده الخلفاء الراشدون، ويورثوه من بعدهم، محفوظا مكتوبا بين دفتين؛ ليكون معين الحياة السعيدة، لأمة كتب الله عز وجل لها أن تكون خير أمة أخرجت للناس.
شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار.
فيه يتشبه المؤمنون بالملائكة الكرام الكاتبين الذين خلقهم الله عز وجل من نور، وفطرهم على طاعته وعبادته، فهم لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، لا يأكلون ولا يشربون، ولا يتناسلون.
شهر نهار المؤمنين فيه: عمل-للدنيا والآخرة- وجد وإنتاج، وليلهم: ذكر وتسبيح وصلاة، وتلاوة للقرآن.
شهر تمتد فيه أيادي المؤمنين بالبر والخير، والعطاء، للفقراء والمعوزين.
شهر لا يأت على أمة الإسلام شهر هو أفضل لهم منه. قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: « ».
شهر فيه الخير: للمؤمنين الذين أدوا حق ربهم، والتزموا ما كلفوا به. فلم يضيعوا فريضة، ولم يتهاونوا بنافلة؛ فأكرمهم ربهم، وغفر ذنوبهم. قال صلى الله عليه وسلم: «
». وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: « ».شهر: يرتفع فيه دعاء المؤمنين الصائمين عند فطرهم إلى مستوى الإجابة. قال صلى الله عليه وسلم: «
».شهر: تفتح فيه أبواب الخير والرحمة، وتغلق فيه أبواب الشر، ومنافذ العذاب. قال صلى الله عليه وسلم: «
».من أدرك هذا الشهر، وكان صحيحا سليما مقيما، وأعرض عن صومه؛ كان عند الله ذميما، وخسر خسرانا مبينا. يقول صلى الله عليه وسلم: «من
».فمن فرط في صيامه بغير عذر فقد فاته النور، والرحمة والرضوان، واستولى عليه الشيطان، وجعل صدره ضيقا حرجا، وإن بقي على ذلك فله معيشة ضنكا، وحشره الله يوم القيامة أعمى؛ بسبب إعراضه عن ذكر الله، وآياته وإقباله على لذاته، وشهواته قال الله عز وجل: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ} [طه:124].
شهر رمضان شهر عظيم فهل تعلمون كيف نستقبل العظماء؟! وضيف كريم يعرف حقه الأتقياء، ولا يعص الله عز وجل فيه إلا السفهاء- الذين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم ومايشعرون- )
شهر سيكون شاهدا يوم القيامة بالإحسان لمن أحسن فيه العمل، وبالإساءة على من أساء. وفي ختام الحديث عن الشهر الفضيل لا نغفل عن ذكر بعض الأمور المهمة في كيفية استقباله، وحسن الاستعداد له.
أولا: بالصلح مع الله عز وجل، ومع عباده. والصلح مع الله تعالى بالتوبة النصوح، والإنابة الخالصة، والعودة الصادقة إليه عز وجل، بالندم على ما فات، وإصلاح ما هو آت، والصلح مع عباد الله برد حقوقهم، وطلب العفو منهم إن أخطأ في حقهم، ومسامحتهم، والعفو عنهم إن كان له حق عليهم: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّـهِ.
ثانيا: تهيئة القلب بكثرة ذكر الله عز وجل، وتلاوة كتابه الكريم، والتفكر في صفاته والنظر، والتأمل في بديع صنعه، ومظاهر قدرته في مخلوقاته.
ثالثا: استحضار ما أعده الله للصائمين من أجر وفضل، وخير ومثوبة، واستحضار فوائد الصيام، وهذا من شأنه أن يدفع الإنسان إلى الطاعة بحب وشوق.
رابعا التدريب على الصيام قبل رمضان، بصيام أيام من شعبان. فقد كان صلى الله عليه وسلم: يكثر من الصيام في شعبان. والتدريب كذلك بقيام الليل، وتلاوة القرآن ومدارسة العلم، وحضور مجالسه، وهذا التدريب بمثابة الإحماء، والإعداد وتهيئة النفس، والجسد للعمل والعبادة، تماما كما يفعل الرياضيون من تدريب وتسخين قبل ممارسة الرياضة، ودخول المباريات.
وفي الأخير نقول: رمضان أوشك أن يقبل فماذا أعددنا له؟ جماع ذلك تقوى الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى. وهي السلاح الأقوى وثمرة الصيام، وكل طاعة وعبادة.
اللهم بلغنا رمضان وأعنا فيه على طاعتك وتقواك وارزقنا ربنا الإخلاص والتوفيق والسداد وتقبل منا إنك أنت السميع العليم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فايز النوبي
- التصنيف: