من أخطاء الصائمين
وقد كان النبي صلَّى الله عليه وسلم يُبَيِّن بعْضَ الأخطاء والمخالفات لأصحابه؛ حتَّى ينبههم عليها، سواء كانوا وقعوا فيها أم ليُحذِّرهم من أن يقعوا فيها..
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جلَّ عن الشبيه والمثيل والكفء والنظير، وأشهد أن مُحمدًا عبده ورسوله، وفقيهه وخليله، وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه، أرسله ربُّه رحمة للعالمين، وحُجَّة على العباد أجمعين، وصلوات الله وسلامه عليه ما تعاقب الليل والنهار، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على آله وصحبه ومَن سار على نهجه، واقتفى أثَرَه إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها الأخوة المؤمنون الصائمون، كنَّا فيما تقدَّم في خُطبة ماضية تكلمنا عَن أهميَّة الصيام، وذكرنا بعض الأخطاء والمخالفات التي يقع فيها الصائمون، وقد كان مِن هدي بعض الصحابة الكِرام أنَّهم يسألون النبي صلَّى الله عليه وسلم عن بعض الأخطاء؛ خشية أن يقعوا فيها؛ كما قال حذيفة رضي الله تعالى عنه فيما رواه البخاري في صحيحه: "كان النَّاس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر؛ مَخافة أن يدركني".
وقد كان النبي صلَّى الله عليه وسلم يُبَيِّن بعْضَ الأخطاء والمخالفات لأصحابه؛ حتَّى ينبههم عليها، سواء كانوا وقعوا فيها أم ليُحذِّرهم من أن يقعوا فيها، وقد ذكرنا عددًا من هذه الأخطاء والمخالفات في الخُطبة الماضية، فلَعَلَّنا أن نكمل ذلك اليوم بإذن الله، من الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين: أن بعضهم يتساهل في عدم أكْلِ أكلَةِ السَّحر؛ وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ: «
».وأخبر صلى الله عليه وسلم أن: «الفجر بأربع ساعات أو خمس، فيأكل طعامًا يُعتبر هو عشاءَه وسحوره، هذا وإن كان يُقوِّيه على الصيام، لكنه خلاف السنة، والسُّنة أن يأكل في السحر وهو قبل الفجر؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: « ».
»؛ وبعض الناس قد يَتَسحَّر مُبكِّرًا، وهذا خلاف السنة؛ فإنَّ من السنة أن يؤخر سحوره، وأن يُعجل فِطره؛ فقد يتسحر بعض الناس قبل أن ينام، فينام قبلومن الأخطاء أنَّ بعض النِّساء إذا طَهُرت من حيضها قُبَيْل الفجر، ثُمَّ لم يكن عندها وقتٌ لأجل أنْ تغْتَسِل قبلَ أن يؤذَّن عليها للفجر؛ كأن تكون مشغولة مثلاً بإعداد السحور، أو بإيقاظ أهلها وأولادها للسحور، أو بغير ذلك، المهم أنَّه شَغَلَها شيء فلم تغتسل، فأُذِّن عليها - تَظُنُّ أنَّ إمساكها وصيامها لهذا اليوم لا يصح؛ وذلك لأنَّه دخل عليها وقت الصيام، وهي لم تغتسل بعد الطُّهر، وهذا غير صحيح؛ فإنَّ الاعتبار في صِحَّة صوم المرأة بعدَ حيضها هو انقطاع الحيض عنها، فإذا انقطع الدَّم انقطاعًا تامًّا فرَأَتِ الطُّهر رؤية بيِّنة؛ فإنَّ صومها صحيح ولو لم تَغْتَسل، وإنَّما يشترط الاغتسال من الحيض لمن أرادت أن تُصلي، أو يطأها زوجُها، أمَّا الصوم فلا يُشترط الاغتسال فيه، لكن عليها أن تُسارع إلى الاغتسال حتَّى بعد أذان الفجر؛ لأجل أن تصلي صلاة الفجر في أوَّل وقْتِها.
كذلك بعضُ النَّاس أحيانًا قد تصيبه جنابة وهو نائم، ثُم تفوته صلاةُ الفجر فلا يستيقظ إلاَّ في الضحى، فإذا استيقظ وهو عليه جنابة من الليل، ظَنَّ أن صومه هذا اليوم غيرُ صحيح، وأنه يلزمه القضاء، وهذا غير صحيح، وهو بلا شَكٍّ قد فرَّط في تفويت صلاة الفجر في وقتها، لا شكَّ أنَّه آثم، ولكن صيامه صحيح، لا تشْتَرط الطهارة من الجنابة لصِحَّة الصوم، فإنْ أمسك وقد بيَّت النيَّة من الليل، وأمسَك عن الطعام والشراب، وعن جميع المفطرات من الفجر، فإن صومه صحيح؛ فلا يُشترط في صِحَّة صيامه أن يؤذَّن عليه للفجر وهو ليس على جنابة، بل لو أُذِّن للفجر وهو جنب فإن صومه صحيح.
ولا يفهم من ذلك أن الوطء والجماع والجنابة بعد أذان الفجر لا تفسد الصوم، نحن لا نتكلم عن ذلك، لا يجوز الوطء والجماع، ولا يجوز أن يستدعيَ إخراجَ المَنِيِّ من نفسه وهو صائم، فهذا لا يجوز؛ فإنه يفسد الصوم، لكنَّ الذي نتكلم عنه: لو أنَّه بات جُنُبا في الساعة الثانيةَ عشرَةَ مثلاً أو في الساعة الثانية ليلاً، ثُمَّ أذن عليه للفجر وهو نائم لم يغتسل، ثم ربما طلعت عليه الشمس وهو لا يزال على جنابته، فلمَّا استيقظ فإذا هو جُنُب، بعض الناس يظُنُّ أن صومه غيرُ صحيح، الصوم صحيح - وهذا الذي أردنا بَيانَه - لكن يلزمه أن يتنَبَّه أن يصلي الفجر في وقتها.
ومن الأخطاء أن بعضَ الصائمين يتساهل في الأكل والشرب أثناء أذان الفجر، ولمَّا ذكر الله عز وجل الصوم قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187]، فبَيَّن الله عز وجل أن الوقت الذي ينبغي على المرء أن يتوقف فيه عن الأكل والشرب هو طلوع الفجر، والأصل أن المؤذن لا يؤذن إلاَّ عندما يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، يعني: بياض النهار (بياض الفجر) من سواد الليل، لمَّا يَتبَيَّنان يكون قد طَلَع الفجر، فالأصل أنه بمجرد سماع الأذان الذي يدُلُّ على دخول وقت الفجر أن يُمسك الإنسانُ عن الطعام والشراب، هذا هو الأصل، خاصَّةً إذا كان المؤذن حريصًا على أن يؤذِّن في الوقت الحقيقي التَّام، فإنَّ المؤذن قد يُخطئ ويبكر دقيقة أو دقيقتين، فيقول: لأجل الاحتياط، وهذا غير صحيح، وإنَّما الصحيح أن يؤذن على الوقت الشرعي المعروف، وعلى أيَّة الحال فإذا علمت أن هذا المؤذن دقيقٌ؛ فإنَّ الواجب الإمساك من بداية الأذان، لكن جاء في حديثٍ عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنَّه إذا أذَّن المؤذن، وفي يد أحدكم شربة، فلا يَضَعه حتَّى يقْضِي نهمته منه؛ فإذا كان الإنسان في يده شربة ماء وأذن المؤذن، أو ربَّما كان بيده طعام يسير أو شيء من (الشوربة)، أو نحو ذلك، فأذَّن المؤذن - فلا بأس أن يشربَ حتَّى يقضي نهمته منها؛ كما عند أبي داود.
ومن الأخطاء أنَّك تجد بعض الصائمين إذا رأى من يأكل ويشرب ناسيًا في نَهَار رمضان تركه وقال: دعه يطعمه الله ويسقيه.
فنقول: صحيح أن من يأكل ويشرب ناسيًا أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن صومه صحيح، أن من نسي وأكل أو شرب وهو صائم، فليُتمَّ صومه؛ فإنما أطعمه الله وسقاه، لكن هذا في حال الصائم نفسه أن صومه صحيح، أمَّا في حال من يرى الصائم فإنه يجب عليه أن ينبِّهه لماذا؟ لأنك لا تدري عن نيّته، صحيح أنت يغلب على ظَنِّك أنه يأكل ويشرب ناسيًا، يغلب على ظنك ذلك، ولكن: ما الذي يجعلك تجزم بمثل هذا؟ أنت أمامك إنسان يأكل ويشرب في نهار رمضان؛ إِذَن أمامك أمرٌ منكر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «
»؛ فيجب الإنكار على من أكل وشرب في نهار رمضان، إذا رأيته تقول: يا فلان، انتبه، يا فلان، نحن في نهار رمضان، نحن صائمون، يجب تنبيهُهُ إلى ذلك.الأمر الثاني: يجب تنبيهه أيضًا لئلا يتساهل الناس في رؤية من يأكل ويشرب، فيصبح كلُّ من يأكل ويشرب تراه في بِقالَة أو تراه في بيته أو تراه في مستشفى، وتقول في نفسك لعلَّه يكون ناسيًا؛ فيتساهل الناس في ذلك، وتذهب عَظَمَة وحرمة نَهار رمضان، وهذا كلام الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى قال: يجب الإنكار عليه.
الأمر الأول: لأنه في ظاهره أمر خطأ وأمر منكر.
والأمر الثاني: حفاظًا على عظمة هذه الشعيرة، أعني شعيرة حرمة الأكل والشرب في نهار رمضان.
ومن الأخطاء: أنك تجد بعض الناس الذين يلزمهم الإطعام؛ كالكبير الذي لا يستطيع الصوم، ولا يستطيع القضاء بعد رمضان، أو المريض الذي لا يستطيع الصوم؛ وذلك أنَّه لا يُرجى برؤه، فالمريض قد يُرجى برؤه، فإذا كان يُرجى أن يُشفى فإنَّه يفطر في رمضان، ثم بعد ذلك بعد رمضان يقضي، لكن المريض الذي من الآن يدري أنَّه لا يستطيع القضاء إلى أن يموتَ بأن يكون مرضُه مزمنًا مثلاً، أو الكبير في السنِّ الذي لن يستطيع أن يقضي لِكِبَر سِنِّه لا يعقل أن يصبر مرَّة أخرى، ويقول: سأقضي وهو يعلم أنَّه لا يستطيع أن يقضي - ممن يلزمهم الإطعام، لا يستطيعون القضاء فيلزمهم إطعام مسكين عن كل يوم، الخطأ أنَّ بعض هؤلاء إذا علم أنَّه لن يصوم في رمضان، وأنه سيلزمه القضاء يَجمع ثلاثين مسكينًا، فأحيانًا يَجمعهم في أوَّلِ الشهر ويطعمهم، أو رُبَّما أخرج مادة الإطعام، فأخْرجَ مثلاً كيسًا من أرز، ومثلاً كرتونًا أو كرتونين من دجاج، وذهب إلى عائلة فقيرة، وقال: هذا إطعامي، وأنا أريد أن أُبَرِّئَ ذِمَّتِي من أوَّل رمضان.
نقول: بارك الله فيك، لكن الكفَّارات تكون بعد العمل، ولا تكون قبله، بمعنى لو أن إنسانًا رأى مجموعة من المساكين يستحقون الإطعام، فقال في نفسه: أنا إنسانٌ كثيرُ الْحَلِف، ودائمًا يلزمني إطعام عشرة مساكين، عشرة مساكين ما دام أمامي مائة مسكين فلْأُطعم هؤلاء المساكين المائة عن عشرة أيمان أتوقع أني سأَحْلِفُها في خلال الأيام القادمة.
فنقول: لا يصحُّ هذا وذلك؛ لأن الكفارة تأتي بعد العمل.
(كَفَّرَ بمعنى غَطَّى): فالكفَّارة أصلاً تغطي الخطأ الذي في العمل، فلا بد أن تكونَ الكفَّارة بعد العمل، وليس قبل العمل، فإذا كان هذا قد أطعم، أي: كَفَّر من أوَّل رمضان، وهو لم يأتِ العمل الذي يحتاج إلى إطعام أو إلى تكفير، فتَصح هذه الكفَّارة عن يوْمٍ واحد وهو اليوم الأوَّل من رمضان الذي أفْطَر فيه، أمَّا اليوم الثاني والثالث والرابع إلى الثلاثين، فلا تصح كفارته عنها، فيَجِبُ عليه أن يُطعم كفارة أخرى، أمَّا في آخر رمضان أو بعد نِهاية رمضان في شوال؛ كما كان يفعل أنس رضي الله عنه لما كبر، وأصبح لا يستطيع الصوم، صار إذا أفْطَر طَوال نَهار رمضان طوال رمضان الشهر كاملاً، إذا انتهى عنه رمضان جَمَع ثلاثين مسكينًا، ثُمَّ أطعمهم في نهاية رمضان، فهذا جائز، أمَّا الإطعام في أول الشهر أو الإطعام في نصف الشهر، فإنَّه لا يَقَع إلاَّ على الأيام التي سبقت، أمَّا عن الأيام التي تأتي، فلا يصح عنها، ويُعتَبر صَدَقَةً عامة، وليست كفَّارة عن فطره في نهار رمضان.
ومن الأخطاء: أنَّ بعض الناس أحيانًا ينكر على ابنته ذات السنوات العشر، أو الإحدى عَشْرَةَ سنة إذا صامت في رمضان، فيقول: يا ابنتي لا تتعبي نَفسك، ونحو ذلك مع أنها في بعض الأحيان قد تكون بلغت، ونزل منها ما ينزل من النساء البالغات، يقول الشيخ ابن جبرين حفظه الله: إنَّ الكثيرَ من الإناث قد تَحيض في العاشرة أو الحادية عشرة من عمرها، فيتساهل أهلها، ويظنونها صغيرة، فلا يلزمونها بالصيام وهذا خطأ.
قال: فإذا الفتاة حاضت فقد بلغت مبلغ النِّساء، وجرى عليها حُكم التكليف، بمعنى أنَّه لا ينبغي أن تُعاتَبُ بنت صامت، ثُمَّ إنَّه ينبغي أيُّها الأحبة الكرام تشجيعُ الأبناء عمومًا على الصوم، يعني: حتَّى ولو كان الولدُ أو البنْتُ عمره ثَمانِ سنوات، وأراد أنْ يصومَ ما في مشكلة، لماذا تقول له: أفْطِر؟ هو أكيد إذا اشْتَدَّ عطشه سيفطر، ولن يسألك عن ذلك، ألاَ تلاحظ أنَّ بعض أبنائنا رُبَّما ذهب في الصباح إلى المدرسة وهو صائم، فإذا رَجَع الظهر رجع مُتعبًا فأفطر؛ فتقول له: طَيِّب، لِمَ لَمْ تُفطِر من أوَّل النهار طَالَمَا أنَّك ستفقد صومك؟ فهو أصلاً سيفطر إذا تعب، لن تكون أرحَمَ به من نفسه في غالب الأحيان، تقول الربيع بنت معود رضي الله عنها - صحابية جليلة -: "كُنَّا نُصوِّم صبياننا".
والصَّبي: هو من سَنَةٍ إلى 7 سنوات أو 9 سنوات، ثُمَّ من 9 سنوات إلى ما فوقها يكون غُلامًا، تقول: "كنا نصوم صبياننا"، يعني: وعمره 7 سنوات و8 سنوات، تقول: إذا بَكى أحدُهم يريد الطعام، أعطيناه اللعبة من العهن - أي: لُعبة من القطن - يتَسَلَّى بِها حتَّى يؤذَّن عليه للمغرب، فلا ينبغي الإنكار على الصغير إذا صام، بل يُشجَّع، ويقال له: بارك الله فيك، فنقول له: إذا صُمت سنعطيك هدية وجائزة، خاصَّةً أنَّه مفيد أيضًا لجسمه، ومفيد لبطنه وجوفه، فينبغي تشجيعه على مثل ذلك.
ومن الأخطاء: أنك تجد بعض المفطرين في نهار رمضان بغير عُذر، مثل بعض المسافرين قد يسافر أحدُكم مثلاً إلى مكَّة، أو إلى جدَّة، أو إلى مكان آخر، فيفطر فيجوز له ذلك؛ لأنه مسافر، لكنْ القضية أنك تجده في سيَّارته مع أبنائه وقد وصل وهو يشرب العصير، ويأكل ما يشاء، وأبناؤه الكبار يفعلون مثل ذلك في سيَّارته في نهار رمضان، والناس الذين حوله ينظرون إليه في نهار رمضان، فيقول في نفسه: أنا مسافر، فنقول له: صحيح أنت مسافر، لكن عذرك غير ظاهر، الناس لا يدرون أنك مُسافر، يظنون أنَّك من أهل البلد، أمَّا لو كان عذرك ظاهرًا بأن يكون الإنسان كبيرًا جدًّا في السنِّ؛ فكل من رآه يعلم أن هذا أفطر؛ لكبر سِنِّه، فلا تذهب حُرمة الشهر، ولا يتساهل النَّاس، ولا يسيئون الظَّنَّ به، يعلمون أنَّه معذور، أمَّا إذا كان العذر غير ظاهر، مِثل من يفطر وهو مسافر، فلا ينبغي أن يأكل ويشرب أمام الناس، كذلك من كان مَرَضُه غيرَ ظاهر، بَعْض النَّاس مُصاب بمرض مُعيَّن، لا يستطيع معه الصوم؛ لأن الصوم مثلاً يرفع عنده بعض المواد في جسمه، يرفع السكر أو ينقصه، أو نحو ذلك، فلا يستطيع الصَّوْم أبدًا، لكنَّ الَّذي يراه لا يدري أنَّ هذا الشخص معذورٌ، يراه جسمًا قويًّا، ورجلاً بالغًا عاقلاً مُسلمًا، فلا ينبغي لمن لم يكن عذرُه ظاهرًا كالمريض والمسافر ونحوهما، لا ينبغي عليه أن يأكل ويشربَ أمامَ الناس؛ لأن هذا يقدح في حُرمة الشَّهر، ويُقلِّل تعظيم الشهر في أعين الناس، ويجعل النَّاس رُبَّما أساؤوا الظَّنَّ بهذا الشخص، فإذا كنت عازمًا على الفطر بعذر، فكُلْ واشْرَب ولا تُسِئْ، في بيتك أو مكتبك؛ حتى لا يراك الناس؛ فيحصل بعد ذلك كما ذكرنا من عدم تعظيم الشهر، أو نحو ذلك.
ومن الأخطاء: أنَّك تجد بعض الصائمين يتحرَّج من استعمال السِّوَاك في نَهار رمضان، ورُبَّما ظنَّ أن السواك يفطر؛ فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «
»؛ كما في الصحيحين، لم يَخص النبي صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم الصائم من غيره، بمعنى أن الجميع يجوز أن يستعملوا السِّواك، ولكن يَجب على الإنسان إذا كان السِّواك فيه طَعْم أو جديدًا، لا ينبغي أن يبلع الطعمَ، أو إذا تقطَّعت شعراته أثناء السواك، فينبغي أن يُخرجَها حتَّى لا تدخُل إلى جوفه، كما أنه يُحظر من أنواع السواك التي ظهرت اليوم التي بطعم النعناع واللَّيْمون، ونحو ذلك مضاف إليها موادُّ ومرتبطات وأمور من الروائح العطرية، ورُبَّما بعض الطَّعْم، ونحو ذلك لا ينبغي أن يستعمل في رمضان؛ وذلك إنِ استعمله أثَّر فيه، وربما دخل إلى جوفه، أمَّا السواك العادي فإنَّه يجوز استعماله إلاَّ أن يكون جديدًا، فلا يبلع ريقه أو يبلع طعمه إذا استعمله.ومن الأخطاء أيها الإخوة الكرام أنَّك تجد بعض المؤذنين لا يؤذن للمغرب إلاَّ بعد انتشار الظلام؛ كأن يكون مثلاً في البر، أو يكون في القرية، أو رُبَّما في البلد، فيتعمَّد أن يؤخر الأذان دقيقة أو دقيقتين؛ حرصًا منه على أن يتَمَّكن الوقت، وهذا غير صحيح؛ هو بذلك يفوت على نفسه وعلى الناس تعجيل الإفطار، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخْبَر أنَّ من الفُروق التي بين صيامنا وصيام الذين أوتوا الكتاب: تأخير السحور، وتعجيل الفطر.
ومن الأخطاء أنَّك تجد بعض الصائمين يغْفَل عن الدعاء لمن قام بإطعامهم الإفطارَ، قد يدعو لأحد على طَعَام الإفطار، ثم يأكل ويشرب ويقوم دون أن يدعوَ لهم، والسُّنة أن تدعوَ لمن أطعمك، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا طَعِم عند أحد قال: « » ؛ أو قال: « »، أو يقول: « »؛ كما عند مسلم، أو يقول: « »؛ كما عند مسلم، فينبغي إذا أُطْعِمْتَ، سواء في الإفطار أم في أكلة السحور أم في غير ذلك في غَيْرِ رمضان، أن تدعوَ للرجل الَّذي تكلف وقام بالإطعام.
وكذلك من الأخطاء: أنَّك تسمع - أحيانًا في صلاة التراويح، أو في أثناء الدعاء في دعاء القنوت - من بعض المصلين البكاء الشديد بصوت مُرتفع جدًّا، لا شك أيها الفضلاء أنَّ البكاء تأثُّرٌ في الصلاة، أو في قراءة القرآن، والبكاء عند سماع الدعاء أمرٌ حسن، وينبغي على الإنسان أن يرقِّق قلبه؛ لأجل أن تَذْرف عينه؛ «القلب وأقصى الصدر، أمَّا العويل والصراخ فلم يكن من فعله عليه الصلاة والسلام كذلك عمر رضي الله عنه كان يصلِّي بالناس، فكان إذا صلَّى بهم يكادون لا يسمعون قراءته من شِدَّة رِقَّتِه، يعني: يبكي فينقطع صوته، ويبدأ يُخرجُ صوتًا حزينًا، أمَّا الصُّراخ ورفع الصوت فهذا خِلاف السُّنة؛ لَمَّا ذكر الله الدعاء قال جلَّ في علاه: {ادْعُوا رَبَّكُمْ} [الأعراف:55].
»، لكنَّ المقصود أن يكون البُكاء خفية؛ كما كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بكى في صلاته يسمع لصدره أزيزٌ كأزيز المِرْجَلِ من البكاء، أي: صوت يسير يدُلُّ على تأثُّره، وصوت يَخرج من أقصىكيف ندعوك يا ربَّنا؟ قال: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف:55]، وفي آية أخرى قال: {وَخِيفَةً} [الأعراف:205]، وبَيَّن الله في آية غيرَ ذلك: {وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} [الأعراف:205]، فبَيَّن الله جل وعلا بأنَّه لا يرفعُ الصوت، ولا يصرخ؛ كما أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أصحابه في بعض الأسفار يرفعون أصواتهم بالدعاء؛ فقال صلى الله عليه وسلم: « »؛ لماذا ترفع أنت صوتك؟ تريد أن تُسْمع الله؟ الله سبحانه وتعالى سمع دبيب النَّملة السوداء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء.
ويرى حركات الجنين ويسمع صوته في بطن أمِّه، فلا ينفعُك أن ترفع صَوْتك؛ لأجل أن يبلغ ربنا جلَّ وعلا فقد سمع دعاء نُوح، ودعاء يونس عليه السلام وهو في بطن الحوت في بحر مظلم في ظلمات ثلاث، فلا ينبغي أن يرفعَ الصوت وأن يصرخ به، بل يدعو الإنسان ربه عزَّ وجلَّ تضَرُّعًا وخُفية، ويعلم أن الله جل في علاه ليس أصمَّ ولا غائبًا، بل هو قريب مُجيب ودود.
ومن الأخطاء أنَّك تجد بعض الصائمين إذا نام في نَهار رمضان، ثُمَّ احتلم، يعني: إذا أصابته الجنابة وهو نائم برؤية رآها فأصابته الجنابة - يظُنُّ أن صومه فسَدَ، ورُبَّما قام وأكل وشرب؛ بناء على أنَّ صومه فاسد، وهذا غير صحيح؛ فإنَّ الماء إذا خرج من الرجل بغير استدعاء منه، فصومه صحيح، أمَّا لو أنَّه عَبَثَ بنفسه ونحو ذلك؛ فأصابته الجنابة - نقول له: إنَّ صومك فسد، وإذا كان الرجل نائمًا أو المرأة أحيانًا، ثُمَّ استيقظ، فإذا هو جُنُب؛ فهذا لا يؤثر؛ لأنه ليس بفعل من الصائم، وكذلك ما يتعلق بالقَيْء، بعضُ الناس إذا قاء - يعني: إذا خرج منه القيء - ظنَّ أن صومه فَسَد مُطلقًا، وهذا غَيْر صحيح؛ فإنَّ الصوم يفسد بالقيء إذا كان الصائم مُتعمِّدًا له؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: «الشباب مثلاً يلعب كُرةً بعد أذان الفجر وهو صائم، أو ربَّما بعضُ النساء تشتغل في مَطْبخها بالسِّكين وهي صائمة عصرًا أو ظهرًا - فلَرُبَّما جُرح هذا الشابُّ أو جُرحت هذه المرأة، فخرج الدَّمُ، فظَنُّوا أن صومهم فَسَد بذلك، وهذا لا يَفْسُد الصوم به.
»؛ وبعضُهم يظُنُّ أنه لو خرج منه دَمٌ فسد صومه مُطلقًا؛ بعضأولاً: لأنه غير مُتعمد ولم يقصد، حتَّى ولو كان كثيرًا، لم يقصد.
الأمر الثاني: أنَّه يعتبر قليلاً كما جَرَتِ العادة في ذلك، وكما ذكرنا في خُطبة ماضِيَة أنَّ الدَّم الذي يخرج يُشترطُ له شرطان ليفسد صومه:
أولاً: أن يكون متعمدًا بإخراجه قاصدًا مختارًا.
والأمر الثاني: أن يكون كثيرًا عِرْقًا؛ حيث إنَّه ينطبق عليه ما جاء من الأحاديث فيما يتعلق بالحِجَامة.
ومن الأخطاء: أنك تجد بعض الصائمين قد اشتَدَّ عليه المرض، ربَّما أصابه صُداع شديد، أو مغص شديد، أو ربَّما كان عنده ألم في ركبته، ويَحتاج إلى أخْذِ مسكن وهو صائم، فيتحرَّج من الفطر، ويقول: لا، سوف أتحمل، سوف أبقى صائمًا، ويبدأ يتقلب على فراشه ويَئِنُّ من شدة الألم، يا أخي، ربُّ العالمين قد خفَّفَ عليك؛ {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح:6]، « »؛ فلا ينبغي أن تُشدِّد على نفسك، إذا كان الصوم يَشُقُّ عليك مشقة شديدة، وربَّما سبَّبَ لك تركُك للدواء ألَمًا شديدًا؛ فينبغي عليك أن تأخذ برخصة الله تعالى، كما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا سافر مع أصحابه، وشَقَّ عليهم الصوم أمرهم بالفطر؛ قال: أفطروا، لماذا تعذبون أنفسكم؟ أفطروا واقضوا؛ فأفْطَرَ الصحابة الكرام، ثم بلغه صلى الله عليه وسلم أن بعض الناس صام ولم يفطر، وتحمل وأتعب نفسه، فقال صلى الله عليه وسلم: « »؛ فينبغي على الإنسان إذا كان مريضًا، واشتدَّ عليه المرض، أو ربَّما كان مسافرًا، واشتدَّ عليه العطش والتعب والإرهاق؛ فينبغي عليه أن يأخذ برخصة الله تعالى التي رخص له فيها.
أسأل الله تعالى أن ينفعنا بما سمعنا، وأسأل الله أن يتقبَّل صيامنا وقيامنا، وأن يبلغنا آخر هذا الشهر كما بلَّغنا أوَّله، أقول ما تسمعوه، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له؛ تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه وخلاَّنه، ومن سار على نهجه، واقتفى أثره واستنَّ بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد: أيُّها الإخوة المؤمنون الصائمون:
ومن الأخطاء أنَّك تجد بعض الصائمين ينشغل أثناء طعام الإفطار بالأكل والشرب، ويُضيِّع متابعة المؤذن، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما رواه البخاري ومسلم: «التدخين.
»؛ فالأصل أنَّ الإنسان مع أكله وشربه أثناء الإفطار ينبغي أن يَحرص على أن يُردِّد الأذان، وألا تكون حاله على مثل هذا، وبعض الناس أيضًا أيها الأحبة الكرام، يأكل ويشرب أثناء الإفطار، والأصل أن يشكر الله تعالى أنْ يسَّر له الإفطار أولاً، وأن يسر له وأصبح مسلمًا وصام، ويرجو أن يَثْبُت له الأجر، ولكنَّ المشكلة أنك تجد أنَّه يأكل ويشرب، ويُفطر وينظر إلى ما حُرِّم في القنوات الفضائية، رُبَّما يكون فيها عازف، أو نحو ذلك من الأمور، أو نساء لَهُنَّ وضعٌ مُعين من التكشُّف، ونحو ذلك؛ فنقول له: يا أخي، كيف تجمع بين شكر الله تعالى على أنه يسَّر لك الصوم، ويسر لك الفطر، وتقول: ذهب الظمأ، وابتلَّت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله، كيف ترجو أن تُحقق الغاية من الصوم وهي التَّقْوى، وأنت الآن تنظر إلى ما حرَّم الله، وأنت تفطر على نعمة الله؟! فينبغي أن يُنتَبه إلى ذلك، ومع الأسف بعض الناس أيضًا أوَّل ما يكاد يفطر على شيء يسير على تَمر وماء ونحو ذلك قام مباشرة، تظُنُّ بعض الأحيان أنه قام إلى المسجد، ما شاء الله عليه، كيف صبر عن هذا الطعام الباقي؟ مُجرد ثمرتين، ثلاث، وكأس من عصير - قام، جزاه الله خيرًا، ثُم إذا خرجت، فإذا هو مُنذَوٍ يدخِّن، فأقول: إنَّ الذي قدَّرك على أن تمسك عن الدخان عشر ساعات أو أكثر من ذلك من طلوع الفجر إلى المغرب ينبغي أن تستعين به لتقْدر على تركه إلى اليوم الثاني، لعلَّ الله تعالى أن يخلصك منه، ويكون شهر رمضان شهرًا تزكو فيه طوال حياتك؛ إنَّك أقلعت فيه عنومع الأسف كنتُ قبل يومين في مكة، وأذِّن علينا للمغرب، ونحن في ساحة الحرم، فتفاجأتُ أن بعض الناس وهو في ساحة الحرم، ليس في الحرم الداخلي، في الساحات الخارجية، أكل تمرة وشرب ماءً، ثم أخرج علبة السجائر ودخَّن، يعني: إلى هذه الدرجة لا يستطيع أن يصبر عنه، كيف صبرتَ عنها الآن عشر ساعات؟! لا تستطيع أن تصبر عنه حتَّى تصلي، وربَّما يسَّر الله لك أيضًا أنَّك تستطيع أن تصبر أطْولَ من ذلك، يَجب على الإنسان أن لا يَجمعَ بين الطاعة والمعصية، بل حدَّثني أحد أصدقائي بأنه دُعي إلى وليمة عند أحد كبار الناس، يقول: فلمَّا دخلنا إلى داخل مكان الإفطار، دُعينا إلى وليمة إفطار في رمضان، يقول: فلما دخلنا فإذا أنواعٌ من الرُّطَب، هذا الإفطار الذي قبل الأذان، عفْوًا، الذي قبل الصلاة، أيْ بعدما يؤذن يُفطرون على شيء يسير، ثُم إذا صلُّوا يأتون ويأكلون عَشاءهم، يقول: إذْ هناك أنواعٌ من الرطب والتمر وغير ذلك من الأشياء الخفيفة، يقول: وإذْ هناك أطباقٌ فيها سجائر مُجهزة للضيوف أيضًا؛ وذلك ليأكل تمرة، ويشرب عصيرًا، ويأخذ سيجارة ويدخنها على المائدة، يقول: صاحبي فأنكرتُ عليه، قلت: بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا على دعوتنا للإفطار، ويسَّر الله لك، ولم يَحرمْك الأجرَ والثواب، وأن تأخذ مثل أجرنا، ولكن لا يجوز أن تضع بجانب التمر السجائر، لا يجوز أن تضع بجانب الحلال الذي أباحه الله، وجعل فيه المصلحة والفائدة مِثلَ هذه الأطباق التي فيها مُحرم، والله يقول: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157]، كيف تجمع؟ {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ} [النور:26]، كيف تجمع بين الخبيث والطيِّب في هذا المكان؟ انظُر إلى شدَّة التعلُّق أولاً، ثُم انظُر إلى تمكُّن المعصية أحيانًا من بعض الناس، إلى درجة أنه لا يَفهم أنَّها معصية، يغيب عن باله أنه يفعل معصية بمثل ذلك؛ وهذا ما ذكره الله تعالى {وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [التوبة:93]، وكما قال: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [المطففين:14]، فإذا غَطَّى الرانُ القلب، وطُبع على القلب، سار الإنسان يفعل المعصية دون أن يَشعُر أحيانًا بأنَّها معصية، وهذا بلا شك من أعظَمِ الأخطاء التي ينبغي على الإنسان أن يناصح غيرَه إلى واقعه إذا وقع فيها.
ومن الأخطاء أيها الإخوة الكرام، أيها الصائمون: إنَّ بعض الناس يتحرَّج من بلْعِ ريقه وهو صائم؛ فيشغلُك أحيانًا بكثرة بصاقه، والريق لا يفسد الصوم؛ وإنَّما الذي يَجب أن يَحذر منه الإنسان: لو أن الإنسان سعل (كح)، وخرج منه بلغم غليظ، ووصل إلى لسانه مثلاً؛ فهذا ينبغي إخراجه، أمَّا إذا كان لا يزال في الحلق، أو كان ريقًا في فمه، هذا لا بأس به، يجوز للإنسان أن يبتلعه، وأن يرطب به الفم، ولا ينبغي له أن يشغل نفسه بكثرة بصاقه.
من الأخطاء أيضًا أيُّها الفضلاء، أنك تجد بعض المأمومين يمسك المصحف وراء الإمام من غير مصلحة، بمعنى أنْ يحتاج الإمام أحيانًا أنْ يأمر أحد المأمومين أن يمسك مصحفًا وراءه؛ لأجل إذا أخطأ الإمام أن يفتح عليه المصَلِّي، وأن ينبهه إلى خَطَئِه في قراءة القرآن، أمَّا أن يكون عددٌ كبير من المصلين، كلُّ واحد ماسكٌ المصحفَ في صلاته، ويقول: هذا أدعى لخشوعي، هذا خطأ:
أولاً: هذا يفوِّت عليك سنة وضع اليد اليمنى على اليسرى أثناء الصلاة.
الأمر الثاني: إنَّه يفوت عليك النظر لموضع سجودك في أثناء صلاتك.
الأمر الثالث: إنَّه يشغلك؛ حيث إنه يَمسك المصحف، ويفتح الصفحات، وربَّما نقله من اليد اليمنى إلى اليد اليسرى وغير ذلك، وينبغي على الإنسان أن يحرص على أن يخشع في صلاته، وأن يحضر قلبه في صلاته بالطُّرق الشرعيَّة: النظر في موضع السجود، وضع اليدين على الصدر، مجاهدة الشيطان، محاولة التفكُّر في الآيات، إلى غير ذلك من الطرق الشرعية، أمَّا أن يقول: إني لا أخشع إلاَّ إذا أمسكت المصحف، أنا لا أخشع إلا إذا أغمضت عيني، ونحو ذلك، فيخالف بها السنة، وهذا غير صحيح.
ومن الأخطاء أيها الفضلاء: أنَّك تجد بعض المصلين لا يحرص على أن يحفظ الأذكار الخاصة بالركوع والسجود، فتجد الإمام ربَّما أطال في ركوعه وسجوده، والمأموم يردِّد: ((سبحان ربي العظيم))، ((سبحان ربي الأعلى))، ((سبوح قدوس رب الملائكة والروح))، ((سبحانك اللهم وبحمدك))، ((اللهم اغفر لي))، ((سبحان ذي الملكوت والجبروت والعظمة والكبرياء))، ((خشع لك سمعي وبصري ومخي وعضدي ومتقلبي في قدمي))، إلى غير ذلك من الأذكار الموجودة في كتب الأذكار، احرص عليها حتَّى تنوع الأذكار في صلاتك، خاصَّة أنَّنا مُقبلون على العشر الأخيرة، ينبغي أن تَحرص على أن تُتقن هذه الأذكار؛ من أجل أن تقولها أثناء صلاتك.
أسأل الله تعالى أن يتقبل منَّا صيامنا وقيامنا، أسأل الله أن يتقبل منَّا صيامنا وقيامنا، اللهم اجعلنا مما تقبَّلت صيامهم، وأَثَبْته على قيامه، وباركت في ساعاته وأيَّامه، يا حيُّ، يا قيوم.
اللهم إنَّا نسألك أن تجعلنا ممن صاموا لك الشهر فاستكملوا الأجر يا عظيم المنِّ والصفح، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم اجمع كلمتهم، وسدد رمْيَهم، يا حي، يا قيوم.
اللهم اقضِ الدين عن المدينين، واشْفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم فكَّ أسرانا وأسرى المسلمين، اللهم فكَّ أسرى المسلمين في كل مكان، اللهم فكَّ أسرى المسلمين في كل مكان، اللهم أخْرِج إخواننا في (جوانتنامو) وفي سجون أمريكا وفي كل مكان.
اللهم وفِّق وليَّ أمورنا لما تُحب وترضى، اللهم خذ بناصيته للبِرِّ والتقوى، اللهم وفِّقْه لهداك، واجعل عمله في رضاك وسائر وُلاة أمور المسلمين.
اللهم صلِّ على مُحمد، وعلى آل مُحمد؛ كما صلَّيْت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى آل محمد؛ كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم؛ إنَّك حميدٌ مَجيد.
سبحانك ربنا رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين.
- التصنيف:
- المصدر: