لقائي الصحفي مع الشيخ عبد المجيد 3
بعد أن كتبنا حلقتين عن ذكرياتي مع الشيخ عبد المجديد الشاذلي رحمه الله فإنه من المناسب أن أوضح أن هناك ملامح رئيسة لاحظتها فى شخصية هذا العالم المتواضع.
بعد أن كتبنا حلقتين عن ذكرياتي مع الشيخ عبد المجديد الشاذلي رحمه الله فإنه من المناسب أن أوضح أن هناك ملامح رئيسة لاحظتها فى شخصية هذا العالم المتواضع.
وأبرز هذه الملامح الشخصية أو أشملها دماثة خلقه وأدبه الجم حتى مع خصومه، ففى كل جلساته الخاصة لم نره يذكر خصومه إلا بكل أدبٍ وعندما ينتقدهم ينتقدهم بموضوعيةٍ بعيداً عن أي أسلوبٍ يتسم بالاسفاف أو البذاءة.
ويرتبط بهذا الخلق موضوعيته فى الخصومة وعدم فجوره فيها، فحتى فى كلامه عن أشد خصومه كجمال عبد الناصر الذي ظلمه لانجده يشتم او يسب ولكنه ينتقد نقداً موضوعياً علمياً وهذا نجده منه فى الجلسات الخاصة والعامة سواء.
واتسم رحمه الله بالكرم، إذ لاحظت أنه كان كريماً في ضيافته، إذ كان يصر في كل زيارة على أن يقدم لنا الطعام ويجلس يأكل معنا من نفس الطعام، حتى لو كانت زيارةً قصيرةً جداً لا تتعد النصف ساعة كأن يكون مرورنا عليه عابراً وسريعاً.
ومن أبرز صفاته أيضا أنه رغم معاناته من العديد من الأمراض المزمنة والحادة وكبر سنه فإنه كان نشيطاً في التحصيل والبحث العلمي والتفكير وكتابة الأبحاث والمقالات وإلقاء المحاضرات والاجتماع بتلامذته سواءً بالاسكندرية أو بالسفر إليهم بمحافظات بعيدة.
وكان في بحثه العلمى دؤوباً ومصمماً فيبحث ويقرأ ليستخدم علوم التاريخ والسياسة والإدارة لحل مشكلات العمل الاسلامي والواقع المصري بتصميم وإصرار حتى لو استلزم ذلك منه مجهود من يحفر بالصخر، فكان رحمه الله يتوق للتطوير رغم كبر سنه، وكان منفتحاً فى قراءاته لا يحصر نفسه فى القراءة لاتجاهٍ ما أو مدرسةٍ ما أو حتى تخصصٍ ما، فالمهم عنده هو ايجاد الحلول العلمية والموضوعية للمشكلات في أي علمٍ أو مدرسةٍ كانت في إطار الانضباط بالشرع الحنيف.
كما كان دقيقاً فى تعبيره وسريع البديهة، فذات مرةٍ قلت له كتبك فى العقيدة منضبطةٌ بعقيدة أهل السنة والجماعة ولكنها صيغت بصياغة فتحت المجال ليفهمها الغلاة على هواهم فأخطأوا فهمها واعتمدوا عليها فى تكفير المسلمين فرد فورا قائلاً: إذا كان كتاب الله فهمه بعض الناس خطأ، فهل أحاسب أنا لأن بعض الناس فهموا كتاباتى خطأ؟؟
وللقارئ أن يتصور كيف أنه رحمه الله تعدى عمره الـ74 عاماً وظل عقله بهذه الحيوية وذاكرته بهذا النشاط وظل شخصيةً منفتحةً على كل جديدٍ ويتابع كل جديد ويحضر له الأخوة أحدث الكتب ويقدمون له أحدث الكتابات ويقرأ ويناقش ويفكر ويخطط ويقترح ويطرح تصورات وحلول، ويقابل شخصيات كثيرة من ذوي الرأى في الصف الإسلامي ويناقشهم ويحاورهم بأدبٍ وعلمٍ وموضوعيةٍ وتركيزٍ بالغ.
وكانت تحليلاته وتصوراته حول المستقبل صادقةً ودقيقةً، فعلى سبيل المثال قال لي مرة بأواخر سنة 2011 "العسكر لن يتركوا الحكم" وكان هذا الأمر وقتها يصعب على الأكثر قبوله لأننا كنا بزخم ثورة 25 يناير وتوابعها.
وللقارئ أن يقرأ رسالته التي كتبها للدكتور محمد مرسى فور توليه منصب رئيس جمهورية مصر ليعلم بعد نظر الشيخ عبد المجيد الشاذلي رحمه الله، ووالله إن فى هذه الرسالة لجملة يقشعر لها بدني كلما مررت عليها الآن بعد دخول الدكتور مرسي للسجن ونصها بحسب تعبير الشيخ رحمه الله (فى 13 يوليو 2012): "فاختر أحد أمرين: إما أن تكون كأنور السادات فتحكم الدولة منفرداً (كامل الصلاحيات بلا وصاية من العسكر أو غيره) بشجاعةٍ وإما أن تكون كمحمد نجيب تقضي بقية حياتك فى الأسر."
وأرى أنه من المهم بنهاية هذا المقال أن نذكر جانباً مهماً من شخصيته وهو الجانب الوجداني أو العاطفي بشخصية الشيخ عبد المجيد الشاذلي رحمه الله، إذ كان واضحاً أنه كان مرهف الحس فكان يعبر عن حبه لعددٍ من الاخوة الافاضل بالعديد من تعبيرات المجاملة الرقيقة، كما لاحظت أنه كان وفياً لزوجته فرغم مرضها الشديد فإنه مع كِبَر سنه وأمراضه المزمنة لم يتخل عنها وكان يخدمها ويتحمل مرضها حتى وفاتها، ثم إنه حزن عليها حزناً شديداً بعد وفاتها ولاحظت أن حالته الصحية تدهورت بمعدل سريعٍ إثر حزنه عليها إلى ان لحق بها سريعا، رحمه الله رحمةً واسعةً وغفر الله له وأسكنه الفردوس الأعلى بمنته وكرمه سبحانه.
- التصنيف: