ثورة 23 يوليو والديمقراطية

منذ 2016-07-25

"إقامة حياة ديمقراطية سليمة" كانت هدفا من الأهداف الستة التي أعلنت ثورة 23 يوليو1952م أنها قامت من أجل تحقيقها؛ فهل حققت الثورة هذا الهدف؟؟ وإن كانت حققته فلأي مدى حققته؟؟ وإن كانت لم تحققه فلماذا لم تحققه؟؟

قد يحلو للبعض في هذا السياق أن يحلل الأفكار النظرية لثورة يوليو ويبحث عن موضع الديمقراطية فيها؛ وقد يستشهد البعض بأقوال جمال عبد الناصر في أوائل الستينات التي أشار فيها إلى أن الثورة لم يكن عندها نظرية؛ وقوله: " انا بأقول إني ماكنتش مطلوب مني ابدأ في يوم 23 يوليو اني اطلع يوم 23 يوليو معايا كتاب مطبوع واقول ان هذا الكتاب هو النظرية. مستحيل. لو كنا قعدنا نعمل الكتاب ده قبل 23 يوليو ماكناش عملنا 23 يوليو لأن ماكناش نقدر نعمل العمليتين مع بعض".

لكن في حقيقة الأمر أن السير في تناول موضوع ثورة يوليو والديمقراطية على هذا المنوال هو سير في طريق رسمه عبد الناصر ليخفي به حقيقة أهدافه وتصوراته؛ وهو ما ينافي الموضوعية في تناول الموضوع.لقد إدعى الثوار في كل أحاديثهم وتصريحاتهم العمل من أجل الديمقراطية غير أن هدف "إقامة حياة ديمقراطية سليمة" الذي أعلنوه انطوى في حد ذاته على نقد مبطن للديمقراطية التي كانت قائمة قبل الثورة؛ كما انطوى طرح الهدف بهذه الصيغة على الإشارة أن للديمقراطية مفهوما محددا لدى الثوار مختلفا عن المفهوم السائد عبرت عنه الأهداف الستة بجملة "حياة ديمقراطية سليمة".

إذن ما هو المفهوم الخاص بالديمقراطية الذي كانو يتبنونه؟؟؟

بداية لابد أن نلاحظ أن ثوار يوليو لم يكن لهم مفهوم محدد للديمقراطية أو أي تصور نظري محدد ومفصل لأي من القضايا السياسية أو الإقتصادية أو الإجتماعية سواء منها ما انتظمته الأهداف الستة أو غيرها؛ وقد عبر عن ذلك عبدالناصر في أكثر من مناسبة بما في ذلك مقولته المذكورة في بداية المقال؛ إذن فعن ماذا كانت تعبر ثورة يوليو؟؟

لقد عبرت ثورة يوليو عن رد فعل مضاد على الأوضاع البائسة والفاسدة التي كانت سائدة في حياة مصر السياسية والاقتصادية قبل 23 يوليو 1952م؛ لقد كره الجيش الوفد بسبب حادثة 22 فبراير 1942م وبسبب الفساد الذي ساد دوائر الوفد العليا؛ كما كره الجيش والشعب الأحزاب والحياة الحزبية بسبب الفساد والتزوير والمحسوبية التي سادت في ذلك الوقت؛ كما أمل الجيش والشعب في أن تدخل مصر في مرحلة جديدة من تاريخها بعد ثورة 23 يوليو 1952م؛ وبذا بدا لدى الأغلبية من الجيش والشعب والقوى السياسية العقائدية الصاعدة (الإخوان المسلمون والشيوعيون ومصر الفتاة) أن أي إجراءات جديدة تتخذها الثورة كبديل عن الأوضاع السابقة ستكون أفضل من الأوضاع السابقة كما اتفق الجميع على حتمية عدم الرجوع للأوضاع السابقة قبل 23يوليو 1952م.

ومن هنا كان يمكن لقادة الثورة فعل أي شئ جديد دون معارضة تذكر.

كان هناك خالد محي الدين الوحيد من مجلس قيادة الثورة الذي دعا لإقامة حياة ديمقراطية ونيابية سليمة لكنه لم يسانده أحد وسرعان ما أجبر على الاستقالة من المجلس والانتقال للمنفى الاختياري في سويسرا؛ كانت حجة عبدالناصر ومن على رأيه في رفض إقامة نظام حكم مدني ديمقراطي سليم هو أن ذلك سيعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 23 يوليو؛ وهكذا اندلعت أزمة مارس المشهورة وحرك عبدالناصر مظاهرات مأجورة تدعو بسقوط الديمقراطية.

ومع ذلك ظلت الديمقراطية هي قميص عثمان لدى الثوار؛ فعندما اختلف محمد نجيب مع عبدالناصر والثورة رفع نجيب شعار الديمقراطية لكن نجيب تمت إزاحته وحبسه (نوفمبر 1954م)؛ وعندما اختلف البغدادي مع عبدالناصر رفع أيضا شعار الديمقراطية وأزيح أيضا (1964م)؛ وعندما اختلف عبدالحكيم عامر مع عبدالناصر إثر هزيمة يونيو 1967م رفع شعار الديمقراطية؛ لكنه أزيح أيضا.

وهكذا ورغم كل شيء فقد تمكن عبدالناصر من التخلص من كل زملائه (بعدما تخلص من الإخوان والشيوعيين) والاستئثار بالحكم حتى يوم وفاته فكيف تم هذا وما علاقة هذا بالديمقراطية؟؟

في البداية لم يكن جمال عبدالناصر منفردا بالقرار وذلك بحكم وجود معارضة ومنافسة لدوره داخل مجلس قيادة الثورة ولكن دور عبدالناصر ما لبث أن تبلور تدريجيا بعد خروج العناصر المناوءة له من المجلس ورسوخ سلطته السياسية وبالذات بعد أن جمع بين منصبي رئيس مجلس قيادة الثورة ورئيس مجلس الوزراء في ابريل 1954م ومن ثم بدأ عبدالناصر يلعب دورا رئيسيا في اتخاذ القرارات السياسية تصل إلى حد الانفراد بالقرار؛ فعلى سبيل المثال قرر بمفرده الاتصال بالاتحاد السوفياتي عن طريق الصين الشعبية لطلب شراء أسلحة في ابريل 1955م دون إبلاغ مجلس قيادة الثورة واكتفى بإبلاغ المجلس والحصول على تأييده بعد أن تمت الاتصالات بالفعل.

وقد حدد الإعلان الدستوري الصادر في 10فبراير 1953م فترة انتقالية قوامها 3 سنوات لانتخاب رئيس الجمهورية وإصدار دستور دائم وناقش مجلس قيادة الثورة شكل النظام السياسي الجديد منذ أغسطس 1955م واتجه أعضاء المجلس لإعطاء عبدالناصر دورا قياديا نهائيا في النظام الجديد؛ وكان الاتجاه الغالب في المجلس هو أن تنتقل السلطة إلى عبدالناصر وفي هذا الصدد عارض عبدالناصر الرأي الذي طرحه عبداللطيف البغدادي بتحويل مجلس قيادة الثورة إلى مجلس جمهوري وأن تتشكل السلطة التنفيذية من وزارة مدنية؛ اللهم إلا إذا كانت سلطة المجلس الجمهوري ذات طابع رمزي وقد طالب أيضا بانشاء سلطة تنفيذية قوية من بعض أعضاء المجلس؛ وقد أيّد معظم الأعضاء تفويض عبدالناصر في وضع أسس النظام الجديد؛ وبذا أجمع المجلس على أن عبد الناصر هو الذي يعلن النظام الجديد ويعتبر مسؤولا عنه مسؤولية كاملة.

وقدم عبدالناصر مشروع الدستور إلى مجلس قيادة الثورة في يناير 1956م وتم قبوله؛ وانتخب عبدالناصر رئيسا للجمهورية في يوليو 1956م, وبذا تغير هيكل القيادة تغيرا كاملا فقد انتهى عهد السلطة الجماعية لمجلس قيادة الثورة وأصبح كل عضو من أعضائه الذين اختارهم عبدالناصر للعمل معه مسؤولين أمامه مسؤولية فردية عن العمل المنوط بكل منهم؛ وأصبح عبد الناصر الزعيم المطلق فقد أعطاه الدستور الجديد الصادر عام 1956م سلطات سياسية خيالية.

فالمادة 131 من الدستور تقرر أن رئيس الجمهورية يضع بالاشتراك مع الوزارة السياسة العامة للحكومة في جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية ويشرف على تنفيذها أي أن الرئيس يضع وينفذ السياسات العامة.

كما أعطته المادة 132 حق اقتراح القوانين والاعتراض عليها وإصدارها. وأعطته المادة 135 سلطة لإصدار قرارات تكون لها قوة القانون فيما بين أدوار انعقاد مجلس الأمة أو في فترة حله.

وأجازت المادة136 لرئيس الجمهورية في الأحوال الاستثنائية بناء على تفويض من مجلس الأمة أن يصدر قرارات لها قوة القانون.

كما أعطته المادة 137 سلطة إصدار القرارات اللازمة لترتيب المصالح العامة والإشراف على إدارتها.

هذا بالإضافة إلى سلطة إصدار لوائح الضبط واللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين وذلك ما تضمنته المادة 138.أما المادة 143 فقد أعطته سلطة إبرام المعاهدات.

وأعطته المادة 144 سلطة إعلان حالة الطوارئ. وأعطته مادة 146 سلطة تعيين الوزراء وإعفائهم من مناصبهم.

كما أن الدستور قرر اجتماع الرئيس مع الوزراء في هيئة مجلس وزراء لتبادل الرأي في الشؤون للحكومة وتصريف شؤونها حسب المادة 147؛ وهذا يعني أنهم ليس لهم اختصاص نهائي في تلك المسائل لأن ذلك معقود لرئيس الجمهورية فالرئيس يتبادل الرأي مع مجلس الوزراء ويمارس الاختصاصات التنفيذية بنفسه وهو في ذلك لا يحتاج إلى توقيع الوزراء على القرارات التنفيذية كى تكون نافذة.

ومن ناحية أخرى أعطى الدستور الرئيس حق دعوة مجلس الأمة إلى الانعقاد وفض دورة انعقاده كما أعطاه حق حل المجلس وفي المقابل لم يعط للمجلس إلا حق إبداء رغبات أو اقتراحات للحكومة في المسائل العامة حسب المادة 92 من الدستور؛ أو طرح موضوع عام للمناقشة لاستضاح سياسة الحكومة في شأنه أو تبادل الرأي فيه حسب المادة 91.

وفضلا عن كل هذه الصلاحيات الدستورية الواسعة جدا فإن مسائل السياسة الخارجية والأمن القومي كانت مستثناة فعليا من أعمال المجلس حسبما ذكر عبدالناصر في محادثات الوحدة مع سوريا والعراق عام 1963م.

وفي إطار مجلس الوزراء كان العسكريون من أعضاء مجلس قيادة الثورة الذين اختارهم عبدالناصر للعمل معه كوزراء في المجلس الذي تشكل برئاسته يشكلون الحركة المركزية لاتخاذ القرار حول عبدالناصر فبحكم صلتهم السابقة بعبد الناصر كان لهؤلاء العسكريين السابقين علاقات أوثق بعبد الناصر كما شغلوا الوزارات الرئيسة وأشرفوا على أعمال الوزراء المدنيين حسبما ذكر سيد مرعي؛ بيد أن دور هؤلاء العسكريين في مجلس الوزراء وفي عملية اتخاذ القرار لم يكن يعني بالضرورة مشاركتهم الفعالة لجمال عبدالناصر في اتخاذ القرارات؛ فلم يكن لأي منهم مكانة تمكنه أن يكون مشاركا بشكل حقيقي في صنع القرارات.

وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن رفاق عبدالناصر لم يعرفوا بقرار تأميم قناة السويس إلا لحظة الإعلان عنه يوم 26 يوليو 1956م. وهكذا انفرد عبدالناصر بالحكم وتخلص من كل زملائه حتى مماته؛ فما علاقة هذا كله بالديمقراطية؟

عبد المنعم منيب

صحفي و كاتب إسلامي مصري

  • 2
  • 0
  • 6,183

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً