مع القرآن - نهاية الدرس و أخلاق الربانيين

منذ 2017-02-06

هكذا تكون شيم الربانيين وتلك هي أخلاق الرجال

كان درس يوسف لإخوته وللعالم أجمع: هكذا تكون شيم الربانيين وتلك هي أخلاق الرجال.
بعدما اكتملت المتاهة التي أدخلهم فيها يوسف واستحكمت الشدة لجؤوا إليه مضطرين وقد أصابهم القحط ومسهم الضر باتهام الوالد لهم وعدم المقدرة على حفظ الصغير بنيامين والوقوف في موقف صعب يستجدون العزيز.
هنا تحرك قلب يوسف بكل قوة وبرزت أخلاق النبوة لينهي الدرس فوراً ويكشف لهم الغطاء عن كل ما فعلوا معه ومع أخيه، لم يشمت بهم أو ينهرهم بكلماتٍ قاسية وإنما انهى درسه بطلب لا يطلبه إلا نبي أو صديق في مثل هذا الموقف الصعب: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} .
وتتبين أخلاق النبوة بين موقف يوسف النبيل و تعلق قلب أبيه بالله حين قال لهم واثقاً و قد بلغت محنته أشدها: {وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ}.
لنعش لحظات مع اكتمال درس يوسف لإخواته  للعالمين :
{يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ * فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ * قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ * قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ * قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 87-92]
قال السعدي في تفسيره :
قال يعقوب عليه السلام لبنيه: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ} أي: احرصوا واجتهدوا على التفتيش عنهما {وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} فإن الرجاء يوجب للعبد السعي والاجتهاد فيما رجاه، والإياس: يوجب له التثاقل والتباطؤ، وأولى ما رجا العباد، فضل الله وإحسانه ورحمته وروحه، {إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} فإنهم لكفرهم يستبعدون رحمته، ورحمته بعيدة منهم، فلا تتشبهوا بالكافرين.
ودل هذا على أنه بحسب إيمان العبد يكون رجاؤه لرحمة الله وروحه، فذهبوا {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ} أي: على يوسف {قَالُوا} متضرعين إليه: {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} أي: قد اضطررنا نحن وأهلنا {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} أي: مدفوعة مرغوب عنها لقلتها، وعدم وقوعها الموقع، {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ} أي: مع عدم وفاء العرض، وتصدق علينا بالزيادة عن الواجب. {إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} بثواب الدنيا والآخرة.
فلما انتهى الأمر، وبلغ أشده، رقَّ لهم يوسف رقَّة شديدة، وعرَّفهم بنفسه، وعاتبهم.
{قال هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ} أما يوسف فظاهر فعلهم فيه، وأما أخوه، فلعله والله أعلم قولهم: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} أو أن الحادث الذي فرَّق بينه وبين أبيه، هم السبب فيه، والأصل الموجب له. {إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ} وهذا نوع اعتذار لهم بجهلهم، أو توبيخ لهم إذ فعلوا فعل الجاهلين، مع أنه لا ينبغي ولا يليق منهم.
فعرفوا أن الذي خاطبهم هو يوسف، فقالوا: {أَئِنَّكَ لأنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا} بالإيمان والتقوى والتمكين في الدنيا، وذلك بسبب الصبر والتقوى، {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} أي: يتقي فعل ما حرم الله، ويصبر على الآلام والمصائب، وعلى الأوامر بامتثالها {فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} فإن هذا من الإحسان، والله لا يضيع أجر من أحسن عملًا.
{قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} أي: فضلك علينا بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، وأسأنا إليك غاية الإساءة، وحرصنا على إيصال الأذى إليك، والتبعيد لك عن أبيك، فآثرك الله تعالى ومكنك مما تريد {وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} وهذا غاية الاعتراف منهم بالجرم الحاصل منهم على يوسف.
فـ{قَالَ} لهم يوسف عليه السلام، كرمًا وجودًا: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} } أي: لا أثرب عليكم ولا ألومكم {يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} فسمح لهم سماحًا تامًا، من غير تعيير لهم على ذكر الذنب السابق، ودعا لهم بالمغفرة والرحمة، وهذا نهاية الإحسان، الذي لا يتأتى إلا من خواص الخلق وخيار المصطفين.

#مع_القرآن

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

  • 0
  • 0
  • 2,441
المقال السابق
يوسف يستكمل خطته
المقال التالي
أروع نهاية

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً