سلسلة غنائم الصائمين (5) أسرع إلى هذا الدواء

منذ 2016-06-05

إني أشكو من مرض خطير.. ينهك روحي.. ويفتك بي فتكاً.. بدأت مشكلتي بغواية..واليوم وقعت في شراكه.. أريد دواء لهذا المرض..

إني أشكو من مرض خطير.. ينهك روحي.. ويفتك بي فتكاً.. بدأت مشكلتي بغواية..واليوم وقعت في شراكه.. أريد دواء لهذا المرض..

هذا صوت نسمعه يجلجل بداخلنا بين حين وآخر حين نراجع نوايانا ونعرضها على محك الإخلاص لله..

أيها القارئ الكريم: ذكر بعض العلماء أن أسباب ضعف الإخلاص يرجع إلى ثلاثة أمور هي:

أولاً: حبُ لذةِ المدح والحمد من الناس.

ثانياً: الفرارُ من ألمِ ذم الناس وقدحهم.

ثالثاً: الطمعُ فيما أيدي الناس.

وعلاج هذه الآفة حمانا الله وإياكم منها يكون بتناول هذه الأدوية في اليوم مراراً حسب حالة مرضه:

الدواء الأول: أن يستحضر العبدُ الوعيدَ الواردَ في النصوصِ الشرعيةِ المتعلقة بالرياء، وأليمَ عقابِ الخالقِ عز وجل عليه: ومن ذلك ما جاء في مسند الإمام أحمد عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ؟ قَالَ: «الرِّيَاءُ، إِنَّ اللَّهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَقُولُ يَوْمَ تُجَازَى الْعِبَادُ بِأَعْمَالِهِمْ: اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ بِأَعْمَالِكُمْ فِي الدُّنْيَا، فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً». وفي حديث عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الذي أخرجه مسلم في صحيحه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ رَاءَى رَاءَى اللَّهُ بِهِ». وقال العلماء في شرح هذا الحديث: "مَعْنَاهُ مَنْ راءى بِعَمَلِهِ، وَسَمَّعَهُ النَّاس لِيُكْرِمُوهُ وَيُعَظِّمُوهُ وَيَعْتَقِدُوا خَيْره سَمَّعَ اللَّه بِهِ يَوْم الْقِيَامَة النَّاس، وَفَضَحَهُ.

ومن أشد الأحاديث الواردة في الرياء والترهيب منه ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ، رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا. قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ. قَالَ:كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأنْ يُقَالَ جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ. وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ، وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ، فَعَرَفَهَا. قَال: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ، وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ. قَالَ:كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ، َقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ، فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ. وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا، إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ. قَالَ:كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ، لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ». وبمثل هذه الأحاديث النبوية يستعين العبدُ على علاجِ شوائب الإخلاص وعوارضه.

الدواء الثاني: استشعار معية الخالق تبارك وتعالى، فهو سبحانه سميع بصير يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وعلى العبد أن يتفكر فيما يستحقه سبحانه من العبودية، ويسعى إلى تعميق محبته للخالق الكريم المحسن الوهاب سبحانه وتعالى، ويستشعر مراقبتَه في كل حين وأوان.

الدواء الثالث: معرفة حقيقة الناس وأنهم لا يملكون ضراً، ولا نفعاً، كما جاء في وصية المصطفى صلى الله عليه وسلم لابن عباس التي قال فيها: «وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَنْفَعُوكَ، إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ».

الدواء الرابع: ومن الدواءِ النافعِ أن يُعوّدَ نفسَهُ إخفاءَ العبادات، وإغلاقَ الأبوابِ دونَها، كما تُغلقُ الأبوابُ دونَ الفواحش، فإنه لا دواءَ للرياء مثلُ إخفاء الأعمال، وذلك يشقُ في بداية الأمر، فإذا صُبرَ عليه مدةً أثمر ونفع.

الدواء الخامس: الاستعانة بالله والإلحاح عليه بالدعاء، واللجوء له سبحانه بالانطراح بين يديه بأن يرزق عبده الفقير الإخلاص، ويجنبه الرياءَ، والشهوةَ الخفية.

أيها الأحبة: حري بنا أن نغتنم هذا الموسم المبارك في تصحيح أحوال قلوبنا، وعلى رأسها تمحيص الإخلاص لله تعالى، وصونه من كل شائبة تكدر صفوه، ولا ريب أن من أعظم غنائم الصائمين في هذا الشهر الكريم عنايتهم بأمر الإخلاص، والسعي لتحقيق الفوز به، والظفر بحقيقته.

وختاماً نسأله تعالى أن يمن علينا بالإخلاص في صيامنا وقيامنا وفي كل أفعالنا وأقوالنا، وأن يتقبلها منا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

المصدر: tafkeeer.com

خالد بن منصور الدريس

أستاذ مشارك قسم الحديث في قسم الدراسات الإسلامية في جامعة الملك سعود بالرياض. ومدير موقع تعليم التفكير من منظور إسلامي

  • 3
  • 2
  • 4,642

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً