إلى حسني مبارك

منذ 2011-02-20

حدثتني نفسي الأمارة بالسوء أن أحمل باقة ورد أحمر بلون الدم وزجاجة مياه مملوءة عن آخرها من الصنبور ، ورغيف خبز من قمح مصري وأذهب بهم إلى ميدان مصطفى محمود رافعا إياها أمام الفضائيات إعلانا مني عن تأييدي للرئيس مبارك...



حدثتني نفسي الأمارة بالسوء أن أحمل باقة ورد أحمر بلون الدم وزجاجة مياه مملوءة عن آخرها من الصنبور ، ورغيف خبز من قمح مصري وأذهب بهم إلى ميدان مصطفى محمود رافعا إياها أمام الفضائيات إعلانا مني عن تأييدي للرئيس مبارك ، وقالت لي نفسي ها هي جمعة الوفاء على وشك القدوم ،والرجل نُحي من الحكم مجبرا والبعض ينظر إليه وهو يقول : يا حسني قد أزف الرحيل وأظلك الخطب الجليل ، ومن الملائم الآن أن ننسى الشهداء ونتذكر الرجل الذي تسبب في دخولهم الجنة بإذن الله ، فعلى رأي المثل " الحي أبقى من الميت " وبالفعل حملت ما معي من ورد ووضعت في حقيبتي الخبز والماء ـ بدلا من الكوكا والخل والبصل ـ وركبت سيارتي وكلي حماس ، وسارت السيارة تتهادى في الطريق إلى ميدان مصطفى محمود ، وعلى حين غرة من نفسي الأمارة بالسوء حدثتني نفسي الأمارة بالخير وقالت لي ويحك أيها الرجل !! هلّا ذهبت وأنت في طريقك لجمعة الوفاء إلى بعض المصريين الشرفاء فتقدم لهم بعضا من الورد الذي معك .. ولأنني رجل مسالم طاوعت نفسي الخيرة وتوجهت إلى مشرحة زينهم ومشارح مستشفى القصر العيني ومستشفيات السويس والإسكندرية والإسماعيلية وغيرهم حيث شهداء المظاهرات السلمية الذين قتلهم نظام الرئيس مبارك بإشراف منه شخصيا وتنفيذ من رئيس عصابته حبيب العادلي ــ عفوا أقصد وزير داخليته ــ وأمام قبور الشهداء سلمت لأمهاتهم الثكلى وردا يليق بهم وأنا أذرف الدموع معهم ، ثم ألهمني خاطري ، والشيء بالشيء يذكر ، فتوجهت بدوري إلى مقابر شهداء العبّارة السلام الذين غرقوا في البحر الأحمر بسبب عدم وجود رقابة على العبارات التي تنتسب بصلة حب ومودة للرئيس مبارك وصلة قربى لزكريا عزمي رئيس ديوان السابق للرئيس السابق مبارك .. كان ممدوح إسماعيل ــ نسيب زكريا عزمي ــ هو صاحب العبّارة السلام وقد اغترف من بحر الفساد الأحمر تحت رعاية رأس النظام السابق وسكرتيره السابق ... وقد صل عدد الشهداء الذين أغرقتهم سفينته ما يقرب من الألف ونصف في جريمة فساد مأساوية اهتز لها العالم ولم تهتز لها شعرة واحدة من رأس الرئيس المصبوغ !!! وقفت على مقابر شهداء السلام ــ العبارة لا الاتفاقية ــ وتركت لهم جانبا لا يستهان بعدده من الورد الذي كان معي ، ثم ذهبت عقب ذلك إلى مقابر شهداء القطارات الذين ماتوا حرقا في قطارات سكة حديد الرئيس مبارك وتركت على مقبرتهم جزءً من الورد الذي معي ، غادرت مقبرة هؤلاء الشهداء الأبرار وتوجهت إلى مقابر كوارث الدويقة ووضعت وردا أحمرا من الذي أحمله على مقبرتهم ، ثم توجهت إلى بني سويف لأضع بعض الورد على مقبرة الشهداء الذين ماتوا حرقا في قصر الثقافة هناك في ظل رعاية الوزير فاروق حسني ــ التابع الأمين للهانم الأمينة ــ ولم يفتني أن أضع بعض الورد على مقابر ضحايا الفتنة الطائفية من المسلمين والأقباط ، والقتلى الأبرياء من الأقباط الذين قُتلوا في الكنائس بفعل وتخطيط العادلي ليبقى الشعب منشغلا بخلافاته بعيدا عن رأس الرئيس .

ثم ذهبت إلى أسر المحبوسين الذين حوكموا أمام محاكم عسكرية ظالمة في اتهامات سياسية جائرة وقدمت لهم بعض الورد ، وأخذني الحماس فذهبت إلى أسر المعتقلين السياسيين الذين انتهت مدة حبسهم ومازالوا يرزحون تحت أغلال السجن بالمخالفة لكل المواثيق الدولية وحقوق الإنسان ــ اللاتيني ــ وأحكام الشريعة الإسلامية ، ورغم صدور أحكام بالإفراج عنهم إلا أن الرئيس السابق مبارك أصر على استمرار حبسهم دون حق فما كان مني إلا أن وضعت في أيديهم بعض ورد التعاطف الذي كان معي ، وإذ نظرت للدول العربية قلت لنفسي من المروءة أن أقدم بعض الورد لأطفال انتفاضة فلسطين وضحايا الحصار وإغلاق المعابر والاتفاقات التحتية الخفية التي كان هدفها إبادة الشعب الفلسطيني ، ثم قذفت من مكاني بعض الورد للأطفال والنساء والشيوخ والرجال العراقيين من ضحايا الغزو الأمريكي للعراق والذي ساعد فيه الرئيس السابق مبارك مساعدة كبيرة إلا أنه للأسف الشديد لم يلق مقابلا لهذا الوفاء من السادة الأمريكان تطبيقا لنظرية " أخرة خدمة الغز علقة " ثم فرقت كثيرا من الورد على الفقراء الذين ينامون في الشارع المصري ويأكلون من صناديق القمامة بسبب الفساد الاقتصادي وتهريب المليارات للخارج إذ وفقا للتقارير الاقتصادية وصلت ثروة آل مبارك إلى سبعين مليار دولار على أقل تقدير أما الثروات الخاصة برجال الأعمال والوزراء وبعض الشخصيات السيادية فقد وصلت في بنوك الخارج إلى ما يزيد على مائتي مليار دولار ، ووفقا لآخر تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات وصلت ديون مصر إلى أكثر من تريليون دولار ، وعدد سكان العشوائيات يصل إلى 45 في المائة بالإضافة إلى أربعين بالمائة من الشعب تحت خط الفقر ... وتناثر الورد مني هنا وهناك حيث مستشفيات السرطان بسبب القمح المسرطن ومرضى الكبد الوبائي وتوجهت إلى الشباب العاطل والذي لم يجد وظيفة رغم تخرجه من كليات متميزة ولم يستطع بالتالي الزواج وتكوين أسرة مثل باقي شباب العالم في الوقت الذي يتقاضى فيه أي مدير أمن مبالغ تزيد عن المائتي ألف جنيه شهريا وكذلك المحاسيب من أصحاب الوظائف المتميزة في شركات البترول وغيرها والتي وصلت رواتب البعض منهم إلى ما يزيد عن مليون جنيه شهريا .... ومن هنا وهنا وهنا قمت بتوزيع الورد وحين وصلت إلى ميدان مصطفى محمود لم أجد في يدي شيئا من الورد ولكنني وجدت بعض الأشواك التي تساقطت من أفرع الورد ، بالإضافة إلى زجاجة المياه التي اكتشفت أنها ملوثة بفعل مرفق المياه ، ورغيف الخبز المصنوع من القمح المستورد المسرطن فقل لي بربك يا صديقي هل أقدمهم للرئيس السابق مبارك من باب الوفاء ورد الجميل ؟



18-02-2011 م

 
المصدر: ثروت الخرباوي - موقع المسلم
  • 0
  • 0
  • 2,380

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً