الخطأ هو الأصل
من أبشع الأمور التي يمكن أن تحدث لمجتمعٍ؛ ذلك التحول الذي يطرأ تدريجياً على الخطأ حتى يصير هو الأصل وتعُمَ به البلوى لينقلب في النهاية إلى صواب، ويتبجح به مرتكبوه وكأنما صار حقاً مكتسباً لا يمكن لومهم عليه، بل يُصب جام الغضب والسخط على من تجرأ ولامهم أو انتقدهم أو انتقص من روعتهم لارتكابهم ذلك الخطأ الذي لم يعد خطأً بل صار شيئًا رائعاً وصار مقترفوه رائعين وصار كل شيءٍ على درجة من الروعة، كل شيءٍ إلا ما كان يوماً صواباً صحيحاً
من أبشع الأمور التي يمكن أن تحدث لمجتمعٍ؛ ذلك التحول الذي يطرأ تدريجياً على الخطأ حتى يصير هو الأصل وتعُمَ به البلوى لينقلب في النهاية إلى صواب، ويتبجح به مرتكبوه وكأنما صار حقاً مكتسباً لا يمكن لومهم عليه، بل يُصب جام الغضب والسخط على من تجرأ ولامهم أو انتقدهم أو انتقص من روعتهم لارتكابهم ذلك الخطأ الذي لم يعد خطأً بل صار شيئًا رائعاً وصار مقترفوه رائعين وصار كل شيءٍ على درجة من الروعة،
كل شيءٍ إلا ما كان يوماً صواباً صحيحاً.
لعل أوضح الأمثلة على ذلك هو ما يحدث على طرقات بلادنا "الرائعة":
على أحد الطرق السريعة الرائعة التي تتميز بها بلادنا العامرة، كنت أقود سيارتي مستمتعاً بالأمن والأمان والرفاهية والتنظيم المذهل، الذي يعد خصيصةً واضحةً لطرق السفر المصرية الرائعة حيث الالتزام المنضبط بقواعد المرور والسرعات المقررة وطبعاً اتجاهات السير الصحيحة أو التي كانت صحيحة.
كانت قيادتي بسرعةٍ متوسطةٍ كما هي عادتي منذ قرر القائمون على الطرق أن حل كل مشكلات المرور يكمن في صناعة المطبات الصناعية الرائعة، ومنذ قررت التكاتك و التريسكلات الرائعة أيضاً أن يكون لها نصيب الأسد من طرقنا السريعة وغير السريعة، وقرر أصحابها أيضاً أن اتجاهات السير الصحيحة هي منذ وجود تلك الاختراعات الرائعة: كل الاتجاهات.
المهم، كنت أسير لا بي ولا عليَّ ولأقرر فجأة وبسذاجة منقطعة النظير أنا والسيارة التي تسبقني بأمتار أن نتجاوز أحد الجرارات الرائعة، والذي كان يسير ببطءٍ شديد في وسط الطريق كما هو حقه الطبيعي في الحياة طبعاً، بدأت السيارة التي أمامي في تنفيذ التجاوز -الغرزة- من على اليسار كما كانت قواعد المرور قديماً - تلك القواعد غير الرائعة التي عفا عليها الدهر وتصر كثيرٌ من الدول الساذجة التي يظنها البعض متقدمةً على تنفيذها حتى الآن- نجحت السيارة التي أمامي في تجاوز الجرار بشكلٍ كان فيما مضى سليماً وقانونياً واتبعتها بسذاجةٍ لنُفاجأ بسيارة ربع نقل في وجوهنا وفي الحارة التي كنا نفترض أنها حارة التجاوز من على اليسار، سيارة ربع نقل رائعة تسير بسرعةٍ فائقةٍ وعكس الاتجاه في طريق سريع وفي حارة التجاوز!
عادي...حقه....إيه المشكلة
المهم... ربنا ستر والسيارة التي أمامي نجحت بأعجوبة ونجحت أنا أيضاً بعدها في تفادي الاصطدام المروع بهذا السائق الذي يمارس حقه الطبيعي في السير عكس الاتجاه، المشكلة أن سائق السيارة التي أمامي لم يعجبه ما حدث وقرر أن يحرك ذراعه بشكل عصبي يبدو منه نوع من اللوم والعتاب الغاضب على سائق الربع نقل!
هنا نفاجأ بثورة غضبٍ عارمةٍ من صاحبنا المخالف (أو من كنا نظنه مخالفاً) إذ كيف نجرؤ على مجرد التفكير في لومه أو توبيخه ولو بحركة ذراع عصبية مثلاً؟!
كيف نجرؤ على إتهامه بأنه كاد يتسبب بفعلته هذه في مجزرةٍ بشريةٍ لا نعاني فقراً منها في بلادنا التي تحتل مركزاً متقدماً رائعاً في حوادث الطرق، كيف نلومه ونعاتبه ليتذكر أنه مخطيء أو مخالف؟!، الحقيقة أن العيب على سائق السيارة التي أمامي بلا شك، يبدو أنه لم يستذكر جيداً قواعد المرور في طرقات بلادنا الرائعة
بل يبدو أنه لم يستذكر جيداً قواعد بلادنا أصلاً، الغلط عليه طبعاً.
إن أهم قاعدة كان ينبغي عليه تذكرها في تلك اللحظة والتي تنطبق على جُل مسارات وخيارات بلادنا هي ببساطة ويسر؛ لا توجد قاعدة..
فكيف يجرؤ على لوم السائق المخالف إذاً، وهل هو حقاً مخالفٌ أم هو رائعٌ كما كل شيء في بلادنا حيث الأخطاء الرائعة؟!، هذا هو السؤال.
- التصنيف: