محنة الشباب مع الواقع والاجتهادات

منذ 2016-06-09

المسلمون تفرقوا في دول يحكمها قوانين تناقض شرع الله، وحكام يملكون القوة ويوالون اليهود والنصارى، وشعوب مسلوبة القوة غلب عليها الجهل.

بلا شك نحن نعيش واقع مرير للمسلمين لا مثيل له في التاريخ الإسلامي، المسلمون تفرقوا في دول يحكمها قوانين تناقض شرع الله، وحكام يملكون القوة ويوالون اليهود والنصارى، وشعوب مسلوبة القوة غلب عليها الجهل بالإسلام، وجيوش وشرطة من أبناء المسلمين ولكنهم يدينون بالولاء للحاكم ولنظم الحكم والوطن وغلبت عليهم العلمانية، ويتم قهر وسجن بل وقتل كل من يتكلم بالحق. 
نتيجة لذلك كثرت الاجتهادات من الدعاة والجماعات، وتنوعت بين الإفراط والتفريط والحق وعمل الكثير بالممكن وعمل البعض بمواجهة الباطل 
مثال:
1- اجتهاد جماعة الإخوان في عهد الإمام البنا بالتعامل مع الحكم الواقع بالممكن في الدعوة، والعمل الاجتماعي، والتربية، وكان اللافت المشاركة السياسية وهو اجتهاد وقتي، ولم يأتي البنا بنص مقدس جديد يوجب العمل به دائما، وكان يجب التطوير والعمل والانتقال برؤية جديدة بعد استشهاده لكن بقي اجتهاد البنا الوقتي ارث كأنه مقدس تتوارثه الجماعة والأجيال مع بعض المتغيرات الوقتية وحجتهم أن الواقع لم يتغير، وكان أولى أن يتغير الاجتهاد لا أن يثبت لثبات الواقع، ثم كانت الآفة هي التعصب على الجماعة ومعاداة الاجتهادات الأخرى. 
مثال:
2- الجماعات الجهادية رفضت الخضوع لنظام الحكم الواقع تماما فاجتهدت مع صالح سرية فقامت بعملية الفنية العسكرية عام 74، ثم قامت باغتيال السادات عام 81، ثم دخلت في حرب عصابات في التسعينات، ثم توقفت وحدث مراجعات في السجون من الجماعة الإسلامية وبعض من تنظيم الجهاد، لكن المراقب يجد اضطراب في رؤيتها للمراجعات مابين الخلط بين التراجع عن اجتهادات التعامل مع الواقع لأخطاء وبين الثوابت، والبعض من المراقبين لا يعول على تلك المراجعات لأنها صدرت بالسجون. 
يبقى مهما أن كلا المثالين الإخوان والجماعات الجهادية مع التباين الواضح في اجتهادهما بين التعامل مع الواقع ومواجهة الواقع قدموا تضحيات عظيمة تكتب بأحرف من نور، فقد تعرضا للاضطهاد والسجن والقتل إلا أنهما ثبتوا على دينهم وحدث فقط إشكالية في اجتهاداتهم.
مثال:
3- التيار السلفي وظهوره القوى في السبعينيات، واجتهد واعتمد على نشر العلم الشرعي؛ لأن الناس غلب عليهم الجهل لكن تنوعت تفاعلاته لأنه اعتمد على الأشخاص واستطاع التأثير في قطاع من الجماهير بالعلم والتدين لكنه لم يستطع التأثير في واقع الحكم مطلقا بل استطاع نظام الحكم أن يجتذب بعض من أشخاصهم وترميزهم كشيوخ ودفع الاتباع لهم، حيث أنهم يختلفون عن الإخوان المعارضين للحكم والجهاد الرافضين للحكم أن هؤلاء مسالمين لنظام الحكم، فتم استقطابهم ليكون خنجرا في ظهر الحالة الإسلامية، لكن ظهر فريق من السلفيين قريب من الإخوان وقريب من الجماعات الجهادية حيث اعتمدوا على الثبات على الأقرب للدليل في اجتهاده مع الواقع وهؤلاء نالهم نصيبهم من السجن والاضطهاد لحبهم للحق، وعموم التيار السلفي يستوقفه اجتهاد ثابت بالدليل الشرعي. 
مثال:
4- التكفير وهو اصطلاح إعلامي أطلق على فريق أشد رفضا للواقع بتكفيره للعموم المسلمين وعدم ألتماس الأعذار التي ألتمسها الشرع في الحكم وعدم التمهل الشرعي. 
يؤرخ لهم بداية بجماعة شكري مصطفى، واعتقد أن ظهورها بتلك الشدة ليس نتيجة التعذيب في السجون كما يشاع إنما نتيجة ما يرونه تراخى وتفريط ظهر من الإخوان في وثيقة دعاة لا قضاة مع ما شاهدوه من ظلم وكفر القوانين والحكم، وجهل الناس الذي أوقع منهم في الشرك؛ فغلب عليهم الحماس، والتسرع في الحكم بدون ثبات على الدليل الشرعي، فكان اجتهادهم بالتكفير العام، وقد تبعهم ما يسمى بالشوقيين، والتكفير ظاهرة ارتبطت برؤية فيها خليط من كفر القوانين وهو حق، وشدة معاداة المسلمين، فغلب حماسها مع الجهل بثوابت فقه الأحكام فأطلقت أحكام زاعقة بالكفر، فشملت المسلمين كي تبرهن على إخلاصها في مواجهة الكفر. 
مثال:
5- الثورة المصرية 25 يناير كان لافتا أن شارك فيها كل الإسلاميين إخوان جهاد سلفيين تكفير نعم حتى الذين اجتهدوا بالتكفير شاركوا، لنجد شهادة واقع أن الكل يريد التغيير، أن الكل رغم تباين الاجتهادات يبحثون عن عمل جامع. 
أفرزت الثورة واقع جديد فتم الاجتهاد في المشاركة بالانتخابات مجلس شعب وشورى ورئاسة، لكن تم الانقلاب العسكري العلماني، فظهر أن المحصلة 
لم تكن صفر فقط بل كانت تحت الصفر، وعاد الجميع إلى السجون والقهر والظلم، وعادوا أيضا إلى اجتهاداتهم السابقة: 
منهم تحول إلى محاولة مسالمة نظام الحكم وثنى الركب عند الحاكم، ومنهم من يسعى إلى التوافق بالمشاركة السياسية خروجا من المأزق وتكلفته الباهظة، ومنهم من لا يرى حلا إلا بالجهاد بالخروج على نظام الحكم، ومنهم من أظهر التكفير، وهو أخطر ناتج الانقلاب نعم التكفير، فقد زاد أنصاره بصورة كبيرة للظلم الرهيب والكفر العملي الذي علا على نظام الحكم، ومحن المسلمين التي عز فيها الناصر من المسلمين، وذلك يستدعى مقال آخر. 
اختصرت بشدة حتى لا يمل القارئ، ولكنني أحببت أن ألقى ضوء على واقع أجتهد فيه كثير من المسلمين كي نلتمس العذر لبعضنا، فلا نطلق أحكام بسرعة، ولا نتعصب لاجتهادات وقتية ليست مقدسة.
يوجد أخطاء نعم نعم ولكنها أخطاء في طريق الوصول للحق، ننتقد وننصح ونظهر عيوب الاجتهادات وأخطائها ونتائجها الفاسدة على المسلمين لكن لا نتسرع في الحكم على المسلمين، ونجتهد جميعا في كيف نعمل لديننا العظيم ونسقط الظلم ونظم الحكم الوضعية؛ لتعلو راية لا اله إلا الله.

المصدر: طريق الاسلام
  • 1
  • 2
  • 2,836

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً