وهم السلام ومضيعة الوقت

منذ 2010-10-25

في خبر بثته وسائل الإعلام يجعل الإنسان مشتت بين مرارة السخرية أو مرارة الحزن جاء فيه أن السيد أبو مازن رئيس ما يسمى بالسلطة الفلسطينية يعلن من باريس أن مفاوضات السلام مع استمرار الاستيطان مضيعة للوقت وأنهم رغم ذلك مستمرين في عملية السلام !


في خبر بثته وسائل الإعلام يجعل الإنسان مشتت بين مرارة السخرية أو مرارة الحزن جاء فيه أن السيد أبو مازن رئيس ما يسمى بالسلطة الفلسطينية يعلن من باريس أن مفاوضات السلام مع استمرار الاستيطان مضيعة للوقت وأنهم رغم ذلك مستمرين في عملية السلام ولن يصدروا أي قرار إلا بعد التشاور والتشاور مع اللجان المنبثقة واللجان العاملة للسلام؟!!

ومع أن السياسة هي حسن قيادة الشعوب بالحكمة إلا أنها في كثير من الاحيان مهدرة للحقوق ولعبة للكلام واستثمار المناصب للمصالح الخاصة ومن ثم استمرار الكلام للكلام.


فمنذ أكثر من ثلاثين عاماً تم فتح باب المفاوضات مع العدو الصهيوني على يد الرئيس المصري السادات وشهد فندق ميناهاوس في مصر حضور اليهود لمصر ثم تلى ذلك كامب ديفيد الشهيرة وما تبعها من خروج مصر من الصراع العربي مع العدو الصهيوني، هذه كانت أول نتائج المفاوضات أن تم تنحية أكبر دولة عربية في المواجهة والتي تملك أكبر مقدرات استراتيجية لحل الصراع مع العدو الصهيوني ودحره تم عبر المفاوضات فقط وليس عبر الحرب.
فقد خرجت مصر تماما ً من القضية وأصبح خيارها الاستراتيجي السلام، والسلام رغم كل الأسباب التي تدفع للحرب لكنها أعلنت أن حرب أكتوبر 73 آخر الحروب.

وحتى تجد كلمة السلام مع أعداء السلام مخرجاً تتنفس منه تم تحوير معاني القرآن في قوله تعالى { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ } [الأنفال:61] ومع أن العدو لم يجنح للسلم كما تقول الآية إلا أن السلطان أرغم أنف العلماء أن يقولوا نعم للسلام، وتم تقويل الشعب كلمة السلام، وتغنت المطربات والمطربين للسلام، وبدأت المفاوضات وتعدد الرؤساء والحكام وأسماء المفاوضات واللجان والأماكن والتفسيرات والأجندات وكل يوم تتغير كلمات ويهوي العرب في سلم التنازلات.


وقد فتح النظام المصري الساداتي الباب للفلسطنيين للدخول في قتل القضية عبر المفاوضات فدخل الفلسطينيون باب المفاوضات الذي لا يخرج منه المفاوض العربي مع اليهود إلا بالخسران والتنازلات.
وكانت اتفاقية أوسلو المخزية وفرح المفاوض الفلسطيني بالسراب وخدعوه بحكم ذاتي تحت فوهات مدافع الاحتلال وقنابل طائراته وسيطرة للمحتل علي كل حركة للفلسطنيين، فلا يخرج رئيس السلطة من مكانه إلا بإذن صهيوني وظن البعض أنه نصر سياسي ومع الأيام أدرك الكثيرون أنه خازوق صهيوني تم صنعه بخبث.


ولم يتوقف المفاوض الفلسطيني عند ذلك بل تعددت أسماء المفاوضات من مدريد إلى الرباعية وما بينهما وكل ذلك وسط واقع مرير فالأرض محتلة ودماء الشهداء لم تجف ودموع الثكالى لم تتوقف والمسجد الأقصى أسير بين يدي العدو الصهيوني. وكانت الانتفاضة واستشهاد وجرح الآلاف ثم الحرب والعدوان على غزة وتدمير الحياة فيها تحت سمع وبصر المفاوض الفلسطيني، ومع ذلك ظل المفاوض الفلسطيني يردد كلمة السلام لتشق الصمت وترتفع بها الأوناش الإعلامية رغم أنف الشعوب وأنف الواقع.


ومع ذلك ورغم مرور ثلاثين عاماً تذكر السيد أبو مازن أنها مضيعة للوقت! وصمم على السلام.. يا سلام!!
كان جديراً بالسيد أبي مازن أن يقول تلك الكلمة منذ سنين عديدة. فالفلسطينيون لم ينعموا بلحظة سلام واحدة مع العدو الصهيوني فهم يتقلبون ليل نهار يوم بعد يوم ما بين احتلال وقهر إلى سجن للفلسطينيين في مناطق متفرقة عن طريق إنشاء مئات المعابر وإقامة الجدار العنصري ثم القتل وما أدراك ما القتل، ليل نهار لا يتوقف.. كأن دماء الفلسطينيين التي تجري كالأنهار لا قيمة لها أمام وهم السلام.


ويزداد الأمر بالأسر والاعتقال، ما يزيد عن عشرة آلاف أسير فلسطيني منهم النساء والأطفال وأعضاء البرلمان.
ثم حصار غزة وتجويع شعبها وتدميرها وقتل خمسة آلاف فلسطيني ما زالت دماؤهم لم تجف في شوارع غزة كل ذلك والقوم يسيرون وراء وهم السلام
ومع أن القرآن كتاب الله المقدس الذي لا يأتيه الباطل قد عّرفنا حقيقة العدو الصهيوني وإسرافه في القتل وأن شيمة الغدر أصل متوطن في حمضه النووي والتاريخ أكد لنا ذلك والواقع يشهد ويصرخ ومع ذلك أبو مازن ومن معه لا يتراجعون عن السير وراء السراب.

البعض يقول أنهم لا يملكون أي قوة وأنهم ليس لديهم إلا ذلك فالعرب تركوهم للعدو الصهيوني والقضية أصبحت فلسطينية فقط بعد ما كانت عربية.
والحقيقة أن ذلك القول مردود عليه من حيث أوراق القوة، فالفلسطينيون يملكون من القوة الكثير، منها قوة حقهم وقوة شعبهم فأي قيادي سياسي يفقد قوة أوراقه إذا لم يكن معه حق أو لم يكن معه شعب يؤيده ومهما كان يملك من قوة سلاح فموقفه ضعيف وكل تاريخ حركات مقاومة المحتل في العالم ينطق بكل وضوح أن طريق المفاوضات ما كان له أن يفتح إلا عبر المقاومة وما كان أن تتحقق منه أي نتائج إلا والمقاومة قوية متمسكة بحقها في المقاومة.


وضعف سلطة أبي مازن في المفاوضات مرجعه إلى ارتمائه في أحضان السياسة الغربية الصليبية ومن ثم رفضه للمقاومة بل ومحاربته لها وهو يعتقد أنه بذلك يرضي العدو والغرب ومن ثم يعطونه أي نصر سياسي، ورغم ذلك لم يعطونه أي شيء مطلقاً بل يصرون على إضعاف موقفه دائماً في مشهد ساخر كلما يشحذ همته على أي بريق خاطف يجد نفسه ومن معه في موقف مشين، وآخرها الاستيطان وليس أولها.
لذلك ضعف السلطة سياسياً ناتج عن ضعفها داخلياً فالشعب الفلسطيني غالبيه رافض لسياستها.


أما تراجع الموقف العربي فهو حق ولكنه تراجع غير مؤثر في حق الشعب الفلسطيني فكم من شعب جاهد وقاوم وصبر على الإحتلال وظلمه حتى نال حقه ولم يكن جزء من الأمة العربية أو الإسلامية وها هي كشمير وقضيتها مشابهة في بعض النواحي لقضية فلسطين إلا أن قيادة الشعب الكشميري السياسية لم تتنازل عن حقها ولم تجري وراء سراب وهم السلام بتضييع حقها جزءا وراء جزء وهم صابرون على ظلم الإحتلال حتى يأتي نصر الله وهم ليسوا عرباً ورغم أنهم مسلمون إلا أن المسلمين تركوهم أيضاً لكنهم ثابتين على حقهم


ومن غير المعقول أنه بعد كل ما جرى ويجري للفلسطينيين ينتبه أبو مازن بعد تلك السنين ويقول أن المفاوضات مع الاستيطان مضيعة للوقت!!
وما رأيك بالمفاوضات مع استمرار قتل الفلسطينيين واحتلال المسجد الاقصى ودم المسلم أشد حرمة عند الله من حرمة المسجد الحرام والاستيطان خطيئة من خطايا الاحتلال؟


وأبو مازن بعد مضيعة الوقت قال أنه ما زال مصرا ًعلى السلام، والمسلمون والعرب والفلسطنيون يطالبوه ولو لمرة واحدة أن يؤمن بنصر الله ويصر على المقاومة وهي من أعظم التكتيك السياسي للمفاوض وذلك من أجل حقوق شعبه المشروعة ولا يطالبونه إلا بالمقاومة السياسية فالمقاومة بالسلاح أي الجهاد له رجاله ومجاله وهو حق من أجل تحرير الأقصى وفلسطين.


والعرب والمسلمون يريدون من أبي مازن إصراراً على المواقف السياسية القوية والتمسك بالحقوق ولينظر وليتعلم كيف يصنع أردوغان المواقف القوية وهو ليس فلسطينياً والمهزمون لعدوهم لا ينتصرون أبداً في أي مجال.

ويبقى كلام الله هو الحق وهو الهادي { إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} فانصر دين الله يا أبا مازن ينصرك وإلا الخذلان والهزيمة و مضيعة الوقت.

 ممدوح إسماعيل محام وكاتب
[email protected]

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 1
  • 0
  • 3,822

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً