لماذا السودان ؟!

منذ 2011-01-07

نتابع جميعًا -منذ سنوات- ذلك الاهتمام المحموم من القوى الغربية وعلى رأسها أمريكا بالسودان وما يجري فيه من أحداث وصراعات، وتابعنا ذلك التدخل الدولي من أجل الوصول لحلٍّ لمشكلة الجنوب، والحرب الدائرة فيه منذ أكثر من عشرين عامًا...


نتابع جميعًا -منذ سنوات- ذلك الاهتمام المحموم من القوى الغربية وعلى رأسها أمريكا بالسودان وما يجري فيه من أحداث وصراعات، وتابعنا ذلك التدخل الدولي من أجل الوصول لحلٍّ لمشكلة الجنوب، والحرب الدائرة فيه منذ أكثر من عشرين عامًا، ذلك التدخُّل الذي أسفر عن اتفاق للسلام بشروط مجحفة تُعَدُّ مقدمةً لانفصال الجنوب عن الشمال، وإقامة دولة مسيحية فيه.

دارفور والتدخل الغربي
ولم يهدأ ذلك التسابق المحموم بعد توقيع الاتفاقية، ودخولها حيّز التنفيذ، ولكنه بحث عن جبهة أخرى يستغلها في تحقيق هدفه، وكانت هذه الجبهة هي إقليم "دارفور"؛ حيث اتهمت أمريكا والدول الكبرى ما أسمتهم "بميليشيات الجنجويد" عربية الأصل بإقامة مذابح جماعية، مدعومةً من الحكومة السودانية، وشنِّ حرب إبادة عرقية لقبائل أخرى من أصول إفريقية.


ورغم أن الجميع مسلمون، وأن الخلافات بين القبائل في إقليم "دارفور" قديمة، وكلها بسبب الاعتداءات التي تحدث من الرعاة على حقول المزارعين؛ لأجل إطعام قُطعانهم، ويتم حلها بمجالس عُرفيَّة أحكامها ملزمة للطرفين، رغم كل ذلك إلا أن القوى الاستعمارية -وعلى رأسها أمريكا- نسجت خيوط حرب عرقية، وحوادث اغتصاب يقوم بها مسلمون ضد مسلمين آخرين ومسلمات، وانبرت هذه الدول للدفاع عن حقوق هؤلاء المظلومين المسلمين ضدَّ إخوانهم الظالمين المسلمين أيضًا.

مرامي التدخل الغربي
وإذا كنا نعلم علم اليقين أن أمريكا ومعها أوربا لا تفتآن تحاربان المسلمين وتبيدانهم في كل مكان من الأرض تصل أيديهما إليه، فما بالهما في قضية "دارفور" تأتيان للتدخل من أجل حماية فريقٍ من المسلمين؟!! إن الأمر يمثِّل لغزًا لمن لا يدرك الأسباب الحقيقيَّة للتدخل الصليبي، فتعالَوْا نعرف أبعاد هذا التدخُّل ومراميه.


فيما يظهر لنا فإنَّ لهذا التدخُّل أربعةَ أسباب مهمَّة وأساسية:


أوَّلها: خوف الدول الصليبية الاستعمارية من انتشار المدِّ الإسلامي في إفريقيا وسطًا وجنوبًا، وخاصة في جنوب السودان؛ فهذه الدول التي ظلت تدعم التمرد في جنوب السودان طوال عشرين عامًا أو يزيد -حتى استطاعت الوصول لاتفاق السلام الذي يمهِّد لانفصال الجنوب- تطمح بعد هذا الانفصال إلى تحقيق حُلمها بإقامة دولةٍ مسيحيةٍ في جنوب السودان. هذه الدولة مُخطَّط لها أن تحقِّق عدة أهداف استراتيجية، منها:


1- أن تكون حاجزًا منيعًا أمام انتشار الإسلام في إفريقيا.

2- أن تمنع التواصل بين أيّ محاولات مستقبلية من المسلمين للتواصل مع الشعوب المسلمة المضطهَدة وسط وجنوب قارة إفريقيا.

3- إبقاء دول الشمال المسلم في حالة قلق وعدم استقرار مستمرَّيْنِ، عن طريق تصدير الاضطرابات من هذه الدولة التي ستكون مرتعًا لأجهزة الاستخبارات العالمية.


ثانيها: قضية البترول السوداني، ومحاولات الاستيلاء عليه من الشركات الكبرى بهذه الدول الاستعمارية الصليبية؛ حيث يصل الإنتاج الحالي إلى 350 ألف برميل يوميًّا -في حالة استقرار الوضع السياسي- واحتياطي يصل إلى 3 مليار برميل، وتقع الاكتشافات النفطية بالجنوب، وجنوب شرق، وجنوب غرب؛ حيث جنوب دارفور ذي المساحة الشاسعة، والبترول الواعد الذي يمدُّ أمريكا حاليًا -من خلال أنبوبة النفط الممتدة بداية من تشاد- بحوالي 16% من احتياجاتها الاستهلاكية اليومية من البترول.


وهناك ما هو أخطر من البترول، حيث يختلط تراب إقليم دارفور باليورانيوم بكثرةٍ تجعله محطَّ أنظار كل القوى الكبرى عالميًّا وإقليميًّا.


ثالثها: السيطرة على منابع النيل، وهذه السيطرة لها أهداف متنوعة منها:

(1) الضغط على مصر والسودان سياسيًّا، حيث سيصبح مصيرهما مرتبطًا بالدولة المسيحية المسيطرة على مجرى النيل، ومن ثَمَّ مرتبطًا بالدول الكبرى، ورغباتها، وعندها يصير القرار السياسي مرهونًا برغبات هؤلاء، وتفقد مصر والسودان استقلاليتهما عمليًّا، أو تضطران لخوض غمار حربٍ أمام القوى الكبرى دفاعًا عن الحياة ذاتها.


(2) تقديم مياه النيل هدية إلى إسرائيل التي ما زالت تحلم وتخطِّط بوصول مياه النيل إليها؛ ليروي ظمأ المحتلين، وييسِّر سبل العيش والزراعة لهم بأرخص الأثمان.


رابعها: الاستفادة من خصوبة أراضي السودان سلة غذاء العالم العربي؛ في توفير الغذاء بأنواعه لكل الدول الاستعمارية المشاركة في إشعال الأزمة، مع إبقاء الوضع في شمال السودان على ما هو عليه من عدم استخدام هذه الأراضي بالصورة التي تخدم السودان والعالم الإسلامي، وذلك من خلال إبقائه في دوّامة الصراع، والضغط عليه باستخدام سلاح المياه.


إذن تتبدَّى الصورة في حقيقتها مختلفة عن الجزء الظاهر منها.. الذي تظهر فيه الولايات المتحدة وأوربا وهي ترتدي عباءة الأم الحنون التي تعطف على المساكين الذين يتعرضون للاضطهاد والإبادة، حيث يظهر الشكل الحقيقي لثعلبٍ ماكر يداور ويناور من أجل الْتِهام ذلك الجزء من العالم الإسلامي؛ لتنفتح له أبواب أخرى ظل يخطِّط لفتحها طويلاً حتى آن الأوان.


 الاثنين، 11 كانون1/ديسمبر 2006 م
 

المصدر: موقع الشيخ راغب السرجاني

راغب السرجاني

أستاذ جراحة المسالك البولية بكلية طب القصر العيني بمصر.

  • 7
  • 0
  • 21,028

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً