هل تنجح ثورة 25 يناير في تفكيك نظام (الكاماريلا) في مصر
كشفت الأحداث التي تلاحقت منذ مولد ثورة 25 يناير الشعبية عن تعقد البنية السياسية للنظام المصري ووجود تكوينات خفية خارج الأطر القانونية والسياسية المقننة تتحكم بشكل مطلق في حركة الدولة المصرية...
كشفت الأحداث التي تلاحقت منذ مولد ثورة 25 يناير الشعبية عن تعقد
البنية السياسية للنظام المصري ووجود تكوينات خفية خارج الأطر
القانونية والسياسية المقننة تتحكم بشكل مطلق في حركة الدولة المصرية
، وإلى الحد الذي يعجز فيه رئيس وزراء الدولة عن إدراك محركات بعض
أحداثها ، وحتى نائب رئيس الجمهورية الجديد يعلن عدم معرفته بخلفيات
تلك الأحداث على النحو الذي تبدى في الهجوم المنظم الذي حشد فيه عدة
آلاف من البلطجية وأعضاء الحزب وموظفي بعض قطاعات الدولة لسحق
المتظاهرين في ميدان التحرير يوم الأربعاء الماضي .
ويرى مراقبون للتركيبة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للدولة
المصرية طوال الثلاثين عاما الماضية التي حكم فيها الرئيس حسني مبارك
أن هناك تطابقا بين التجربة المصرية والتجربة المكسيكية في مرحلة ما
قبل التعددية ، وهي المرحلة التي عرفت باسم نظام "الكاماريلا" ، وهو
النظام الذي يعتمد على الولاء الشخصي المطلق لزعيم "الكاماريلا" ـ
الرئيس ـ دون نظر إلى أي أيديولوجيا أو مقومات أخلاقية أو قانونية
أخرى لقيادة الدولة.
ونظام "الكاماريلا" كما كشف عنه أشهر علماء النظم السياسية "جابرييل
ألموند" و"جي بنجهام باول" في كتابهما المرجعي "السياسات المقارنة في
وقتنا الحاضر" يمثل فيه الرئيس أو زعيم "الكاماريلا" الأعلى الرابط
الأساس واللحمة الجوهرية لزمام كل شيء في الدولة ومنه تؤخذ كل
السياسات كما يتحدد وفق رغباته كل الأساليب التي يجب الاقتداء بها ،
دون اعتبار لأي مؤسسات سياسية أو تشريعية أو قواعد سياسية أخرى
.
وتتشكل من خلال الزعيم الوحيد خلايا أولية قريبة منه تتفرغ منها
خلايا أخرى أو "كاماريلات" تتشكل من سياسيين ورجال مال وأعمال ومن
برلمانيين ومن رجال قضاء ومن قيادات عليا ووسيطة في المؤسسة الأمنية
ومن محترفي الإجرام والخروج على القانون ـ تجار مخدرات أو قتلة
محترفون ـ ومن شخصيات إعلامية وصحفية ومن فنانين ورياضيين وبيروقراطية
نافذة في الجسد الإداري للدولة وخلافهم ، وفي العادة تكون خلية
الكاماريلا الواحدة متشعبة في معظم القطاعات السابقة ، بحيث يمكنها
سحق أي خارج عليها أو متمرد أو أي سلوك سياسي أو مالي يمثل تهديدا
لمصالحها ، فيما يشبه "المافيا" التي تتجذر هيمنتها على شعاب الحياة
في الدولة كلما طال أمد "الكاماريلا" الأعلى في السلطة .
وكلما كانت "الكاماريلا" الفرعية أكثر تشعبا وتعاضدا من بين القطاعات
السابقة كلما كان لها النفوذ الأكثر حظوة عند الزعيم أو "الكاماريلا"
الأساس ، بحيث يعتمد عليها في تنفيذ بعض المهام المحددة التي لا يتوجب
ظهوره فيها بشكل سافر .
وهذه العصابات في العادة يكون هناك تنافس فيما بينها ، لكن داخل إطار
اللعبة ، وبما لا يمثل إزعاجا للكاماريلا الأعلى ، ويمكن أن يحدث حراك
داخلي أفقي أو رأسي ، حسب ما يعتريها من حالات الضعف والقوة ، كما
يمكن أن تتجدد أجيالها من خلال ضخ دماء جديدة داخلها بشرط الالتزام
بالأصول الواضحة لقواعد اللعبة .
وقد تشكلت في مصر طوال السنوات الثلاثين الماضية شبكة "مافياوية" على
النمط المكسيكي من خلال خلايا نافذة من قيادات حزبية وأعضاء برلمان
ورجال مال وأعمال وقيادات أمنية نافذة وشخصيات إعلامية وصحفية وبعض
رجال القضاء وقطاعات من محترفي الإجرام الذين حولوا "البلطجة" إلى ما
يشبه المؤسسة الرديف لنظام الحكم وقيادات بيروقراطية ، وشكلت هذه
"المافيا" هيمنة مطلقة وقمعية وأحيانا دموية في المجتمع المصري على
مدار السنوات الثلاثين الماضية .
وبطبيعة الحال فإن هذه المافيا المتشعبة تخوض معاركها الأخيرة الآن
في مصر والتي تعرضت للاهتزاز والخطر بعد ثورة 25 يناير ، وتقاتل من
أجل بقاء "الكاماريلا" الأعلى الضامن والرابط لكل هذه الشبكة من
الانهيار ، فهل تنجح الثورة في تفكيك هذه التشكيلات العصابية المتجذرة
.
- التصنيف: