خطب مختارة - [101] الشعوذة في الفضائيات
علينا أن نبتعد عن هؤلاء الدجالين الفجرة؛ ونلجأ إلى الركن الشديد؛ إلى الله مدبر الأمر ومالك الملك وكاشف الضر، قال سبحانه: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ} [الأنعام: 17].
الخطبة الأولى
ظهرت في هذا الزمان قنوات فضائية تضرب في عقيدتنا؛ تقوم على سحب المشاهد للسحر والشعوذة، يأتون بالكهان والمنجمين ومُدَّعي تفسير الأحلام الجهلة، يتم الاتصال بتلك القنوات عبرَ وسائلِ الاتصال المختلفة للسؤال عن مرض مستعصي أو تأخر زواجٍ أو رغبةً في معرفة المستقبل؛ وعدد ما شئت، فيقوم ذلك المشعوذ الذي كفر بالله وآمن بالطاغوت بإعطاء المتّصل حلاًّ يلفُّه ربما بعباءة الدين والقرآن؛ ليُعمِّي المتصلَ عن الحق، وليتمكن من إيقاعه في أعظم ذنب عُصي اللهُ به، ألا وهو الشرك بالله تعالى، قال تعالى: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [المائدة: 72].
أتدرون ـ يا عباد الله ـ ماذا يعني الإتيان أو الاتصال بالسحرة والكهان وتصديقهم ؟ إن ذلك يعني أن تَحبط الأعمالُ الصالحة التي عملها هذا المصدِّق لهم؛ لأن سؤالهم مع تصديقهم كفر أكبر مخرج من الملة، يقول تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65].
هذا أخطرُ آثارِ برامجِ الشعوذة التي تقدمها قنوات "كنوز" و"شهرزاد" و"جرس" وغيرها من قنوات الشعوذة. ورغم أن الكثيرَ من المسلمين غيرُ مؤمن بهذه الشعوذة ويرى حرمتها؛ إلا أنه يشاهدُها من باب الفُضول والتسلية، وهذه من أُولى خطوات الشيطان التي حذرنا الله منها؛ فقال سبحانه:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [النور: 21] .
أيها المؤمنون؛ يقول سبحانه:{ قُل لا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل: 65]، وهؤلاء يدَّعون علم الغيب، ومن ادَّعى علم الغيب فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، ومن صدَّق مدّعي علم الغيب فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه بتصديقه إياهم يُكذّب كلامَ الله تعالى، وقال سبحانه عن نفسه: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} [الجن: 26، 27]
عباد الله؛ إن التعامل مع هؤلاء الدجالين طريق للخسارة لأن الله تعالى يقول: {وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ} [يونس: 77]، فأيُ فلاحٍ يُرجى من هؤلاء وقد بيَّن الله خسارَتهم وسوءَ مآلِهم وعاقبتَهم في الدنيا والآخرة ؟!
عباد الله، إن مشاهدةَ هذه البرامج مشاركةٌ لأهلها في الباطل، ومن شاهدها ولم ينكر عليهم وإنما رضي بمشاهدتها وصدّقها كان له من الإثم مثل ما لهم، قال تعالى:{ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [النساء: 140]، قال الإمام القرطبي رحمه الله : "في قوله تعالى: { إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ } دلّ ذلك على وجوب اجتناب مجالس أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر؛ لأن من لم يجتنبْهم فقد رضي بفعلهم، والرضا بالكفر كفر؛ قال الله عز وجل: {إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ}، فكلّ من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء.
إخوة الإسلام؛ إن من العجب - والله - كيف ينخدعُ أناسٌ ويتوهمون أن هناك من يعلمُ الغيبَ غيرُ الله؛ من هؤلاء الكهنة والعرافين؛ والله تعالى يقول لنبيه:{ قُل لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 188]، وكيف يغفلُ هؤلاء عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: « » [أضواء البيان: 2/232] ؟! يصلي ولا أجر له، ولو ترك الصلاة كفر؛ هذا فيمن سأل بدون تصديق، أما من سأل وصدق فقد قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: « » [السلسلة الصحيحة: 3387]، كيف يا عباد الله حال من وُكِل إلى غير الله؛ لا شك أنه يهلك، إن من وُكِل إلى غير الله كان من جند الشياطين، يتسلطون عليه ويَجلِبون له كل بلاء في نفسه وأهله وماله، هموم ومشاكل، وقلق وعسر، وشقاء في الدنيا والآخرة، قال تعالى:{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124]، والعيشةُ الضنكُ هي العناءُ في الدنيا والآخرة.
عباد الله، كيف يصدِّقُ مسلمٌ من يكتبُ مع طلاسمه الشيطانية شيئًا من القرآن؛ ليضلَّ الناسَ ويستميلَ عواطفَهم إليه، تالله ما استهان بكتاب الله أحدٌ من الأعداء استهانة هؤلاء الزنادقة المدَّعين للإسلام، هؤلاء لم يحفظوا من القرآن إلا رسمه؛ كي يأكلوا به ويكتسبوا من ورائه ويستكثروا به، {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة: 79].
فعلينا - يا عباد الله - أن نبتعد عن هؤلاء الدجالين الفجرة؛ ونلجأ إلى الركن الشديد؛ إلى الله مدبر الأمر ومالك الملك وكاشف الضر، قال سبحانه: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ} [الأنعام: 17].
نفعنا الله بكتابه الكريم وهدي نبيه القويم، وغفر لنا فهو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أيها المؤمنون، أين نحن من هدي نبينا صلى الله عليه وسلم الذي كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة؛ يدعو ربه ويستغيثُه ويسألُه حاجتَه ؟! والله تعالى يقول: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} [البقرة: 45]، ونحن نقول في كل صلاة؛ وفي أعظم سورة؛ وهي الفاتحة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، فأين نحن من تدبر هذه الآية العظيمة؟!، فمن معانيها نستعين بالله القادر المعطي الكريم على كل بلاء ومحنة وحاجة، لا بالسحرة والمشعوذين، عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » [السلسلة الصحيحة: 6/311]
فاعتصموا - عباد الله - بربكم القائل: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران: 101]، واعلموا أن المؤمنَ المتوكلَ على ربه مكلوءٌ بحفظ الله ورعايته من شر شياطين الجن والإنس؛ كما قال سبحانه: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَلَى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ . إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل: 99].
أيها الإخوة الكرام: إن أهل الإيمان والتقوى هم من حقّقوا قول الله جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [الأعراف: 201]، تذكروا ربهم، تذكروا لقاءه، تذكروا عقابه، تذكروا ناره، فارتدَعوا عن مناهيه، وانتهوا عن معاصيه، وذكرُوه بألسنتهم وبقلوبهم وجوارحهم، تائبين منيبين إليه؛ موقنين أنه سبحانه النافع الضار الحكيم المدبر، فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ يهديهم ربهم بإيمانهم، فيعتدل حالُهم ويستقيم مِزاجهم، لأن سبيلَ تقوى الله والتوكلِ عليه هو سبيل حفظ الله ورعايته لعبده ، قال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلّ شَىْء قَدْرًا} [الطلاق: 2، 3]، والمؤمن في جميع حاجاته لا ييأس من رَوح الله، ولا يستبعد فرج الله، وهو مفوضٌ أمره إلى الله ، يسأله ويرضى بما كتب له، قال نبينا صلى الله ليه وسلم: « » [صحيح مسلم: 2999]
- التصنيف:
- المصدر: