مع القرآن - شاكرٌ أم كفور
مِن الناس من ييأس ومنهم من يقنِط ومنهم صاحب النفس العالية الذي يصبر ويحمد
أنعم علينا سبحانه بنعم دون بذل منا - نعمة النظر أو السمع أو الحركة أو الكلام أو الزوجة الصالحة أو الذرية أو الرزق - فإذا قدر فيها ابتلاءٌ واختبارٌ بسلبها أو جزء منها ظهرت المعادن الحقيقية وبرزت الأنفس النقية من الشقية.
مِن الناس من ييأس ومنهم من يقنِط ومنهم صاحب النفس العالية الذي يصبر ويحمد.
وقد تزيد صعوبة الاختبار بعودة المفقود واسترجاع النعم وهنا أيضاً يفرح الشقي فيتبطر ويُعجَب بنفسه ويتكبر، أو يحتقر الخلق ويزدريهم بينما يسمو صاحب النفس النقية فيعرف لله نعمته فيحمده و يزداد تواضعاً بين خلقه وعطاءاً.
فاختر لنفسك أي الصنفين أنت.
{وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [هود: 9 - 10] .
قال السعدي في تفسيره :
يخبر تعالى عن طبيعة الإنسان، أنه جاهلٌ ظالم بأن الله إذا أذاقه منه رحمة كالصحة والرزق، والأولاد، ونحو ذلك، ثم نزعها منه، فإنه يستسلم لليأس، وينقاد للقنوط، فلا يرجو ثواب الله، ولا يخطر بباله أن الله سيردها أو مثلها، أو خيرًا منها عليه.
وأنه إذا أذاقه رحمة من بعد ضراء مسته، أنه يفرح ويبطر، ويظن أنه سيدوم له ذلك الخير، ويقول: {ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} أي: فرح بما أوتي مما يوافق هوى نفسه، فخور بنعم الله على عباد الله، وذلك يحمله على الأشر والبطر والإعجاب بالنفس، والتكبر على الخلق، واحتقارهم وازدرائهم، وأي عيب أشد من هذا؟!!
وهذه طبيعة الإنسان من حيث هو، إلا من وفقه الله وأخرجه من هذا الخلق الذميم إلى ضده، وهم الذين صبروا أنفسهم عند الضراء فلم ييأسوا، وعند السراء فلم يبطروا، وعملوا الصالحات من واجبات ومستحبات.
{أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} لذنوبهم، يزول بها عنهم كل محذور. {وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} وهو: الفوز بجنات النعيم، التي فيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين.
#مع_القرآن
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف:
- المصدر: