الفشل في التخطيط، تخطيط للفشل

منذ 2016-08-15

يختلف الإنسان من حيث إمكاناته الفكرية والعقلية عن باقي المخلوقات التي تعيش ليومها ودون إمكانية التفكير بغدها، ولعلّ النظرة المستقبلية هي الصفة الرئيسية التي تميّز الإنسان عن سائر الكائنات الحية التي تجاهد للحاضر أو للمستقبل القريب فقط.

يختلف الإنسان من حيث إمكاناته الفكرية والعقلية عن باقي المخلوقات التي تعيش ليومها ودون إمكانية التفكير بغدها، ولعلّ النظرة المستقبلية هي الصفة الرئيسية التي تميّز الإنسان عن سائر الكائنات الحية التي تجاهد للحاضر أو للمستقبل القريب فقط.

فالذي يمارس التخطيط يثبت قابليته لحمل وامتلاك الصفات الإنسانية المتميزة، والذي يخطط للمستقبل يثبت أيضاً جدارته وصلاحيته لنيل وسام الأصلح والأقدر على الاستمرار والبقاء. فالفرد الذي يقوم بعمليات وإجراءات منطقية لتحقيق أهداف مستقبلية أو مواجهة موضوع مستقبلي في أي مجال أو نطاق كان -الأسرة، المجتمع، الحركة، الدولة- يثبت بعمله هذا أولاً إنسانيته التي ميزته عن غيره، و ثانياً قدرته على التخطيط واختيار البدائل، والتخطيط اليوم يعتبر سمة من سمات التقدم والاستمرار وأحد المرتكزات الأساسية لأي بناء حضاري، وبالتخطيط نستطيع أن نحكم مسبقاً على أي عمل بالنجاح أو الفشل، بالتأخر أو التقدم مع ملاحظة مدى التزام المخطط بالقواعد العلمية والفنون البشرية أو تركه لها. لأنّ العمل غير المبرمج سوف يأتيه بلا شك في زحمات المؤثرات والتغييرات الطارئة والسريعة التي ستصادف العمل والعاملين في بداية انطلاقتهم وتحركهم والتي تضغط بدورها على أفكار وشعور المنفذين للأخذ بها وترك ما هو أهم، إن الطموح في تحقيق الغايات ممكن إذا اتبعنا تسلسلاً منطقياً في الوصول إليها، والتزمنا القواعد العلمية والعقلية التي سار عليها الناجحون، والفنون والتجارب التي سلكها المتميزون، فعملية رسم سياسة معينة أو وضع برنامج محدّد ليس بتلك السهولة حتى نصل إليها بطفرة واحدة تطوي مختلف المراحل، إنما نحتاج في انطلاقتنا دوماً إلى نظرة واقعية لظروف وإمكانات التنفذ المتاحة، ومن ثم تكثيف هذه الإمكانات لتحقيق الأهداف والمشاريع التي خططناها مسبقاً حسب أفضليتها بادئين بدقة ووضوح من الأهم فالمهم مع ترك احتياطي مناسب من الإمكانات لمواجهة الطوارئ والحالات المفاجئة.

ولأجل ذلك سنذكر هنا بعض العمليات والإجراءات التي يبتني عليها رسم إستراتيجية تحقيق أي هدف أو مواجهة مشكلة معينة، وسنكتفي بذكر النقاط وبعض التعليقات الموجزة الموضحة:
1- تحديد الأهداف: قبل تحديد الأهداف لا بدّ من مراعاة الأمور التالية:
أ. فهم الموضوع جيداً.
ب. دراسة مستفيضة للموضوع، وتحليل دقيق للمعلومات، للخروج باستنتاجات حول الحلول البديلة الممكنة لتحقيقه.
ج. مراجعة تحليلية لتجارب الآخرين للوقوف عند مواطن القوة والضعف فيها.
د. استشارة وإشراك الآخرين عند تحديد الأهداف والأفضل في جميع مراحل ترسيم الاستراتيجية وخصوصاً القائمين بعملية المتابعة والتنفيذ، وهذه العملية تحقيق أكيد لمبدأ الديمقراطية.
هـ. إتخاذ القرار، بانتقاء أنسب الحلول المتاحة.
و. صياغة القرار وإعلانه بطريقة فنية تجذب أكبر عدد من المريدين والمؤيدين.

2- الوسائل و الأساليب: لتحقيق الأهداف يتطلّب العمل الاعتماد على مختلف الوسائل والأساليب القديمة والجديدة المتاحة والمرجوّة، حتى تكون لنا حرية في الحركة والمناورة، ومن الخطأ أن نتجمّد عند أسلوب معين أو حالة تاريخية محددة، فالتاريخ دائماً لا يعيد نفسه، وما نجح بالأمس قد لا يصلح للحاضر والمستقبل، كما علينا الأخذ بالوسائل الجديدة التي استحدثتها التجارب الإنسانية في شتى جوانب الحياة، فلتكن أساليبنا ووسائلنا شتى، وفكرتنا وهدفنا واحداً وثابتاً لا يتغير، وهذا ما يستشف من سيرة الأئمة عليهم السلام حيث تمثّل تنوّع الأسلوب مع وحدة الغاية.

3-الإمكانات و القدرات: كثيراً ما تفشل المشاريع نتيجة اعتماد أصحابها على وعود أغلبها خاوية، بالحصول على المساعدات المادية اللازمة لتمشية البرامج، وحتى إيفاء بها لا يجدي نفعاً لأننا سنكون إتكاليين مستهلكين كل ما تصل إليه أيدينا. الطريقة الفضلى هي إيجاد مصادر مالية ثابتة و مستمرّة ترضي طموحنا من خلال الدخول في مشاريع اقتصادية مضمونة النتائج والثمار. واللازم الآخر إيجاد وتربية كوادر كفوءة تلبي عملية التوسعة في العمل أو لمواجهة الطوارئ واحتلال الأماكن الشاغرة.

4- مطابقة الإمكانات مع الوسائل و الأهداف: مثالية الهدف، وسلامة الأسلوب، وحداثة الوسائل لا تعني بأي شكل من الأشكال أن الأمور تجري على النحو المطلوب، يجب أن يلحق بهذه الأمور ثروة بشرية مادية غير محدودة تتناسب مع حجم الهدف، فقلّة القدرات تحجم الأعمال والمشاريع وربما تقتلها، ومن الخطأ الإقدام على مشروع عظيم ونحن لا نمتلك مقومات قيامه واستمراريته – المال والرجال – ، فالموازنة دائماً مطلوبة بين ما نطمح إليه و ما عندنا من إمكانات.

5- مراعاة الظروف الزمانية و المكانية: الدراسة الواعية للهدف هي التي تستطيع أن تقدّر لنا حاجتنا للزمن منذ البداية، تحدد لنا مواطن الاندفاع والانتظار، وكيفية اقتناص الفرص السانحة، واستغلال الوحدات الزمنية بالطريقة المطلوبة، فليس هناك مقياس محدّد لعامل الزمن عند التحرّك، و إنما المطلوب مراعاة عملية التوازن بين الاندفاع والانتظار.

والمواقع هي الأخرى يجب أن تدرس جيداً لمعرفة النسب الحقيقية التي تمنحنا إياها من حرية في التحرك واستغلال للوسائل والأساليب.

6- التدرّج في العمل (خطوة خطوة): الطفرة في الأعمال الاستراتيجية مرفوضة، لأنها لا تحقق لنا الآمال والطموحات المرجوّة بالصورة الطبيعية، فسرعان ما تتلاشي الجهود عند أول عاصفة تتعرّض لها، الأهداف الكبيرة والتغيرية بالتحديد تحتاج إلى طبخ على نار هادئة طبعاً كلّ ذلك مع مراعاة القاعدة التي أشارت إليها الرواية: (يطير المرء بهمته كما يطير الطائر بجناحيه) و(همم الرجال تزيل الجبال).

7- تزامن التكتيكي مع الإستراتيجي: المطلوب تزامن البدء بتحرك استراتيجي مع خطوات مرحلية صغيرة أو قريبة أو سهلة أو.. بما أن الأهداف بعضها بعيد المدى ومتوسط المدى، وتحتاج إلى سنوات طويلة لتحقيقها، وإن عامة الناس تنبهر بالظواهر البراقة والمكاسب السريعة ولو كانت هامشية، فاللازم تقديم ثمار ملموسة واقعية بين حين وآخر، وعلى المنفّذين البدء بالمشاريع غير الصعبة التي لا تتطلّب جهداً كبيراً، والصغيرة التي لا تكلّف الميزانية العامة إلا الشيء اليسير، والقريبة من أقدام الناس وأنظارهم والتي تدفع أبناء المجتمع إلى البذل والدعم، على أن تكون جميع هذه الإجراءات تصب في بوتقة الهدف العام.

8- عدم صبّ كل الجهود في بوتقة خاصة: التاجر الناجح لا يتاجر بكلّ رأسماله وإنما ببعضه، والمدير الناجح لا يضع البيض كلّه في سلة واحدة، وإن حشرته الظروف الطارئة والسريعة لأسباب عديدة منها: إن هناك مراحل وبرامج أخرى تنتظره.. منها:
الفشل في هكذا حالات كثيراً ما يزرع اليأس في نفوس العاملين.
أن الأنظار ستتوجه إلى هذه المسألة المعينة، فنحاصر في حلقة مفرغة وربما توجه إلينا ضربة قاضية ممّن يتربّصون بنا.

9- تقسيم الأعمال وتوزيع الأدوار: تناط الأدوار وتوزع الأعمال حسب:
أ. تحمل الأفراد للمسؤولية.
ب. الكفاءة.
ج. الخبرة.
د. الحكمة (الرجل المناسب في المكان المناسب).
وبعيداً عن المحسوبية والقرابة وحتى أهل الثقة، لأنّ هذه الأمور تكرّس المركزية وتنمّي بذور الاستبداد والدكتاتورية.

10- المراجعة الدائمة للبرامج والخطط المرحلية وللأفراد:
المراجعة ضرورية بين حين وآخر للخطط المتوسطة الأجل والقصيرة وأساليب التكتيك لتقييمها بصورة موضوعية وتشخيص مواقع الخلل ونقاط الضعف حتى تتلافى في المراحل اللاحقة وعلى المدير والقائد المثابرة الدائمة والمستمرة لمتابعة العناصر المنفذة وتوجيههم، أو إجراء بعض التنقلات والتغيرات بين صفوفهم وخصوصاً في الأعمال التي لا تظهر نتائجها إلا بعد مرور فترات طويلة، حيث ستنتاب البعض حالة من الخمول أو اليأس أو الإحباط أو الاسترخاء.

11- وضع خيارات متعددة، والتفكير ببدائل جديدة:
التفكير في البدائل مسألة ضرورية دائماً سواء كان في المواقع أو الأساليب أو القدرات البشرية والمادية، حتى تكون لنا خيارات متعدّدة في التحرك والانطلاق نحو الهدف، ولا نجبر على اتخاذ خط معين أو اتجاه محدّد قد يبعدنا عن الغاية المنشودة سنوات وسنوات.

سعد الخالدي

  • 2
  • 0
  • 6,574

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً