شعارات ليبرالية انخدع بها الأخيار

منذ 2016-06-22

هذه تسع عبارات خاطئة فاسدة قال عنها الشيخ السكران حفظه الله أنها "أربكت الكثير من التصورات الشرعية عند بعض الأخيار، بسبب كثرة تصفحهم للمقالات المتشبعة بضغط ثقافة الحرية الليبرالية الغالبة

الحمد لله رب العالمين، وبه نستعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين أما بعد:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، منزل التوراة والإنجيل والفرقان، فاطر السموات والأرض، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم».

هذه تسع عبارات خاطئة فاسدة قال عنها الشيخ السكران حفظه الله أنها "أربكت الكثير من التصورات الشرعية عند بعض الأخيار، بسبب كثرة تصفحهم للمقالات المتشبعة بضغط ثقافة الحرية الليبرالية الغالبة"(سلطة الثقافة الغالبة 182)، وهي:

1- قولهم: "هل الإسلام دين هش لنخشى عليه من الشبهات".

2- قولهم: "لا تكن إقصائياً".

3- قولهم: "ليس من حق أحد الوصاية على المجتمع".

4- قولهم: "انتقد من شئت لكن ابتعد عن منهج الإسقاط".

5- قولهم: "لماذا تتحدثون وكأنكم أنتم الصواب دون غيركم".

6- قولهم: "لا أحد يملك الحقيقة المطلقة".

7- قولهم: "يجب أن ننتقد الأفكار دون الأشخاص".

8- قولهم: "السلف اختلفوا كثيراً في الموقف من بعض الرموز".

9- قولهم: "الإمام الذهبي مدرسة رائدة في التسامح مع المخالفين بما يخالف طريقة السلفيين".

قال تعالى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ} [النمل:48] .

هذه العبارات وغيرها أفسدت التصورات الشرعية، فظهرت أرضاً مُزجت بالليبرالية لكي تصلح الأرض فأفسدتها ولم تصلحها، وتلك العبارات التسع استعرضها الشيخ السكران في كتابه "سلطة الثقافة الغالبة"، ورد عليها بمنهج شرعي متين.

ويفضل قراءة كتاب الشيخ الطريفي حفظه الله العقلية الليبرالية في رصف العقل، ووصف النقل؛ لكي يجد القارئ فائدة أكبر، وإن ثنى بقراءة كتاب "سلطة الثقافة الغالبة" فحسن، وقد نقلت جزء يسير من كتاب الشيخ السكران "سلطة الثقافة الغالبة" لأهميته في الساحة الفكرية، ولكون الكثير قد خُدع بها لاسيما الكثير من الأفاضل والأخيار، ولكونها شعارات لبعض الشباب المتدين -هداهم الله - في مجالسهم الخاصة.

وهذه الأفكار المستوردة كالريح التي تلاعبت بالقوم، فمنهم من ثبته الله، وأظهر لهم وجه فسادها، فلم يلتفت إلى البريق الذي ينبعث منها، ومنهم من خطفته فضاع في فضائها، ومنهم من حملته في هواء الأفكار المستوردة فضاع معها.

قال تعالى: {وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّـهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج:31].

العبارة الأولى: "هل الإسلام دين هش لنخشى عليه من الشبهات"

يقول الشيخ السكران: "يخطر مثل هذا السؤال أثناء الدعوة للحصانة المنهجية، فتتكرر مثل هذه التساؤلات: لماذا نخشى من نشر كتب الزنديق فلان، ولماذا نخشى من إتاحة البرامج التلفزيونية للمجدف فلان، هل بلغ إسلام المسلمين من الهشاشة لدرجة أن صرنا نخشى من كل نسمة؟ دع الزنادقة يتحدثون حتى يفتضحوا أمام الناس".

والحقيقة: أن مثل هذه التساؤلات تهدر اعتبارات جذرية من صميم "التكوين البشري"، فطبيعة عامة الناس والشباب خلال التاريخ أنهم لا يملكون "علماً تفصيلياً" بأدلة مبادئ الإسلام، والجواب عن الاعتراضات الواردة عليها، وهذا شيء طبيعي، بل ومطلوب أصلاً؛ لأنه لو تفرغ عموم المجتمع للعلم الشرعي التفصيلي، وجواب الاعتراضات؛ لتعطلت الفروض الكفائية الأخرى كالعلوم المدنية، والصناعات والتخصصات الاجتماعية والسياسية، والاقتصادية والطبية، والهندسية والتقنية...إلخ التي يقوم عليها المعاش ودنيا المسلمين.

فعامة الناس والشباب معهم "إيمان مجمل" قد تزعزعه رياح الشبهات إذا لم يتيسر له متخصص، أو مطلعٌ يزيل أشباحها عنه، ولذلك يفترض أن يكون السؤال معكوساً، فالسؤال ليس: "لماذا نخاف على غير المتخصصين من الشبهات؟" بل السؤال: لماذا نخاطر بإيمان غير المتخصصين والمطلعين من أجل شعارات الثقافة الغالبة؟

وفي نص بديع تحدث الإمام ابن تيمية رحمه الله، وحلل هذه الإشكالية يقول فيه: "فعامة الناس إذا أسلموا بعد كفر، أو ولدوا على الإسلام، والتزموا شرائعه، وكانوا من أهل الطاعة لله ورسوله؛ فهم مسلمون، ومعهم إيمان مجمل، ولكن دخول حقيقة الإيمان إلى قلوبهم إنما يحصل شيئاً فشيئاً إن أعطاهم الله ذلك، وإلا فكثير من الناس لا يصلون لا إلى اليقين، ولا إلى الجهاد، ولو شككوا لشكوا، ولو أمروا بالجهاد لما جاهدوا، وليسوا كفاراً، ولا منافقين، بل ليس عندهم من علم القلب ومعرفته ويقينه ما يدرأ الريب، ولا عندهم من قوة الحب لله ولرسوله ما يقدمونه على الأهل والمال، وهؤلاء إن عوفوا من المحنة، وماتوا؛ دخلوا الجنة، وإن ابتلوا بمن يورد عليهم شبهات توجب ريبهم؛ فإن لم ينعم عليهم بما يزيل الريب، وإلا صاروا مرتابين، وانتقلوا إلى نوع من النفاق، وكذلك إذا تعين عليهم الجهاد، ولم يجاهدوا؛ كانوا من أهل الوعيد، ولهذا لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أسلم عامة أهلها، فلما جاءت المحنة والابتلاء نافق من نافق، فلو مات هؤلاء قبل الامتحان لماتوا على الإسلام، ودخلوا الجنة، ولم يكونوا من المؤمنين حقاً الذين ابتلوا فظهر صدقهم".

وخلاصة الجواب على هذه الإشكالية أنه ليس الإسلام ديناً هشاً لنخشى عليه من الشبهات، بل قلوب بني آدم هي الهشة، وهي التي نخشى عليها، فنحن لا نخشى على الوحي بل نخشى على الأرواح التي تحمل الوحي أن تخسره بشبهة عارضة".

قلتُ: عليك يا أخي بهذا الدعاء، فإنك ضال إن لم يهدك الله، ويثبتك، ويصرفك عن الشبهات: «يا حي يا قيوم برحمتك استغيث أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين».

العبارة الثانية: "لا تكن إقصائياً":

قال الشيخ السكران: "وهذه العبارة مجملة، فالإقصاء نوعان:

- إقصاء واجب شرعاً، وهو إقصاء كل فكرة أو مفهوم مخالف للقرآن والسنة، وإقصاء كل من ينشر الشبهات والشهوات بين المسلمين، ففي مثل هذه الحالة يجب علينا أن نكون إقصائيين، وكل يستنكر الواجب شرعاً؟!

- وثمة إقصاء ممنوع شرعاً، وهو إقصاء المخالف في المسائل الاجتهادية.

العبارة الثالثة: "ليس من حق أحد الوصاية على المجتمع":

قال الشيخ السكران: "وهذه أيضاً عبارة مجملة، بل الوصاية نوعان أيضاً:

- وصاية واجبة: وهي فريضة النهي عن المنكر.

- ووصاية ممنوعة: وهي الوصاية على الناس في خياراتهم الاجتهادية والمباحة، وهذا التفصيل هدفه الرد للكليات العامة فقط، وإلا فإن أصل استخدام لفظ الوصاية نوع من السلطة كالولاية، والنظارة، ونحوها، ففيها نيابة عن الغير في الإرادة، والتنفيذ، وهذا لا شيء يوجد منه في النصيحة والإنكار.

العبارة الرابعة: "انتقد من شئت لكن ابتعد عن منهج الإسقاط":

وهذه العبارة المجملة خاطئة من وجهين:

- أولهما: أنهم توهموا أن الإسقاط قرار فردي يتخذه شخص معين، وهذا مجرد وهم، فلا أحد يستطيع أن يسقط أحداً مهما كانت مكانة الناقد، وإنما سقوط الشخص من جماعة أهل السنة مرتبط بواقع موضوعي يفرض نفسه، وتأمل في كثير الفقهاء، والدعاة، والأعلام الذين خاض فيهم كبار بظلم وعدوان، ومع ذلك لم يستطيعوا إسقاطهم حينما كانوا على الجادة في الجملة، فهدئ من روعك فلا أحد يقوى على إعدام مكانة شخص آخر إلا إن كان ثمة واقع موضوعي يساعده على ذلك.

- والوجه الثاني لخطأ هذه العبارة: أن الإسقاط ليس بمذموم مطلقاً، بل فيه تفريق بين "الإسقاط بحق" أي لمن غلب خطؤه على صوابه، و"إسقاط بظلم" لما كانت أخطاؤه مغمورة.

ومن المعلوم للعام والخاص أن كثيراً من المنتسبين للعلم في عصور السلف لما كثرت مخالفتهم للأدلة، وظهر اتباعهم للأهواء؛ أسقطهم السلف، وذموا الأخذ عنهم.

فالإسقاط بحق لمن كثرت مخالفتهم فرض كفائي شرعي، لأن ترك هذا النمط من الناس يبثون سمومهم المنتهكة للكتاب والسنة، وطريقة السلف؛ تدليس على الأمة، وأما الإسقاط بظلم أي: لمن كانت أخطاؤه مغمورة فهي بغي مذموم.

العبارة الخامسة: "لماذا تتحدثون وكأنكم أنتم الصواب دون غيركم":

يقول الشيخ السكران: "مثل هذه العبارة لو تأمل فيها صاحبها لعلم أن مؤداها إغلاق باب الإنكار، والاحتساب، والنقد بالمرة، بل ما هو أشنع من ذلك، وهو سد باب "اليقين في الشرعيات"!، وجوهر الضلال في هذه العبارة عدم تمييز صاحبها للقاعدة الأولى وهي: "التمييز بين المسائل الظاهرة والاجتهادية"، فالمسائل الظاهرة يحمد للمكلف أن يوقن فيها بمدلول النص، لكون المسائل الاجتهادية هي التي يجب فيها الظن أو غلبته بحسب الحال، ولا يجوز المرء اجتهاده فيها هو الصواب المطلق دون غيره".

العبارة السادسة: "لا أحد يملك الحقيقة المطلقة":

يقول الشيخ السكران: "هذه العبارة شائعة جداً في الفكر العربي المعاصر، وهي كالأرضية لكثير من أطروحاتهم، بل هي كالبسملة عندهم، يبدؤون بها، ويمهدون لمقالاتهم، وهذه العبارة خطأ من وجهين:

أولها: تعبيرهم بـ(الامتلاك)، ومن المستقر عند الناس جميعاً أن الحقائق لا تملك أصلاً بل تعرف وتُعلم.

ثانياً: لو قالوا: "لا أحد يستطيع أن يعرف الحقيقة المطلقة" لتبين للناس مباشرة سذاجة هذه العبارة، ذلك أن الله جل وعلا وصف كتابه بأنه "يقين"، وأنه "لا ريب فيه"، و"محكم"، و"مفصل"، "بينات"، وأن مضامينه "حقائق"، فإذا كان بنو آدم لا يستطيعون أن يصلوا إلى هذه الحقائق المطلقة في القرآن فلأي شيء وصف الله كتابه بكل ذلك إذن؟

فمؤدى ذلك أن تلك الأوصاف عبث لا معنى لها - تعالى الله عن ذلك -.

ومن تأمل عبارتهم هذه علم أن مقتضاها أن كتاب الله تعالى، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم "غامضة" لا توصل إلا إلى الحيرة والتذبذب والتردد، ولا توصل للحقائق المطلقة، فأي إزراء بالله ورسوله أكثر من ذلك؟"

العبارة السابعة: "يجب أن ننتقد الأفكار دون الأشخاص":

قال الشيخ السكران: "وهذا أيضاً كلام محدث ليس على إطلاقه، بل هذا الإطلاق قطعاً مما يعلم مناقضته لإجماع السلف، فالسلف أحياناً ينتقدون المفاهيم والتصورات، ويدعون ذكر الشخص إما لكونه فاضل وقع في هفوة، أول لتفادي رفع ذكر المنقود، وإشهاره، أو لمصلحة مداراة أتباعه لئلا ينفروا، أو لغير ذلك من المصالح الشرعية.

وتجدهم أحياناً ينتقدون الشخص باسمه، أو اسم كتابه، أو فتواه التي عُرف بها، لمصالح شرعية أخرى مثل كثرة سؤال الناس عن الاستفادة منه، أو كونه متلون يستعمل العبارات المطلية لتمرير ضلالته، أو كونه جاداً ساعياً في ترويج أفكاره الباطلة؛ أو غير ذلك من المصالح الشرعية.

العبارة الثامنة: "السلف اختلفوا كثيراً في الموقف من بعض الرموز":

يقول الشيخ السكران: "وأغلب من يقول مثل هذه العبارة أو معناها إنما يريد بها التوصل إلى أن السلف مضطربون في باب الموقف المخالف، وأنه لا أصول لهم تمهيداً لدحرجة أصله المنحرف في الموقف من المخالف، وهذا بالمناسبة شائع جداً، فغالب من ينكر أن يكون للسلف أصولاً أو قواعد في باب العلوم؛ فإنما يريد بذلك التمهيد لدس أصله المنحرف.

والمراد أن قولهم هذا بأن "السلف مختلفون في الموقف من بعض الرموز" فالحقيقة أن من تدبر اختلاف أئمة السلف في تقييم بعض الأشخاص؛ وُجد أن غالبه ليس بسبب الخلاف في أصل "الموقف من الخلاف"، وإنما بسبب الاختلاف في تقدير واقع الشخص نفسه أي: أن جمهور الخلاف إنما هو في "الوقائع" لا في "القواعد"، والوقائع يختلف الناس فيها بحسب ما بلغهم عن حال المنقود.

العبارة التاسعة: "الإمام الذهبي مدرسة رائدة في التسامح مع المخالفين بما يخالف طريقة السلفيين":

يقول الشيخ السكران: "وهذا أيضاً مبني على تبعيض وتجزئة نصوص الذهبي رحمه الله، ففي مجال الهفوة والزلة يقول في "السير": "ولو أنا كلما أخطأ إمامٌ في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفوراً له قمنا عليه، وبدعناه، وهجرناه؛ لما سلم معنا لا ابن نصر، ولا ابن مندة، ولا من هو أكبر منهما"، لكنه في مجال "الأصل المنهجي المنحرف" يقول في السير أيضاً: "نقل صاحب "مرآة الزمان" بلا إسناد عن الدارقطني أنه قال: كان ابن قتيبة يميل إلى التشبيه، قلت: هذا لم يصح، إن صح فسحقاً له، فما في الدين محاباة".

وله الكثير من النصوص في هذين الوجهين كليهما، فيتسامح مع الإمام الذي له الزلة والزلتين ونحوها، ويغلط على من ثام على أصل منهجي منحرف، وخصوصاً إن كان من الدعاة له.

هذه بعض أهم التمييزات السنية في العلاقة بالمخالف، ومناقشة بعض التعابير المشحونة بمضمون ليبرالي، والتي راجت لدينا بسبب ضغط ثقافة الحرية الليبرالية الغالبة".

المصدر: ثقافة السلطة الغالبة:182/189

وهذه العبارات ركز عليها الشيخ السكران لرواجها، وإلا فهناك شعارات أخرى إما منفصلة، أو تندرج تحت احدى هذه العبارات، اختلفت الكلمات، وتوافقت في المضمون.

ومن أراد أن يعرف حقيقة القوم فعليه أن يقرأ لعلماء السنة الذين ألفوا كتباً عنهم فتجدها تعتز بالدين الإسلامي، وتظهر قوته، وقوة حجته، ودمغه لأباطيل هذه التيار المنحرف.

ونقلت هنا هذه العبارات مع الرد عليها من مبحث كامل في كتاب ثقافة السلطة الغالبة بعنوان "تمييزات العلاقة بالمخالف" فمن أراد التفصيل المشبع بالطرح الشرعي المتين في كيفية التعامل مع الفكر الليبرالي، ومعرفة أصوله وفروعه التي يقف عليها اتباعه؛ فليعد لكتاب الشيخ، وليرفق معه كتاب الشيخ الطريفي عن الليبرالية لتحصل له الفائدة الأكبر، ويعرف حقيقة القوم بأقوم طريق وأقصره.

هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

الكاتب : سامي بن خالد المبرك

  • 3
  • 0
  • 4,370

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً