مع القرآن - "عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ"
بداية مكة: أرضٌ جرداء لا ساكنٌ فيها ولا زرعٌ ولا ماء.
بداية مكة: أرضٌ جرداء لا ساكنٌ فيها ولا زرعٌ ولا ماء.
فقط فيها قواعد أول بيت بناه آدم لعبادة الله عز وجل واختلف المفسرون فيمن بناه أولاً هل آدم أم الملائكة.
في هذه البقعة التي تعد أول بقعة من بقاع الأرض خُصصت لعبادة الله في أرض الله اصطحب إبراهيم زوجه الحبيبة هاجر مع أول ولد من ذريته تقر به عينه بعد حرمان السنين.
متوكلاً على الله وحده طائعاً لأمره ممتثلاً: فكانت نتيجة الطاعة والامتثال: تفجر أطهر ماء على وجه الأرض، وعمران البيت وما حوله بعد سكني أم إسماعيل وابنها، ثم بناء إبراهيم وإسماعيل البيت ورفع قواعده ليعود كما بدأ أكبر موضع يعبد الله فيه على وجه الأرض، ثم تكريمه لإبراهيم وذريته شرع الله تعالى لأمة آخر نبيٍ من هذه الذرية حج هذا البيت وجعله مهوى للأفئدة يتجاذبها كما يجتذب المغناطيس الحديد بل أقوى من ذلك.
{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 37].
قال السعدي في تفسيره:
وذلك أنه أتى بـ "هاجر" أم إسماعيل وبابنها إسماعيل عليه الصلاة والسلام وهو في الرضاع، من الشام حتى وضعهما في مكة وهي -إذ ذاك- ليس فيها سكن، ولا داعٍ ولا مجيب، فلما وضعهما دعا ربه بهذا الدعاء فقال -متضرعًا متوكلًا على ربه: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي} أي: لا كل ذريتي لأن إسحاق في الشام وباقي بنيه كذلك وإنما أسكن في مكة إسماعيل وذريته، وقوله: {بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} أي: لأن أرض مكة لا تصلح للزراعة.
{رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ} أي: اجعلهم موحدين مقيمين الصلاة لأن إقامة الصلاة من أخص وأفضل العبادات الدينية فمن أقامها كان مقيما لدينه، {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} أي: تحبهم وتحب الموضع الذي هم ساكنون فيه.
فأجاب الله دعاءه فأخرج من ذرية إسماعيل محمدًا صلى الله عليه وسلم حتى دعا ذريته إلى الدين الإسلامي وإلى ملة أبيهم إبراهيم فاستجابوا له وصاروا مقيمي الصلاة.
وافترض الله حج هذا البيت الذي أسكن به ذرية إبراهيم وجعل فيه سرًا عجيبًا جاذبًا للقلوب، فهي تحجه ولا تقضي منه وطرًا على الدوام، بل كلما أكثر العبد التردد إليه ازداد شوقه وعظم ولعه وتوقه، وهذا سر إضافته تعالى إلى نفسه المقدسة.
{وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} فأجاب الله دعاءه، فصار يجبي إليه ثمرات كل شيء، فإنك ترى مكة المشرفة كل وقت والثمار فيها متوفرة والأرزاق تتوالى إليها من كل جانب.
#مع_القرآن
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف:
- المصدر: