حافظ سلامة
عندما يأتيني صوته عبر الهاتف كل عدة أيام أشعر براحة نفس تغمرني ، وأجد نسمات من السعادة الممزوجة بالعزة والفخر تملأ كياني ، إنه الحاج حافظ سلامة ، الرمز المصري الكبير ، وبطل معركة السويس الشهيرة ، معركة 24 أكتوبر 1973 ...
عندما يأتيني صوته عبر الهاتف كل عدة أيام أشعر براحة نفس تغمرني ،
وأجد نسمات من السعادة الممزوجة بالعزة والفخر تملأ كياني ، إنه الحاج
حافظ سلامة ، الرمز المصري الكبير ، وبطل معركة السويس الشهيرة ،
معركة 24 أكتوبر 1973 ، ومعركة المقاومة الشعبية الجسورة لشعب السويس
تحت قيادة الشيخ حافظ سلامة لم تكن أول مواجهة لهذا المجاهد الكبير مع
العدو الصهيوني وإن كانت أبرز وأهم محطات تلك المواجهات ، فقد كان
الشيخ حافظ سلامة منذ شبابه أحد داعمي الجهاد الفلسطيني قبل حرب 1948
عن طريق تهريب السلاح والذخيرة للمجاهدين هناك ، ثم اعتقل بعد ثورة
يوليو بتهمة التشهير بالنظام الاشتراكي ، ثم أفرج عنه بعد النكسة
بأشهر قليلة في أواخر العام 1967 ، وكان أول شيء فعله هو أن توجه إلى
السويس مدينته ، رغم أن هناك حظرا على سفر المدنيين إلى هناك وطلب
مقابلة بعض قيادات الجيش ، وتقدم لهم بطلب تشكيل قوافل دعم معنوي من
الدعاة والعلماء لرفع الروح المعنوية للمقاتلين على شاطئ القناة
وتأهيلهم لرد العدوان وتحقيق النصر ، وبدأ تنفيذ الفكرة في السويس
وشارك فيها عدد من كبار العلماء ، وبعد أن لاقت نجاحا كبيرا تم
تعميمها على جميع خطوط الجبهة ..
وكان لتلك الجهود التي قادها حافظ سلامة مفعول السحر في الجنود حتى
قال الفريق عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث يومها (الشيخ حافظ
سلامة كان صاحب الفضل الأول في رفع الروح المعنوية للجنود على الجبهة،
بل إن الجميع كانوا يعدونه أبا روحيا لهم في تلك الأيام العصيبة) ،
إلا أن الملحمة الكبرى في حياة الشيخ المجاهد كانت في نهاية الأسبوع
الثالث من حرب العبور ، عندما نجحت قوات العدو في اختراق بعض دفاعات
الجيش المصري فيما عرف بثغرة الدفرسوار ، بدعم أمريكي ، مستغلة اندفاع
القسم الأكبر من الجيش الثالث في عمق سيناء ، ثم بدأت الثغرة تتمدد
جنوبا باتجاه السويس من أجل السيطرة على المدينة وتهديد العاصمة ذاتها
لتحقيق ضجيج إعلامي كبير ، وتقدمت مئات الدبابات والمدرعات
الإسرائيلية صوب المدينة وأحكمت حصارها ثم أرسلت إنذارا إلى محافظ
المدينة لتسليمها والخروج مستسلما بمن معه من قيادات رافعين الراية
البيضاء وإلا دمرت المدينة ومحوها من الوجود بقصف الطائرات والدبابات
، وبدأ المحافظ في الاستجابة للإنذار وتسليم المدينة ، فانشقت الأرض
عن الشيخ حافظ سلامة عبر مكبرات الصوت في مسجد "الشهداء" يكبر ويدعو
من تبقى من رجال بالمدينة وبقية الجنود للاجتماع للمقاومة ودحر العدو
، ويحكي الحاج حافظ في مذكراته الحوار الذي دار بينه وبين العميد
"عادل إسلام" قائد قوات الجيش المتبقية في المدينة عندما أتاه يستطلع
رأيه ورأي المقاومة في تسليم المدينة ، فقال له الشيخ حافظ سلامة (إن
معنى التسليم يا سيادة العميد هو أن أسلم لليهود أكثر من 10 آلاف جندي
وضابط من قواتنا المسلحة، بل إني بذلك سوف أكشف الجيش الثالث بالضفة
الشرقية من القناة وأسلم كل أرواح هؤلاء لأعدائنا وأعداء الإنسانية،
وتصير نكسة أشد من نكسة 67 لمصر والعرب والمسلمين، يا سيادة العميد إن
الطيران الإسرائيلي قد مضى عليه 6 سنوات وهو يضرب المدينة فلتكن 6
سنوات وعدة أيام )..
وفي ليلة الرابع والعشرين من أكتوبر اقتحمت قوات العدو وسط المدينة
وحاصرت بعض مقارها ، فخرج رجال "حافظ سلامة" من كل صوب واشتبكوا
بضراوة مع قوات العدو فدمروا في تلك المعركة حوالي سبعين دبابة ومدرعة
وقتلوا عشرات وأصابوا المئات وأثخنوا في العدو ، الذي فوجئ بتلك
المقاومة وقد تصور أن المدينة فارغة من الجيش فيسهل احتلالها ، ولم
يتصور أن يخسر كل هذا العتاد والرجال في المعركة ، وخرج من المدينة
يجر أذيال الخيبة ، وارتفعت معنويات رجال المقاومة إلى السماء ، وأشرف
الشيخ حافظ سلامة على تنظيم الصفوف وتوزيع المؤمن والذخيرة والسلاح
وصمدت المقاومة صمود الأبطال حتى تم إعلان وقف إطلاق النار وقدمت قوات
الطوارئ الدولية للإقامة بالمدينة المحررة ، وكانت موقعة السويس ـ في
تقدير القادة العسكريين ـ نقطة حاسمة في مجريات حرب أكتوبر بفضل الله
ثم بفضل المقاومة الشعبية الجسورة بقيادة الشيخ حافظ سلامة ، يقول
الفريق سعد الدين الشاذلي بطل حرب أكتوبر ورئيس أركان القوات المسلحة
فيها في تعليقه على الواقعة :( إن الشيخ حافظ سلامة رئيس جمعية
الهداية الإسلامية، إمام وخطيب مسجد الشهداء، أختارته "الأقدار" ليؤدي
دورًا رئيسيًّا خلال الفترة من 23- 28 أكتوبر عام 1973 عندما نجحت
قوات المقاومة الشعبية بالتعاون مع عناصر من القوات المسلحة في صد
هجمات العدو الإسرائيلي وإفشال خططه من أجل احتلال المدينة الباسلة) ،
وفي الاجتماع التاريخي الذي عقده الرئيس السادات عقب الحرب في مجلس
الشعب من أجل الاحتفال بالنصر ، دعا الشيخ حافظ سلامة وكرمه أمام
الملايين ومنحه وسام نجمة سيناء اعترافا من الوطن بفضله ودوره في
ملحمة النصر .
وهو على مشارف التسعين ، متعه الله بالصحة والعافية ، لا يترك الشيخ
حافظ سلامة قضية للمسلمين إلا ونهض لها وعاون فيها بأقصى ما تمكنه
الطاقة ، في أفغانستان وفي لبنان وفي العراق وفي فلسطين ، وفي هموم
الوطن الداخلية ، إذا قابلته تجده دائما مفعما بالحماسة والبشر
والتفاؤل ممزوجا ذلك كله بتواضع جميل ، وعندما تزور مسجده العامر في
السويس تجد في مدخله لائحة الشرف والجلال بأسماء شهداء المقاومة في
معركة تحرير السويس .
10-10-2010 م
- التصنيف: