ياسر الحبيب والمخطط الفارسي
تَدفع التوتراتُ الطائفية التي شهدتْها المنطقة العربية مؤخرًا - وعلى رأسها تخاريف وافتراءات المدعو ياسر حبيب بحق السيدة عائشةَ أمِّ المؤمنين - رضي الله عنها - إلى إعادة الحديثِ من جديد عن المشروع الفارسيِّ في المنطقة العربية بشكل عام، ودول الخليج بشكل
تَدفع التوتراتُ الطائفية التي شهدتْها المنطقة العربية مؤخرًا -
وعلى رأسها تخاريف وافتراءات المدعو ياسر حبيب بحق السيدة عائشةَ أمِّ
المؤمنين - رضي الله عنها - إلى إعادة الحديثِ من جديد عن المشروع
الفارسيِّ في المنطقة العربية بشكل عام، ودول الخليج بشكل خاص، وهو
المشروع الذي أصبح واضحًا للجميع أنَّه يستهدف قيامَ دولة فارسية
عُظمى، تكون إيران مركزَها، والدول العربية أطرافها.
ومن هذا المنطلق، فإن وعي وإدراك الدولة الإيرانية أنَّ تَحقيق حلم
إمبراطوريتها لن يتأتَّى إلاَّ بتوسُّعها، وتنامي دورها السياسي
والاقتصادي والعسكري على حساب المجموعة العربية - جَعلها تَحرص -
باستمرار، وبعد أن استشعرتْ قوَّتها - على أن تُثير القلاقلَ
الطائفيَّة بين الحين والآخر؛ ليكونَ الأمرُ بمثابة رسالة واضحة للعرب
وغيرهم أنَّ إيرانَ ليست لاعبًا ثانويًّا في المنطقة، وإنَّما بيدها
الكثير من أوراقِ اللعبة السياسية مما يُحتم ضرورة التحسُّب
لها.
الخطأ الإستراتيجي:
وهنا يَجب الإشارة إلى نقطة هامة جدًّا، وهي أن السياسة الإيرانية
الراهنة أصبحتْ متخبِّطةً بدرجة كبيرة؛ إذ أخطأتْ إيران على المستوى
الإستراتيجي خطأً جسيمًا، فقد استطاعت إيران منذ سنوات قليلة أنْ
تستغل لصالحها حالةَ التعاطُف الشعبي الكبير في العالَمَيْنِ العربي
والإسلامي السُّني مع حزب الله اللبناني، الذي تعد إيران الداعمَ
الأساسي له، عندما اعتدتْ قوات الاحتلال الصِّهْيَوْني على الجنوب
اللبناني عام 2006م، وقد وصل هذا التعاطفُ إلى حد حدوث حالةٍ من
الاستقطاب بين قطاعات عريضة من أهل السُّنة، ليس على المستوى الشعبي
فحسبُ، بل وصل إلى مستوى المثقفين والإعلاميين والمفكرين والعلماء،
حتى إنَّ خلافًا شديدًا وقع بين بعض أعضاء مؤتمر علماء المسلمين من
السُّنة، عندما أدلى الدكتور يوسف القرضاوي - رئيس المؤتمر -
بتصريحاتٍ حذَّر فيها من خطورة المخطط الإيراني لتشييع أهل السنة في
المنطقة العربية.
وعلى الرغم من أن هؤلاء الذين اختلفوا مع الدكتور القرضاوي يعلمون
مدى ما بذله الرجلُ لسنوات طويلة في إحياء ما يُسمَّى بالتقريب بين
السنة والشيعة، إلاَّ أنهم اتَّخذوا منه موقفًا متشددًا عندما أطلق
تحذيراتِه، التي في اعتقادي أنَّها لَم تَخرج إلا بعد ما توفرتْ بين
يدي الرجلِ الكثيرُ من الأدلة والوثائق، التي تؤكِّد حقيقةَ هذا
المخطط الخبيث.
وربما يعود خلاف هؤلاء مع الدكتور القرضاوي إلى سببين
رئيسَّين:
أولهما: تقديم الخطاب السياسيِّ على الخطاب العقدي؛ إذ يغض هؤلاء
الطرْفَ عن الكثير من الاختلافات العقائدية بين السنة والشيعة، التي
تصل بالشيعة إلى حدِّ تكفير المسلمين السنة، الذين يُطلِقون عليهم لفظ
"النواصب"، والتي تدفع ببعضهم - ممن يمتلك القدرة - إلى ممارسة أبشع
الانتهاكات بحقِّ أهل السنة، ولعل ما يحدث في العراق شاهدٌ ودليل على
ذلك.
وثانيهما: توهُّم هؤلاء أن انتقادَ إيران والحديث عن مخطَّطها
التوسعي - يعني الانحيازَ إلى صف الولايات المتحدة الأمريكية والكيان
الصهيوني، الذي يبدو ظاهرًا أنَّهما في حالة عداء مع إيران، وهو بكل
تأكيد توهمٌ خاطئ، فانتقاد إيران وكشْف مخططها المرتبط بعقيدة أهل
السنة وتشييعهم، لا يعني انحيازًا لأمريكا، خاصَّة أنَّ العلاقات
المصلحية التي تربط إيران وأمريكا أكبرُ بكثير من غيرها، فضلاً عن
أنَّ الذي يقود المقاومةَ الحقيقية ضِدَّ أمريكا وإسرائيل هم جماعات
المقاومة من أهل السنة، وليست إيرانُ أو الموالون لها.
ويتمثل الخطأ الإيراني في أنَّها سرعان ما كشفتْ عن وجهها الحقيقي،
فسلكت من السلوكيات ما يتعارض تمامًا مع ما حاولتْ أن تخدع به أهلَ
السنة طيلةَ الفترة التي تلتِ العدوان على الجنوب اللبناني، ومن تلك
الأخطاء الجسمية: (أحداث البقيع - دعم الحوثيين في حرب النظام اليمني
- التوتر في البحرين... إلخ).
مشروع شعوبي:
ليس من قبيل المبالغة أو الافتراء القولُ بأن المشروع الإيراني الذي
يتستَّر تحت لافتة "الجمهورية الإسلامية الإيرانية" ليس مشروعًا
إسلاميًّا، ولكنه مشروعٌ شعوبي بالدرجة الأولى، يريد أنْ يَجتر ماضي
الدولة الفارسية قبل دخول الإسلام، غير أنه يستخدم الإسلامَ ذاته
لتحقيق غرضه، فهو يعلم يقينًا أنه لا يُمكنه التحرُّك في هذا الإطار
إلاَّ من مُنطلقات إسلامية، ومن ثَمَّ لا مانعَ من إخفاء الجوانب
الخلافية فيما بين المذهب الشيعي الذي يتبناه، والمذهب السني الغالب
في المنطقة، وذلك في إطار منهج التقية، الذي هو أحد أهم أصول
المذهب.
يروي لي أحدُ أصدقائي من الصحفيين المصريين أنَّه كان يعمل مُراسلاً
للإذاعة الإيرانية في القاهرة، وفي إحدى زياراته للعاصمة الإيرانية
"طهران"، رغب في إجراء حوار مع رئيس الطائفة الزرادشتية - عبدة النار
- الذين هم أصل الفرس، وقد اصطحب معه مترجمًا إيرانيًّا مسلمًا.
ولما بدأ الكاهن الإيراني يخوض في الحديث مقارنًا بين التحضُّر زمن
الدولة الفارسية، والتحضر في زمن الدولة الإسلامية، زعم الكاهن أن
المرأة كانت تحتل مكانةً عالية أيامَ الدولة الفارسية، في حين أنها
تعاني في ظل الإسلام، فما كان من الصحفي المصري إلى أن قال معقبًا:
لعنة الله عليك، وذلك بشكل لا إرادي، وفي الوقت نفسه استاء وغضب
المترجم المسلم الإيراني، لكن غضبه لم يكن من الكاهن، وإنَّما من
الصحفي المصري؛ إذ قال له المترجم الإيراني: لماذا تلعنه؟! ولعل في
ذلك إشارة بليغة إلى مدى ميل الإيرانيين للقومية الفارسية بكل
تراثها.
ويُؤكِّد ذلك أيضًا ذلك الإصرار الإيراني الغريب على تسمية الخليج
العربي بالخليج الفارسي، وهو الأمر الذي له دلالاته السياسية الخطيرة؛
إذ يعني ذلك - ببساطة شديدة - تبعيةَ البحرين، والإمارات، والكويت،
وقطر للدولة الإيرانية الفارسِيَّة.
ولو أنَّ الخلافَ - كما يزعم بعضُ الإيرانيِّين - خلافٌ لفظي فحسب،
لَمَا وصل إلى حَدِّ أن تَحدُث أزمات دبلوماسية بين إيران وبعض الدول
العربية، ومن بينها مثلاً تَهديد التلفاز الإيراني عام 2006م بعدم
المشاركة في دَورة الألعاب الأسيوية في العاصمة القطرية "الدوحة"؛
لأنَّها استخدمت في الدعايات الخاصة بها تعبيرَ "الخليج العربي"، وهو
ما يعبر أيضًا عن الرغبة التوسعية لإيران.
- التصنيف: