هل من معتبر

منذ 2011-02-06

الاعتبار والاتعاظ بما يمر بالسابقين من سيما العقلاء النابهين, وعلى العكس فإن عدم الاعتبار من علامات البلهاء والذين لا يعقلون وإن كانت لهم عقول، منذ الأمس القريب هب الشعب التونسي وانتفض على طاغيته حتى اضطره إلى الفرار والهرب في مشهد من الذل ...


الاعتبار والاتعاظ بما يمر بالسابقين من سيما العقلاء النابهين, وعلى العكس فإن عدم الاعتبار من علامات البلهاء والذين لا يعقلون وإن كانت لهم عقول، منذ الأمس القريب هب الشعب التونسي وانتفض على طاغيته حتى اضطره إلى الفرار والهرب في مشهد من الذل والخزي بعد أربعة أسابيع من الكر والفر سقط خلالها عشرات بل مئات من القتلى إضافة لما صاحب ذلك من تخريب الممتلكات العامة والخاصة المصحوب بالسرقة والنهب والسلب الممنهج وإشاعة الفوضى وترويع الآمنين.


تعالت الأصوات العاقلة من هنا وهناك بالتحذير مما يتنظر مصر نظرا لتشابه الأحوال والأوضاع والظروف التي أدت إلى ما صار في تونس، لكن الذين لا يعتبرون من بطانة السوء والذين أعمتهم مظهر القوة الخادع بدلا من تقديم النصيحة الصادقة لذوي السلطان حتى يحولوا بينهم وبين موارد الهلكة، أخذوا يتصايحون من كل حدب وصوب :مصر غير تونس، ودبجوا القصائد في مدح الواقع وأخذوا يعقدون المقارنات الكاذبة بين الحال في مصر والحال في تونس والتي تبين للحاكم أن ما حدث هناك غير قابل للحدوث هنا فكانوا له من الغاشين، وما كان لهذا الغش أن يروج إلا أن الحاكم نفسه مستعد لقبول مثل هذا الكلام بل لعله كان غير مستعد لأن يسمع غير ما سمع.


لقد كان هناك إرهاصات في مصر تدل على أن الناس بدأت تتغير وأن للتكنولوجيا الحديثة أثرها في التواصل والتأثير، لقد بدأ يكثر الناس في الوقفات الاحتجاجية، وبدأت المنتديات الحوارية في الشبكة في تناول كثير من الأمور التي كانت في زمن مضى قاصرة على المستويات العليا من النخبة، ثم خطا الناس خطوة أكثر جرأة ونضجا عندما أقاموا ما أسموه بالبرلمان الموازي عقب التزوير الفاضح الذي شاب انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، لقد كان بعض هذا لا كله كفيل لمن يعتبر أو يتعظ أن يدرك أن وراء الأكمة ما وراءها ثم جاء الإعلان الهادر الذي يحدد أن يوم الثلاثاء الموافق 25/1/2011 هو يوم الغضب ودعوا فيه إلى مظاهرة حاشدة، فلم يتحرك أحد أو يحاول أن ينتزع فتيل الأزمة حتى وقعت الطامة وخرج الشعب وعسكر الساعات الطوال ولم يرجع إلى منزله وهو يردد الهتافات والشعارات المناوئة ويطالبون بإلغاء حالة الطوارئ وحل مجلس الشعب ومجلس الشورى وقد كان في الإمكان لمن يتدبر الأمور ويتعظ أن يتجاوب مع هذه المطالب ويتجنب ما آلت إليه الأمور، ورغم وضوح هذه المطالب المحددة والإصرار على تحقيقها وبذل الجهود في سبيل ذلك، فقد كان الرد على ذلك يتمتع بقدر كبير من الاستهتار وعدم المبالاة بل والغباء الذي يتميز به هذا النظام وسدنته كان الرد استبدال حكومة بحكومة وهو إجراء لا يصدر إلا من غائب عن مطالب الشعب وأحاسيسه، لقد كان ذلك الإجراء عاملا مباشرا في ارتفاع سقف المطالب وهو رحيل النظام ومعه رموزه كافة فكان الرد تعيين نائب للرئيس، لربما كان هذا الإجراء نافعا لو قد تم قبل ذلك بكثير، لكن الذين لا يعتبرون أو يتعظون لا يبدؤون الحل إلا بعد أن يكون قد مضى وقته، ويظل سقف المطالب عاليا لا بديل عن رحيل النظام جملة وتفصيلا فيكون الرد هو الطلب من الحكومة إجراء حوار مع المعارضة.


إصرار غريب وعجيب على البقاء في السلطة ولو كان ثمن ذلك احتراق البلد كله.

بعد خروج مئات الآلاف من بيوتهم ومقتل العشرات من البشر وانتهاب كثير من الممتلكات العامة والخاصة وعدم قدرة النظام على عمل شيء، يصير في هذه الحالة فاقدا للولاية الشرعية على شعبه ولا يحق له إصدار أية قرارات، فإذا صدرت كانت باطلة لأنها صادرة من غير ذي صفة.


ومن خلال هذه الكارثة التي حلت بالمسلمين في مصر يتبين لنا عدة أمور كانت من قبل لا يدركها إلا المختصون وكان سبيل إدراكها هو الاستنتاج، أما الآن فقد أصبحت مدركة للناس كافة على سبيل العلم وليس على سبيل الحدس والتخمين أو الاستنتاج، من هذه الأمور:

1- أن ممن يظهرون على أنهم حكام لشعوبهم والمفترض عليهم أن يعملوا لصالح دولهم أنهم في الحقيقة يعملون لصالح الدول الغربية وعلى الأخص لصالح أمريكا حتى يبدون في الصورة وكأنهم وكلاء لهم حيث يصرح الأمريكان أن النظام المصري يعمل على تحقيق المصالح الاستراتيجية العليا للولايات المتحدة الأمريكية.

2- أن أكبر قوة حقيقية قادرة على فعل الأعاجيب هي الشعوب عندما تصحو وتعقد عزمها على التغيير، ولذلك فإن تغييب الشعوب وإفساد تصورها هو ضمانة لاستمرار حكم الطاغوت وهو جريمة كبيرة.


3- أن الجيش هو الضامن الأكبر لاستقرار البلد وأمنه مما يحتم على الشعب ألا يصطدم معه بل يعمل على أخذه في جانب مصالح الشعب

4- أن هناك من الدول من يقدم الدعم للنظام رغم ما ظهر من كراهية شعبه له رغم أن المسألة مسألة داخلية ومقتضى شعارات الحرية والعدالة وحقوق الإنسان التي يطرحها هؤلاء أن يقفوا في صف الشعوب لا في صف النظام فالشعوب باقية والانظمة لا تبقى

5- أن حب السلطة والافتتان بها قد يدفع بعض الحكام إلى التشبث بها ولو أدى ذلك إلى حرق البلاد والعباد


6- أن كثيرا من أهل السلطان يغريهم طمعهم وجشعهم فلا يبصرون الهاوية التي ينحدرون إليها حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا كالطائر الذي يعميه طمعه وجشعة في التقاط الحبة عن إبصار الفخ المنصوب له، لقد أتيحت أمام النظام فرص متعددة للخروج من هذا المأزق لكنه في كل مرة لا يأخذ التصرف الذي ربما يمكن قبوله إلا بعد فوات وقته، وإني لأظن أن النظام سيماطل ولا يقبل بالرحيل الطوعي حتى إذا قبله يكون وقته قد فات و لا يبقى إلا أن يقبض عليه ويقدم للمحاكمة.


7- أن الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا لا تعرف إلا مصالحها وهي على استعداد كامل للتضحية بمن خدمها من الحكام إذا رأت أن مصالحها ليست في الوقوف معه كما تبين ذلك من خلال مواقف عديدة، ولعل ذلك يدفع من لديه من الحكام بقية من خير للتصالح مع دينهم وشعوبهم فهم الضمان الأكبر لهم وليس الغرب الوصولي الذي لا تحكم تصرفاته مبادئ أو أخلاق فهل يعي ذلك الحكام الذين ربطوا دولتهم وأمتهم بمصالح أمريكا قبل فوات الأوان.


8- أن الأقلية التي تعيش في بلاد المسلمين لا يعنيها مصلحة البلاد العامة بل هي أقلية أنانية لا يعنيها إلا مصالح طائفتها ولعل موقف بابا الاسكندرية ورئيس الأقباط الارثوذكس يفصح عن ذلك أشد الإفصاح حيث أعلن تأييده للنظام في الوقت الذي يحتشد فيه مئات الآلاف يعربون فيه عن مطالبهم برحيل النظام.

9- مما يدعو إلى العجب أن هناك من أعماهم بريق السلطة الخادع فقبلوا الولاية ممن لا يملك في حقيقة الأمر أمر نفسه، وأقسموا بالله جهد أيمانهم بالمحافظة على النظام ولو كان لهم بصيرة لنأوا بأنفسهم عن هذا النظام الذي لم يبق له لكي يلفظ أنفاسه إلا ساعات قليلة.


والله إن ما يحدث على أرض الكنانة عبرة لمن يعتبر فبينما هو يختال كالطاووس متكبرا متجبرا لا يأبه بمآسي شعبه ويقسو عليه هو وجنده إلى ما فوق حد الاحتمال إذا به محصورا ذليلا يقدم التنازل بعد التنازل لعل ذلك ينقذه مما هو فيه، يقدم ما لم يكن يقبله من شعبه من قبل فسبحان الذي أذل أعناق الجبابرة.


وأخيرا نقول لذلك النظام الآسن الذي أفسد البلاد والعباد لقد أزف الرحيل وحانت ساعة الحساب الذي نسيته ولم تعد له شيئا في يوم من الأيام، ولم يبق من عمر نظامك إلا ساعات قد تنقضي قبل نشر مقالي هذا، لقد كانت حقبتك أسوأ حقبة مرت على المصريين في العصر الحديث، ونقول لكل نظام طاغ باغ يجثم على أنفاس شعبه اعتبر بمن سبقك من الطغاة فتب إلى الله واهتبل الفرصة قبل فواتها فالأحداث تمشي بوتيرة متسارعة أكثر مما يتصور والله غالب على أمره.

المصدر: محمد شاكر الشريف
  • 0
  • 0
  • 2,511

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً