محاور استراتيجة للعمل الإسلامي.. إمتلاك أسنانٍ وأظافرٍ

منذ 2016-10-17

ليعلم قادة المسلمين ولتعلم الحركات الإسلامية التي تقدم نفسها لقيادة الأمة أن موارد الأمة من بشرٍ ومالٍ وعلاقاتٍ التي يقبضون عليها بأيديهم ليست للعبث السياسي والإعلامي والتبرج والفخر والزهو بها وإنما هي لتحقيق إستراتيجيات ترفع الضر عن الأمة أو على الأقل تخففه وإن لم يفعلوا فقد خانوا الأمانة وستكون هذه الخيانة وبالاً عليهم وعلى من اتبعهم في الدنيا والآخرة.

بعد جرائم روسيا وإيران في سوريا، أين أسنان وأظافر المسلمين السُنة بالعالم؟

كنت أنوى كتابة سلسلة مقالاتٍ بعنوان: محاور استراتيجة للعمل الإسلامي بحيث تتضمن كل مقالةٍ منها محورًا استراتيجيًا معينًا على أن يكون آخر مقال من هذه السلسلة بعنوان "محاور استراتيجة للعمل الإسلامي.. إمتلاك أسنانٍ وأظافرٍ" ليشرح هذا المحور ولكن نظرًا لتسارع وتتابع الإجرام الروسي والشيعي والإيراني في سوريا فقد بدأت بهذا المحور الآن.

يفتقر المسلمون لدرع يحميهم وسيف يزُود عنهم عدوان المعتدين منذ أن إحتل الغرب بلاد المسلمين ونصب حكامًا من جلدة المسلمين لكنهم يدينون لأوروبا وأمريكا بالتبعية السياسية والفكرية والاقتصادية وتساندهم نخبةٌ تابعةٌ أيضًا للغرب في أفكارها وسلوكها الإجتماعي والإقتصادي فضلًا عن السياسي.

وظهرت الحركة الإسلامية بغرض إعادة الحكم لمنهجية الشريعة الإسلامية إلا أنها سرعان ما تخبطت في طرق التيه الحركي والسياسي والاستراتيجي، ومن أعراض هذا التخبط أنها لم تعوض غياب درع الأمة الإسلامية السنية وسيفها باصطناع بدائل للسيف والدرع الغائبين.

أكبر وأقدم فصيل بالحركة الإسلامية المعاصرة هو الإخوان المسلمون، وهم منتشرون بكل أنحاء العالم فلا تكاد تخلو دولة في العالم كله من مجموعةٍ أو جماعةٍ او حزبٍ تابع لهذا المنهج، ولكن الخلل في الفكر الإستراتيجي لتيار الإخوان المسلمين أنتج شللًا في مجال تحركهم مما حال بينهم وبين أن يصبحوا أحد دروع الأمة الإسلامية وسيوفها، فهاجس ألا يوصفوا بالإرهاب وألا يكرههم أو يعاديهم النظام الدولي (الذي هو نظامٌ إمبرياليٌ معادي للأمة الإسلامية ولحريتها واستقلالها أصلًا)، جعلهم حركةً ضعيفةً مستكينة لا حول لها ولا قوة، فلا تقوى عن أن تدافع عن نفسها أو تردع عدوها فضلًا عن أن تفعل هذا للأمة الإسلامية كلها، رغم وفرة الموارد الإقتصادية والبشرية لدى هذه الجماعة العملاقة في العدد والموارد والقزمة في حركتها وأفعالها، ولنطبق ذلك على حالة كارثة الأمة فى سوريا الآن، نعلم أن الاخوان المسلمين يقدمون دعمًا ماليًا وإغاثيًا بشكل أو بآخر للمنكوبين هناك ولكن ألا يحتاج المنكوبون هناك لدرعٍ يقلل من وقع العدوان عليهم وسيفٍ يردع عدوهم ولو بدرجةٍ ما؟  

سيرد البعض بأنه ما باليد حيلة وهم مستضعفون والعالم كله يحكمه نظامٌ دولي لاقِبل لهم بمعارضته أو الضغط عليه، وهذه الحجج تأتي جريًا على القاعدة الباطلة المنتشرة بين أمتنا وهي أن ما تجهل وجوده فهو غير موجود حتى لو كان كالشمس في رابعة النهار وإنما جهلته أنت بسبب تقصيرك في التعلم والبحث.

ألم يدرس قادة "كبرى الحركات الإسلامية المعاصرة" وباحثوها تجربة حزب العمال الكردستاني التركي في صنع شبكةٍ من الأنصار في أوروبا وأمريكا وكيف كان رد فعلهم "السلمي" القاسي على تعاون الموساد مع المخابرات التركية فى خطف عبد الله أوجلان وكيف حاصروا أغلب سفارات تركيا وإسرائيل في أوروبا بل اقتحموا بعضها بلا سلاح ولا شيء، هل تضن الإخوان المسلمون باستخدام مواردها الضخمة بأغلب دول العالم فى حصار وتعطيل كل المصالح الروسية والإيرانية بالعالم بأساليب سياسيةٍ وسلمية بشكل شبه مستمر كردٍ زهيد على حرق مسلمي سوريا كل يوم؟؟

أم أن أسنان وأظافر الإخوان المسلمين لاتجيد إلا الهتاف ورفع شعار رابعة، وصدق الشاعر العربى:

                                      وما يغني البكاء ولا العويل

ألم يدرس قادة وباحثو الإخوان المسلمون تجارب منظمة التحرير في تحريك حملات المقاطعة الإقتصادية ضد إسرائيل واستقطاب أصدقاء في البرلمانات الأوروبية لصالح قضية فلسطين؟؟ ألا تستحق محرقة حلب وسوريا تسخير موارد الإخوان المسلمين في العالم كله لإطلاق حملة مقاطعة إقتصادية وسياسية مستمرة ضد روسيا وإيران واستقطاب رموز الحكم والأحزاب ومنظمات حقوق الانسان والبيئة والحيوان بالعالم كله للمشاركة في حملة مستمرة كهذه؟؟ أم أن موارد الإخوان المسلمين الإقتصادية والإعلامية وعلاقاتهم العامة ومنظماتهم الحقوقية ومراكزهم وجمعياتهم وأحزابهم بالعالم كله كلهم مخصصون فقط لإعلاء راية جماعة الإخوان وإبرازها وعقد مؤتمرات اللغو والهتاف الكرنفالية التي ينفق عليها ملايين الدولارات ولا تنجز شيئًا غير إظهار قدرة وموارد الجماعة وتحتوي أعضاءها في لاشىء، وما قصة مخيم رابعة الأول عنا ببعيد.

ألم يلحظ قادة الإخوان وباحثوهم تجربة إيران وحزب الله في صنع شبكاتٍ دولية مارست وتمارس ضغطًا إعلاميًا وحقوقيًا وسياسيًا على خصومهم وأبرز أعمالهم ضغوطهم (الظالمة) الناجحة ضد المملكة السعودية (وقبلها صدام وبعدها أو معها حكومة البحرين) في أوروبا وفي الولايات المتحدة بل وفي الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية.

لو قلت: إن من الخيارات أمام الإخوان المسلمون كذا وكذا لقيل لي أنت لا تعيش الواقع وهذا لايمكن تنفيذه..الخ، ولو قلت افعلوا مثل ما فعلت جماعة كذا وحركة كذا لردوا مش ممكن لأننا مسلمون والعالم ضدنا لكن هؤلاء شيعة أو علمانيين فمسموح لهم بهذا، والحجتان باطلتان والمهدي من هداه الله.

وإذا إنتقلنا لأكبر تيارٍ إسلامي آخر بساحة الحركات الإسلامية وهو التيار الجهادي فإن الأمر لايقل تقصيرًا وضعفًا في الحيلة عن الإخوان المسلمين، وإذا كان الإخوان المسلمين يفتقرون للفكر الإستراتيجي فسبق أن قلت كثيرًا أن أغلب القادة الجهاديين لديهم سطحية في الفكر الإستراتيجي، وإذا كان أمر روسيا وإيران ينطبق عليه المثل المصري السائر "لايفل الحديد غير الحديد" فهذا ليس معناه أن نقف مكتوفي الأيدي إن عدمنا الحديد، فإذا كان الجهاديون عاجزون عن الإضرار بروسيا وإيران عسكريًا (وهذا محل شك) فليس أقل من أن يرموا بكل ثقلهم الحركي والإعلامي بالعالم كله لتفعيل المقاطعة الإقتصادية والسياسية والحصار والتعطيل الجماهيري لكل مصالح روسيا وإيران بالعالم كله، ففعل شىء أفضل من لا شىء وسقوط جزء من واجب عنك لعجزٍ عنه لا يسقط عنك بقية الواجب، كما أن من يمسح عضوًا فى الوضوء لمرض فإنه يجب عليه أن يتوضأ ببقية الأعضاء غير المريضة، وكذلك من يعجز عن الغسل لا يسقط عنه بديله وهو التيمم.

ومما يظهر السطحية الاستراتيجية لدى التيار الجهادي بالعالم أن كل همهم محصور في أن يقتلوا ويموتوا في عمليات مسلحة، ولم يسعوا لادخار قدرة ردعٍ إستراتيجي حتى ولو تقليدي للرد به على أمثال محرقة سوريا التي تشعلها إيران (وشيعة من كل العالم) بالاشتراك مع روسيا، فلم يدخروا ولو خمسة أنصار فقط بقلب موسكو مثلًا، فهم بلا رؤيةٍ استراتيجية تتحسب للطوارئ وتقتصد بالقوة ولا يدخروا آخر طلقةٍ لينتصروا بها فالموت الموت هو إستراتيجيتهم، والموت لايردع عدوًا ولا يكف باغيًا، بل ادخارك للقدرة وقدرتك على استخدامها في أي زمانٍ وأي مكانٍ هو ما يردع عدوك ويمنعه من قتالك أو قتل شعبك.

وحتى لا نتوه في تفصيلاتٍ كثيرة وتشغلنا عن المحور الاستراتيجي الأساسي الذي هو محور هذا التحليل وهو "محاور استراتيجة للعمل الإسلامى.. إمتلاك أسنان وأظافر" فلابد أن نوضح أن أي قائد إسلامي أو أي حركة إسلامية تقدم نفسها على أنها جديرة بقيادة الأمة الإسلامية أو إحياءها فإن عليها أن تستخدم مواردها بشكل دائم فى تكبيد كل قوة تبغي على الأمة ثمنًا باهظًا يستمر دفعه باستمرار البغي، نعم هذا محكوم بالموارد والقدرة ولكن الموارد البشرية والإعلامية والإقتصادية الحالية كافية لتحقيق قدرٍ كبيرٍ من هذا كما اوضحنا، وطبعًا سيحتاج الأمر ترتيب للأولويات، ولا أولى الآن من سوريا، وهذه الإستراتيجية مع إستمرار تطبيقها وبعد نجاحها ستحقق قدرًا لا بأس به من الردع تجاه طغاة العالم، فلا تظل دماء المسلمين هي أرخص شىء فى الكون كما هو الحال الآن ولايظل البغي عليهم يتم دون أن يتحسب الباغي لأى عواقب ذات بال.

وليعلم قادة المسلمين ولتعلم الحركات الإسلامية التي تقدم نفسها لقيادة الأمة أن موارد الأمة من بشرٍ ومالٍ وعلاقاتٍ التي يقبضون عليها بأيديهم ليست للعبث السياسي والإعلامي والتبرج والفخر والزهو بها وإنما هي لتحقيق إستراتيجيات ترفع الضر عن الأمة أو على الأقل تخففه وإن لم يفعلوا فقد خانوا الأمانة وستكون هذه الخيانة وبالاً عليهم وعلى من اتبعهم في الدنيا والآخرة.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

عبد المنعم منيب

صحفي و كاتب إسلامي مصري

  • 0
  • 0
  • 2,406

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً