اجتناب فتنة الاختلافات

منذ 2016-07-09

كيف اتجنب الفتنة المترتبة على الخلاف في المسائل الفقهية؟؟

انتشر بالأيام الماضية بالفيسبوك جدل كبير حول موضوع النمص وأقوال المذاهب المختلفة ما بين محرم ومجيز.
وانتشر معها أهمية عدم الإنكار على من يتبع قول مخالف لما تتبعيه.

وقد آثار هذا الموضوع فتنة شديدة بين الأخوات لعدم استيعابهم لمعنى الخلاف بالمسائل الفقهية وكيفية التعامل معه وعدم فهمهم المقصود بعدم الإنكار.

وقد حزنت حزنا شديدا حينما راسلتني أخت تستشيرني بالأمر وكان مما قالته: "أنا مقتنعة بحرمة النمص ولا أنوي فعله وأعرف اختا تعلم بحرمته هي أيضا لكنها قررت تنمص حاجبيها في فرحها رغم علمها بحرمته، فهل أخبرها أنه حلال أن تنمص حاجبيها حتى تعلم أنها تفعل شيء غير محرم؟"

هنا علمت أن الفتنة وصلت لحد الكارثة؛ فحينما تكوني مقتنعة بحرمة شيء وتظني أن عدم الإنكار معناه أن تخبري غيرك بأن الأمر حلال فهذه تعتبر كارثة.

وحينما تظني أن الجواز معناه أن الأمر أصبح حلالا رغم أن من أجازوه وضعوا ضوابطا وشروطا فهذه تعتبر كارثة.

وحينما تظني أنه يمكنك الاختيار بين الأقوال المختلفة في المسألة بناءا على ما تهوى النفس وليس لأنه القول الأرجح والأصح والذي يرضي الله عز وجل فهذه أيضا كارثة.

لذلك فضلت أن أكتب بهذه الموضوع لأوضح بعض الأمور الهامة فيما يخص الاختلاف في المسائل الفقهية وكيف يتم الاختيار بين الأقوال وسأتحدث عن:

- أسباب اختلاف الفقهاء بالأحكام الشرعية
- هل كل خلاف بين الفقهاء مقبول ومعتبر؟
- كيف التصرف مع المسائل التي بها خلاف سائغ؟
- هل يمكنني الأخذ بالقول الأيسر طالما يوجد خلاف سائغ؟
- الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات.

بفضل الله كان مجال دراستي الجامعية هو: شريعة تخصص فقه مقارن (أسأله سبحانه أن ييسر لي إتمام عامي الأخير فيها)

وبالتالي تعرفنا على الأئمة الأربعة وسبب اختلافهم في المسائل الفقهية ثم بعدها حين بدأنا ندرس المسائل الفقهية، كنا ندرس أقوال المذاهب المختلفة فيها ثم القول الراجح بالمسألة.

فمن اسباب اختلاف الفقهاء:

  1. انهم كانوا منتشرين بالبلاد، وقد يصل لأحدهم بعض الأحاديث التي لم تصل لغيره، فيحكم كل واحد فيهم بناءا على الأحاديث التي وصلته.
  2. بعضهم يصله حديث ويظنه حديث صحيح فيعتمد عليه والبعض يظن أنه حديث ضعيف لأنه لم يستطع التأكد بأن الرسول صلى الله عليه وسلم رواه فعلا وبالتالي لا يعتمد عليه في الحكم.
  3. اختلافهم في فهم المسألة التي سيحكموا فيها.
  4. اختلافهم في فهم الحديث نفسه، فيجتهدوا في سبب النهي والتحريم في الأحاديث وبناءا عليه يكون الحكم بالتحريم أو الجواز معتمدين على فهمهم. مثلا حديث: «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ»؛ قال بعض الصحابة أنه ينبغي عدم صلاة العصر إلا بعد وصولهم بني قريظة لأنهم أخذوا بمعنى الحديث الظاهر وهو عدم صلاة العصر إلا هناك. وقال بعضهم بل نصلي طالما دخل وقت العصر لأنهم اعتبروا أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقصد من كلامه المسارعة بالذهاب لبني قريظة ليصلوا هناك وليس النهي عن الصلاة إلا هناك؛ وقد ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر على أي منهم فعله.
  5. عدم معرفة المقصد ببعض الألفاظ بالحديث أو الآيات؛ مثل: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ} [البقرة:288]؛ قال البعض أن قروء معناها الحيض. وقال البعض الآخر أن معناها الطهر من الحيض.

- وغيرها من الأسباب التي جعلت هناك اختلاف بالأحكام الشرعية.

طيب هل معنى ذلك أن كل خلاف بين الفقهاء مقبول ونأخذ به؟؟

الخلاف في المسائل الفقهية نوعان:

  • خلاف سائغ يعني مقبول.
  • خلاف غير سائغ يعني غير مقبول لأن الحكم فيها واضح وصريح.

والخلاف السائغ له شروط:

  1. عدم وجود دليل شرعي يبين حكمها بما ان المسألة شيء جديد حدث في عصرنا الحالي وبالتالي يجتهد كل عالم في حكمها على حسب ما لديه من علم وبصيرة وقدرة على معرفة الحكم من الادلة الاخرى.
  2. وجود دليل صريح لكن المقصد منه غير صريح فيختلف العلماء في فهم الهدف من الحديث وعلى هذا يختلف حكمهم.
  3. وجود دليل صريح لكن العلماء اختلفوا هل الدليل هو حديث صحيح ام ضعيف؟

إذن من كل ما سبق نفهم أن الأحكام الفقهية أخذت جهد وتعب ودراسات من أهل العلم المشهود لهم بالعلم ليصلوا للحكم الذي يعتبروه أصوب وأحق.

مع ترديدهم دوما أنه لو صدر منهم حكم ثم وُجد بعد ذلك حديث يتعارض مع حكمهم، فينبغي الأخذ بالحديث وتجاهل حكمهم.

لذلك لو ثبت أن المسألة فيها خلاف سائغ، فلا ينبغي لكِ أن تنكري على غيرك ممن أخذ بقول غير الذي أخذتيه حتى لو كنتِ مقتنعة بخطأ القول الآخر.

لأن القول الآخر لم يأتي من هوى النفس وإنما كان نتيجة اجتهاد علمي وتقوى لله عز وجل؛ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» (رواه البخاري).

مع العلم أن عدم الإنكار لا يعني أبدا أن تتقبلي القول الآخر وتنشريه. فمن غير المنطقي أن تكوني مقتنعة بحرمة شيء وتقتنعي في نفس الوقت بالقول القائل بجوازه وتنشريه بين الناس.

طيب ماذا تفعلي في المسائل التي بها خلاف سائغ؟

  1. إن كان لك باع في العلم ودرستِ الفقه وأصوله وعندك القدرة أنك تنظري في الأدلة لتري أيهم أكثر قربا للصواب ودليلها أرجح، فافعلي. مع الحذر من التعصب للمذاهب والانتباه أن يكون اختيارك مبني على النصوص الشرعية وليس أقوال العلماء. والحذر من أن يتم اختيار ما يوافق هواك.
  2. أما ان كنتِ من العوام وهذا حال أغلب الناس، فعليك بالبحث عن شيخ ثقة مشهود له بالعلم والورع لتسأليه. فإن كان الشيخ تابع لمذهب معين، غالبا سيخبرك بقول ذلك المذهب. وإن كان لا يتبع مذهبا معينا، سيقوم بالنظر في الأحكام المختلفة في المسألة ثم يخبرك بالقول الراجح لديه. والقول الراجح يقرره هو بناء على رؤيته للأدلة وأي الأدلة الشرعية يراها أقوى وأصح؛ وليس شرطا أن يكون القول الراجح عند الشيخ هو ما اتفق عليه جمهور العلماء.... فتوى: متى يمكن مخالفة الجمهور. ويقول ابن القيم رحمه الله: "اعلم أن الإجماع والحجة والسواد الأعظم هو العالم صاحب الحق وإن كان وحده، وإن خالفه أهل الأرض، فإذا ظفرت برجل واحد من أولي العلم طالب للدليل محكم له، متبع للحق حيث كان وأين كان، ومع من كان زالت الوحشة وحصلت الألفة..."
  3. وإن لم تُوفقي في إيجاد شيخ ثقة، فعليك بالموقعين التاليين:
  • الاسلام سؤال وجواب: وهو أفضلهم عندي ودوما يذكر الأقوال المختلفة ثم القول الراجح لديهم.
  • شبكة الإسلام ويب: أحيانا يذكر الأقوال المختلفة ثم القول الراجح وأحيانا يكتفي بالقول الراجح.

مع الانتباه والتدقيق في البحث حتى لا تذهبي لمسألة تشبه مسألتك لكن حكمها يختلف عن حكم مسألتك.

طيب هل يمكنني آن آخذ بالقول الأيسر في المسألة طالما أن الخلاف فيها خلاف سائغ؟
- ان كان اختيارك مبني على هوى نفسك وما تشتهيه فلا يجوز لك أخذ ما ترغب به نفسك؛ قال بعض أهل العلم: لو أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله.
- أما إن كان اختيارك لوجود رخصة تيسر لك العبادة والطاعة فيمكنك الأخذ بها مثل الأخذ برخصة الجمع والقصر في الصلاة للمسافر؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ» (رواه أحمد وابن حبان، والبيهقي).

وأخيرا أذكرك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْحَلالَ بَيِّنٌ ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ...» (رواه مسلم).

بين: أي واضح وظاهر.
مشتبهات: أي غير واضح.
لا يعلمهن: أي لا يعلم حكمها الشرعي لتنازع الأدلة فيها.
استبرأ لدينه وعرضه: أي طلب البراءة في دينه وعرضه.
وقع في الشبهات: أي تجرأ على الوقوع فيها.
فانتبهي لدينك أخيتي واعلمي أن الدنيا فانية زائلة

فحين تجدي في نفسك الحيرة ولم تجدي الشيخ الثقة الورع لتستفتيه، فابتعدي عن الشبهات حفاظا على دينك.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
------------
يوليو 2016

سوزان بنت مصطفى بخيت

كاتبة مصرية

  • 2
  • 0
  • 16,401

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً