الاستبداد صنعته رعية خانعة

منذ 2010-12-04

ماذا يبتلي الله عباده بالمستبدين؟ فأبلغ جواب مسكت هو: إن الله عادل عدل مطلق لا يظلم أحداً، فلا يولي المستبد إلا على المستبدين، ولو نظر السائل نظرة الحكيم المدقق، لوجد كل فرد من أسراء الاستبداد مستبداً في نفسه، لو قدر لجعل زوجته وعائلته وعشيرته وقومه


عندما أتوقف بالتفكر والتدبر فيما يحدث في مصر وعالمنا العربي من استبداد وضياع شبه كامل لكل معاني العدالة مع مشاركة قطاع كبير من الشعب في التصفيق للظلم والاستبداد والعمل كعبيد للمستبد في الظلم لكل حر
ومما زاد حزني أن الذين يضربون الشعب هم من الشعب والذين يزورون إرادة الشعب لصالح المستبد هم من الشعب والذين يظلمون الأحرار هم من الشعب والمستبد قابع على كرسيه مستريح البال يستخدم الشعب ضد الشعب
 وكأني في هذا المشهد أقف مع قوله تعالى " َفاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ [الزخرف : 54]" وممن استوقفني من المعاصرين و أعجبني كلامه في ذلك  عبدالرحمن الكواكبي الذى اقترن اسمه وشهرته بأشهر كتبه «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد»،والمثير في كلامه أنه كتبه كأنه شاهد عيان يتكلم عن وقائع وأحداث معاصرة.
ولايفوتنى الإشارة إلى أن الكواكبي كان محامياً وكاتباً وصاحب علم شرعي ليزداد الإعجاب إعجاباً، وأتوقف في مقالي مع فقرات مهمة من كتابه «طبائع الاستبداد»، ليتيقن القارئ أنه لكاتب ومؤلف كأنه يعيش بيننا ولم يمت منذ أكثر من مئة عام...
يقول الكواكبي عن الاستبداد - الاستبداد لو كان رجلاً وأراد أن يحتسب ويتنسب لقال: أنا الشر، وأبي الظلم، وأمي الإساءة، وأخي الغدر، وأختي المسكنة، وعمي الضر، وخالي الذل، وابني الفقر، وبنتي البطالة، وعشيرتي الجهالة، ووطني الخراب، أما ديني وشرفي وحياتي فالمال فالمال فالمال.
- الاستبداد يضطر الناس إلى استباحة الكذب والتحايل والخداع والنفاق والتذلل، وإلى مراغمة الحس وإماتة النفس ونبذ الجد وترك العمل

 أما عن علاقة المستبد بالناس فقال إذا سأل سائل: لماذا يبتلي الله عباده بالمستبدين؟ فأبلغ جواب مسكت هو: إن الله عادل عدل مطلق لا يظلم أحداً، فلا يولي المستبد إلا على المستبدين، ولو نظر السائل نظرة الحكيم المدقق، لوجد كل فرد من أسراء الاستبداد مستبداً في نفسه، لو قدر لجعل زوجته وعائلته وعشيرته وقومه والبشر كلهم، حتى ربه الذي خلقه تابعين لرأيه وأمره.
فالمستبدين لا يتولاهم إلا مستبد، والأحرار يتولاهم الأحرار، وهذا صريح معنى «كما تكونون يولى عليكم». ما أليق بالأسير في أرض أن يتحول عنها إلى حيث يملك حريته، فإن الكلب الطليق خير حياة من الأسد المربوط.
- العوام هم قوّة المستبد وقُوته، بهم وعليهم يصول ويطول، يأسرهم فيتهللون لشوكته، ويغصب أموالهم فيحمدونه على إبقائه حياتهم، ويهينهم فيثنون على رفعته، ويغري بعضهم على بعض، فيفتخرون بسياسته، وإذا أسرف في أموالهم يقولون كريماً، وإذا قتل منهم ولم يمثل، يعتبرونه رحيماً، ويسوقهم إلى خطر الموت فيطيعونه حذر التوبيخ، وإن نقم عليه منهم بعض الأباة قاتلهم كأنهم بغاة.
- الناس وضعوا الحكومات لأجل خدمتهم، والاستبداد قلَب الموضوع، فجعل الرعية خادمة للرعاة، فقبلوا وقنعوا..

أما بالنسبة لأولئك الذى يقال عنهم أنهم مثقفون وهم للاستبداد مطّبلون فقال عنهم الكواكبى : المستبد يجرب أحياناً في المناصب والمراتب بعض العقلاء الأذكياء، أيضاً اغتراراً منه بأنه يقوى على تليين طينتهم وتشكيلهم بالشكل الذي يريد، فيكونوا له أعواناً خبثاء ينفعونه بدهائهم، ثم هو بعد التجربة إذا خاب ويئس من إفسادهم، يتبادر إبعادهم أو ينكل بهم، ولهذا... لا يستقر عند المستبد إلا الجاهل العاجز الذي يعبده من دون الله، أو الخبيث الخائن الذي يرضيه ويغضب الله.
أما الذين يعملون فى العمل العام ويضعون قاعدة الحسابات كأنها وحى مقدس من السماء فقال - إن الأمر مقدور ولعله ميسور، ورأس الحكمة فيه كسر قيود الاستبداد، وأن يكتب الناشؤون على جباههم تلك الكلمات، وهي:
- ديني ما أظهر وما أخفي. أكون، حيث يكون الحق ولا أبالي.
 أنا حر وسأموت حراً.
 أنا إنسان الجد والاستقبال، .. الحياة كلها تعب لذيذ. الوقت غالٍ عزيز. الشرف في العلم فقط. أخاف الله لا سواه. المستبد عدو الحق، عدو الحرية وقاتلها، و إتباع الحق أبو البشر والحرية أمهم، والعوام صبية أيتام نيام لا يعلمون شيئاً، والعلماء هم إخوتهم الراشدون، إن أيقظوهم هبوا وإن دعوهم لبوا وإلا فيتصل نومهم بالموت
ثم يصف الوضع قائلا نحن ألفنا الأدب مع الكبير ولو داس رقابنا، ألفنا الثبات ثبات الأوتاد تحت المطارق، ألفنا الانقياد ولو إلى المهالك، ألفنا أن نعتبر التصاغر أدباً، والتذلل لطفاً، والتملق فصاحة، واللكنة رزانة، وترك الحقوق سماحة، وقبول الإهانة تواضعاً، والرضا بالظلم طاعة، ودعوى الاستحقاق غروراً، والبحث عن العموميات فضولاً، ومد النظر إلى الغد أملاً طويلاً، والإقدام تهوراً، والحمية حماقة، والشهامة شراسة، وحرية القول وقاحة، ، وحب الوطن جنوناً.

- وأخيراً يتكلم عن نتيجة الإستبداد ومايفعله بالأمة  قائلا :قد يبلغ من نتائج الاستبداد بالأمة أن يحول ميلها الطبيعي من طلب الترقي إلى طلب «التسفل»، بحيث لو دفعت إلى الرفعة لأبت وتألمت كما يتألم الأجهر من النور، وإذا ألزمت بالحرية تشقى، وربما تفنى كالبهائم الأهلية إذا أطلق سراحها.
-تلك وقفات مع أهم الفقرات التي استوقفتني في كتاب الكواكبي، كأنها ترى حال واقعنا فى مصر وفى العالم العربى رأي العين، وقد ذكر في أول كتابه أنه يفتح باباً صغيراً في أسوار الاستبداد، عسى الزمان أن يوسعه. فهل اتسع الباب بعد أكثر من مئة عام؟ أم زاد إغلاقاً (اللهم رحمتك بعبادك الضعفاء المستضعفين)
وقد مات الكواكبي مسموماً العام 1902، ولو كان حياً بيننا الآن، لا أعرف كيف سيكون مماته، هل بإعدام محكمة عسكرية، أم بقتله في سجنه ويخرج التقرير الطبي هبوط في الدورة الدموية؟ نسأله سبحانه العفو والعافية  
ممدوح إسماعيل محامٍ وكاتب    [email protected]
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 0
  • 0
  • 7,138
  • الشافعى احمد

      منذ
    تعلم يا استاذ اسماعيل ممدوح لماذا هم اطاعوه لا نهم كانوا من قبل قوم فاسقين ولذالك هو استخفهم فاجتمع فالظالم والفاسق دائما وابدا منذ خلق ادم عليه السلام والى يومنا والى يوم القيامه يجتمعان فى مكان واناء واحد لان الاثنان دينهم وشريعتهم وهدفهم وهواهم وطريقهم ومعبودهم وربهم واحد والطيور على اشكالها تقع وتجتمع وتتحالف وتتفق وتتناصر طيور الشر والفساد والظلم والفسق والكبر والخراب والدمار شر خلق الله وشر ما خلق الله ما بين السموات والارض ولو كانت تزن عند الله جناح بعوضه ما سقى واحد منهم شربه ماء ولانها لاتزن عنده سبحانه جناح بعوضه يسقيهم الماء ويطعمهم الطعام وهم يعادونه ويحاربونه ويكفرون به ويقتلون عباده المستضعفين بالليل والنهار ولكن الله يمهلهم ولا يهملهم ويستدرجهم من حيث لايعلمون ولو يعلم فيهم خير سبحانه لاسمعهم ولكنهم رضوا بالحياه الدنيا وكرهوا الاخره ومن كره شيئا عاده وحاربه فعاقبهم الله وانتقم منهم فما نالوا وما طالوا لا الحياه الدنيا ولا الاخره قبورهم ومدافنهم فى الشرق والغرب امامنا جثث باليه ياكلها الدود الان تحت التراب اين قوم هود وصالح ونوح والنمروذ وفرعون وهامان وقارون وابوجهل وابو لهب وعتبه وشيبه وابن سلول والحجاج ونابليون وهتلر وموسلينى وشارون وجمال اين الظالمون المتكبرون الطغاه المفسدون وقومهم واتباعهم الفاسقون تحت التراب قطع من العظام الباليه ذهبت دنياهم وزينتهاها وسعادتها ونعيمها وهم الان هناك فى الدار الاخره يجزون ما كانوا يعملون الان وهذه الساعه داخل قبورهم خسروا دنياهم وما طالوا منها شىء واخرتهم عند الله الان يحاسبهم ويجازيهم فيها بمثاقبل الذر عن كل نفس وامراه وطفل وبهيمه ظلموهم فيها قال سبحانه يا ايها الذين امنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف ياتى الله بقوم يحبهم ويحبونه اذله على المؤمنين اعزه على الكافرين لايخافون فى الله لومه لائم ذالك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم انما وليكم الله ورسوله ورسوله والذين امنوا الذين الذين يقيمون الصلاه ويؤتون الزكاه وهم راكعون وقال ايضا سبحانه ان هؤلاء يحبون العاجله ويذرون ورائهم يوما ثقيلا نحن خلقناهم وشددنا اسرهم واذا شئنا بدلنا امثالهم تبديلا
  • محسن على

      منذ
    سيدى الكاتب لقد نقلت واقعا نحياه كتبه كاتبنا الاستاذ عبدالرحمن الكواكبى منذ زمن واقول لكل ظالم مستبد فى شعبه الانامت اين الجبناء

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً