الشام والعراق والصراع الصفوي العثماني بين الماضي والراهن

منذ 2016-10-30

مثلما انشغل الأرمن في تركيا بالانحياز إلى روسيا والتجسس على الخلافة العثمانية أيام الحرب العالمية الأولى، كانت النخب العربية تأمل خيراً بالإنجليز والفرنسيين مما سهل على أعداء الأمة يومها ابتلاع أراضيها وتجزئتها وتمزيقها، واليوم بحجج واهية من أسئلة الهوية وحقوق الأقليات والاثنيات وغيرها يلتفت إخواننا الكرد إلى الغرب والشرق باحثين عن رداء يتغطون به، ولن يحصلوا عليه، وقد ثبت ذلك بعد أن باع غلاتهم الأميركيون والروس في أول صدام أو مواجهة مع تركيا.

أقرأ هذه الأيام كتاب يوجين روجان بعنوان (العرب من الفتوحات العثمانية إلى الحاضر) وهو كتاب مهم لفهم ما يجري على أرض العراق والشام هذه الأيام، فحين يُعيينا فهم الحاضر لا بد من نبش الماضي لنفهم حاضرنا، فكما أن المستقبل يولد من رحم الحاضر فإن الأخير يولد من رحم الماضي، ولذا فمقولة البعض هذا جزء من الماضي، خطيرة في كثير من الأحيان كونها تقطع الأجيال عن بعضها، وتفصم حلقات التاريخ عن بعضها بعضًا.

دخل الصراع الصفوي-العثماني مراحل حاسمة في التاريخ القديم وكان الصراع على العراق بعد أن حسم السلطان سليم ياوز (الشرس) خياره بدخول حلب عام 1516 وسط ترحيب من أهلها ثم أهل دمشق، وألحق هزيمة منكرة بالمماليك وصلت صداها إلى القاهرة، فكان الصراع الصفوي العثماني منحصراً لفترة طويلة بالعراق، وعانت الخلافة العثمانية على مدى تلك الأيام المريرة من طعنات نجلاء بالظهر وهي على أبواب فيّنا، مما أرغمها على التراجع عن فتوحاتها لتتفرغ إلى طعنات الصفويين، لكن الأهم من ذلك كله ما نقرؤه في بطون التاريخ من أن الكنيسة الأرثوذكسية التي يتفاخر بها بوتين اليوم ويعتمد عليها بشكل كبير في مغامراته بالقرم وسوريا مهووسة باستعادة اسطنبول كونها رمزها، بالإضافة إلى طموحها باستعادة شواطئ البحر الأسود والأناضول كونها معقل كثير من الأرمن الموالين لروسيا.

باعتقادي أن أكبر فارق بين الصراع العثماني الصفوي قديماً وحديثاً هو أن القوى الأجنبية الغربية والشرقية حسمت خيارها هذه الأيام في ألا تدع الصراع الصفوي-العثماني أن يظل ثنائياً بينهما، لأنه سيُحسم بالتأكيد لصالح العثماني بسبب قوته الجغرافية والديمغرافية ومحيطه السني الذي يواجه جزيرة صفوية طائفية لا تقوى على الصمود أمامه، ولذا دخل الروس على السريع إلى جانب إيران ومليشياتها الطائفية في إلحاق الهزيمة بمشروع الثورة الشامية الذي هو امتداد للمشروع العثماني ومشروع الأمة بالتخلص والانعتاق عن الهيمنة الغربية والشرقية، وكان ثمة إخوان لهم يمدونهم بالظاهر والباطن تجلى ذلك بالمحاولة الانقلابية التركية الفاشلة المدعومة أميركياً، ثم الاتفاق الأميركي-الروسي المستهدف لتصفية الثورة الشامية.

مثلما انشغل الأرمن في تركيا بالانحياز إلى روسيا والتجسس على الخلافة العثمانية أيام الحرب العالمية الأولى، كانت النخب العربية تأمل خيراً بالإنجليز والفرنسيين مما سهل على أعداء الأمة يومها ابتلاع أراضيها وتجزئتها وتمزيقها، واليوم بحجج واهية من أسئلة الهوية وحقوق الأقليات والاثنيات وغيرها يلتفت إخواننا الكرد إلى الغرب والشرق باحثين عن رداء يتغطون به، ولن يحصلوا عليه، وقد ثبت ذلك بعد أن باع غلاتهم الأميركيون والروس في أول صدام أو مواجهة مع تركيا.

لم يسقط الأميركيون والروس يوماً حساب الدين من حساباتهم السياسية، ولذا فإن الطموح الروسي والأميركي والإيراني مدفوع دينياً، ولا يخجلون من ذلك بينما لا يزال يعمل بعضنا على إبعاد العامل الديني من الصراع، والحل هو بمواجهة العدو بعقيدة أصلب من عقيدته وحشد الطاقات العربية والتركمانية والكردية وغيرها تحت راية الإسلام والدين فهو ما يجمعنا، وإلا فإننا سنُؤكل فرادى كما فعلوا بنا يوم سقطت الخلافة العثمانية، وهذا يتطلب جرأة نخب بكافة شرائحهم، فمن يعلق الجرس؟

أحمد موفق زيدان

المصدر: موقع العرب القطرية
  • 1
  • 0
  • 776

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً