لبيك لا شريك لك ...
إذا أردنا وصف هذا الدين بكلمة واحدة لقلنا : إنه دين "التوحيد"؛ فقاعدته الأساسية : هى إفراد العبودية والتلقي والتوجه لله سبحانه وتعالى ومحاربة الشرك بشتى ألوانه وأصنافه ، حتى يخلص الدين لله ، وتتطهر الأرض من أنواع الطواغيت ..
إذا أردنا وصف هذا الدين بكلمة واحدة لقلنا : إنه دين "التوحيد"؛
فقاعدته الأساسية : هى إفراد العبودية والتلقي والتوجه لله سبحانه
وتعالى ومحاربة الشرك بشتى ألوانه وأصنافه ، حتى يخلص الدين لله ،
وتتطهر الأرض من أنواع الطواغيت ، وكل الأعمال إذا خالطها الشرك تتحول
هباءً منثوراً .
وفي هذه الأيام حيث تغرق البشرية بأنواع الشرك والخضوع لغير الله
والجهل بدين الله في كل ناحية من نواحى حياتهم ، يبرز الإسلام كهادٍ
وحادٍ للإنقاذ من وهدة الضلال وطريق الانحدار .
وإن منسك الحج من أعظم شعائر الإسلام تمثيلاً للتوحيد ، ففيه تعود بنا
الذكريات إلى سيدنا إبراهيم -عليه السلام- الذي حطم الأصنام ليكون
الدين كله لله ، وتَرك بلاد الأصنام مهاجراً إلى ربه ؛ وهو الذي
سمَّانا المسلمين من قبل ؛ وهو الذي بنى مع ولده إسماعيل -عليه
السلام- أول بيت للناس يعبد فيه الله وحده ؛ وفي الطواف والسعي
والوقوف والرمي يتجلى التوحيد ناصعاً ؛ والدعاء كله لله (لبيك لا شريك
لك ...)
بينما كان دعاء العرب في الجاهلية (لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك
، تملكه وما ملك) ، ولذلك وصف الصحابي حَجة رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- عندما أحرم من ذي الحليفة ، قال : فأهلَّ بالتوحيد ، وهو يعنى :
التلبية .
إن أغلى ما يملكه المسلم عقيدته الصافية التي يجب التمسك بها ولو
انحرف عنها أهل الأرض ، ولو أن هناك محاولات (لعصرنة) الإسلام
والتنازل عن شىء منه مقابل اعتراف الغرب بنا أو رضاه عنا.
إن رسول الله إبراهيم -عليه السلام- هو الذي حدّد لنا هويتنا؛ إنها
الملة الحنيفية ، وليس لنا هوية غيرها ، و بمجرد التنازل عن شيء منها
يبدأ العد التنازلي لحضارتنا وقوتنا .
إن الشريعة تكفل لنا العيش في هذا العصر إذا كنا على مستوى الاجتهاد
والفقه في الإسلام، ولكن أن نتنازل عن هويتنا بسبب جهلنا بما تبيحه
الشريعة وبما تمنعه فهذه هى الطامة .
ولانزال نسمع في هذه الأيام من يدندن حول التجديد في (أصول الإسلام)
أي : التطوير في أصول الإسلام [1] حتى يتناسب مع هذا العصر ، ولم
يعلموا أن الثبات على المبدأ والتمسك به هو الذي يعطينا القوة أمام
الأعداء .
وأن الأخطار التي تواجه المسلمين وخاصةً (المنطقة العربية) لا ينجي
منها إلا الوقوف تحت راية (التوحيد) .
ومن يفقه هذا الدين ويعلم تفاصيله يدرك أنه وسط بين الملل المتشددة
والمترخصة ، وأنه حنيفية سمحاء ؛ كما أن أهل السنة وسطٌ بين المذاهب
الإسلامية ، فالذي لا يعرف قدرهم يظن أنهم حرفيون ، نصِّيِون لا
يفقهون مرامي الكتاب والسنة .
وهذا كله بسبب الجهل بحقيقة فهم أهل السنة وطرائقهم في الاستدلال
والتفكير ، والحقيقة : أن التطرف لا يصلح عليه أمر الخلق ، فكيف يبقى
الإسلام ويبقى مذهب أهل السنة ؟ ، لولا أنه يحمل بذور بقائه ، وهذا من
حفظ الله له .
وفى مناسك الحج يبرز أمرٌ آخر لابد من التنبيه عليه والتنويه به ، وهو
: (توحد) المسلمين؛ فالحج من أعظم شعائر الإسلام إبرازاً لهذه الخاصية
، ففيه يجتمع المسلمون من شتى أقطار الأرض ، ألا يوحي لنا هذا بمحاولة
التوحد التي نرى ونحس بعض إرهاصاتها ، ولكن لم تتحقق بعد على أرض
الواقع حتى بين أصحاب المنهج الواحد ، مع أن هذا التوحد فيه مصلحة
الدين والدنيا ، ومع كثرة الأوامر به والزواجر عن ضده :
« ذروني
ما تركتكم ، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على
أنبيائهم»[رواه مسلم ] .
ومع هذا فلا تزال فكرة التوحد ضعيفة لم تأخذ مجرى التطبيق العملي بعد
، ولم يتم الإسراع بها ، وسبب ذلك هو ضعف البصيرة عن العواقب ، والنظر
إلى العاجل من مغانم سطحية مؤقتة لا تُسمن ولا تغني من جوع .
إن أهل السنة مدعوون الآن أكثر من أي وقت مضى لإظهار خاصية من خصائص
الإسلام ، وهي جمع الناس على دينٍ واحد ، وإذا كان الغرب الأوربي
والغرب الأمريكي قد انفرد بالساحة وحده ولم يعد له منافس من الشرق
الشيوعي ، فإنه يعلم ويُصرِّح علناً أن المنافس الآن هو الإسلام
.
وإذا لم نتمكن من التوحد تحت راية (التوحيد) فسنبقى رقماً كما أطلق
علينا (العالم الثالث) .
________________________
(1) انظر مقابلة (الشرق الأوسط 12 / 6 / 1990) مع الدكتور : محمد فتحي
عثمان .
- التصنيف: