كبوة الجدال حول شخص أردوغان

منذ 2016-08-25

ما دام الفريقان -مادحو شخص أردوغان ومهاجموه من الإسلاميين- يصرون على أن يقتحموا مساحةً غيبيةً تتعلق بتصورات الرجل الحالية، وآخر أفكاره المستترة، ونواياه الداخلية الخفية، فلن يصلا لأي نقطة اتفاق، لأنها ببساطة نقطةٌ غيبيةٌ، ومن يملك دليلاً فيها على شيء، لن يعجز الآخر أن يقدم دليلاً على العكس

ما دام الفريقان -مادحو شخص أردوغان ومهاجموه من الإسلاميين- يصرون على أن يقتحموا مساحةً غيبيةً تتعلق بتصورات الرجل الحالية، وآخر أفكاره المستترة، ونواياه الداخلية الخفية، فلن يصلا لأي نقطة اتفاق، لأنها ببساطة نقطةٌ غيبيةٌ، ومن يملك دليلاً فيها على شيء، لن يعجز الآخر أن يقدم دليلاً على العكس.

الرجل على المستوى الشخصي والداخلي لاشك أنه يحمل قناعات ما:

1- إما أن تكون قناعاته متسقةً مع سياسات الحكم في تركيا اتساقاً كاملاً، وأن كل ما تفعله دولة تركيا على المستوى السياسي داخلياً وخارجياً يمثل فكره، بمعنى أنه لو تخلص من كل الضغوط التي عليه وصار يحكم تركيا حكماً مطلقاً بلا أي هيمنةٍ ولا ضغوطٍ دوليةٍ ولا محليةٍ فإنه سيفعل نفس ما يفعله بالضبط بدون اختلاف، سيفعل الجيد والسيء على سواء، وهذا ما يروجه بعض مهاجميه وعليه فأردوغان عند هؤلاء علماني قح، ويستدل هؤلاء بكلام أردوغان نفسه.

2- وإما أن تكون قناعاته الداخلية لا تتسق اتساقاً كاملاً مع سياسات حكمه، وأن ما تفعله دولة تركيا لا يمثل فكره بصورةٍ مطلقة، وإنما هو يتحرك في حدود المتاح دولياً، ويتدرج بحسب المسموح به، ويتجنب أي صدام يجعله يخسر كل شيء، كما هو معروف من منهجية "الإسلاميين الإصلاحيين"، وهذا ما يروجه بعض مادحيه وعليه فأردوغان عند هؤلاء إسلاميٌ حتى النخاع، ويستدل هؤلاء أيضا بكلام أردوغان نفسه سيما تصريحاته القديمة.

وهؤلاء - أي: أصحاب الرأي الثاني - صنفان: صنف يبالغ في تبرئته تماماً، ويجعل قناعاته محل تنزيهٍ بشكلٍ شبه مطلقٍ ومطرد، وقاعدتهم في هذا أن كل شيء حسن تفعله تركيا فهو يمثل فكره وقناعاته الداخلية الخفية، وما تفعله سيئاً فهو مما هو مجبور عليه لا يملك الخروج عنه، وهو من فعل غيره، وهؤلاء يكادون أن يقولوا أن الرجل ليس فقط إسلاميًا بل أصولي أيضا.

وصنف ثانٍ يتوسط في نظرته فيجعل بعض السياسات السيئة تدخل في قناعته الفكرية، وبعضها لا يمثل قناعته - خاصة الأخطاء الضخمة محل النزاع - ولا أدري على أي أساسٍ منطقيٍ يستطيع التمييز بعيداً عن التمني وإحسان الظنون، سوى تمييزٍ واحد منطقي وهو: أن ما كان موجوداً قبل أردوغان فلا يمثل قناعاته ويشمل ذلك سياسات الجيش التركي، وما وُجد بوجوده فهو يمثله، ولكن سيجد هؤلاء حرجاً أمام تفسير بعض أقوال وأفعال أردوغان نفسه ولكنهم يحملون كل ذلك على التقية والمواربة السياسية، وكلام هؤلاء يحتمله المنطق.

طبعا ستجد ترويجات أخرى لا ترتقي لأن نذكرها هنا كمن يروج أنه لا يوجد شيء سيء أصلا أو من يروج للعكس.

وجهة نظري: أن هذا نقاش عقيم لا فائدة منه ولا أدري ما الضرورة الملحة التي تجعل الحكم الشخصي الداخلي على الرجل محلَّ اهتمامٍ وتحليلٍ وتنظيرٍ. (أصحاب "قاعدة من لم يكفر الكافر" يمتنعون لو سمحت!)

أما القضية الأصلية التي يعنينا بيانها فلها فرعان:

الفرع الأول: مدى شرعية وجدوى السلوك "السياسي الإصلاحي" في ظل النظام الدولي الحالي والعمل من داخل سياساته وقواعده والتي قد تصل بك أحياناً لأفعالٍ متناهية الخسة، وستضطرك المنظومة أن تلبس خستك أثواباً من الدين، قلت (شرعية وجدوى) لأن من لم يكتف بالحكم الشرعي المنهجي فحتما سيجد من الواقع ما يرده إذا كان عاقلاً منصفاً، حتى لو أشعره الواقع من حين لآخر بنشوة الانتصارات المؤقتة فقد شعر بها أصحاب لنا في مصر كثيراً وانقلبت علينا وعليهم كلها مآسياً.

(ملاحظة: الجدوى لا تكون فقط بوصولك للحكم عاريًا عن مبادئك الأولى ولا ببقائك فترة طويلة على ذلك، ولكن بتحقيقك الفعلي لما كنت تروج أنك تسعى لتحقيقه حين دخلت اللعبة!)

الفرع الثاني: هل صورة الحكم الحالية في تركيا هي الغاية والنموذج المنشود؟ وهذه القضية لا تحتاج إلى طويل نقاش مع العقلاء والمميزين، ولكن مع ذلك يوجد أهمية دائمة للتذكير بالصورة الأصلية المنشودة، حتى لا تضيع تلك الصورة في شلالات التزييف والاستثناءات والاضطرارات وأكل الميتات.

المصدر: صفحة الكاتب على الفيس بوك
  • 1
  • 0
  • 1,492

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً