من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها

منذ 2010-12-20

«يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعمَالُكُم أُحصِيهَا لَكُم ثُمَّ أُوَفِّيكُم إِيَّاهَا، فَمَن وَجَدَ خَيرًا فَلْيَحمَدِ اللهَ، وَمَن وَجَدَ غَيرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفسَهُ»


أَمَّا بَعدُ، فَأُوصِيكُم -أَيُّهَا النَّاسُ- وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-:{يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَـٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ* مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} [غافر: 39-40].


أَيُّهَا المُسلِمُونَ، مَضَت مِن عَامِنَا فَترَةٌ مُشرِقَةٌ، وَانقَضَت أَيَّامٌ مُضِيَئَةٌ مُبَارَكَةٌ، وَلَّت عَشرُ ذِي الحِجَّةِ بِخَيرَاتِهَا وَبَرَكَاتِهَا، وَهَا هِيَ أَيَّامُ التَّشرِيقِ تُوَدِّعُ مَعَ مَغِيبِ شَمسِ هَذَا اليَومِ.
صَامَ مَن صَامَ وَحَجَّ مَن حَجَّ وَضَحَّى مَن ضَحَّى، وَتَصَدَّقَ مَن تَصَدَّقَ وَعَجَّ بِالتَّكبِيرِ مَن عَجَّ بِهِ، وَسَبَقَ مَن سَبَقَ ممَّن سَارَعَ وَتَقَدَّمَ، وَتَأَخَّرَ مَن تَأَخَّرَ ممَّن تَبَاطَأَ وَأَحجَمَ، وَهَكَذَا هِيَ المَوَاسِمُ الفَاضِلَةُ وَفُرَصُ الطَّاعَةِ، تَمُرُّ كَلَمحِ البَصَرِ أَو هِيَ أَعجَلُ وَأَسرَعُ، يَتَزَوَّدُ مِنهَا مُوَفَّقٌ فَيَنَالُ بِفَضلِ رَبِّهِ الأَجرَ المُضَاعَفَ وَيَكسِبُ الحَسَنَاتِ الكَثِيرَةَ، وَيَتَقَاعَسُ مُفَرِّطٌ فَيَحرِمُ نَفسَهُ مَا لَو قَدَّمَهُ لَوَجدَهُ عِندَ رَبِّهِ وَافِيًا.

قَالَ -سُبحَانَهُ-: {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّـهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا* وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء: 123-124].
وَفي الحَدِيثِ القُدسِيِّ الَّذِي رَوَاهُ مُسلِمٌ قَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالى-: «يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعمَالُكُم أُحصِيهَا لَكُم ثُمَّ أُوَفِّيكُم إِيَّاهَا، فَمَن وَجَدَ خَيرًا فَلْيَحمَدِ اللهَ، وَمَن وَجَدَ غَيرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفسَهُ».

نَعَم، إِخوَةُ الإِيمَانِ، لَقَد أَنزَلَ اللهُ الكُتُبَ وَأَرسَلَ الرُّسُلَ وَأَوضَحَ المَحَجَّةَ، وَلم يَترُكْ لأَحَدٍ عَلَيهِ عُذرًا وَلا حُجَّةً، قَالَ -سُبحَانَهُ-: {رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّـهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّـهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 165].
وَقَالَ: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۖ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ} [يونس: 108].


أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ مِن جَزَاءِ الحَسَنَةِ وَعَلامَةِ قَبُولِهَا أَن يُوَفَّقَ العَبدُ بَعدَهَا لاكتِسَابِ الحَسَنَاتِ، وَأَن تُفتَحَ لَهُ أَبوَابُ الخَيرَاتِ وَالبَرَكَاتِ، وَأَن يُهدَى لِلأَعمَالِ المُضَاعَفَاتِ، فَلا تَرَاهُ يَقفُو الحَسَنَةَ إِلاَّ بِالحَسَنَةِ وَلا يُتبِعُ الخَيرَ إِلاَّ خَيرًا.
وَهُوَ وَإِن ضَاعَفَ الجُهدَ في مَوَاسِمِ الخَيرِ وَاغتَنَمَ الأَيَّامَ الفَاضِلَةَ، فَإِنَّهُ لا يَنفَكُّ يَتَقَرَّبُ إِلى رَبِّهِ بِصَالِحِ العَمَلِ في كُلِّ وَقتٍ وَحِينٍ، دَافِعُهُ في ذَلِكَ وَحَادِيهِ قَولُهُ -جَلَّ وَعَلا- لِنَبِيِّهِ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- وَلِلأُمَّةِ مِن بَعدِهِ: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]، وَإِنَّ استِدَامَةَ العَبدِ العَمَلَ الصَّالِحَ وَاستِمرَارَهُ في التَّعَبُّدِ، لَدَلِيلٌ عَلَى حَيَاةِ قَلبِهِ وَطُمَأنِينَةِ نَفسِهِ، وَإِنَّ مِن فَضلِ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ وَعَظِيمِ مَنِّهِ، أَنَّ فُرَصَ التَّزَوُّدِ لم تَكُنْ مَقصُورَةً عَلَى مَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ وَلا زَمَانٍ دُونَ آخَرَ، بَل لِلمُؤمِنِ في كُلِّ يَومٍ وَلَيلَةٍ فُرَصٌ مُهَيَّئَةٌ، وَمَا عَلَيهِ إِلاَّ الحِرصُ عَلَى مَا يَنفَعُهُ وَنِيَّةُ الخَيرِ وَعَدَمُ العَجزِ، وَالتَّوَكُّلُ عَلَى رَبِّهِ وَالحَذَرُ مِنَ المَوَانِعِ وَالمُثَبِّطَاتِ، وَالَّتي مِن أَخطَرِهَا عَدُوُّهُ اللَّدُودُ الشَّيطَانُ، ثُمَّ إِيثَارُ الدُّنيَا وَاتِّبَاعُ هَوَى النَّفسِ الأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ، قَالَ -سُبحَانَهُ-: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ} [فاطر: 6].
وَقَالَ -تَعَالى-: {فَأَمَّا مَن طَغَىٰ* وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا* فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ* وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ} [النازعات: 37-41].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ بَينَ أَيدِيكُم عَلَى مَدَى أَيَّامِ العَامِ أَعمَالا جَلِيلَةً، قَد تَكُونُ سَهلَةً يَسِيرَةً، لَكِنَّ أُجُورَهَا عَظِيمَةٌ وَكَبِيرَةٌ، هُنَاكَ الصَّلَوَاتُ الخَمسُ، تِلكُمُ المَحَطَّاتُ الإِيمَانِيَّةُ العَامِرَةُ، وَالبِحَارُ التَّربَوِيَّةُ الزَّاخِرَةُ، الَّتي تُمحَى بهَا الذُّنُوبُ وَالسَّيِّئَاتُ، وَتُزَادُ بها الحَسَنَاتُ وَتُرفَعُ الدَّرَجَاتُ، وَتُطَهَّرُ بها القُلُوبُ وَتُزَكَّى النُّفُوسُ، قَالَ -سُبحَانَهُ-: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ} [الأعلى: 14-15].
وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «أَرَأَيتُم لَو أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُم يَغتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَومٍ خَمسَ مَرَّاتٍ، هَل يَبقَى مِن دَرَنِهِ شَيءٌ؟» قَالُوا: "لا يَبقَى مِن دَرَنِهِ شَيءٌ". قَالَ: «فَكَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمسِ، يَمحُو اللهُ بِهِنَّ الخَطَايَا» [مُتَّفَقٌ عَلَيهِ].

وَيَا لهَا مِن خَسَارَةٍ مَا أفدَحَهَا وَيَا لَهُ مِن غَبنٍ مَا أَفحَشَهُ، حِينَ يُفَرِّطُ فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ في الصَّلَوَاتِ بِعَامَّةٍ وَصَلاةِ الفَجرِ خَاصَّةً، فَيَحرِمُونَ أَنفُسَهُم أُجُورًا مُضَاعَفَةً وَيُفَرِّطُونَ في حَسَنَاتٍ كَثِيرَةٍ، حَتَّى إِنَّهُ ليَمُرُّ بِأَحَدِهِمُ الشَّهرُ وَالشَّهرَانِ وَلم يَستَقِمْ لَهُ شُهُودُ الصَّلَوَاتِ الخَمسِ مَعَ الجَمَاعَةِ يَومًا كاملا، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «صَلاةُ الرَّجُلِ في جَمَاعَةٍ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاتِهِ في بَيتِهِ وَفي سُوقِهِ خَمسًا وَعِشرِينَ ضِعفًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحسَنَ الوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إِلى المَسجِدِ لا يُخرِجُهُ إِلاَّ الصَّلاةُ، لم يَخطُ خَطوَةً إِلاَّ رُفِعَت لَهُ بها دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنهُ بها خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى لم تَزَلِ المَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيهِ مَا دَامَ في مُصَلاَّهُ مَا لم يُحدِثْ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيهِ، اللَّهُمَّ ارحَمْهُ، وَلا يَزَالُ في صَلاةٍ مَا انتَظَرَ الصَّلاةَ»[مُتَّفَقٌ عَلَيهِ].
وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: «مَن صَلَّى العِشَاءَ في جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصفَ اللَّيلِ، وَمَن صَلَّى الصُّبحَ في جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيلَ كُلَّهُ» [رَوَاهُ مُسلِمٌ].

وَمِنَ الأَعمَالِ المُضَاعَفَةِ الأُجُورِ صَلاةُ الجُمُعَةِ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «مَنِ اغتَسَلَ يَومَ الجُمُعَةِ غُسلَ الجَنَابَةِ ثم رَاحَ في السَّاعَةِ الأُولى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَن رَاحَ في السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَن رَاحَ في السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبشًا أَقرَنَ، وَمَن رَاحَ في السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَن رَاحَ في السَّاعَةِ الخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ المَلائِكَةُ يَستَمِعُونَ الذِّكرَ».
وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: «مَن غَسَلَ يَومَ الجُمُعَةِ وَاغتَسَلَ، ثُمَّ بَكَّرَ وَابتَكَرَ، وَمَشَى وَلم يَركَبْ، وَدَنَا مِنَ الإِمَامِ وَاستَمَعَ وَأَنصَتَ وَلم يَلغُ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خَطوَةٍ يَخطُوهَا مِن بَيتِهِ إِلى المَسجِدِ عَمَلُ سَنَةٍ أَجرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا» [رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ].

وَإِنَّ ممَّا يُؤسِفُ أَن تَرَى اليَومَ كَثِيرِينَ لا يَكَادُونَ يُدرِكُونَ صَلاةَ الجُمُعَةِ فَضلًا عَنِ سَمَاعِ الخُطبَةِ، فَضلًا عَنِ التَّبكِيرِ فَضلًا عَنِ الدُّنُوِّ مِنَ الإِمَامِ، وَإِنَّ هَذَا الأَمرَ مَعَ كَونِهِ تَفرِيطًا في أُجُورٍ عَظِيمَةٍ، فَهُوَ دُخُولٌ في المَحظُورِ وَارتِكَابٌ لِلمَعصِيَةِ، إِذْ هُوَ مُخَالَفَةٌ لِصَرِيحِ الأَمرِ القُرآنيِّ، حَيثُ يَقُولُ -سُبحَانَهُ-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9].

وَمِنَ الصَّلَوَاتِ المُضَاعفَةِ الصَّلاةُ في المَسجِدِ الحَرَامِ وَالمَسجِدِ النَّبَوِيِّ وَمَسجِدِ قُبَاءَ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «صَلاةٌ في مَسجِدِي أَفضَلُ مِن أَلفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلاَّ المَسجِدَ الحَرَامَ، وَصَلاةٌ في المَسجِدِ الحَرَامِ أَفضَلُ مِن مِئَةِ أَلفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ» ، وَقَالَ: «الصَّلاةُ في مَسجِدِ قُبَاءَ كَعُمرَةٍ»[رَوَاهُمَا أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُمَا الأَلبَانيُّ].
وَهُنَاكَ الرَّوَاتِبُ وَصَلاةُ الضُّحَى، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «مَن صَلَّى في اليَومِ وَاللَّيلَةِ اثنَتي عَشرَةَ رَكعَةً تَطَوُّعًا بَنى اللهُ لَهُ بَيتًا في الجَنَّةِ» [رَوَاهُ مُسلِمٌ].
وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: «يُصبِحُ عَلَى كُلِّ سُلامَى مِن أَحَدِكُم صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمرٌ بِالمَعرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهيٌ عَنِ المُنكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجزِئُ مِن ذَلِكَ رَكعَتَانِ يَركَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى» [رَوَاهُ مُسلِمٌ].

وَمِنَ الأَعمَالِ المُضَاعَفَةِ الأُجُورِ صِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِن كُلِّ شَهرٍ، قَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: «صَومُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِن كُلِّ شَهرٍ صَومُ الدَّهرِ كُلِّهِ» [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ].

وَمِنَ الأَعمَالِ المُضَاعَفَةِ المُبَارَكَةِ الصَّدَقَةُ الجَارِيَةُ، في بِنَاءِ المَسَاجِدِ أَو مَكَاتِبِ الدَّعوَةِ أَوِ الجَمعِيَّاتِ الخَيرِيَّةِ أَوِ الحَلَقَاتِ، أَو كَفَالَةِ الأَيتَامِ وَالأَرَامِلِ، أَو نُصحِ الآخَرِينَ وَدَعَوتِهِم، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا مَاتَ الإِنسَانُ انقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِن ثَلاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، أَو عِلمٌ يُنتَفَعُ بِهِ، أَو وَلَدٌ صَالِحٌ يَدعُوَ لَهُ» [رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ].

وَمِنَ الأَعمَالِ المُضَاعَفَةِ الأُجُورِ قَضَاءُ حَوَائِجِ النَّاسِ: قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «وَلأَن أَمشِيَ مَعَ أَخِي المُسلِمِ في حَاجَةٍ أَحَبُّ إِليَّ مِن أَن أَعتَكِفَ في المَسجِدِ شَهرًا» [رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ].

وَإِنَّ في زِيَارَةِ المَرِيضِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ مِنَ البَرَكَةِ وَالأُجُورِ المُضَاعَفَةِ الشَّيءَ الكَثِيرَ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «مَا مِن امرِئٍ مُسلِمٍ يَعُودُ مُسلِمًا إِلاَّ ابتَعَثَ اللهُ سَبعِينَ أَلفَ مَلَكٍ يُصَلُّونَ عَلَيهِ في أَيِّ سَاعَاتِ النَّهَارِ كَانَ حَتَّى يُمسِيَ وَأَيِّ سَاعَاتِ اللَّيلِ كَانَ حَتَّى يُصبِحَ»[رَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ].
وقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: «مَن أَحَبَّ أَن يُبسَطَ لَهُ في رِزقِهِ وَأَن يُنسَأَ لَهُ في أَثَرِهِ فَليَصِلْ رَحِمَهُ» [مُتَّفَقٌ عَلَيهِ].

وَمِنَ الأَعمَالِ المُضَاعَفَةِ الأُجُورِ الدَّلالَةُ عَلَى الخَيرِ وَالسَّعيُ في نَشرِهِ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «مَن سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً عُمِلَ بها بَعدَهُ كَانَ لَهُ أَجرُهُ وَمِثلُ أُجُورِهِم مِن غَيرِ أَن يَنقُصَ مِن أُجُورِهِم شَيءٌ ...»الحَدِيثَ [رَوَاهُ ابنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ].

وَبِالجُملَةِ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- فَإِنَّ أَبوَابَ الخَيرِ مُفَتَّحَةٌ، وَالحَسَنَاتُ مُضَاعَفَةٌ، وَالرَّبُّ -سُبحَانَهُ- جَوَادٌ كَرِيمٌ، يُعطِي الكَثِيرَ مِنَ الأَجرِ عَلَى قَلِيلِ العَمَلِ، مَتى صَحَّتِ النِّيَّةُ وَتَحَقَّقَتِ المُتَابَعَةُ، قَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- في الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ: «إِنَّ اللهَ تَعَالى كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثم بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَن هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَم يَعمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ تَعَالى عِندَهُ حَسَنَةٌ كَامِلَةٌ، فَإِنْ هَمَّ بها فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ تَعَالى عِندَهُ عَشرَ حَسَنَاتٍ إِلى سَبعِ مِئَةِ ضَعفٍ إِلى أَضعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَإِن هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَم يَعمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِندَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِن هَمَّ بها فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ تَعَالى سَيِّئَةً وَاحِدَةً، وَلا يَهلِكُ عَلَى اللهِ إِلاَّ هَالِكٌ» .

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: {مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ۖ وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ* قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۚ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 160-163].


الخطبة الثانية

أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالى- وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، وَمِنَ الأعمَالِ اليَسِيرَةِ ذَاتِ الأُجُورِ الكَثِيرَةِ ذِكرُ اللهِ، وَهُوَ يَبدَأُ مَعَ الإِنسَانِ مُنذُ أَن يُصبِحَ حَتَّى يُمسِيَ، وَأَفضَلُهُ كَلامُ اللهِ -تَعَالى-، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «مَن قَرَأَ حَرفًا مِن كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشرِ أَمثَالِهَا، لا أَقُولُ: (آلم) حَرفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرفٌ وَلامٌ حَرفٌ وَمِيمٌ حَرفٌ» .
وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «مَن قَالَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ في يَومٍ مِئَةَ مَرَّةٍ، كَانَت لَهُ عَدلَ عَشرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَت لَهُ مِئَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَت عَنهُ مِئَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَت لَهُ حِرزًا مِنَ الشَّيطَانِ يَومَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمسِيَ، وَلم يَأتِ أَحَدٌ بِأَفضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ رَجُلٌ عَمِلَ أَكثَرَ مِنهُ» .

وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: «أَيَعجِزُ أَحَدُكُم أَن يَكسِبَ كُلَّ يَومٍ أَلفَ حَسَنَةٍ؟» فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِن جُلَسَائِهِ: "كَيفَ يَكسِبُ أَحَدُنَا أَلفَ حَسَنَةٍ؟" قَالَ: «يُسَبِّحُ مِئَةَ تَسبِيحَةٍ، فَتُكتَبُ لَهُ أَلفُ حَسَنَةٍ أَو تُحَطُّ عَنهُ أَلفُ خَطِيئَةٍ» [رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ].
وَعَن جُوَيرِيَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهَا- أَنَّ النَّبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ مِن عِندِهَا ثُمَّ رَجَعَ بَعدَ أَن أَضحَى وَهِى جَالِسَةٌ. فَقَالَ: «مَا زِلتِ عَلَى الحَالِ الَّتي فَارَقتُكِ عَلَيهَا؟» قَالَت: "نَعَم". قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «لَقَد قُلتُ بَعدَكِ أَربَعَ كَلِمَاتٍ ثَلاثَ مَرَّاتٍ. لَو وُزِنَت بما قُلتِ مُنذُ اليَومَ لَوَزَنَتهُنَّ: سُبحَانَ اللهِ وَبِحَمدِهِ، عَدَدَ خَلقِهِ، وَرِضَا نَفسِهِ، وَزِنَةَ عَرشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ» [رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ].
وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «مَن قَالَ: سُبحَانَ اللهِ العَظِيمِ وَبِحَمدِهِ غُرِسَت لَهُ نَخلَةٌ في الجَنَّةِ» [رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الألبَانيُّ].
وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: «مَن جَلَسَ في مَجلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ فَقَالَ قَبلَ أَن يَقُومَ مِن مَجلِسِهِ ذَلِكَ: سُبحَانَكَ اللهُمَّ وَبِحَمدِكَ، أَشهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ، أَستَغفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيكَ إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ في مَجلِسِهِ ذَلِكَ» [رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ].

وَمِنَ الأَعمَالِ المُضَاعَفَةِ الصَّلاةَ عَلَى النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- حَيثُ قَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: «مَن صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللهُ عَلَيهِ بها عَشرًا»[رواه مسلمٌ].
وقال: «مَن صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيهِ عَشرَ صَلَوَاتٍ، وَحَطَّ عَنهُ عَشرَ خَطِيئَاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ عَشرُ دَرَجَاتٍ»[رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ].

 

المصدر: الشيخ/ عبد الله بن محمد البصري - شبكة نور الإسلام
  • 1
  • 1
  • 48,628

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً