الهوية القبطية صراع مع الوطن
المشاهد لتاريخ القبط على مدار أكثر من ألفي عام يلاحظ نزوعاً شديداً نحو الاغتراب عن الوطن. هذه الحالة ليست متعلقة بالإسلام ولا بالفتح الإسلامي بل هي ممتدة لما قبل الفتح الإسلامي.
المشاهد لتاريخ القبط على مدار أكثر من ألفي عام يلاحظ نزوعاً شديداً نحو الاغتراب عن الوطن. هذه الحالة ليست متعلقة بالإسلام ولا بالفتح الإسلامي بل هي ممتدة لما قبل الفتح الإسلامي.
كما لا يعود السبب في ذلك لطبيعة معتقدٍ ديني بالأساس -وإن استخدم الدين في مرحلةٍ لاحقةٍ لتعزيز تلك الحالة- وإنما يعود لطبيعة العنصر وأصل وجوده بأرض مصر.
فالإيجبت أو الإيجبتوس الذين أطلق عليهم المصريين القبط، قدموا إلى مصر مع غزو الإسكندر الأكبر المقدوني اليوناني الهوية لمصر. ومن ثم بدأ توافد أعدادٍ ضخمة في عملية هجرة استيطانية لأرض مصر من قبل القرويين الذين يقطنون جرز بحر إيجه والأراضي المطلة عليه، ومن ثم أطلق عليهم الإيجبت أي القادمون من بحر إيجه.
هؤلاء الغزاة وعلى مدار أكثر من ثلاث مائة عام استوطنوا مصر ولكنهم لم يتآلفوا مع شعبها، بل كانوا يتعاملون ويشعرون بالسيادة عليه، ومن ثم قاموا بمحاولة طمس هوية مصر خلال تلك الفترة ليثبتوا لأنفسهم أصل ومستند الوجود بالبلاد.
فاستبدلوا اسمها الذي أخذته من حفيد نبي الله نوح عليه السلام. وهو : مصرايم أو مصرائيم بن حام بن نوح. وأطلقوا عليها : إيجبت، نسبة للبحر الذي قدموا منه وكانوا يسكنون جزره: إيجه.
ثم بدأوا في تغيير أسماء المدن والقطاعات، فمثلا الدلتا، إنما أطلقوا عليها هذا الإسم لأنها تشبه الحرف الرابع من الأبجدية اليونانية مقلوباً: دلتا (ג)، وهو السمكة فاتحة فمها وذيليها الطويل.
وبدلا من أن يتآلف السكان والوافدين مع أهل البلد، رأوا تهميش أصحاب الوطن وطمس معالم حضارتهم واستلاب البلاد، وظل الأمر قائماً أيضاً طوال فترة الغزو الروماني لمصر قبل مطلع التاريخ الميلاد بقليل، وإن كانوا حاولوا مناوشة الرومان في السلطة، ومن ثم دار بينهم صراعٌ سياسيٌ استخدم فيه الدين فيما بعد، فعند التحقيق ليس هناك فرقٌ كبيرٌ بين مذهب الطبيعة الواحدة الذين انتحله المستوطنون اليونان (مذهب الأرثوذكس) ومذهب الطبيعتين الذي انتحله الملكانية (الكاثوليك). ولكنها المناكفة السياسية التي أراد بها هؤلاء استعادة موقع الصدارة في البلاد، ودفع حالة الاغتراب التي يعيشونها. فمصر لم تعد لهم وطن يعيشون فيه وبين أهله ، وإنما هي الوطن الذي يعيش فيهم منذ أن وطئت أقدامهم أرضه مع الإسكندر ودولة البطالمة.
وهذا هو السبب في كراهيتهم للإسلام، إذ أنه كدين حرر شعوب الأرض من جملتها الشعب المصري الذي استعاد مكانته كصاحب وطن بالإسلام، ولم يعد ينظر إليه بدونية كالتي كان يتعامل معه بها المستعمر اليوناني أو الروماني، وبالتالي فهم يرون أن الإسلام أفقدهم مصر التي احتلوها للأبد بعد أن استردها شعبها بالإسلام.
وفي ظل حالة الاغتراب تجد الإيجبتي (القبطي) متعصبٌ يعيش حالة من الإنكار والرفض لكل شيء، مهما حاولت استرضائه لا يرضى، ناقمٌ على الآخرين، رافضٌ لوجودهم يسعى لاستئصال الآخر. إذ يرون أن تطبيق العدالة يعني الظلم لهم، ويعتقدون بطريقة لا شعورية بأن عدم محاباتهم تعني الظلم.
منذ مطلع التاريخ الميلادي لا يرون أحد تولى السلطة بمصر إلا واضطهدهم، فتواريخهم تحكي أن السلطة الرومانية قامت باضطهادهم حتى بعد اعتناق تلك السلطة للنصرانية وإعلانها ديانة رسمية للإمبراطورية، ثم يحكون أن الفرس قد نالوهم بالاضطهاد المرير خلال عشر سنوات غزو فيها مصر، وعندما عادت السلطة للرومان وقاموا بطرد الفرس من مصر، كان جزاء الإيجبت الاضطهاد أيضاً على يد الرومان أخوانهم في الملة. الفرنسيون اضطهدوهم أيضاً هكذا يقولون، ولم يفوتهم الاضطهاد أيضاً على يد الإنجليز.
ونتيجة لهذه الحالة تجد الإيجبتي يعيش في عالمه بعيداً عن أبناء الوطن، فلم يتمكنوا في بداية وجودهم من تعلم اللغة المصرية ورأوها صعبة عليهم، فاخترعوا لهم في نهاية القرن الرابع الميلادي لغة سموها : اللغة القبطية، وكتبوها بحروفهم اليونانية ولم يكتبوها بالحرف المصري لأنهم غرباء يعجزون عنه، وليس هذا وحسب؛ فقد أصدر الراهب شنودة في منتصف القرن الخامس الميلادي تحذيراً شديداً من دراسة الكتابة المصرية القديمة (الهيروغليفية). وبهذا تعمقت غربتهم عن الوطن وظلوا ينشدون وطناً يعيش في خيالهم.
ولذا تراهم غالباً خصماً من رصيد الوطن؛ وتاريخهم المخزي شاهد عليهم في أيام الحملة الفرنسية على مصر وتشكيلهم لجيش معاون للمحتل، بقيادة المعلم يعقوب وبرطلمين فرط الرمان وآخرين. وخلفهم القبطي من أصل أرمني بطرس غالي نيروز رئيس محكمة دنشوى، ورئيس الوزراء الذي كان يرغب في مد امتياز قناة السويس للاحتلال الانجليزي حتى عام 2008م. وكان يرى أيضا منح سيناء لليهود لإقامة وطنهم بها.
إضافة إلى ما ذكرته بتشر في كتابها تاريخ الأمة القبطية : (أنه بعد الحوادث العرابية بزمن؛ زار أحد السياح الإنكليز الكنائس القبطية التي في وادي النطرون؛ فوجد فيها صورة صلاة شكر لله باللغة العربية كان الأقباط يتلونها في الكنائس تذكارًا لله على مجيء الإنكليز).
وقبل الثورة العرابية كان: (البطريرك كيرلس الرابع الملقب بأبي الإصلاح، يرفع تظلمات شعبه إلى الإنكليز الذين كان يخشاهم سعيد باشا الخديوي في ذلك الحين، ويخشى بأسهم ويحافظ على عدم تكديرهم) هذا بالرغم مما قدمته أسرة محمد علي لهم .
وهكذا لا ترى الإيجبتوس (الأقباط) إلا في المعسكر الخطأ، لأنهم لم يندمجوا في الوطن ولم يشعروا بالانتماء له مع آخرين، أيا كانت عقيدتهم، أو عقيدة الآخرين، هم لا يريدون الوطن إلا لهم وحدهم؛ هذا هو الوطن الذي يعيش فيهم.
فلا غرابة من بكائهم على مبارك رغم ادعائهم اضطهاده لهم؛ ثم تحالفهم مع فلول نظامه، فاصطفافهم مع السيسي والعسكر ضد الشعب المصري، وتنسيقهم مع الصهاينة للهتاف باسمه في نيويورك العام قبل الماضي.
- التصنيف: