بناء مصر وطبيعة المرحلة

منذ 2011-04-19

هناك نظرية شهيرة تتحدث عن نمو الدول و انحدارها تقسم دورة حياة الدول إلى أربعة مراحل لكل منها ملامح سلوكية حادة..



هناك نظرية شهيرة تتحدث عن نمو الدول و انحدارها تقسم دورة حياة الدول إلى أربعة مراحل لكل منها ملامح سلوكية حادة.

فثمة أولا مرحلة "النشأة أو الطفولة" وفيها تنفق الدولة الجديدة كل اهتمامها في ترتيب البيت من الداخل، أي في تأمين حدودها والدفاع عنها، و بناء الدولة اقتصاديا واجتماعيا و عسكريا و في كل المجالات الممكنة، أي بناء أمة مستقلة عن غيرها. في هذه المرحلة يتم تحاشي الحروب الخارجية ما أمكن إلا من خلال الهدف الواضح من تأمين الحدود و مقدرات الأمة.


ثم تأتي مرحلة "الشباب" وهي مرحلة التوسع بالضرورة تنطلق فيها بعد أن اشتد عودها داخليا إلى توسيع رقعتها و نفوذها في الخارج.

ومع تحقيق هذه الأهداف واتساع الرقعة تزداد الأموال فتتجه الشعوب إلى الترف والترف مهلكة الشعوب. فهنا تصبح الخاصية الأساسية للدولة الحفاظ على المكتسبات و رفاهية الوضع الراهن ما أمكن، وتضحي ببعض مبادئها من أجل رفاهيتها. وهي تسمى بمرحلة "السلامة والاستقرار"، ودعني أطلق عليها مرحلة "استعباد الرفاهية" فتعس عبد الدنيا.


ثم بعد الركون إلى الدنيا تأتي بالضرورة مرحلة "الشيخوخة"، فتأتي أجيال لا تريد العمل ولا تريد الجهاد، ولكن تريد الترف و الاستمتاع وليس لديها أي استعداد للتضحية. هذه الأجيال تصبح وبالا على الدولة، فلابد من العمل من أجل الانتاج والتطوير ولابد من الجهاد من أجل القوة والعزة. فتكون النتيجة المحتومة انهيار الدولة.

هذه النظرية طبقها على دول مثل فرنسا و بريطانيا في القرن التاسع عشر و بدايات القرن العشرين، و طبقها على الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الحالي، ستجد أن النتيجة ستكون واحدة مع اختلاف في سنوات كل مرحلة بحسب كل حالة. هذا مع العلم أن أهدافهم كانت دائما وأبدا مجرد أطماع واستعلاء مثل "ألمانيا فوق الجميع"، و"الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس". أما في تاريخنا الإسلامي فأهدافنا كانت واضحة جدا "إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة".


و في ضوء هذه النظرية نريد أن نجيب على سؤالين:
- أولهما: ما هي البداية الصحيحة لبناء مصر في وقتنا الحالي كلبنة لبناء العالم الإسلامي؟
- ثانيهما: هل النهاية حتمية. و ما هي العوامل التي تساعد على بقاء الدولة قوية لفترة طويلة؟

وللإجابة عن السؤال الأول ينبغي علينا أن ندرك أننا في مرحلة الطفولة حيث يجب الآتي:

- بناء منعة الدولة بتأمين حدودها و مواردها و التأكيد على استقلالها. تعاملنا مع تأمين حدود مصر في مقالات سابقة سنقوم بعرضها على القارىء من أجل التعليقات وتطوير الاستراتيجية.

- تأمين الجبهة الداخلية: وهنا قضيتان أهمهما قضية الأقباط وكيفية احتواء الأزمات الناشئة، ثم يوجد ملف آخر هو ملف النوبة التي هي أقرب إلى حوار داخل العائلة الواحدة منها إلى أي شيء آخر.


- ملف الأوس والخزرج: هنا نقصد بذلك تحقيق الوحدة بين أطياف العمل الإسلامي من الأجل الاجتماع على البناء مع الاعتراف بوجود اختلافات منهجية ينبغي لنا أن نتناصح فيها بغير أن نتناطح. تعبير الأوس والخزرج خاص بدكتور راغب السرجاني.

- تحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي في السلع الاستراتيجية الذي يضمن قدر كبير من استقلالية القرار. وتحديدا هنا القمح، و اللحوم، والبترول. وليس معنى الاكتفاء الذاتي أن تزررع كل ما تريده داخل أرضك و لكن يمكن تحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي بالتعاون مع دول شقيقة مثل السودان. سيكون لهذه النقطة بالتحديد مشروع نسعى إلى انطلاقه قريبا بإذن الله.


- تأمين تام لموارد المياه: نريد خطة واضحة و برنامج عمل لتوضيح موقف مصر المائي في الوقت الحاضر و في المستقبل. و رؤية متكاملة للحفاظ على حصة مصر من مياه النيل، و خطة طموحة للاستفادة من المياه الجوفية و مياه الأمطار و مشاريع تحلية المياه، هذا بالإضافة لبرنامج متكامل لترشيد استهلاك المياه.

- تحقيق نوع من الاستقلال الاقتصادي: تسديد الديون، تشجيع الاستثمار، توفير موارد مادية لتأمين تنفيذ الخطط الطموحة حاليا. من خلال حصر الموارد مثل قناة السويس والبترول وإعادة توظيفها، والعمل على تطوير مناطق حرة (حرية اقتصادية وليست حرية التفسخ والانحلال) تسرع بنمو الصناعة و التعليم تباعا.

- تطوير المجتمع داخليا: التعاطي مع قضايا مثل التكدس السكاني والعشوائيات، وسبل تطوير المحليات. بالإضافة إلى وضع دراسات إنسانية للنهوض بالمناطق الفقيرة وتنميتها، و وضع خطط لمحو الأمية والنهوض بالشعب دينيا وثقافيا وعلميا. لابد من زيارات ميدانية للمناطق الفقيرة وايجاد حلول لها فالفقراء في المجتمع هم أوسع شريحة على ما أعرف.


- مثال: مع التكدس السكاني والتوزيع العشوائي حتى في قلب المدن الكبرى مثل الاسكندرية تنتج مشاكل متراكبة من عجز في إمدادات المياه وانقطاع متكرر في التيار الكهربائي واصطفاف عشوائي للسيارات مما يفاقم مشكلة المرور بحيث لا يكاد يبقى إلا ممر ضيق لمرور السيارات. كل ذلك نشأ نتيجة عدم تخطيط المدن أو ربما عدم الالتزام بالتخطيط والتساهل فيما يبنى بدون ترخيص. لابد من وجود برنامج يضع حلولا طويلة الأمد وقصيرة الأمد لهذه الأزمات من خلال الاستعانة بفريق هندسي وقانوني؟

- تنمية التعليم و الصحة: وضع خطة بناءة للنهوض بالصحة والتعليم على وجه التحديد من خلال إقامة مشاريع تنموية. إعداد لجان من جميع التخصصات على أن يكون هناك خط ساخن وفي كل محافظة أو منطقة لتعد وتعاون في انشاء جيل متمرس متمكن خاصة في مجالات الطب والهندسة والتدريس والتجارة .


- السياسة الدولية: قراءة الوضع الدولي و صياغة رؤية مصر في التعامل مع الكيانات الكبرى مثل الولايات المتحدة والدول الثماني الكبار، ثم تحديد استرايجية للمشاركة مع الدول الإسلامية و العربية، ثم يأتي بعد مصر الإفريقي ومنابع النيل، و أيضا صياغة رؤية لما يجب أن يكون عليه الحال مع إيران، ورؤية مرحلية للتعامل مع الكيان الصهيوني.

- تنمية المحليات: سمعت اللواء منير شاش محافظ شمال سيناء الأسبق "وهو من أكثر من أحبه أهل سيناء"، يقول اللواء أنه عندما ذهب لسيناء لم يكن يعرف عنها شيئا إلا طرقها و التعامل معها عسكريا. وهذا يعكس قصورا في الإدارة المصرية وليس في اللواء منير شاش نفسه. لماذا لأن الدولة يجب أن تضع رؤية لكل محافظة اعتمادا على مواردها و سكانها وفرص التنمية ويعمل المحافظ على تنفيذها ويبدأ المحافظ الجديد من النقطة التي انتهى عندها من قبله. هكذا هي دولة المؤسسات. وليس كما كان سابقا يذهب المحافظ ليبدأ من الصفر في التعرف على المحافظة ومحاولة وضع رؤية، أضف إلى هذا غياب الرقابة على أداء المحافظات والدولة بوجه عام مما أدى إلى تفاقم الفساد.

- الحفاظ على الثقافة السياسية الشرعية: إعداد محاضرات ( تطوعية مجانية ) للتوعية الاقتصادية والسياسية ( محاضرات لا ندوات ) للطبقة الواعية والمثقفة. إذا استطعنا البناء الفكري للمجتمع سنكون حققنا إنجازا كبيرا.


هذا بالإضافة إلى غيرها من المحاور والقضايا بإذن الله التي ستناولها في هذه المجموعة بإذن الله.

أما عن السؤال الثاني فأجيب عنه في مرة قادمة بإذن الله.
كما يبقى لنا أيضا وضع رؤية لسبل مواجهة الحرب الإعلامية على الإسلام في مقال مستقل بإذن الله.


الفقير إلى عفو ربه،
محمد نصر

14 - جمادى الأولى - عام 1432 هـ
18 - أبريل - 2011 م

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 0
  • 1
  • 4,288

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً