الدول الإسلامية تحت نير التخلف والأزمات؟؟

منذ 2016-11-19

لولا المشقة لساد الناس كلهم *** الجود يفقر والإقدام قتال

لماذا تعيش عشرات الدول الإسلامية تحت نير التخلف والأزمات؟؟

لماذا مازالت عشراتٌ من دول العالم الإسلامي ترزح تحت نير التخلف في كل أو في معظم المجالات؟

لاشك أن لحكامها الدور الأكبر في استمرار وترسيخ وتوطين هذه المشكلة، ولا شك أن لشعوبها دورٌ كبيرٌ جدًا في هذه المشكلة، ولاشك أن لقوى خارجية دورٌ في هذه المشكلة، ولكن ما هي حقيقة هذه الأدوار؟

ولنبدأ بالمسألة الأكثر إثارةً للإهتمام، مسألة الحكام!

هل الحاكم أيُ حاكمٍ لا يشتهي أن تكون دولته هي الأقوى أو الأغنى في العالم أو على الأقل في الإقليم، أو على الأقل تكون في مكانةٍ لاتحتاج فيها لأحد أو لا يمكن لأحدٍ أن يضغط عليه ويهينه بصفته رئيسًا لها؟

أظن أن الإجابة واضحةٌ فأي حاكمٍ إن لم يأمل في تحقيق إحدى هذه المكانات، فإنه على الأقل لن يمانع إن دعاه أحدٌ لتحقيقها، إذن فلما لم يحقق أحدهم ذلك بل لم يسعى أحدهم له بصدق؟

الإجابة كلمةٌ واحدة هي "ضعف العزيمة أمام الشهوات" قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّـهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران: 14] ، فكل إنسانٍ مجبولٌ على اشتهاء هذه الشهوات بعضها أو كلها ولكن هناك قيودٌ تمنع أو تقيد ممارسة هذه الشهوات بدرجةٍ أو بأخرى، وهذه القيود أنواع:

- فمنها تعاليم الأديان سواء كان دينًا سماويًا أو دينًا وضعيًا.

وقد أشارت الأية الكريمة التالية للأية المذكورة لهذا القيد بقوله تعالى: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَٰلِكُمْ ۚ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّـهِ ۗ وَاللَّـهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران: 15] ، فالتقوى بمفهومها الإسلامي المعروف هي القيد الذي يضعه الإسلام لترشيد الشهوات وتنظيمها وليس إلغائها بالكلية كما هو في أديان أو تقاليد أخرى.

ومن القيود الهامة جدًا القيود التي يفرضها الواقع الإجتماعي والواقع السياسي وتلك القيود هي التي أشار إليها قوله تعالى {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة جزء من الآية: 251 ]، وهذا القيد هو ما قد يعبر عنه البعض بالتوازن بين القوى المختلفة سواء القوى السياسية أو الإجتماعية أو الإقتصادية، وهو نفسه الذي يشمل فيما يشمل القيود التى تفرضها النظم الديمقراطية الحقيقية على قواها السياسية والإقتصادية، وذلك التوازن موجود أيضًا في النظام السياسي والإقتصادي والإجتماعي الإسلامي وذلك هو ما أشارت إليه الأحاديث النبوية التى أمرت بتغيير المنكر فعلى المستوى السياسى وغيره نجد قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْجِهَادِ كَلِمَةَ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ» (الترمذي: 2329) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى سلطان جائر فأمره ونهاه فقتله» (الحاكم: 4872) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» (رواه مسلم: 49)

كما ضرب صلى الله عليه وآله وسلم مثلًا لهذا التدافع وماينتج عنه من توازنٍ في قوله: «مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ، مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا، وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعاً، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا» . (رواه البخاري: 2493)

وعندما تنعدم التقوى وينعدم التوازن بين القوى المختلفة فما الذي يمنع أي شخصٍ -حاكمًا كان أو محكومًا- من ممارسة شهواته بكل الطرق وعلى حساب أي شيء أو أي شخص، وإذا مارس الإنسان شهوته بلا قيدٍ أو شرط فهذا سيتعارض لاشك مع أي إنجازٍ سياسيٍ أو إجتماعيٍ أو إقتصاديٍ أو ثقافيٍ عام؛ لأن رغبته فى الإستحواذ على المال من كل وجه وإسترضاء بنيه ونسائه بكل شيء بلا قيدٍ أو شرط فى ذلك كله سيمنعه من القيام بأي إنجازٍ عام؛ لأن المجالين لابد وأن يتعارضا؛ لأن الإنجاز العام لا يتطلب فقط تحمل مشاق العمل بل يتطلب أيضًا التضحية بالجهد والوقت والمال الحلال فما بالنا بالمال الحرام، ولذلك نجد الشاعر العربى يقول:

                                     لاتحسبن المجد تمرًا أنت آكله *** لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبر

وقال المتنبي:

                                       لولا المشقة لساد الناس كلهم *** الجود يفقر والإقدام قتال

فالحاصل أن التقدم وتحقيق مكانةٍ لأي دولةٍ يتطلب من قيادتها أن تتحمل المشاق وتفطم نفسها عن الشهوات فإما تفعل ذلك تدينًا وإما تفعله بفعل ضغوط التوازنات داخل الدولة.

ولاشك أنه لا ينبغي الركون للتدين فقط لتحقيق التقوى التي ينتج عنها التقدم، بل لابد من تحقيق التوازنات التي تدفع للتقوى، وذلك لأسبابٍ كثيرة:

منها أن التدين نفسه يحتم إقامة التوازنات كما سبق فى أحاديث الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

ومنها أن التدين أمر نسبيٌ يختلف باختلاف الأشخاص من وقت لأخر كما ويختلف باختلاف الشخص الواحد نفسه من وقتٍ لآخر أيضًا؛ فكيف نكل الناس لتدينهم في أمورٍ هامةٍ كانت أو عامة؛ ولذلك نجد سيدنا عمر بن الخطاب يقول "إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".

وبذا يمكننا القول بإطمئنان أن أغلب حكام العالم الإسلامي غير قادرين على الإنفطام عن الشهوات ومن ثم فهم لايمكنهم تحقيق أي تقدم لبلادهم.

لكن في نفس الوقت فهناك مسؤوليةٌ تقع على عاتق الشعوب بسبب عدم تحقيقها التوازنات السياسية والإقتصادية و الإجتماعية داخل دولها ومجتمعاتها.

 

 16 يونيو, 2008

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

عبد المنعم منيب

صحفي و كاتب إسلامي مصري

  • 8
  • 2
  • 2,614

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً