الزلزال الكاذب..المرجفون يتصدرون المشهد
إنك حتما ستجد من صنوف الناس صنفا خبيث الطباع، حقير المبادىء، خسيس المعدن، قد تملك النفاق من سلوكه، وتملك الشر من قلبه، فإذا به يبحث – في الشدائد – عن مصالحه الخاصة على حساب المصالح العامة، ويجني من أعماله القبيحة ما يضر به مجتمعه وأمته، فلا تمر الشدائد إلا وقد كثر ماله على حساب فقر الناس، وامتلأ بطنه على حساب جوعهم، وزاد ملكه على أجسادهم وجوارحهم، وارتفع في الدنيا على حساب ضررهم وأذاهم.
في اللحظات العصيبة للأمم يتشبث الناس بقيمهم ومبادئهم الراسخة فيهم، ويعلون من شأن ثوابتهم المتعمقة في قلوبهم ونفوسهم، فترى حقيقة الجميع، وتستطيع أن تصنف صنوف الناس تصنيفا دقيقا، فالشدائد كاشفات، والبلايا منقيات..
على إنك حتما ستجد من صنوف الناس صنفا خبيث الطباع، حقير المبادىء، خسيس المعدن، قد تملك النفاق من سلوكه، وتملك الشر من قلبه، فإذا به يبحث – في الشدائد – عن مصالحه الخاصة على حساب المصالح العامة، ويجني من أعماله القبيحة ما يضر به مجتمعه وأمته، فلا تمر الشدائد إلا وقد كثر ماله على حساب فقر الناس، وامتلأ بطنه على حساب جوعهم، وزاد ملكه على أجسادهم وجوارحهم، وارتفع في الدنيا على حساب ضررهم وأذاهم ..
إن مثلهم كمثل سارقي القبور، يجدون في الموت غنى، وفي القبر شغلا، وفي الخراب حياة لهم!.. وياليتهم استفادوا من الموت استفادة حلالا، بل جمعوا بين الخسة والحرمة!
ومهما حدثتك عن أوصافهم فلن أوفيهم حقهم في ذكر المسالب والمناقص، لكن هناك صفة من صفاتهم، يشتهرون بها في الشدائد التي تمر بالأمة والمجتمع، لا تنفك عنهم، ولايستطيعون العيش بدونها في الأزمات، إنها صفة الإرجاف!
هم المرجفون، مدمنوالكذب، وناشرو الإشاعة، وباذرو الفتنة، الذين يخفون أخبار الانتصار، ويبدون أنباء الهزيمة، بل إنهم ليقلبون النصر هزيمة في حس الناس ومعلوماتهم.
في الحديث ما حكاه النبي صلى الله عليه وسلم في رؤياً طويلة رآها، وفيها: «فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه، ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل في المرة الأولى» ثم قال في آخر الحديث: «وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق، فيصنع به هكذا إلى يوم القيامة» متفق عليه.
والمروجون للأكاذيب كذابون، سواء تيقنوا أو شكوا أو ترددوا، فمجرد إذاعة ذلك كذب، إذ إنهم لا يمحصون الأخبار ولا يدققون في الإشاعات و ليس ذلك فقط، بل يخترعونها ويرتبونها لتروج على الناس ولذلك قال سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ».
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الكلام بغير مسئولية تدبر ولا معرفة لمآله وأخطاره، فقال صلى الله عليه وسلم: "إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب" متفق عليه
بل نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يحدث المرء بكل ما سمع حتى لو كان ذلك صحيحا، «كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع» أخرجه مسلم.
ونهى صلى الله عليه وسلم عن: «قيل وقال» متفق عليه، فالذي يكثر النقل عن الناس قيل وقال معرض أن ينقل خطأ أو يقول كذبا، أو يروج لإشاعة، فكثرة قيل وقال تدفعه لأن ينقل أشياء بغير تثبت، ولا تدبر، ولا تبين..
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بئس مطية الرجل زعموا» أخرجه ابو داود، فأنكر عليه أن يقول زعموا، لأنها حجة واهية، وكأنه صلى الله عليه وسلم استمع إلى مطية غالب الإعلاميين ورواة الأخبار في عصرنا أن يقولوا: من مصدر لم يذكر اسمه، أو من مصدر كذا مبهم، أو حتى قولهم من مصدر موثوق!..
إنهم يغيرون الحقائق، فيبثون إشاعات الأمن حين الخطر، وينذرون الناس شرا عندما ينتشر الأمن..
وساعة يرون الخوف قد انتشر بين اطراف المجتمع، والثقة قد اهتزت في قادته وعلمائه، والعجز والاستسلام قد دب في أوصال الناس، عندها تعمهم الفرحة، وتعتريهم النشوة، فقد حققوا مآربهم، وأنجزوا أدوارهم!
لقد حذرنا الله سبحانه منهم ومن أمثالهم بينما يصف المنافقين وصفاتهم، {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ} [النساء: 83]، فهم ينشرون أنباء الأمن والخوف رجاء الفتنة والتأثر السلبي به، فإشاعة الأمن ضارة وقت الشدائد كإذاعة الخوف تماما وربما أكثر، فهي تدفع للكسل والقعود والغفلة والانشغال بغير واجب الوقت، كما أن إشاعة الخوف تنشر الرعب وتضعف الثقة وتدعوا للهزيمة..
لذلك حذر الله سبحانه من وجودهم بين الصفوف في وقت الشدائد: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}.
لقد عانت الأمة كثيرا من هؤلاء المرجفين، إذ أمعنوا في فعلهم الضار الخبيث، وأوغلوا في جسد مجتمعاتهم النصل المسموم، وصار عملهم متسعا كبير الاثر، كثير الأتباع..
أنشئت وكالات أنباء خاصة على أحدث طراز لا هدف لها سوى الإرجاف ونشر السموم، وأقيمت فضائيات واشتهرت لاهم لها سوى تغيير الحقائق، وتخصص أناس في تخريج أجيال جديدة متخصصة في إلباس ثياب الزور!
حتى إن طالب الحقائق ليجهد حتى يحصلها، والراغب في المعلومات الصادقة لايكاد يجدها بين المتاح الشهير من مؤسساتها!
كما اتسعت دائرة الإرجاف لتجمع بين طياتها نشر الاسرار، والطعن في ثوابت الأمة، والنيل من علمائها ومربيها، وتشويه تاريخها، والتقليل من مقدساتها..!
الهزيمة النفسية للأمة والمجتمع كانت نصب أعينهم دائما، وكانت هدفا يقاس قياسا دقيقا كل لحظة، لتوأد الهمة، وتنكسر العزيمة الباقية في الأمة، فلا يبقى من ابنائها إلا كل خائر عاجز كسير النفس عديم الأمل!
إن هناك إذن أهدافا غير خفية من حركة الإرجاف تسعى لتخذيل المجتمع المسلم عن مواجهة المخاطر المحدقة به، وإخبات مشاعر الثبات، وبث الأحزان والهموم في النفوس، وتشجيع الانحراف القيمي، وفقد الثقة في القرارات والمواقف، وتفزيع المجتمع المسلم من خصومه، وتعظيم حجم أعدائه في عينه، وتقزيم قدراته، والياس من إمكانية النهوض والتقدم..
لست معوذا أن أشير إلى أسماء أو انتماءات أو اتجاهات فيما يخص هذه الحرب المعلوماتية النفسية الواسعة ضد الأمة، فكل من يقوم بشىء من الإرجاف فهو مرجف بقدر ما يقوم به، مهما كان وصفه ومهما كان حاله، إذ إن حالة الأزمة تؤثر فيها الحروف قبل الكلمات، والانطباعات قبل التصريحات، فلا عذر لأحد وقت الشدة أن ينشر سوء أو يقتل أملا، أو يخفي حقا، أو يظهر كذبا، أو يرفع باطلا، أو ينصر ظالما..
لقد حرص القائد الفذ صلى الله عليه وسلم أن يقضي على شتى معاني الإرجاف في مجتمعه الإيماني القوي في وقت الأزمات.
فأكد على إنهاء اشكال التردد، مهما استقلها الناس، فهو يشاور الناس في أحد ليخرج لعدوه أو يبقى في المدينة، فيشير عليه غالبهم بالخروج، ثم يشعرون أنهم اثقلوا عليه طلبا فى ذلك فجاءوا يتراجعون عن رأيهم كرامة له، لكنه يرفض التردد قائلا لهم «ماكان لنبي إذا لبس لامته للحرب أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه».
ويقضي في نفوسهم على معاني الخوف من الناس، فيأمرهم بالخروج من حمراء الاسد وهم جرحى ومرضى وقد تعرضوا لهزيمة، وقد جاءهم خبر من عدوهم يعدهم باستئصال بقيتهم، فيأمرهم بالخروج قائلا «حسبي الله ونعم الوكيل»..
ويعلمهم إذا جاءتهم إشاعة الأمن أو الخوف، أن يردوها إليه، ولا ينشرونها بين الناس، فيعلم هو خبرها ومرادها.
إن الإرجاف وظيفة من وظائف النفاق، ليحدث زلزالا كاذبا في صفوف أبناء أمتنا ومجتمعاتنا، وقد كشفهم القرآن وفضحهم في كل وقت وحين، وربط سلوكهم بالمنافقين والذين في قلوبهم مرض، ليعلم دورهم، ولتتبين خبيأتهم، ولتفضح سريرتهم..
قال سبحانه: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي المَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلًا}.
- التصنيف: