معازل للسنة في العراق

منذ 2016-11-01

هي سياسة المعازل في العراق، أو هي سياسة وضع السنة في معازل في العراق، وإذا كان هناك من لا يزال لا يرى ذلك، فسيرى الأمر بعينيه غدًا

للأسف هذا ما يجري، فنحن لم نعد أمام ممارسات إجرامية تحرم أهل السنة في العراق من حقوق المواطنة، ولم تعد الجرائم متوقفة عند حدود استباحة أرواحهم وممتلكاتهم وحرماتهم على يد الميلشيات الطائفية المجرمة، بل لم نعد أمام عمليات إعداد وتهيئة لتقسيم العراق؛ إذ وصلنا الآن حد تشييد معازل للسنة، خلف أسوار وخنادق تعزلهم في مدنهم وقراهم المهدمة وتجعل منهم أناسًا من الدرجة الثانية وربما العاشرة، بما يذكر بسياسات إنشاء المعازل التي اعتمدها الغرب في التعامل مع المواطنين الأصليين في المستعمرات الجديدة، والتي ما تزال بعض شواهدها قائمة حتى الآن، وبكل أشكال التمييز الديني والعرقي والطائفي والعنصري وعلى أساس اللون والجنس التي مارسها المحتلون.

والحال هناك في العراق، أننا أمام حالة استعمار استيطاني متكامل الأركان والملامح إلى درجة تمكننا من القول بأننا أمام الحالة الثالثة من هذا النمط الاستيطاني في المنطقة العربية الإسلامية، إذ شهدت وتشهد فلسطين هذا النمط، كما كانت حالة الاستعمار الفرنسي للجزائر من نفس النمط.

وإذا كان الاستعمار الأمريكي الذي شهده العراق بعد احتلال عام 2003، حالة من حالات العودة إلى النمط الاستعماري القديم المعتمد على وجود قوات الاحتلال للسيطرة والسطوة على مقدرات العراق المحتل لتحقيق استنزافها من قبل دولة الاحتلال، فقد انتقل العراق عبر الاحتلال والاستعمار الإيراني إلى نمط الاحتلال الاستيطاني وهو الأشد إجرامًا وقسوة وبشاعة، إذ تجري عمليات إبادة للسكان المحليين كما تجري ضدهم أعمال تطهير ديني وعرقي وأعمال نقل لمناطق سكناهم أو طرد لهم من مواطن إقامتهم والسطو على ممتلكاتهم أو حرقها وتدميرها، باعتبارهم مواطنون من الدرجة الثانية، يعيشون على هوامش السياسة والاقتصاد في بلادهم.

ما يجري الآن في العراق هو نمط من الاحتلال الاستيطاني الإيراني، الذي باتت تتوالى ملامحه، فنحن لم نعد أمام سيطرة إيران على السلطة السياسية، سواء جرى الأمر عبر السيطرة على القرار السياسي أو عبر مكونات السلطة التنفيذية، ولم نعد فقط أمام تشكيل جيش طائفي سواء تعلق الأمر بالجيش الرسمي -الذي تشكل في الأصل من ميلشيات إيرانية الفكر والتدريب والتسليح- أو تعلق بالحشد الطائفي الذي أصبح بمثابة الحرس الثوري الإيراني، ولم نعد فقط أمام سيطرة إيران على المقدرات والثروات والأرض العراقية، بل تخطى الأمر الآن كل ذلك، وأصبحنا أمام عملية تغيير في العلاقات بين المكونات المشكلة لبنية المجتمع لتكون هناك قوى مجتمعية تشكل فئة أولى وأخرى تشكل فئة اجتماعية من الدرجة الثانية.

ونحن أمام تغيير في تشكيلة القوى البشرية ومناطق سكناها ومقومات وجودها وثقافاتها ومقدرات مشاركتها الحضارية، لتكون هناك قوى مجتمعية تعيش وضعية الفئة الأولى المسيطرة وصاحبة كل الحقوق، فيما الفئة الثانية بلا حقوق، ونحن أمام ضرب أسوار وخنادق حول مواطنين أصبحوا من الدرجة الثانية، وسيعقب ذلك خطوات أشد وضوحًا في السياسة والثقافة وسينتقل الأمر ليصبح وجهة نظر رسمية تتعلق بالتعامل مع سكان تلك المناطق بأن يحدد مسار حركة أفرادها في داخل المناطق المعينة المخصصة لسكان الفئة الأولى من السكان -وقد شهدنا مؤشرات ذلك في منع دخول العاصمة إلا بقرار من أحد ساكنيها- وقد يجري تطبيق أفكار المرشح الجمهوري لرئاسة الولايات المتحدة للتغطية على اعتبار هؤلاء سكان من الدرجة الثانية، كان يوصموا بالإرهاب ويجري التعامل مع هؤلاء السكان وفق قواعد معينة في التحرك داخل المدن والسفر للخارج والعمل في دواوين الحكومة أو في تشكيل الكيانات السياسية... إلخ.

ما هو جار، هو تحويل السنة إلى سكان من الدرجة الثانية، يعيشون في معازل خلف الأسوار والخنادق، ويمكن نقل سكانهم من منطقة لأخرى حسب التوسعات السكانية للفئة الأولى، وهو ما يجري أمامنا في فلسطين المنكوبة بهذا النمط من الاحتلال الاستيطاني، ولا فرق هنا بين بناء الأحياء الاستيطانية في القدس وجلب اليهود للسكن بها، وما يجري من مشروعات لتسكين الإيرانيين والمجلوبين في أحزمة ومناطق محددة مختارة لتغيير الوضع الديموغرافي هنا وهناك في مدن العراق.
ولا فرق بين الأسوار المضروبة حول مدن السنة واحدة تلو الأخرى وما يجري من بناء أسوار حول المدن الفلسطينية لتحويلها إلى معازل لا يتصل أهلها ببعضهم البعض إلا بعد المرور على نقاط التفتيش التي أقامها الغازي المحتل، وهي أسوار لا يقصد منها العزل فقط بل تغيير في الأراضي المخصصة للمدن والتوسعات السكانية وللمساحات المسموح للسكان الفلسطينيين بالزراعة فيها.

هي سياسة المعازل في العراق، أو هي سياسة وضع السنة في معازل في العراق، وإذا كان هناك من لا يزال لا يرى ذلك، فسيرى الأمر بعينيه غدًا، إلا إذا حدث تغيير حقيقي ينهي سلطة احتلال العراق ويسقط عمليتها السياسية ويوقف جرائم الميلشيات ويعيد بناء حالة وطنية في العراق، الدولة والمجتمع.

المصدر: الموقع الرسمي لهيئة علماء المسلمين في العراق
  • 1
  • 0
  • 1,814

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً