التغيير الذى يريده السلفيون
إن الحمد لله
أحمده سبحانه وأستغفره وأستهديه، وأشهد أنه لا إله إلا هو، وأشهد أن
محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
فالتغيير صار موضة هذا العصر، وصار شعار الكل، وموضوع الندوات
والحلقات والأبحاث.. بالتغيير ينادي العلماني، والليبرالي، والقومي،
وحواة الكرة، وكهان الفن المزعوم، والإسلاميون أيضاً بالتغيير
ينادون!!
إذًا التغيير وإن تعجب هو مطلب للكافة، بل إن الفرد العادي يحلم
بالتغيير صباحاً ومساءاً؛ أي أن التغيير مطلب إجماع...
لكن الأعجب أنك حين تبحث عن ذاك التغيير، لن تجد ثمة تغيير يذكر، لا،
بل بالعكس في الواقع، بل أعجب من أعجب أن التغير الحادث -إن يحدث- فهو
تغيير سلبي، أعني تغيير للخلف، تغيير للأسوأ، إي والله.
إذًا وحتى لا ننسى، نتفق أن الكل اتفقوا أن التغيير شعار العصر،
ومطلوب الساعة، وهو كلمة إجماع بين النخبة والعامة، والواحد والكل،
وسلمنا أن الواقع يُقسم أن الوضع هو بين اللا تغيير وبين التغيير
الكاذب أو التغيير الفاسد!!
فأين السلفيون من هذا؟!.. السلفيون أيضاً يا سادة متفقون أن التغيير
صار مُلحاً وضرورة فوق الحاجة.
فلماذا لا يضع السلفيون أيديهم في يد من يرفعون شعار
التغيير؟!!
ولماذا لا يتحالف السلفيون مع بعض القوى السياسية للوصول إلى أهداف
شريفة؟!!
ولماذا لا يتجمل السلفيون ويخفوا بعضاً من منهجهم وآرائهم حتى يمكن
أن يقبلهم مجتمع النخبة؟
أليس هدفهم نبيلاً؟!، أليست مقاصدهم جميلة؟!
ما العيب أن تكتم بعضاً من إيمانك ما دام في القلب اطمئنانٌ؟!
ما المشكلة أن يتم استخدام الأدوات المتاحة لتحقيق المطلوب؟!
إذا كان الطريق إلى آليات صنع القرار ومن ثم رفع المظالم وإقامة
العدل صار الآن هو صناديق الاقتراع والانغماس -ولو قليلاً- في اللعبة
السياسية فما المانع، أو ليست الضرورات تبيح المحظورات؟!
لماذا لا يتعاون السلفيون مع رموز التغيير؟!، هل يمكن أن تكون الصورة
مع هؤلاء أسوأ مما نحن فيه؟!
فلان أو فلان من الذين يرفعون شعارات التغيير مهما كانوا ألا يمكن أن
يكون التعاون معهم مفيداً ولو قليلاً؟!!
يسأل عشرات من الناس الطيبين، لماذا لا يتعاون السلفيون مع الإخوان
المسلمين؟!!
أليس من المفروض أن الأهداف واحدة والآمال فيها مشترك كثير؟!!
أليس من المفروض أن نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما
اختلفنا فيه بدلاً من أن نُشغب على بعضنا البعض؟!، أليس الأفضل أن
تتوحد جهود أهل الخير والإصلاح؟!، أليس الاختلاف قدر محتوم؟!
ألم يختلف الصحابة؟!، أليس الإخوان يرفعون أنبل وأصدق شعار في الدنيا
أن الإسلام هو الحل، وصدقوا؟!
أليس الأفضل بدلاً من تفتيت المجهود وإضاعة الوقت أن يوحد السلفيون
والإخوان وسائر أطياف التيار الإسلامي مجهوداتهم لمواجهة أعداء لا
يرقبون فينا إلاً ولا ذمة، ولا يرضون عنا حتى نتبع ملتهم، ومواجهة
طابور خامس هو في الحقيقة أشر وأضر من الكفار؟!
لماذا يقف السلفيون دائما فى خندق وحدهم يصرون على مواقفهم التي
يراها البعض حادة وصادمة وليست في وقتها، وربما كان كثير منها هو
تفسيرهم الشخصي للنصوص؟!
إذا كان البرادعي الذي يحمل لواء التغيير في المرحلة الراهنة مثلاً،
فيما يبدو رجلاً مثقفاً طاهر اليد حسن الأخلاق ويحمل مشروعاً، أقل ما
فيه أنه أفضل من المشروع الراهن، وأقل ما فيه أنه إن لم ينجح في تحسين
الوضع فلن يكون هناك أسوأ؛ لأنه ليس هناك أسوأ مما نحن فيه، فلماذا لا
يتعاون معه السلفيون ولو مؤقتاً لتحقيق بعض التقدم في الطريق الى
الهدف المنشود؟!، ألم يتحالف النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود في
المدينة؟!
بل لماذا يهاجمه السلفيون؟!، أعني إذا كانوا لا يريدون التحالف على
الأقل معه فليتركوه!!
كذلك الحال مع الإخوان الذين يحملون مشروعاً يُفترض أنه ينتمي -ولو
في بعضه- لنفس المدرسة التي ينتمي إليها السلفيون (قال الله وقال
رسوله)!!
بل الأعجب موقف السلفيين من بعض الدعاة الجدد الذين وإن قل حظهم من
العلم فإنهم على الأقل أفضل من الراقصين والراقصات، على الأقل يدلون
الناس على الخير ويقربونهم ولو خطوة.
هناك الكثير من الناس يتعجبون من السلفيين، المسلمون يُقتلون
والسلفيون يتكلمون فى الحجاب والنقاب واللحية والقميص القصير!!
لماذ يصر السلفيون على أن يكونوا دائما عكس الجميع؟!، أليس من الأفضل
استغلال المتاح والانخراط في التغيير الجاري وتحمل بعض المخالفات لأجل
الغاية المنشودة؟!، أليست الغاية تبرر الوسيلة؟!
هذه في الواقع بعض من الأسئلة التي أسمعها من الكثير من الأصدقاء
والخصوم حول طريقة السلفيين في التعاطي مع الواقع.
فالجواب على ذلك وبيانه وتفسير موقف هذه الطائفة المباركة الموفقة
-بإذن الله- سهل ويسير جداً بإذن الله وكما يقول المثل العامي: "إذا
عُرف السبب بطل العجب"، نعم إذا عرف هؤلاء المتعجبون أسباب هذه
المواقف لبطل عجبهم بل وانقلب إعجابا إن شاء الله..
إذا عرف هؤلاء المتعجبون منطلقات السلفيين في هذه الأشياء سيعذرون
السلفيين بل وسيتبعوهم، إن كانوا من طلاب الحق.
القصة بادىء ذى بدء، أن التغيير عند السلفيين ليس بغاية، وأننا لا
نبغي التغيير لأجل التغيير بذاته؛ لذلك لا ننخرط في لعبة انتخابات
مثلاً، ولا نعقد حلفاً وقتياً لبلوغ التغيير المنشود، مرة مع حزب
ماركسي، ومرة مع رجل علماني، نحن كقطار يمشي فوق القضبان؛ لا يمكن أن
نخرج أبداً عن خط السير المرسوم، لا يمكن لقطار أن يخرج عن مساره
لتوفير الوقت أو لتجنب منطقة مزدحمة... القطار لا يُحسن هذا، القطار
لا يُحسن إلا السير في الدرب المرسوم... نحن لا يمكن أن نتسلق وصولاً
للحلم المنشود، هذه ولا شك سلوكيات لا علاقة لها بسلوك الإسلام
الراشد، نحن نسير ولا نلتفت؛ فالهدف جداً واضح، والخريطة موثوقة
أصلية، والرائد لا يكذب أهله. نحن نسير على صوت القرآن الحادي، وهدير
السنن النبوية، ولا نلتفت كلما نعق الناعق بزعم متطلبات التغيير
الراهن!!
الذي يحدد رؤية السلفيين للتغيير هي رؤيتهم للغاية من خلق الخلق،
واستخلاف الإنسان في هذا الكون، هذه الرؤية هي الفارقة والحاسمة،
والتي عليها ينبني كل ما بعد ذلك، وبها تتحدد آليات التغيير، وأهداف
التغيير وأولويات التغيير، والبيئة التي تساعد على إحداث التغيير، وما
هو التغيير النافع، وما هو التغيير الخادع، وطبيعة الكوادر والقيادات
المطلوبة للقيام بهذا التغيير، وفقه التغيير ومعنى التغيير وحكم
التغيير.
التغيير عند السلفيين كأي قضية لا تخرج عن أحكام التكليف الخمسة،
ولذلك يتعاملون معه من كتب الفقه وأقوال أهل العلم، ولذلك لم يفكروا
لحظة حين جاء البرادعي، فجاء الرد السلفي فورياً وجماعياً ودون اجتماع
السلفيين لتحديد موقفهم منه، تصور لم يجتمع السلفيون من نخب وجماهير،
ومع ذلك كان الموقف واحد متطابق -لا علاقة للبرادعي بالتغيير الذي
ينشده السلفيون - فكيف حدث هذا؟!.. حدث لأنهم عادوا فوراً لقواعد شرع
حاكمة، وفتحوا صفحات التغيير فوجدوا الرد، فقالوا.
السلفيون لا حول لهم ولا قوة، ولا رأي لهم ولا رؤية، إلا رؤية تحددها
الشريعة المطهرة لأنهم محكومون بشريعة لا يأتيها الباطل من بين يديها
ولا من خلفها، وهم يوقنون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينتقل إلى
ربه إلا وقد عَلَمَ الصحابة كل شيء حتى الخراءة، وكما قال أبو ذر رضي
الله عنه: "تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يطير بجناحيه
إلا عندنا منه علم".
والسلفيون يوقنون أن الله عز وجل قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ
دِينًا} [سورة المائدة: 3].
وقال: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا
يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}
[سورة النساء: 65].
وقال: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا
آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ
فِي شِقَاقٍ} [سورة البقرة: 137].
وقال: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي
شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ} [سورة النساء:
59].
وقال: {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن
قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّـهِ}
[سورة الشورى: 47].
وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ
فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [سورة الحشر:
7]، وقال: {مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ
فَقَدْ أَطَاعَ اللَّـهَ} [سورة النساء: 80].
وقال: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ
اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ} [سورة آل
عمران: 31]، وقال: {فَإِن لَّمْ
يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ
أَهْوَاءَهُمْ} [سورة القصص: 50]، وقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ
أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ} [سورة النور: 63].
إذاً السلفيون ليس لهم من الأمر شيء، ولا يملكون أن يبدلوا كلام الله
ولا كلام رسول الله.. هذه واحدة.
بقي أن يقول قائل كلنا نقول: ونحن أيضاً نقول بالكتاب والسنة، فنقول
لهم بفهم من؟!.. إن قلتم بفهم السلف قلنا لكم حُلت المشكلة، فإذا
اختلفنا فى أمر رجعنا إلى فهم السلف لكلام الله ورسوله وذلك على الأقل
احتراماً للتخصص والرسوخ في العلم والإحاطة بالفروع والأصول، واحترماً
لقربهم من عصر الوحي وهو ما يعني قلة احتمال الخطأ.
وإن قلتم بفهم الخلف، بفهمنا ،فهم رجال ونحن رجال، ونحن أدرى بعصرنا،
والشافعي له مذهب جديد ومذهب قديم، وهذه الشنشنة التي نعرفها ونحفظها،
قلنا لكم: "أهل مكة أدرى بشعابها"، ولماذا نلجأ إلى فهمكم؟!، والأمر
يتعلق بأصول نزلت عليهم، وتُليت بينهم، وفُسرت له، وعاشوها واقعاً فى
حياتهم!!
فإن قلتم لكل عصر طبيعته، قلنا لكم دلونا على شيء في هذا العصر
يستعصي أن ننزل عليه شيئاً من أحكام الشريعة.
ثم والأهم ننحن نشاهد الجميع منذ سنوات طويلة يجربون تأويلهم
ومناهجهم فلم نزدد معهم إلا هواناً وضياعاً.
فإن قال قائل ولكننا لجأنا لهذه المناهج لأنها حولت أوربا من عصور
الظلام إلى قمة الحياة الرغيدة...
قلنا لكم: أثبت التاريخ، وأقسمت التجارب على أننا على العكس من
أوربا؛ كنا أذلاء فرفعنا الدين، فلما تركناه عدنا للذل، وكانوا أذلاء
حتى طلقوا الكنيسة، هذه واحدة أخرى.
الثانية: أن ما وصلوا إليه لا علاقة له بالسعادة بل كلما تقدمت دولة
منهم ازداد معدل الانتحار وتفاقمت الأمراض النفسية فيها.
كما وأن العدل والرحمة والصدق عندهم كذب وزور، ولا يتخلقون به إلا
حين يخدم أهدافهم، أما حين يتعلق الأمر بالمكسب المادي مثلاً فإنهم
يلقون باللبن في المحيط للمحافظة على سعره بينما يموت ملايين الأطفال
من الجوع، وحين يتعلق الأمر بتأمين مصادر الطاقة تُباد دولة كالعراق
من على سطح الأرض ويُتوصل إلى ذلك بكمية من الأكاذيب والخطط
الشيطانية!!.. فأي صدق عندهم؟!!
وحين يتعلق الأمر بالتدابير الأمنية تهدر الحريات الفردية التي هي
أكبر كذبة كانوا يُلمعون بها حضارتهم، ويُسمح بالتنصت على المكالمات
ويتم تجنيد سعاة البريد رسمياً للتجسس على الناس!!
وحين يتعلق الأمر بالمسمار الذى دقوه فى المشرق وهى الدولة الصهيونية
اللقيطة فإنهم يتغاضون عن جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية ويحاربون
أي دولة تحاول امتلاك سلاحاً نووياً لتحقيق نوع من الردع ويحاصرونها
ويجوعون شعبها ويقتلون أطفالها كما فعلوا مع العراق بحجة امتلاكه لشيء
من هذه الأسلحة، أما إسرائيل فلا يحق لأحد حتى ان يناقش ترسانتها
النووية.
قُسُسُهم غارقون في فضائح جنسية، ومنصروهم لا يعطوا اللقمة إلا مع
الصليب.
إنهم كذابون قساة القلوب ظالمون ثم إنهم تعساء لا يعرفون من السعادة
إلا اسمها، فأي شيء يغرينا لنقل بضاعتهم الفاسدة إلى بلاد عندها ما
يغنيها ويكفيها ويشفيها وقد جربته فرفعها ولما تركته وضعها؟
لم يجد السلفيون مسألة تضطرهم إلى الاختراع أو الابتداع أو التنازل
عن الثوابت، بل كل ما يحدث إما موجود نصاً في الكتاب والسنة، أو
قياساً، ولا شك أن القياس أولى ألف مرة من القول بالرأي المجرد، فضلا
عن أن تجارب الجميع المريرة تزيد السلفيين إصراراً على منهجهم الذي في
أسوأ حالاته يضمن نجاة الآخرة وسعادة الدنيا لأنه ولا شك أحوط وأقل
مخاطرة. ونجاحات السلفيين المبهرة وانتصاراتهم التي جعلتهم القوة
الأولى في العالم فلم ينهزموا قط في العراق ولا أفغانستان ولا الصومال
ولا الشيشان وعددهم في ازدياد ودعاتهم في السماء وكتبهم وأقوالهم،
السلفيون من نجاح إلى نجاح مع أقل فرص أتيحت لهم، ذلك فضل الله يؤتيه
من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
إذاً السلفيون لا يقولون برأي من عند أنفسهم، ولا يخرجون في فعل ولا
قول عن أقوال فقهاء وعلماء وسادات الأمة، ولو كان الأمر بيدهم لنبذوا
الخلاف ولأرضوا الخلق ولكنهم يعرفون قول الله عز وجل لنبيه: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ
فَيُدْهِنُونَ} [سورة القلم: 9]، فنهى الله عز وجل نبيه صلى
الله عليه وسلم أن يُقدم أي تنازل، حتى لو ترتب على ذلك تنازلات من
الخصوم؛ إذ الغاية لا تبرر الوسيلة، والله عز وجل يتعبدنا بالعمل لا
بالنتائج، والله عز وجل طيب لا يقبل إلا الطيب. إنه دين جاء ليحكم لا
ليُحكم، جاء ليُغَير لا ليتغير، جاء ليتكيف معه الخلق لا ليتكيف هو مع
الخلق، ولوأننا لو تركنا لكل عقل من عقول المسلمين أن يضع تأويله
الخاص لكان لدينا إسلام جديد كل ساعة، ولو أننا ضيقنا الأمر فمنحنا
ذلك للنخب لمُنحنا إسلاماً جديداً كل يوم.
إذًا مربط الفرس أن التغيير عند السلفيين ليس غاية بل هو وسيلة، وهو
ما يجعله خاضعا لقاعدة الوسائل لها أحكام المقاصد، ويجعل السلفيون لا
يفكرون في وضع أيديهم في يد أحد كائناً من كان، مادام على غير المنهج
الرباني.
التغيير سهل جداً جداً -بالله ووالله وتالله- شريطة أن يمتلك القائم
مفتاح التغيير بيده، التغيير سهل جداً جداً شريطة أن يمتلك القائد
كلمات السر. نفس الكلمات عند جيل التغيير الأعظم، أعني هذه الثلة
الربانية أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وباقي الجيل التاريخي، ذاك الجيل
القائم بأعظم عملية تغيير في التاريخ الكوني، انظر وتأمل أعراب أجلاف،
خمر ونساء واستبضاع وأد بنات، حرب تافهة حتى كادوا أن يتفانوا، لماذا
قامت تلك الحرب؟!، لأجل فحل وناقة!! أي ضياع هذا؟!
في غمضة عين صاروا من تعرف، صاروا قُبَب المجد، مُثلاً عليا، قامات
سامقة، قاموا بإحداث تغيير هائل وعجيب.. عجيب من حيث التغيير الحاصل،
ومن كونه هائل، فوري، والأعجب كونه تغيير دائم!!.. ما أعظم هذا
التغيير.
إذًا من كان يريد التغيير؛ فدونه تجربة لا زالت ملهمة حية.
لو استطعنا أن نفهم سر التغيير في حياة هذا الجيل وآلياته، فالباقي
سهل ميسور يا سادة... أليس كذلك؟!!
بل إن التغيير المطلوب أقل بكثير من هذا التغيير الهائل.
الغاية عند السلفيين هي تعبيد الناس للرب الباري.. هذا أصل الموضوع
وهدف التغيير الجاري.
باختصار وبكلمة حاسمة وجواب نهائي، السلفيون لا يريدون (تغيير
والسلام) أو (تغيير وخلاص) أو
(أي تغيير على ما تُفرج).. السلفيون يعرفون المطلوب بالضبط، ويضعون
أعينهم عليه، ويستخدمون وسائل شرعية مأذون لهم فيها.
هذه النظرة السلفية المختلفة للتغيير بالطبع ستقود إلى اختلاف مماثل
في آليات التغيير عند السلفيين، وقبل ذلك وهو الأهم منهج
التغيير.
منهج التغيير السلفي سهل وبسيط وأثبت نجاحاً لا يعرف له أهل الأرض
نظيراً، ذلكم المنهج هو الوحي... الوحي الذي هو الكتاب والسنة بفهم
المشهود لهم: «قرني، ثم الذين يلونهم، ثم
الذين يلونهم» [رواه البخاري].
فهل بالله عليكم هناك أضمن من هذا؟!.. هل لو جاء عبد يوم الطامة
فسُئل لماذا فعلت؟، أو لماذا تركت؟، فكانت إجابته: "قال الله، وقال
الرسول، أو ذاك قول أبي بكر أو عمر، أو ذاك قول سعيد إذ لم يعلم قول
صحابي، أو ذاك قول أبي حنيفة أو الشافعي أومالك أو أحمد... فهل يُلام
بالله عليكم هذا العبد؟!
السلفيون لا يتقدمون بين يدي الوحي القاطع أو ما غلب الظن به، مع
كثير من الالتزام بالأثر وكثير من الورع في المسائل الخلافية
والمتشابهات، ومع ذلك هم يحققون انتصارات التاريخية سريعة، السلفيون
سعداء مرتاحون ولا يُنقصهم شيء، ولا يشعرون أن الله كلفهم ما لا
يطيقوا، أو أن هناك أدنى حرج، أو أنهم مضطرون لأي مخالفة أو تنازل،
وها هي الأيام تثبت أنهم على حق، فلا المناهج الأرضية نفعت ولا نجحت،
بل كفر بها الخلق، ولا الذين دفعوا ثمن الثمانين مقعداً غاليا حصلوا
شيئاً (أي شيء) وإن كانوا قد اجتهدوا فيما ذهبوا إليه.
إذًا آمن السلفيون بما أنزل إليهم من ربهم، وعلموا أن الحق في أن
يكون منهج التغير هو الوحي، وذلك لإيمانهم الذي لا يتزعزع بأن كتاب
الله محفوظ وأن سنة النبي صلى الله عليه وسلم صح منها يقيناً ما يكفي،
وكذا لما رأوه من أعجب وأعظم قصة تغيير في التاريخ كانت على يد الوحي
- إن جاز التعبير- ألا وهي قصة تحول أعراب أجلاف لا يلتفت إليهم أحد
من أهل الدنيا ولا يُعرف عنهم إلا شرب الخمر ووئد البنت ولعب الميسر
والاقتتال لأتفه الأسباب، فبينما هم كذلك إذ سطع عليهم نور الوحي
فصاروا أنبل وأشرف وأطهر وأرحم وأعقل وأدين وأصدق وأعبد وأرق خلق
الله... كيف؟!.. ما هي كلمة السر تحديداً؟!.. الوحي، ولا شيء سوى نور
الوحي الذي يضيء لك الطريق حتى تصل إلى سعادة الدارين.
تغيروا فإذا بهذا يخرج من ماله كله، وإذا بهذا يطأ بعرجته في الجنة،
وإذا بهذا يلقي بالتمرات ويقول إنها لحياة طويلة إن عشت حتى آكل هذه
التمرات، وهذا يقرأ القرآن كله في ركعة، وهذا، وهذا!!!..
مشكلة الذين يعادون السلفية هي قلة العلم، أو انعدامه، أو ضعف الفهم،
أو الاستعجال، أو الاستسهال، وإلا فمن شم رائحة العلم وفهم القرآن
والسنة وتدبر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في مكة بل مع
أصحابه في المدينة، بل مع المكيين بعد الفتح ومع المؤلفة قلوبهم لعلم
يقيناً أن المنهج هو السر.
(السلفيين مش مستعجلين خالص) السلفيون تعلموا من حديث: «فرأيت النبي... والنبي وليس معه أحد»
[صححه الألباني].. تُرى لو هادن وبدل وقدم بعض التنازلات، ألم يكن ذلك
داعياً لأن يأتي يوم القيامة ومعه ولو بعض المؤمنين بدعوته المعدلة
(يا جماعة ربنا لا ينفعه هداية الخلق ولا يضره ضلالهم (وقطعاً ما
يفرقش معاه العدد ولا المدة).
السلفيون تعلموا من قصة نوح عليه السلام، نوح عليه السلام دعا قومه
ألف سنة وفي النهاية {وَمَا آمَنَ
مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [سورة هود: 40]، فهل عاتبه الله على
النتائج؟!، هل قدم تنازلاً واحداً؟!!
السلفيون يوقنون أن من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط
عليه الناس، ومن أرضى الله بسخط الناس رضى الله عنه وأرضى عنه
الناس.
السلفيون يؤمنون أن الحق لا يعرف بالرجال ولكن الرجال يعرفون بالحق،
والسلفيون وإن كانوا يؤمنون بوجوب الأخذ بالأسباب لكن الأسباب عندهم
غير التي عند الناس.
السلفيون نظروا للنبي صلى الله عليه وسلم في بدر فبحثوا عن الأسباب
التي أخذ بها فوجدوها الدعاء، ونظروا في أُحد فوجدوا أنه أخذ بالأسباب
وأمر الرماة بلهجة واضحة فاصلة ألا يغادروا أماكنهم ولو رأوا الطير
يتخطف المسلمين فما الذي هزم الأسباب؟!؛ إنه مخالفة أمر الرسول صلى
الله عليه وسلم.
دلونا على استعدادات سبقت أي معركة أو تدريبات أو تكليف أحد باختراع
آلة حربية!!!
كل الأسباب تنحصر في الدعاء والتحذير من المخالفة وتربية جيل يقول
واحد منهم صبيحة بدر:
"يا رسول الله، امضِ لما أُمرت به فنحن معك، والله لا نقول لك كما
قالت بنو إسرائيل لموسى: "اذهب أنت وربكِ فقاتلا إنا ها هنا قاعدون"،
ولكن: "اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا معكما مقاتلون"، فوالذي بعثك بالحق
نبياً لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه، حتى
تبلغه".
هؤلاء الأطهار هم الأسباب... وبمثل هؤلاء يُرجى النصر.
والدنيا كلها تعلم، والتاريخ يُصرِح أن المسلمين ما انتصروا قط بعدد
ولا عدة ولا كانوا يوماً أكثر من اعدائهم إلا يوم حنين {إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ
تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا
رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} [سورة التوبة: 25]،
كانت هذه هي المرة الوحيدة التي وثقوا فيها في أسباب مادية.
السلفيون يوقنون يقينا راسخاً وإيماناً لا يتزعزع أن ربهم لو رأى
منهم الصدق لوفر لهم أسباب النصر.
الأسباب عند السلفيين هي الصدق؛ فالصادق يوفق، وهي التقوى ومن يتقِ
الله يجعل له مخرجاً، وهي الإحسان والله مع المحسنين، وهي نيل محبة
الله لأن من أحبه الله كان سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر بها
ويده التى يبطش بها، بل أقوى سبب وأعظم عدة هو الدعاء فهو العبادة وهو
مخ العبادة ولن يهلك معه أحد وهو الذي يرد البلاء ويهد الأعداء..
الأسباب عند السلفيين هي الدعاء والاستغفار وصلة الرحم وبر الوالدين
وقيام الليل وغض البصر وتجديد التوبة ورد المظالم وصدقة السر وصنائع
المعروف.
السلفيون يعرفون أن المخالفات هي الحالقة، وأن المناكير التي ملأت
ديار المسلمين هي أصل كل بلاء، وأن الربا وهو الذي أقعدنا، والفواحش
هي التي هزمتنا، والفساد هو الذي هدنا، والرشوة هي التي أسلمتنا،
والسلفيون مؤمنون يقيناً أن الذي يمنع السرقة هو تخويف بالله وبالنار
وترغيب بالفردوس وبالحور أو حد بالقطع، وأن الذي يمنع شرب الخمر ذات
الآليات وأن منع القتل أفضل ما يمنع بالقتل إذ في القتل حياة.
كل معاصي ومخازي الأرض وكل السلبيات التي يسعى أهل التغيير لرفعها،
حلها في ثقافة الحلال والحرام، ونشر تعاليم الإسلام، حلها في الترغيب
وفي الترهيب، ثم الرادع: تطبيق الحد.
هذه الجماهير المستعصية على كل الأنظمة وكل قوانين الأرض ستكون
ذلولاً في يد الحادي بكلام الرب.
السلفيون يعرفون أن ربهم ينصر بالقمل وبالدم وبالجراد وبالماء
وبالهواء، السلفيون يعرفون أن ربهم كما ينصر بالسبب فإنه ينصر بلا سبب
كما رزق مريم عيسى بغير سبب، ويعرفون أن ربهم ينصر بضد السبب كما جعل
نجاة موسى بإلقائه في اليم.
ثم وبعد كلمة التوحيد ورفع المخالفات وعبادة الله حق عبادته، نُعد
لهم ما استطعنا من قوة بما في استطاعتنا، لا ما فوق الاستطاعة، وهو ما
حصل في بدر خرجوا بما في استطاعتهم مع الفرق الشاسع الذي يجعل الأمر
حسابياً انتحارًا، لكن هذا هو ما في استطاعتهم، مع فكرة الحباب بن
المنذر، وفكرة الرماة فى أُحد، وفكرة الخندق في الخندق، ما في
استطاعتهم.
السلفيون لا يخافون من المستقبل، ولا يستعجلون التغيير، ويعرفون أن
الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ويعلمون جيداً أن العاقبة للمتقين،
ويؤمنون أن الرب تبارك وتعالى وعد الذين آمنوا منهم أن يمكن لهم في
الأرض وأنه ينصر من ينصره، وأنه كتب ليغلبن هو ورسله.
فلماذا إذًا الاستعجال والمخالفة والتفلت؟!.. هم مأمورون بالعمل لا
بالنتائج، فإن لم يروا الثمرة وإن لم يتحقق المطلوب في عهدهم فقد
حاولوا وبذلوا ما في وسعهم وعندهم الإجابة إذا سألهم ربهم.
لكل هذا فإن السلفيون لم يطبلوا مع من طبل لمن رفع شعار التغيير،
والعجيب كما قلت والذي يدلك على أن السلفيين أصحاب مبدأ، وأنهم لا
يتلونون بزعم نبل الغاية، أنهم لم يأخذوا وقتاً ليفكروا ولا
ليتباحثوا، إنما كان الجواب حاسماً وفورياً ومتطابقاً من جميعهم...
لماذا؟!... لأن السلفيين عندهم قواعد تحكمهم وتحركهم فكلما نزلت بهم
النازلة عرضوها على هذه القواعد فما وافقها قبلوه وما عارضها رفضوه،
ولذلك لم يطبلوا ولم يضعوا يدهم في يد دعاة التغيير؛ لأن السلفيين
قرؤوا القرآن ودرسوا السنة وراجعوا التاريخ ودرسوا الوقائع فعلموا أن
المشكلة ليست في الأشخاص إنما في المنهج، في الراية التى تقف تحتها،
دعاة التغيير أبناء نفس المنهج الحالي يختلف الرسم والاسم، ولكن
المدرسة واحدة والنبع واحد فيستحيل أن تتغير النتائج بالطبع، لأن
النتائج التي يرجوها السلفيون مختلفة تماماً.
السلفيون لا يرون في العري والرقص والبذاءات فناً، ولا يرون في الكرة
القبيحة رياضة، ولا في رمي القرص بطولة ويرون النحت حراماً، والاختلاط
دناءة.
السلفيون لا يرون في ارتفاع معدل دخل الفرد، وارتفاع مستوى المعيشة،
وارتفاع معدل الاحتياطي من الذهب وزيادة الصادرات، السلفيون لا يروا
هذا تغييراً عبقرياً، وهذا وإن كان شيئاً جيداً ومطلباً هاماً،
ودليلاً على إدارة ناجحة، وسبيلاً لحياة كريمة -الموحدون أولى بها من
غيرهم-، لكنه لا علاقة لكل ذلك بالغاية الأصلية التي من أجلها جئنا
لهذه الحياة، هذا يأتي بعد القيام بعبادة الله حق عبادته، والقيام
بحقه سبحانه وتعالى، هنا تصبح هذه الإنجازات ذات معنى، ودليل ذلك ان
أعظم الدول رفاهية هي أعلى معدلات انتحار لأنها لم تجلب للفرد مع راحة
الجيب راحة القلب ولا طمأنينته... وفرت له وسائل راحة التراب، ولم
توفر له إلا أسباب شقاء الروح.
من هنا يظهر الفارق الكبير.. الصحابة عاشوا تحت خط الفقر، لكنهم
عاشوا سعداء وماتوا سعداء والله حسيبهم.
أشرف لنا أن نقدم على الله ونحن رهبان ليل فرسان نهار، صوامون،
قوامون، صادقون، موفون بالعهد، غاضون للبصر، لا نقرب الفواحش ولا نأكل
الربا، هذا مع أنه لا تعارض بين أن نرتقي بالدنيا دون أن نخسر الآخرة،
لكن فرضاً لو وقع تعارض فلا عيش قطعاً إلا عيش الآخرة.
إذا ارتاح القلب فلا يضرك في أي كوخ تموت، مع أننا وبالقطع لا نمنع
بل ننادي أن نمتلك اقتصاداً وصناعة وزراعة وتعليماً لكن شريطة ألا
ننسى لماذا خلقنا ولا عن ماذا سنسأل.
السلفيون لا يعنيهم الجالس فوق الكرسي ما دام مسلماً، ولا يعنيهم
طريقة انتقال السلطة، ولا شكل الحياة السياسية.. الذي يعنيهم شيء واحد
فقط دستور الحكم "(ما) يحكمهم لا (من) يحكمهم من المسلمين"...
ولهذا فالتوريث على إطلاقه من وجهة نظر السلفيين ليس هو المشكلة، ولا
منعه هو الحل.
السلفيون على استعداد لمبايعة النظام الحالي وفتح صفحة جديدة بمجرد
أن يقيم شريعة الله عز وجل.
السؤال الفصل الحاسم للنزاع: ما هو الضرر الواقع على المجتمع وعلى
الفرد من تبني الرؤية السلفيية للتغيير؟!
أعنى لو مُنح المنهج الرباني الفرصة كما مُنحت كل مناهج أهل الأرض
فرصاً؟.. لو قُتل القاتل ورُجم الزاني وقُطع السارق وجُلد الشارب
ومُنع الربا وأُبطل الاختلاط، وجُرم الغش والرشوة والفساد، وقُرب
الصالحون والشرفاء، ومُنع الرقص والعري والغناء... ما هو الضرر
الحقيقي الواقع على المجتمع؟!!
لو طُبق دين الله -وهو مطلب السلفيين الوحيد-، وساد منهج الوحي -وهو
منهج السلفيين الوحيد- ما هو المتوقع؟!
لو أصبح هدف التغيير هو مرضاة الله عز وجل، وسعادة الدارين، ومكارم
الأخلاق، ورفعت المنكرات، وكانت آليات ذلك هي الترغيب والترهيب،
والزجر، والتعزير، والدعاء، والاستغفار، والتوبة، وقيام الليل، وصدقة
السر، وصنائع المعروف، وصلة الرحم، وقراءة القرآن، والمحافظة على
الصلاة، هل يشك عاقل أن عاقبة ذلك تغييراً لم تعرفه الأمة منذ سقطت في
هذا المستنقع الأسن...
{قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو
إِلَى اللَّـهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ
وَسُبْحَانَ اللَّـهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [سورة
يوسف: 108].
- التصنيف:
nada
منذ