من أساليب المخالفين في محاربة السنن والدين ,, من خلال رد الدارمي على المريسي 1/ 2

منذ 2011-03-16

بُعِثَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في جزيرةٍ عربية تموج بالفتن والثارات بين القبائل، طلبًا للفخر والشرف والمكانة، وكان للدين منزلة في نفوس الناس، وكان أهل الكتاب خاصة يترقَّبون ظهور نبيٍّ، ويعرفون ذلك مِن كتبهم، لكنهم كانوا يترقبونه منهم...


أما بعد:

فقد بُعِثَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في جزيرةٍ عربية تموج بالفتن والثارات بين القبائل، طلبًا للفخر والشرف والمكانة، وكان للدين منزلة في نفوس الناس، وكان أهل الكتاب خاصة يترقَّبون ظهور نبيٍّ، ويعرفون ذلك مِن كتبهم، لكنهم كانوا يترقبونه منهم، لا مِن العرب، فلما بعثه الله عز وجل عربيًّا شَرِقَتْ به نفوسُ يهود خاصة، وأهل الكتاب والمشركين عامة، واتَّحَدَ أعداء الأمس ضد النبي العربي صلى الله عليه وسلم، وثارتْ يهود تثأر لمجدٍ كانت تحلم به، فلما لاحتْ لها هزيمتها، ورأتْ عجزها واضحًا في صدِّ قوة الإسلام وسطوة نوره؛ عندئذٍ تركت المجاهرة بعدائها، وسارتْ في كيدها وعدائها سِرًّا، فعملتْ على تأليب الأعداء تارةً، والدسِّ والتشويش وهو ما يسميه أهل عصرنا "الغزو الفكري" تارات أخرى.
 
 
وقد بدا ذلك واضحًا في محاولات يهود المتكررة للنيل مِن الإسلام، مرةً عن طريق التحرُّش بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه؛ بالسؤال عن بعض أمور الغيب ونحوها؛ لإحراجه صلى الله عليه وسلم، وإحراج أصحابه رضي الله عنهم، ومرة أخرى بالسعي في قتْل النبي صلى الله عليه وسلم بالسُّمِّ، أو تأليب الأعداء ضدّه صلى الله عليه وسلم والتعاون معهم، ورغم هذا كله زاد الإسلام قوة وانتشارًا، واتسعتْ دولته، خاصة في زمن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضوان الله عليه وعلى سائر الخلفاء والصحابة أجمعين.
 
حينئذٍ تظاهر بعض يهود بالإسلام، ليصل هؤلاء إلى المكيدة للمسلمين، كما حصل مِن ابن سبإٍ اليهودي الذي تظاهر بالإسلام، وبذرَ بذرة التشيُّع القبيحة، وبدأ طوفان الفتن يشق الصفوف بقوةٍ، فتشيَّعَت الشيعة، واعتزلت المعتزلة.
 

والحقيقة فإِنَّ ظهور المعتزلة كان له أعظم الضرر على الإسلام والمسلمين؛ نظرًا لما مَوَّهَتْ به أئمة المعتزلة مِن الدين والعلم، حتى خُدِعَتْ بهم طوائفُ مِن الأُمَّة، واستفحل خطرها، وصار كلُّ مَن أراد الطعن في الدين يدَّعي الاعتزال، فضمَّت المعتزلة بين جنباتها مِن الزنادقة والفلاسفة وأعداء الدين ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، رفعوا شعار البحث العلمي والعقلي، واتخذوا العقل مطيةً لإهدار النصوص وإبطال الشريعة والكيد للمسلمين، وافتخرتِ المعتزلةُ بأئمتها مِن أمثال النَّظَّام الزنديق الذي ألَّف في فضل التثليث على التوحيد، ثم جاء ينثر باطله في صفوف المسلمين، فجاءتْ أقواله على دربٍ واحدٍ مِن التشكيك في الدين، والطعن في الشريعة، لم تخفَ على كثيرٍ مِن علماء المسلمين كأبي منصور البغدادي وغيره ممَّن كشفوا زَيْف هذا النَّظَّام المعتزلي، لكن ثمة مَن خدعهم بريقُه، فنقلوا كلامه وأقواله، بل واتَّكأ عليها بعضُهم، وبرَّرَ له آخرون، أو اعتذروا عنه، إحسانًا للظنِّ به؛ على اعتبار نِسْبَتِه عندهم للعلم بل ولأئمة المعتزلة!، والناس كالطير يتبع بعضُها بعضًا.
 
وهكذا نُقِلَتْ أبحاث الزنادقة وأفكارهم إلى ديار المسلمين، وتسرَّبَتْ أباطيلهم، فقرأنا وسمعنا ورأينا ما لم يكن يخطر ببالٍ لكنه وقع، وهنا قام أهل السنة والحديث والعلم والفضل؛ بهتك ستار القوم، وبيان عوارهم، ووسائلهم الملتوية في التسلُّل إلى عقول الناشئة.

 
وفي حديثِ الإمام أبي منصورٍ البغدادي رحمه الله؛ عن النَّظَّام ما يكشف عن كثيرٍ مِن ألاعيب الزنادقة للوصول لأغراضهم الدنيئة، فيقول الإمام البغدادي أثناء كلامه على "النظامية": "هؤلاء أتباع أبي إسحق إبراهيم بن سَيَّار المعروف بالنَّظَّام، والمعتزلة يُمَوِّهُون على الأغمار بدينه، ويُوهِمُون أنَّه كان نَظَّامًا للكلام المنثور والشعر الموزون؛ وإِنَّما كان ينظم الخرز في سوق البصرة، ولأجل ذلك قيل له: النَّظَّام، وكان في زمان شبابه قد عاشر قومًا من الثَّنَويَّة وقومًا مِن السُّمَنِيَّة القائلين بتكافؤ الأدلة، وخالَطَ بعد كِبره قومًا مِن مُلْحدة الفلاسفة، ثم خالَطَ هشامَ بن الحكم الرافضي، فأخذ عن هشامٍ وعن ملحدة الفلاسفة قوله بإبطال الجزء الذي لا يتجزأ، ثم بنى عليه قوله بالطَّفرة التي لم يَسْبق إليها وهمُ أحدٍ قبله، وأخذ من الثَّنَوِية قوله بأن فاعل العدل لا يقدر على فِعل الجور والكذب، وأخذ مِن هشام بن الحكم أيضًا قوله بأن الألوان والطعوم والروائح والأصوات أجسامٌ، وبنى على هذه البدعة قوله بتداخل الأجسام في حيِّزٍ واحد، ودَوَّن مذاهبَ الثَّنَوية وبدعَ الفلاسفة وشُبَه الملحدة في دين الإسلام، وأُعْجِبَ بقول البراهمةِ بإبطال النبوَّات، ولم يجسر على إظهار هذا القول خوفًا مِن السيف، فأنكر إعجاز القرآن في نَظْمِه، وأنكر ما رُوِيَ في معجزات نبيِّنا صلى الله عليه وسلم مِن انشقاق القمر، وتسبيح الحصا في يده، ونبوع الماء مِن بين أصابعه = ليتوصَّل بإنكار معجزات نبيِّنا عليه السلام إلى إنكار نبوته. ثم إنَّه استثقلَ أحكامَ شريعةِ الإسلام في فروعها، ولم يجسر على إظهار دفعها، فأَبْطَل الطرقَ الدالة عليها، فأنكر لأجل ذلك حجةَ الإجماع وحجة القياس في الفروع الشرعية، وأنكر الحجة مِن الأخبار التي لا توجب العلم الضروري.

 
ثم إِنَّه عَلِمَ إجماعَ الصحابة على الاجتهاد في الفروع الشرعية فذكرهم بما يقرؤه غدًا في صحيفة مخازيه، وطعنَ في فتاوى أعلام الصحابة رضي الله عنهم، وجميعُ فرق الأمة مِن فريقي الرأي والحديث ـ مع الخوارج والشيعة والنجارية وأكثر المعتزلة ـ: مُتَّفِقُون على تكفير النَّظَّام، وإنَّما تَبِعَهُ في ضلالته شِرْذِمَةٌ مِن القدرية كالأسواري، وابن خابط، وفضل الحدثي، والجاحظ، مع مخالفة كلِّ واحدٍ منهم له في بعض ضلالاته وزيادة بعضهم عليه فيها، وإعجابُ هؤلاء النفر اليسير به كإعجاب الجُعْل بدُحْرُوجته[1]
 
وعلى درب هؤلاء الزنادقة المخذولين والمبتدعة الهالكين سار المستشرقون وأذيالهم في عصرنا وقبله، بل وعلى هذا سار بعض المنتسبين إلى الإسلام أمثال أبي رية في كتابه "أضواء على السنة النبوية" الذي "تلقَّفَ فيه كلَّ ما قاله الأقدمون والْمُحْدَثون مِن طعون في الأحاديث، ورجالها، وما قاله المستشرقون والمبشرون، وأذنابهم، وحرص أشد الحرص على أَنْ يُظهر السنة بمظهر الاختلاف، والتناقض، والتحريف والتبديل، والسذاجة والتخريف، وفي سبيل هذا الغرض زَيَّفَ الصحيح، وصحَّحَ الْمُخْتَلَق المكذوب[2]

 
"وقد حاول هؤلاء الأعداء أن يشككوا المسلمين في أساس دينهم وهو القرآن الكريم وذلك بالتشكيك في تواتره وإعجازه وسلامته من الاختلاف والتناقض وصلاحية أحكامه لكل عصرٍ ولكل بيئةٍ، وفي سبيل هذه الغاية اختلقوا الروايات وحرفوا معاني الآيات.
 
وكذلك حاولوا أن يشككوا المسلمين في الأصل الثاني وهو السنة النبوية وقد اتخذوا للوصول إلى هذه الغاية الدنيئة أساليب متعددة، فتارةً عن طريق التشكيك في ثبوتها، وأنها آحادية وليست متواترة.
 
وتارةً أخرى عن طريق اختلاق الروايات التي تُظْهِر الأحاديث بمظهر السطحية والسذاجة في التفكير ومخالفة الواقع المحسوس أو العقل الصريح أو النقل الصحيح أو التجربة المسلَّمَة إلى غير ذلك من الأساليب، وقد حمل لواء هذا التهجُّم من قديم (النَّظَّام)[3] ومَن على شاكلته من أعداء السنن النبوية...[4]
 
وعلى أهل الإسلام الآن استقراء هذا التاريخ الغابر للوقوف على طرائق أعدائهم ومكائدهم للإسلام والمسلمين، ليأخذوا حذرهم.
 
ويمكن لنا أن نقفَ على كثيرٍ مِن هذه الأساليب الملتوية، والمكائد البِدْعِيَّة، مِن خلال بعض الإشارات التي ذكرها الإمامُ عثمانُ بنُ سعيدٍ الدَّارِمِيُّ (ت280)[5]، وهو ينافح عن السُّنَّةِ والإسلام، ويرد على أحد المبتدعة مِن تلاميذ "بِشْرِ الشَّرِّ" المُسَمَّى بِشْر بن غِيَاثٍ الْمَرِيْسِيُّ (تُوفِّي 218 وقيل: 219[6]، وابنِ الثَّلْجِيّ[7]، وقد ردَّ الإمامُ الدارِميُّ على ثلاثتِهم ردًّا بليغًا، نصر الله به السُّنَّة، وقمع الله به البدعة، وكشف أبو سعيدٍ الدارميُّ رحمه الله؛ الكثيرَ مِن أساليب أهل البدع وطُرُقهم في محاربة الإسلام والكيد للسُّنَّة وأهلها، فمرَّة يذكرون الدليل ويعترفون بصحته وتثبيته ثم يتأَوَّلونه بالمحال مِن التأويلات التي لا يعرفها أهل العلم ولا تجري على سَنَن لغة العَرب، ومرةً يُشكِّكون في صِحَّةِ النَّقْل ويطعنون في النَّقَلَةِ؛ بل يصل بهم الحال إلى الطعن في بعض الصحابةِ والتعدِّي على مقامهم رضي الله عنهم، وأهل البدعة والزَّنَدقة في كل ذلك تتناقض أقوالهم وأفعالهم، لحرصهم على تحقيق ما يشتهون ويرغبون فيه مِن الكيد للدين، فما يصحِّحونه في مكانٍ يضعِّفونه في آخر، وما يقبلونه في مكانٍ يردُّونه في آخر، أضف إلى ذلك أَنَّ بعضَ أفكارِهم قد سَمِعَها الدَّارميُّ (رحمه الله) مِن العجم واليهود! وقد كان والد المَرِيسيِّ يهوديًّا، فهل انتقلَ بِشْرٌ للإسلام بأفكاره وطموحاته وأطروحاته اليهودية عَنْ عمْدٍ؟ أم أنَّ المسألة مجرَّد واقعةَ عينٍ غير مقصودة؟ وما السِّرّ وراء تبوء المريسي هذه المنزلة الكبيرة، وإثارته هذه الضجَّة إِنْ كان الرجل لا يملك تاريخًا ولا نَسَبًا قديمًا في الإسلام؟.
 
ولنترك بعض عبارات الإمامِ الدارمِيِّ (رحمه الله) تتحدث بنفسها عن ضلالات هذا المَرِيسيِّ وصاحبه ابن الثَّلْجِيِّ وتلميذهما الجهميِّ، وتكشف زَيْغَ هؤلاء الثلاثةِ؛
 
 
· مخالفة إجماع المسلمين، والتأويلات المقلوبة؛ بل المحالة:
 
وقد وصفَ الإمامُ الدارميُّ بِشْرَ بنَ غِيَاثٍ المَرِيسيَّ بـ: "المريسي الضال، الذي خرج بتأويله هذا مِن جميع لغات العرب والعجم،... وما أحسب هذا المريسي إلا وهو على يقينٍ مِن نفسه؛ أنها تأويل ضلال، ودعوى محال؛ غير أنَّه مكذِّب الأصل، مُتَلَطِّف لتكذيبه بمحال التأويل، كيلا يفطن لتكذيبه أهل الجهل، ولئن كان أهل الجهل في غَلَطٍ مِن أمره؛ إِنَّ أهل العلم منه لعلى يقين، فلا يظُنَّنَّ المنسلخُ مِن دين الله أنه يُغالط بتأويله هذا إلا مَن قد أَضَلَّهُ الله، وجعل على قلبه وبصره وسمعه غشاوة [7]
 
ويشير الدارمي إلى مخالفة القوم للكتاب والسنة وما مضى عليه الصحابة والتابعون وأئمة الدين، فيقول الدارمي بعد كلامٍ له: "وإنما جئتُ بهذه الأخبار كلها ليعلم الناس أنَّ القومَ مخالفون لما قاله الله ورسوله [صلى الله عليه وسلم] وما مضى عليه الصحابة والتابعون، وأنهم في ذلك على غير سبيل المؤمنين ومَحَجَّةِ الصادقين[8]
 
وقال الدارميُّ: "فمن يلتفت بعد هذا إلى تأويل هذا المريسي ويدع تأويل هؤلاء الأئمة؟[9]
 
وقال له الدارمي: "قد عَلِمْتَ أيها المريسي أنَّ هذه تفاسير مقلوبة، خارجة مِن كلِّ معقولٍ لا يقبله إلا كلّ جهول"[10]
 
وقال له: "فإلى هذا المعنى تقصد...، وقد سَمِعْنَاهُ مِن بعضِ خُطبائكم، مغالطين بمثل هذه الحجج، أَنْبَاط كُوثا أو بطاطا[11] أو يهود الحيرة أهل ملة أبيك وجيرانه؛ فقد سمعتُ أبا هشام الرِّفَاعي يذكُر أنَّه سَمِعَ أبا نُعَيْمٍ يقول: إِنَّه رأى أباكَ يهوديًّا صَبَّاغًا بالحِيَرَة"[12]

 
· تفريق المجتمع وجَمْع المفترق، وتخصيص العام وتعميم الخاص:
 
ويكشف الدارمي عن مسلكٍ دقيقٍ للمخالفين، حين يعمدون إلى نصوصٍ شرعيَّةٍ مجتمعة فيفرقون بينها، ويجمعون بين أخرى مفترقة، أو يُعمِّمون الخاص، ويخصصون العام؛ ليتسنى لهم الخروج بمعانٍ جديدةٍ غير مقصودة مِن السياق، فيقول الدارمي في ردِّه على بِشْرٍ الشَّرِّ: "لقد مَيَّزْتَ بين ما جَمَعَ الله، وجَمَعْتَ بين ما مَيَّزَ الله، ولا يجمع بين هذين في التأويل إلا كل جاهل بالكتاب والسنة؛ لأنَّ تأويل كل واحدٍ منهما مقرونٌ به في سياق القراءة لا يجهله إلا مثلك"[14]
 
وقال له: "والقرآن عربيٌّ مُبِين، تُصرف معانيه إلى أشهر ما تعرفه العرب في لغاتها وأَعَمِّها عندهم، فإِنَّ تأَوَّلَ مُتَأَوِّل مثلك جاهل؛ في شيء منه خصوصًا، أو صَرَفه إلى مَعْنًى بعيدٍ عن العموم بلا أَثَرٍ = فعليه البينة على دعواه، وإلا فهو على العموم أبدًا كما قال الله تعالى[15]

 
· قلةُ أمانة القوم واتهامهم في النَّقْل:
 
ويكشف الدارمي عن قلة أمانة القوم واتهامهم في النَّقْل؛ عندما يقول لبِشْرٍ: "ولو لم يأتِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وعن أصحابه رضي الله عنهم؛ فيه أَثَر = لم تكُن مِمَّن يُعْتَمد على تفسيرك؛ لِمَا أَنَّك فيه ظنين غير أمين"[16]
 
وقال له: "ومع روايتك هذه عن ابن عباس دلائل وشواهد أيضًا باطل؛ إحداها: أنك أنت رويتها وأنتَ المتهم في توحيد الله، والثانية: أنك رويتَهُ عن بعض أصحابك غير مُسَمًّى وأصحابك مثلك في الظِّنَّة والتهمة، والثالث: أنه عن الكلبي وقد أجمع أهل العلم بالأثر على أنْ لا يحتجوا بالكلبي في أَدْنى حلال ولا حرام؛ فكيف في تفسير توحيد الله وتفسير كتابه؟ وكذلك أبو صالح"[17]

 
· إبطال الصحيح روايةً بالتأويل الفاسد والتفسير السَّمج:
 
ويعود الدارمي فيوضِّح كيف يعمد القوم إلى الصحيح فيبطلونه بتأويلاتهم، ويخرجونه عن مقصوده؛ فقال الدارمي: "ثم انتدب المريسي الضال لرد ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،.... فأقَرَّ الجاهلُ بالحديث وصحَّحَه وثَبَّتَ روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تَلَطَّفَ لرَدِّه وإبطاله بأقبح تأويلٍ، وأَسْمَجِ تفسيرٍ، ولو قد رَدَّ الحديث أصلًا كان أَعْذَر له مِن تفاسيره هذه المقلوبة، التي لا يُوافقه عليها أحدٌ مِن أهل العلم؛ ولا مِن أهلِ العربية"[18]
 
وقال الدارمي: "فيقال لك أيها المريسي: أَقْرَرْتَ بالحديثِ وثَبَّتَهُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأَخَذَ الحديث بحلقك؛ لِمَا أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قَرَنَ التفسير بالحديث، فأَوْضَحَهُ ولَخَّصَهُ، لِجَمْعِها جميعًا في إسنادٍ واحدٍ، حتى لم يَدَع لِمُتَأَوِّلٍ فيه مقالًأ"[19]


المركز العربي للدراسات والأبحاث"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
· باحث وداعية إسلامي مصري.
([1]) "الفرق بين الفِرَق" لأبي منصور البغدادي (ت 429) (ص/131، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، الناشر: المكتبة العصرية، صيدا -بيروت، لبنان، 1416، الموافق1995م). وقد كشف البغدادي عن كثيرٍ مِن فضائح النَّظَّام، فليراجعها مَن أرادها.
 
([2]) تضمين من كتاب "دفاع عن السنة" د.محمد أبو شهبة (ص/9، ط: مكتبة السنة، الطبعة الأولى)، ويراجع في الرد على كتاب أبي رية أيضًا: "الأضواء الكاشفة" للعلامة المعلمي اليماني رحمة الله عليه.
 
([3]) قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (10/541): "النَّظَّامُ أبو إسحاق إبراهيم بن سَيَّارٍ، شيخ المعتزلة، صاحب التصانيف،... مولى آل الحارث بن عَبَّادٍ، الضُّبَعِيُّ، البصري، المُتَكَلِّمُ، تكلم في القَدَرِ، وانفرد بمسائل، وهو شيخ الجاحِظِ، وكان يقول: إنَّ الله لا يقدر على الظلم ولا الشَّر، ولو كان قادرًا لَكُنَّا لاَ نَأْمَنُ وَقْعَ ذلك، وإِنَّ الناسَ يقدرون على الظلم، وصرَّح بأنَّ الله لا يقدرُ على إخراج أحدٍ مِن جهنم، وأنه ليس يَقْدِرُ على أَصْلَحَ مِمَّا خَلَقَ. قلتُ: القرآنُ والعقل الصحيح يُكَذِّبَانِ هؤلاء، وَيَزْجُرَانِهِم عن القول بلا عِلْمٍ، ولم يكن النَّظَّامُ مِمَّن نفعَهُ العلمُ والفَهْمُ، وقد كَفَّرَهُ جماعةٌ، وقال بعضُهم: كان النَّظَّامُ على دِيْنِ البَرَاهِمَةِ المُنْكِرِيْنَ للنبوةِ والبَعْث ويُخْفِي ذلك.... وردَ أنَّهُ سقط مِن غُرفة وهو سَكْرَانُ، فمات في خلافة المُعْتَصِمِ أو الوَاثِقِ، سنة بضعٍ وعشرين ومائتين. وكان في هذا الوقت: العلامةُ المُتَكَلِّمُ أَحَدُ مشايخِ الجَهْمِيَّةِ إبراهيمُ
ابن الحافظِ إسماعيلَ ابنِ عُلَيَّةَ البَصْرِيُّ".
 
([4]) تضمين من كلام د.أبي شهبة في مقدمة كتابه السابق (ص/7).
 
([5]) وصفه الذهبي رحمه الله في صَدْر ترجمته في "سير أعلام النبلاء" (13/319) بـ "الإمام، العلامة، الحافظ، النَّاقدِ، شيخ تلك الديار، أبو سعيدٍ، التَّمِيْمِيُّ، الدَّارِمِيُّ، السِّجِسْتَانِيُّ، صاحب المُسْنَدِ الكَبِيْرِ وَالتَّصَانِيْفِ" أهـ.
وذَكَرَهُ العلامة المُعَلِّمي في كتابه "التنكيل" (2/572) فقال رحمه الله: "كان الدارمي من أئمة السنة الذين يصدقون الله تعالى في كلِّ ما أَخْبَرَ به عن نفسِه، ويصدقون رسوله [صلى الله عليه وسلم] في كلِّ ما أخبر به عن رَبِّه" أهـ.
 
([6]) له ترجمة في "تاريخ مدينة السلام": بغداد، للخطيب البغدادي (7/531)، "سير أعلام النبلاء" للذهبي (10/199)، "ميزان الاعتدال" (1/332)، "البداية والنهاية" لابن كثير (14/233)، و"لسان الميزان" لابن حجر (2/306)، "الأعلام" للزركلي (2/55).
وقال الخطيب البغدادي في صَدْر ترجمته: "وبشر من أصحاب الراي أخذ الفقه عن أبي يوسف القاضي إلا أنه اشتغل بالكلام وجرد القول بخلق القرآن وحكى عنه أقوال شنيعة ومذاهب مستنكرة أساء أهل العلم قولهم فيه بسببها وكفره أكثرهم لأجلها".
ونقل الخطيب وغيره عن الإمام أحمد بن عبد الله العجلي قوله: "رأيتُ بِشْرَ المَرِيسيَّ عليه لعنة الله مَرَّةً واحدةً شيخًا قصيرًا، دميمَ المنظرِ، وسخ الثياب، وافر الشعر، أشبه شيءٍ باليهود، وكان أبوه يهوديًّا صبَّاغًا بالكوفة في سوق المراضع، ثم قال [العجلي]: لا يرحمه الله ولقد كان فاسقًا".
وفي "سير أعلام النبلاء": "وقال المَرُّوْذِيُّ: سمعتُ أبا عبد الله -وذَكَرَ المَرِيْسِيَّ - فقالَ: كان أبوهُ يهوديًّا؛ أَيَّ شيءٍ تُرَاهُ يَكُوْنُ؟!" أهـ.
قال الذهبي في "السِّيَر": "فهو بِشْرُ الشَّرِّ، وبِشْرٌ الحَافِي: بِشْرُ الخَيْرِ، كما أَنَّ أحمدَ بن حنبلٍ: هو أحمدُ السُّنَّةِ، وأحمدَ بن أبي دُوَادَ: أحمدُ البدعةِ".
وذكرَ ابنُ كثيرٍ (رحمه الله) أَنَّ المَرِيْسيَّ "الْمُتَكَلِّم شَيْخُ الْمُعْتَزِلَةِ، وَأَحَدُ مَنْ أَضَلَّ الْمَأْمُونَ".
 
([7]) واسمه مُحمد بن شُجاع، له ترجمة في "الكامل" لابن عدي (7/550)، و"تاريخ مدينة السلام": بغداد، للخطيب (3/315)، و"تهذيب الكمال" للمِزِّيِّ (25/362)، و"ميزان الاعتدال" للذهبي (3/577)، وغيرها.
قال عنه الإمامُ زكريَّا بن يحيى السَّاجِيُّ: "كان كذَّابًا؛ احتال في إبطال الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وردِّه؛ نُصْرَةً لأبي حنيفةَ ورَأْيهِ".
واتَّهَمَهُ الإمامُ ابنُ عَدِيٍّ بوضع الحديث والعياذ بالله، وذَكَرَ له بعض هذه الأحاديث التي وضعَها، ثم قال ابنُ عَدِيٍّ: "مع أحاديث كثيرة وَضَعَها مِن هذا النحو، فلا يجب أنْ يُشْتَغَل به؛ لأنَّه ليس مِن أهل الرواية، حَمَلَهُ التَّعَصُّب على أنْ وضعَ أحاديثَ يَثْلِب أهلَ الأثر بذلك"أهـ. ولهم فيه أقوالٌ أخرى تركتُها اختصارًا، وتُنظر ترجمته في المصادر السابقة.
 
([8]) "ردُّ الإمام الدارميِّ عثمان بن سعيد على بِشْر المَرِيسيِّ العنيد" (ص/33، صحَّحه وعلَّق عليه: الشيخ محمد حامد (رحمه الله) نشرته دار الكتب العلمية، بيروت).
 
([9]) السابق (ص/38).
 
([10]) السابق (ص/38).
 
([11]) السابق (ص/39).
 
([12]) في النشرة التي بتحقيق الدكتور رشيد بن حسن الألمعي (1/311، الناشر: مكتبة الرشد، الرياض، السعودية، الطبعة الأولى1418، الموافق 1998م): "أبطاطا"، وهذه كلها أسماء بلدان قديمة، يريد الدارميُّ (رحمه الله) أَنَّ ما يقوله المريسيُّ الضالُّ قد سَمِعَهُ الدَّارِميُّ (رحمه الله) مِن العجم في بلدتي كُوثى وأبطاطا كما سَمِعَهُ مِن يهود الحيرة، وهذا ظِلٌّ آخر للقضية، يُفْهم مِنه أَنَّ هذا المريسي قد نقل أفكار اليهود والعجم ونشرها بين المسلمين!.
 
([13]) السابق (ص/46).
 
([14]) السابق (ص/50).
 
([15]) السابق (ص/52).
 
([16]) السابق (ص/52).
 
([17]) السابق (ص/54).
 
([18]) السابق (ص/55).
 
([19]) السابق (ص/56).
 
  • 10
  • 2
  • 8,292

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً