تزكية النفس.. حاجة الأمة الملحة
صحيح أن ما تحتاجه الأمة الإسلامية في هذا الزمان كثير ولا يكاد يعد أو يحصى، وذلك بسبب كثرة أدوائها وعللها التي لم تشف منها بعد رغم توافر الدواء الناجع الشافي وسهولة الحصول عليه.. إلا أن الداء الأكثر فتكًا بأبنائها، والأشد إلحاحًا بضرورة معالجته والتنبه لعظيم خطره وآثاره السلبية هو: تدسية النفس وفسادها كما وصف القرآن الكريم بقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:9-10].
صحيح أن ما تحتاجه الأمة الإسلامية في هذا الزمان كثير ولا يكاد يعد أو يحصى، وذلك بسبب كثرة أدوائها وعللها التي لم تشف منها بعد رغم توافر الدواء الناجع الشافي وسهولة الحصول عليه.. إلا أن الداء الأكثر فتكًا بأبنائها، والأشد إلحاحًا بضرورة معالجته والتنبه لعظيم خطره وآثاره السلبية هو: تدسية النفس وفسادها كما وصف القرآن الكريم بقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:9-10].
وإذا كانت الأخطار والأهوال التي تحيط بالأمة من قبل أعدائها من الخارج والداخل أوضح من أن تخطئها عين البصير الفطن، فإن خطر خراب نفوس أبناء الامة وخلوها من معاني ومظاهر التزكية المطلوبة شرعًا أشد خطرًا وأعظم أثرًا عليها، إذ لا نجاح لمحاولات التصدي للأخطار الخارجية ومواجهة ما يحاك للأمة من مكر وكيد إلا بإصلاح نفوس أبنائها أولًا، فهو السبيل الأول والطريق الأهم لعبور وسائل وطرق علاج أدواء الأمة ومواجهة الأخطار التي تحيق بها.
أما مسألة أهمية تزكية النفس في الإسلام فهي أوسع من أن تبسط في هذا المقال، ويكفي ذكر ما حفلت به آيات الذكر الحكيم من بيان أهمية هذه التزكية، فقد أثنى كتاب الله على النفس التي تتزكى بإضافة صفة الفلاح لها، في الوقت الذي ذم فيه النفس المهملة للتزكية بوسمها بالخيبة والخسران، فقال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:9-10].
كما اعتبر القرآن الكريم تزكية النفوس من أعظم وأهم مهام خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [آل عمران من الآية:164].
وإذا انتقلنا إلى السنة النبوية فيكفي دلالة على أهمية تزكية النفس دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم ربه أن يرزقه التقوى وتزكية النفس، فقد ورد في الصحيح عن زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: "لاَ أَقُولُ لَكُمْ إِلاَّ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِى تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا»" (صحيح مسلم برقم[7081]).
لا يمكن حصر المظاهر التي تشير إلى حاجة أبناء الأمة اليوم لتزكية النفس، كما لا يمكن تعداد الحوادث والوقائع التي كان للنفس غير المزكاة فيها الدور الأبرز في إبعاد الأمة عن تحقيق النصر والتمكين الذي وعدها الله تعالى به في كتابه العزيز إن حققت شروطه، قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:55].
فعلى صعيد مواجهة أهل الشام في سورية للطغيان النصيري والمشروع الصفوي، لا يمكن إغفال دور أمراض القلوب وعلل النفوس في عدم تحقيق وحدة الفصائل المقاتلة والمجاهدة على أرض الياسمين، رغم وضوح أهمية هذه الوحدة وضرورتها في تحقيق النصر المؤزر على أعداء الأمة الرافضة والنصيرية، ورغم مطالبة علماء الأمة ودعاتها بإنهاء حالة الفرقة والخلاف بين تلك الفصائل، بل ومناشدة المسلمين عمومًا والسوريين على وجه الخصوص فصائل المعارضة باجتماع الكلمة ووحدة الصف.
بل يمكن القول بأن غياب الاهتمام بتزكية النفس عند بعض قادة الفصائل، وظهور بوادر ومؤشرات حظوظ النفس وأهوائها عند آخرين، كالرياء والعجب والكبر وحب الأثرة والشهرة والسمعة وشهوة السيطرة والتملك.....إلخ، كانت العامل الأهم في تأخر تحقيق النصر المرجو والمأمول، وهو ما ساعد النظام النصيري والصفوي على استغلال تلك الآفات والعلل القلبية والنفسية لصالحه واستثمار آثارها في إطالة أمد بقائه في أرض الرباط.
ولعل المتابع لما يجري على أرض الشام من معارك يدرك هذه الحقيقة بجلاء، فما إن تتوحد - أو حتى تنسق - بعض الفصائل مع بعضها البعض، ويتغلب قادتها على تلك الأهواء والشهوات والآفات النفسية، حتى تتوالى الانتصارات وينهزم الأعداء، بينما تتوالى النكسات على تلك الفصائل طردًا مع غياب تزكية النفوس وإخضاعها لشرع الله وأحكامه وما فيه مصلحة الأمة.
أما على صعيد الواقع التعاملي الذي تشهده المجتمعات الإسلامية عمومًا، فإنها تشير بشكل واضح وصارخ إلى مدى حاجة الأمة إلى تزكية النفوس وتربيتها على الأوامر والفضائل الإسلامية.
فإذا بدأنا بالبيت المسلم وما يكتنفه من تفكك واضطراب وخلاف وشجار وعقوق، فإن السبب الأبرز في ذلك يعود إلى ابتعاد نفوس أفراد تلك العائلة عن واجب تزكية النفس التي أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بها، واتباعهم للأهواء والشهوات التي تتناقض مع أسس بناء الأسرة النموذجية في الإسلام.
وإذا انتقلنا إلى الأسواق والمصانع والمزارع والمتاجر والشركات والمؤسسات الحكومية والخاصة، فإن مؤشرات حاجة الأمة الملحة لتزكية النفوس وتربيتها على الأخلاق والآداب الإسلامية تبدو أكثر من ضرورية، فقد انتشرت الكثير من الأخلاق الذميمة والرذائل المشينة في هذا المجال، كالكذب والخداع ومماطلة المدين الواجد وإخلاف العهود والوعود.. ناهيك عن الضغائن والأحقاد التي امتلأت بها قلوب ونفوس بعض المسلمين المتعاملين في هذا القطاع، الأمر الذي أضحى فيه التاجر الصدوق الأمين عملة نادرة، وصاحب النفس المزكاة الطاهرة درويش وطيب وعبيط !!!
لا شك أن تزكية النفس وتخليتها من أمراض القلوب المهلكة، وتحليتها بفضائل الإسلام وأخلاقه الحميدة المنجية لا تقتصر آثارها على نفس المزكي وقلبه، بل تتعداه إلى الأسرة والمجتمع، إذ لا يخفى أثر تزكية النفوس في إسعاد الأسرة ورفاهية المجتمع، بل إن آثارها الإيجابية تصل إلى حدود تعجيل نصر الأمة في معركتها ضد أعدائها.
فهل هناك حاجة للأمة أشد إلحاحًا من تزكية النفوس ؟!
د. عامر الهوشان
- التصنيف:
- المصدر: