دور الشباب في الحراك الاجتماعي للشعوب

منذ 2011-04-20

إنَّني على قناعة أنَّ ما وقع من أحداث في تلك البلدان ليس إلاَّ مفتاح البداية، وأعتقد أنَّ مآلاتها ستكون فتحاً عظيماً على جميع الأمَّة الإسلامية..



كثيراً ما كان الخبراء يخوضون في ضرورة علم المستقبليات، وفنون استكشاف المستقبل كعلم متعمق بعيداً عن الحديث عن الغيبيات، التي لا يعلمها إلاَّ الله عزَّ وجل، وقليل منهم بل أقل القليل من كانوا يتوقعون حدوث انقلابة معاصرة تهز عروش الطغاة في غضون شهر أو أكثر بقليل، لكني أجزم أنَّه لم يكن يتخيَّل أحد قبل أربعين يوماً أن تقع ثورات في كثير من الشعوب العربيَّة، وبمثل هذه الطريقة من سرعة التغيير، وتهاوي كثير من الأنظمة الطاغوتيَّة التي حكمت البلاد والعباد ردحاً من الزمن، وقد انقلبوا على وجوههم كأحجار الدومينو، وبدون حلفاء يناصرونهم، ولا قوى تتذكرهم، بل وتبرؤ قوى الشرق والغرب منهم وعدم استقبال الكثيرين منهم، ونستذكر حينها قول الله تبارك وتعالى: {فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين . وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون لولاً أن منَّ الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الظالمون . تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين}.


· سيد الأدلَّة الاعتراف:

إنَّ خير ما يُعترف به في هذا الزمان أنَّ هذه الثورات المباركة كان الشباب وقودها، ومشعل نورها، ومحرك ضمير الشعوب من خلالها، ومُهيِّج الكثير من الوسائل الإعلامية لمتابعة اجتماعاتهم ومظاهراتهم واعتصاماتهم، ولقد كانوا بالفعل مثار اهتمام الجميع، ومحط أنظار الكثيرين من الساسة وأهل العلم والفكر والتربية، وكان لهم قصب السبق في إشعال نوَّار الثورة، وإطلاق تلك الهبَّات الاحتجاجيَّة الجماعية التي تطالب الأنظمة المستبدَّة بالتغيير والإصلاح، بعد عقود من أزمنة التردي والتخلف وأردية العفن السياسي التي غطَّت تلك الأنظمة البائسة ردحاً من الزمن.


ولقد كانت تلك الأنظمة المنهارة تظنّ أنَّها بتضييقها الأمني الشديد على تلك الشعوب وخصوصاً (الإسلاميين منهم)، وتضييق الخناق على الحريَّات وحقوق الشعوب، وإفقار الشعوب بناء على مبدأ (جوِّع كلبك يتبعك)، والتفريق بين الإسلاميين، واستغلال حالة الاختلاف بينهم، بل الدخول فيها عبر أطراف مدسوسة منهم؛ لكي تكون هنالك حالة من استحكام العداء بينهم باسم (الدين) تارة و(الحفاظ على المنهج) تارة و( المفاصلة الحزبية) تارة أخرى، وإلهاء الشباب بالفن والمسارح والأغاني ونجوم العفن الفني، وأن يكون همّ الشباب متابعة مثل هذه الجوانب، ومحبة السياحة والسفر لأغراض غير شريفة، والولوج لعالم الإنترنت والفضاء غير المقنَّن لرؤية ما لا يرضي الله، كان ذلك في مخيَّلة تلك الأنظمة وأجهزتها القمعيَّة تدبيراً مخطَّطاً له لإيجاد حالة الإلهاء لدى الشعوب، وتفريغ شحنتها في الكدّ وجمع المال، والوصول إلى البيت بحالة مترديَّة من الضنك والهمّ والإرهاق، فلا يبقى هنالك ما يُمكن التفكير به، غير عمل الغد والذهاب إليه..!!

لكنَّ ما كل ما يتمنى المرء يدركه، والصبر إن طال يومه على المتمسك به، فلربما يفرغ من تلك الشحنة التي تغذيه، والكبت يولد الانفجار، وويل للأغنياء من جوع الفقراء، حينما يرونهم يخرجون عليهم بأنفسهم ومُهَجهم وأرواحهم أن أطعمونا !


وليست القضيَّة مجرد زيادة مال وكساء ورغيف خبز فحسب، بل كانت مطالب تلك الشعوب الثائرة أطعمونا الحريَّة، لكي نستنشقها، ونعيش في ظلالها، وهكذا كانت هبَّة الجماهير الشبابيَّة، الذين ولدوا وهم يرون أنفسهم في حالة مزرية من الفقر والخوف والجوع والمرض، ولا أحد يسأل عنهم، بل إن ذُكِرَ الشباب فمعناه في العقل الجمعي للشعوب هم الشباب المكدس والمتسكع في الشوارع وشباب (الكرة) و(الشطرنج) و(البلياردو) و(متابعات الفضائيات).

لم يكن يرى الشباب كذلك تحلو هذه الحياة إلاَّ للنخب، فالمنابر الإعلامية للنخب المثقفة، والقنوات الفضائية لهم كذلك، والمراكز الاجتماعية والقيادية والإدارية لا يتولاها إلاَّ الشخصيات المفكرة والمثقفة وأهل العلم والدعوة، ومواقع الإنترنت الرسميَّة لا يمكن أن (يفضفضوا) فيها عن همومهم، فلم تكن سوى المنتديات والمدونات والمواقع الشخصيَّة والتجمعات على مواقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) و(تويتر) وغيرها، وهي الوسائل الاجتماعية التي لا يُحسن التعامل معها في الغالب إلاَّ الشباب، ومنها صنعوا الأعاجيب، وحاكوا خيوط النسيج الاجتماعي الذي جمعهم على شاشة الحاسوب، بالتواصل السريع والحر من خلال لوحة المفاتيح (الكيبورد).


· وخرج الشباب كالأُسْد تزأر في غابتها غضباً :

إنَّ أقصى ما يعانيه الشباب اليافع الفتي، أن يرى الدنيا تلتفت للكثيرين من طبقات المجتمع أكثر مما تلتفت إليهم، فلربما تكون هنالك مؤتمرات باسم (حقوق الطفل) و (حقوق المرأة) و( حقوق العلماء) و(حقوق البيئة) و(حقوق الحيوان)، ولكنَّ الشباب لا يجدون حديثاً عنهم، وإن كان هنالك حديث فهو قليل، ولربما يكون محسوبًا على فئة معيَّنة منهم، مِمَّن مَنَّ الله عليهم بنوع ذكاء وزكاء، والأغلبية الساحقة منهم لا يرون أنَّ حقوقهم وكرامتهم الإنسانية قد لُبِّيت لهم.


إنَّنا والحالة هذه لا ننظر إلى شبابنا اليوم إلاَّ بعين الرحمة والمحبة والإجلال والاحترام، ونحن ننظر إليهم وهم يطالبون بحقوقهم، ولا تخش على حق يُطالب به لسان شديد اللهجة، ونستذكر الحديث الصحيح الذي قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوه فإنَّ لصاحب الحق مقالاً)، ولا غرو أن نجدهم ينظرون لمجتمعهم حينما لم يعطهم الكثير من حقوقهم:


فأين حقوقهم في دعم تعليمهم في الجامعات؟

وأين الحكومات والجمعيات الأهلية والمدنية لتزويج الكثيرين منهم، وقد بلغ الكثيرون منهم الثلاثين سنة وهم يبحثون عن لقمة العيش التي يمكن أن تسد رمقهم فضلاً عن المال الذي يجمعونه بآلاف الدولارات لكي يتزوجوا (بنت الحلال)؟

ولماذا يرى الشباب أنفسهم في حالة بطالة متكدِّسة بعد التخرج من الجامعات، فلا يرون أنَّ شهادتهم قد نفعتهم، بل لربما أرهقتهم مالياً، ولم يجنوا من ثمارها إلا الفقر والبطالة، وهم في المقابل يرون أموالاً مهدورة من تلك الحكومات بمليارات الدولار في دعم أنشطة تافهة، وأمور لا تُحمد عقباها!


وأين حقهم في استهدافهم بتنمية مواهبهم واستثمار طاقاتهم؟

وأين جهود الدول والحكومات في استقطابهم لخدمة المجتمعات والإفادة من سواعدهم الفتيَّة ولو كان ذلك نظير أجر مادي يسير كجائزة تقديريَّة لإنتاجهم؟

بل لربما يتساءلون : أين إشراكهم في أخذ رأيهم والاستعانة بفكرهم، وابتغاء حدَّة عقولهم، والجمع بين حماستهم وحكمة الشيوخ؟

ولماذا يرون كثيراً من طبقات المجتمع لا تنظر إليهم إلاَّ على أنَّهم مراهقون وأطفال في صورة (كبار)؟


ولطالما رأيناهم كذلك يرفعون صور بعض الشباب ممَّن قتلوا ظلماً على أيدي المجرمين دون ذنب، كصورة (خالد سعيد) وصور (سيد بلال) ـ رحمهما الله ـ، أو أنَّنا نراهم يرفعون صورة (محمد بو عزيزي) ـ رحمه الله وغفر له ـ الذي حرق نفسه بالنار بسبب الظلم والاستبداد الذي حصل في بلاده ضدَّه وعدم وقوف العدالة معه، فلقد رأى الشباب أنَّ كثيراً من إخوانهم يُقتلون ويُنكَّل بهم ويحرقون أنفسهم بسبب ظلم الطغاة لهم.


لقد زادت تلك الجرائم البشعة الشباب حماسة لأن يبقوا صامدين في مطالبتهم بحقوقهم؛ ما رأوه من أجهزة الأمن التي قمعتهم وقتلت بعضهم دون ذنب إلاَّ لأنَّهم طالبوا بحقوقهم، فصاروا أشدَّ ثباتاً في مطالبتهم بحقوقهم، وباتت المسألة عند الشباب في موقف تحدٍ: نكون أو لا نكون، فثبتوا وصبروا وإنَّما النصر صبر ساعة ....


إنَّ من أبرز أسباب انفجار الشباب وحرصهم على التغيير الكلي للأنظمة الحاكمة هو القبضة الأمنية الغاشمة التي تعتمد علها الأنظمة المستبدة في تثبيت أركان حكمها، ويكفي القارئ أن يعلم أن سجون مبارك ضمت بين زنازينها أكثر من ثمانين ألف شاب بينهم من قضى أكثر من خمسة عشر عامًا دون محاكمة وفي تعذيب مستمر، ومعظمهم حرموا من زيارة أهليهم لهم لمدة تزيد على سبع سنوات حتى ظن أهلوهم أن أبناءهم لقوا حتفهم، وكذلك الحال في تونس وليبيا وغيرها من البلدان التي قامت فيها الثورات.

وحينما خرج هؤلاء الشباب المساجين من سجون الظلم، فاجأتهم عجلة الزمان بدوران يجلب الدوار، فلا فرص عمل ولا مؤهلات تقنية وفوق كل هذا متابعات أمنية ومداهمات من ضباط أمن الدولة؛ كل هذا شكل حطب الاحتجاجات ضد أنظمة تهين مواطنيها وتجبرهم على حياة الموت قد يكون أفضل منها.

هي بالفعل أسئلة وأفكار أرجو ألاَّ يستخفَّ بها قارئ، ولا أن يستبعدها مطالع، فإنَّ لكل نتيجة أسبابًا، وإنَّ من أسباب نتائج التغيير وتحريك الشعوب له؛ قيام أولئك الشباب، وحمل أرواحهم على أكفهم بمظاهرات واعتصامات سلميَّة، لا يريدون سوى حقوقهم التي يكفلها لهم شرع رب العالمين، وجميع الأنظمة والقوانين الأرضيَّة العادلة، من قبيل: الحرية، والكرامة، والعدالة الاجتماعية، والمساواة، وتحقيق الأمن والرفاء، والغنى والهناء.


ما الشباب إلا قوم قد اجتمعت فيهم جميع الخصال الخيِّرة من طبائع الشجاعة، وألحان الحماسة، وصدق الحميَّة، وقوَّة العصبيَّة، وإجادة تشكيل المجموعات والتكتلات، فبعد أن رأوا كلَّ تلك المظالم، والمكائد السياسيَّة بهم وبشعوبهم، لم يكن منهم سوى أن طلقوا الدنيا بأجمعها، فإما حياة تسر الصديق، وإمَّا ممات يغيظ العدى.


ولقد كان أغلب الشباب في تلك الثورات الشعبيَّة شباباً مؤمنًا بالله،ـ نشيطاً يقظاً، واعياً منتبهاً لجميع المكائد السياسيَّة، وألاعيب الطغاة، وأحابيلهم المتلونة، ولقد كنَّا نراهم على شاشات التلفاز، ما أن ينادي منادي الصلاة، إلا ويقومون لله ملبين النداء، قائلين في بداية أذانهم (الله أكبر) وفي نهايته (لا إله إلا الله) وقائلين خلف الإمام الذي يؤمهم للصلاة (الله أكبر) ومختتمين الصلاة بقولهم : (السلام عليكم ورحمة الله) فكأنَّهم يُشعِرون الطغاة والعتاة وجلاوزة الإجرام أنَّ (الله أكبر) من أفعالكم وهو أكبر من ملككم وحكمكم، فلن تقفوا أمام من لبَّى نداءه أبداً، ويختتمون صلاتهم بالسلام وكأنَّهم يقولون: لسنا أهل عنف وإرهاب، بل نحن أمَّة الإسلام والسلام، ولن نرفع في وجوهكم السلاح، بل إن متنا فنحن أدَّينا ما علينا وكنَّا شهداء. فلله درَّهم !


· كيف استطاع الشباب أن يؤثروا على واقع المجتمعات؟

 
أهدي الشباب تحية الإكبار * * * هم كنزنا الغالي وذخر الدار

ما كان أصحاب النبي محمد * * * إلا شبابا شامخ الأفكار


ليس لهؤلاء الشباب الذين كسروا بمعاولهم رؤوس الطغاة، إلاَّ التحية والعرفان، والتبجيل والشكران، فمن لم يشكر الناس لم يشكر الله.


لقد أيقظوا هذه الأمَّة من سباتها يوم أن صرنا نسمع عبارات اليأس والتشاؤم من كبار السن، وقد احدودبت ظهورهم، واختنقت الكلمات في حناجرهم، واحتبست الدمعات في أعينهم وهم يقولون لأولادهم وأحفاهم : (الله يجعل أيامكم خيراً من أيامنا) و(التعويل عليكم يا شباب، فلقد هرمنا وأكلتنا السنين).


فماذا بعد؟!

لقد طفق هؤلاء الشباب يتذكرون كلام شيوخهم الركع، وهم ينظرون إلى إخوانهم الصغار أو أولادهم الرضَّع، فلربما قالوا : ( إن عاش أجدادنا وآباؤنا حياة الهوان فسنؤمن لكم حياة الحرية)، ولو على أن تدق رقابنا، وأن تسحل أجسادنا، وأن تسيل الدماء من عروقنا، بثورة سلمية تهز الأرض هزًّا، وتدك عروش الطغاة دكاً، فإمَّا نحن وإما الطغاة، وإمَّا الحريًَّة وإما الشهادة، وكان ما كان من فتوحات شبابيَّة على تلك الدول العربيَّة التي تحرَّرت من كيد الطغاة أو من بعضهم ..!!!

 
يا شباب الدين يا حصن العلا * * * أهديك حب الحب في الأشعار

 
إنَّ هؤلاء الشباب المؤمن بالله، لم يكن منتسباً لحزب أو جماعة، لكنَّهم شباب ينتسبون لهذا الإسلام الرحب، الذي أعطاهم بدفعته وقوَّته وحيويَّته، كيف يمكن لفتية آمنوا بربهم أن يتصدَّوا للطغاة، ويفلقوا هام البغاة، ويدمدموا عليهم عروشهم وقصورهم فيتخلوا عنها هاربين مذعورين من تلك الهبَّة الشبابيَّة التي أيقظت الشعب بأجمعه فشارك معهم في صناعة النصر، وصياغة العزَّة، واسترداد الكرامة.

 
قوم كأن وجوههم شمس الضحى ** طلعت ففر الليل كالح مظلما

ملكوا الفؤاد وما دروا يا ويحهم ** أن الفؤاد بهم يهيم متيما

سكنوا شغاف القلب ليس لهم به ** غير الشغاف تفضلاً وتكرماً

يتلذذون ببذلـهــم ويرونــــــــــه ** حقاً أكيداً للإله ومغنما
 

يروي بعض الناس عن رسول الله صلًَّى الله عليه وسلَّم: (نصرت بالشباب)، وإن كان هنالك من إشارة لذوي الخبرة والجدارة، فإني أنبِّه على أنَّ هذا الحديث موضوع لا أصل له عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فلا يصح روايته عن رسول الله إلا تنبيهاً على أنَّه موضوع مكذوب عليه الصلاة والسلام.



إلاَّ أنَّ معناه صحيح، فلقد كان أول من ناصر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الشباب، وكان معهم كذلك بعض الغلمان الصغار، وكان منهم العشرة المبشرون بالجنة، مثل : أبي بكر الصديق أسلم وكان عمره (38) عاماً، وعلي بن أبي طالب وكان عمره (10) سنين ، والزبير بن العوام وكان عمره(8) سنوات، وعمر بن الخطَّاب وكان عمره(26) عاماً، وسعد بن أبي وقاص وكان عمره (17) عاماً، وطلحة بن عبيد الله وعمره (17) عامًا، وعبد الرحمن بن عوف وكان عمره (30)عاماً، وأبو عبيدة عامر بن الجرَّاح وكان عمره (32) عامًا، وكل هؤلاء من العشرة المبشرين بالجنَّة وكانوا جميعاً شبابا، فهنيئاً لهم ولشبابهم ولصباهم.


ثم من ينسى من كان مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في مساندته بهجرته من مكَّة إلى المدينة إلاَّ الشباب ونحن نستذكر تلك الأسماء العظيمة (علي بن أبي طالب، أسماء بنت أبي بكر، عبد الله بن أبي بكر)؟

ومن الذي استقبل رسول الله في المدينة وكانوا أشدَّ المحتفين به سوى الشباب؟

ومن نصر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في معركة بدر إلاَّ الشباب؟

وهل ننسى أسامة بن زيد حيث استخلفه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على قيادة جيش كان فيه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، إلاَّ أحد الشباب وكان عمره دون العشرين؟!

أليس هذا كلَّه يُعبِّر عن مدى نصرة الشباب للدعوة الإسلامية، واحتفاء رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بهم ورضاه عنهم.


وهكذا في جميع الحروب والمعارك التي خاضها الإسلام مع دعاة الكفر والضلال، والزندقة والردة، ما كان من حارب فيه إلاَّ شباباً، ولا ننسى موقف محمد بن القاسم بن محمد الذي قاد الجيوش لفتح بلاد الهند والسند، حتَّى قال الشاعر فيه:
 
إنَّ السماحة والمروءة والندى *** لمحمد بن القاسم بن محمد

قاد الجيوش لسبع عشرة حجَّة *** يا قرب ذلك سؤدداً من مولد

فغدت بهم أهواؤهم وسـمت به *** همم الملوك وسورة الأبطال


إنَّ الخيرية في الأمَّة معدنها الأساس في الشباب، والفضل في الأمَّة والإصلاح والبناء لن يتم إلاَّ بسواعد الشباب، وهممهم ونشاطهم وجدهم واجتهادهم، ولماذا نبعد عن تراث سلفنا الصالح الذي أولى الشباب أهميَّة عظمى، فهذا الإمام محمد بن شهاب الزهري يقول: "لا تحتقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم، فإن عمر بن الخطاب كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان، واستشارهم يبتغي حدة عقولهم".


ومن منَّا لا يعرف الصحابي الجليل ابن عبَّاس، الذي كان شاباً ودعا له الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم بأن يفقّهه الله في الدين، وأن يعلمه التأويل، وتوفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، ثمَّ جد واجتهد في طلب العلم فصار عالماً من كبار العلماء، وحينما كان في العشرينيات من عمره كان يجمعه عمر بن الخطَّاب مع كبار مستشاريه من الصحابة، ولربما سأله أحدهم عن سبب جمع ابن عبَّاس معهم مع أنَّهم من شيوخ الصحابة، وكثير منهم حضر معركة بدر؟! فيقول رضي الله عنهم : (ذاكم فتى الكهول، له لسان سؤول، وقلب عقول) هذا الصحابي الجليل والمفسر العبقري ابن عباس الذي تربَّى في مدرسة النبوَّة يقول: " ما آتى الله عز وجل عبدا علما إلا شابا، والخير كله في الشباب"، ثمَّ استدلَّ على كلامه بما في كتاب الله حيث تلا قوله عز وجل: {قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم}، وقوله تعالى: {إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى} ، وقوله تعالى: {وآتيناه الحكم صبيا}.

وهكذا كانت حفصة بنت سيرين ترشد الشباب وتقول لهم: "يا معشر الشباب اعملوا، فإنما العمل في الشباب"، وقال الأحنف بن قيس: " السؤدد مع السواد". (أي: من لم يسد في شبابه لم يسد في شيخوخته).


ولقد كان الشيخ محمد الغزالي - رحمه الله - مستكشفاً للمستقبل، ومادحاً الشباب المسلم الحر الذي كان يتصدَّى لأهوال الطغاة؛ حيث قال: "وقد راقبنا الثورات التي اشتعلت في أرجاء الشرق ضد الغزاة المغيرين على بلاد الإسلام، فوجدنا جماهير الشباب هم الذين صلوا حرها، وحملوا عبئها، واندفعوا بحماستهم الملتهبة وإقدامهم الرائع يخطّون مصارع الأعداء، ويرسمون لأمتهم صور التضحية والفداء، ولا يزال الشباب من طلاب وعمال وقود الحركات الحرة، وطليعة الثائرين على الفساد والاستبداد، وقبلة المربين والمرشدين" من كتابه : في موكب الدعوة : ص38.


· ما المطلوب من الشباب؟

لله درُّ الشباب الذين احتشدوا للمطالبة بحقوق الشعوب المهضومة، والمستلبة أموالها، والتي استخفَّها الطغيان لمدَّة ولكنَّه فشل في ذلك بهمَّة الشباب الذين طوَّحوا بنيان الطغيان بتكبيرات الإيمان.
 

وقفوا على هام الزمـان رجـالاً *** يتوثبـون تـطلعًا ونضالاً

وحي السماء يجيش في أعماقهـم *** ونداؤه من فوقهم يتعالـى

باعوا النفوس لربهم واستمسكـوا *** بكتابه واستقبلوا الأهـوالا

في وقدة الصحـراء في فلواتهـا *** حملوا تكاليف الجهاد ثقالاً

تُشوى على رمضائهـا أجسامهم *** لكنهـم لا يعرفون محالاً
 

على إخواني من الشباب المسلم في تلك الربوع الطاهرة عدَّة مُهمَّات، لتكون مساعدة لنجاح ثوراتهم من قبيل المتمِّمات لها والمُكَمِّلات لنجاحها، ومن ذلك:


1) إنَّ عليهم أن يدركوا أنَّ الفضل كل الفضل لنجاح ثوراتهم العادلة، هو بإذن الله تعالى، فإذا أراد الله شيئاً هيَّاً له الأسباب، وأتاح له الوسائل والسبل، كما قال الله تعالى: {ثمَّ جئت على قدر يا موسى}، وإنَّ من شكر النعمة الاعتراف للمنعم بأصلها، فعلى الناس جميعاً والشباب خصوصاً أن يشكروا الله تعالى على ما أولاهم من نعمة زوال الطغيان.


2) الاعتراف بالفضل والجميل لكل من كان مسانداً لهم من كبار السن، والحكماء، وذوي التجارب، وأصحاب العلم والفكر والدعوة والتربية، في انتفاضتهم المباركة، وكان معهم بقلبه وقالبه، بل شاركهم في الميدان حتى زوال الطغيان، وإذا كان الشباب قد بدؤوا في قدح شرارة هذه الثورة وكسروا حاجز الخوف، فإنَّ بقية الشعب كذلك شاركهم برجالهم ونسائهم وقدَّموا التضحيات وأذكوا روح الثورة، ومن المعلوم أنَّ أهل الفضل لا ينسون لأهل الفضل فضلهم عليهم، ولقد شاهد الشباب بعض كبار السن والعجائز وهم يقفون معهم في شدَّة البرد وتحت الأمطار، للمطالبة معهم بحقوقهم العادلة ومطالبهم السامية، فعلى الشباب ألاَّ ينسوا وقفة أولئك معهم.


3) عدم الإعجاب بالنفس ونسبة النصر إلى الأنفس فحسب، والنظر بعجب أو غرور أو كبر للآخرين، باعتبارهم الذين استطاعوا أن يحرّكوا الشعوب، ويزرعوا فيها الأمل في القدرة على إسقاط الأنظمة الطاغوتيَّة، بل لا بد من التواضع ونسيان الذات، فمن تواضع وُقِّر، ومن تكبر احتُقِرَ، ولا ننسى كيف كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في ساعة النصر مطأطئ الرأس حتى إنَّ رأسه يكاد أن يصيب مورك رحله؛ خشوعاً وتواضعاً لله تبارك وتعالى.


4) ضرورة الاستفادة والإفادة والاستشارة لكل مكونات الشعب في تحقيق مزيد من نجاحات الثورة، وعدم الاستغناء إطلاقاً عن مشورة أهل العلم الربانيين، والحكماء المفكرين، والساسة المؤتمنين على دينهم ووطنهم، مع الاعتناء بخبرة أهل التجارب، فالتجربة فيها موعظة، والتجربة مرآة العقول كما يقال، فمن الضرورة بمكان توثيق صلة الشباب بهم فالعقول ينقّح بعضها بعضاً، ونعم المؤازرة المشاورة، وما أجمل الجمع بين حماسة الشباب وحكمة الشيوخ، والحذر من التسرع أو العجلة؛ ففي العجلة الندامة، والعجلة فرصة للعجزة، والأناة من الله، والعجلة من الشيطان.


5) الحذر من الفرقة والاختلاف والأَثَرَة بالرأي؛ فإنَّ هذا من الاستبداد المنهي عنه، بل الأخذ بمبدأ التشاور، وتلاقح الأفكار، وتقريب وجهات النظر، والحذر الحذر من التنازع الذي سيكون مآله المنافرة والخصومات وضغائن الأنفس واختلاف القلوب.


6) إنَّ من جميل ما رأته الشعوب مسلمة وغير مسلمة ذلك البعد الحضاري لدى الشباب الذي يقوم بتنظيف أماكن الجلوس، وتحسين الشوارع والسكك العامَّة، وتهيئة الجو العام لاستكمال المظاهرات والاعتصامات، والقيام بلجان شعبيَّة لحماية البيوت الآهلة بسكانها من بطش البلطجيَّة وإرهابهم وترويعهم، والتصدي لهم، وهذا يعطينا دلالة أنَّ الشباب يمتلكون بعداً حضارياً، واهتماماً بالبيئة، فما أجمل مواصلة ذلك، بقيام مجموعات شبابيَّة طوعية تأخذ على نفسها خدمة البلد والاهتمام به في كثير من الأوقات.


7) أن يكون لكل شاب من الشباب بعد هذه الثورات طموح وهدف لإنجاز عمل يخدم به دينه ووطنه وأمَّته، ويبني به دولته التي أكلها الفساد والجشع والطمع، ولم ينتبه كثيراً لجوانب إصلاحية فيها من قبل، سواء أكانت إصلاحات اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو إعلامية وغيرها من الإصلاحات المهمة، فأمجاد الثورة والتغيير لا تكتمل إلاَّ بالإصلاح الميداني، وهذا ما يستلزم من الشباب، المواصلة في دراساتهم الجامعيَّة، والبحث الجاد عن وظائف أو أعمال حرَّة يقومون بها لاستكمال مسيرة الإنتاج وخدمة البلاد، وأن يكون لكل واحد منهم إنجازه الخاص به والذي يحتفل به يومياً بعد استكمال شيء منه.


8) يقال من صحَّت بدايته صحَّت نهايته، ومن صدقت لهجته ظهرت محبَّته، فجميل أن يكون الشباب صاحب بداية في الثورة، وصاحب عزيمة ومواصلة لها، فليست القضية ثورة وتغيير فحسب، وليس الأمر كامناً في تحريك الشعوب فقط، أو الوقوف لأيام أو أسابيع للمطالبة بالحقوق ثمَّ الركون والسكون والتواني، فهذا ما قد يراهن عليه الأعداء وخصوصاً من الشباب الذي لربما يتحمَّس في البداية ويفتر في النهاية، بل لا بدَّ من المواصلة في درب الإباء والثبات والعظمة حتَّى ينال المرء حريَّته، كما قال الشاعر الفرنسي (موسيه) : (لا شيء يجعلك عظيماً غير ألم عظيم)، وأعظم منه قوله تبارك وتعالى: {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً}، وإنَّ من أجلَّ الأهداف التي يجب أن يتكون في مخيلة الشباب ولو إلى وقت قادم أن تكون هنالك مطالبات حقوقيَّة لأن يسود حكم الله في الأرض، فجميع البلاد التي حصلت فيها تلك الثورات مسلمون، ولا يحق أن يحكمهم إلاَّ هذا الدين، فعلام الخجل من ذلك وأهل تلك البلاد يدينون بدين الإسلام؟!


صحيح أنَّه يجب الدراسة الشرعيَّة لوقت مطالبة التطبيق الكامل للشريعة الإسلامية، وسياسة الدنيا بالدين، وتقدير ذلك في حدود الممكن والمتاح والمستطاع عليه، فإنَّ معرفة ذلك راجع لفقه السياسة الشرعيَّة، ولأهله الذين تخصًّصوا فيه وبرعوا، وليس مرجعه لآحاد الناس أو لمنتسبين للعلم ليس لديهم من العلم بالشرع والواقع كبير علم وفقه وفهم، فالمهم دراسة الواقع بشكل عميق، إذ المعرفة بالظروف الدوليَّة المحيطة ومآرب الساسة الغربيين ودسائسهم وكراهيتهم لقيام الدولة التي تطبق شرع الله مِمَّا هو معروف، ومن كان تحت هذه الضغوطات فإنَّ وضعه لا يُحسد عليه، وعموماً فأهل مكَّة أدرى بشعابها وصاحب البيت أدرى بما فيه، فإن رأى أهل العلم الربانيون وأهل الفضل والخير أنَّ فرصة المطالبة بتطبيق الشريعة قد لاحت، وساعتها قد آنت، ووقته قد حان فما المانع من إعلان ذلك إن كان ذلك كذلك؟!!


9) أن يحذر الشباب شدّة الحذر من مكر الطواغيت، واستدرار عواطفهم ببعض العبارات والوعود الكاذبة، والحذر من أن يلتف على هذه الثورات من ليس من أهلها الصادقين المؤمنين برب العالمين، أو أن يسرقوها أو يركبوا موجتها لغاية في أنفسهم، أو يتلونوا ويتحولوا لغاية في أنفسهم، ثمَّ ينقلبوا على البلد مرَّة أخرى، ويعيثوا في الأرض فساداً، أو أن يشقوا صفها ويحدثوا الاختلافات الكبيرة بين الشباب من أجهزة تتقصَّد ذلك وتتغيَّاه، فعلى الشباب أن ينتبهوا لهذه الجوانب وأن يواصلوا مسيرتهم لإسقاط فلول النظام السابق وأزلامه، ولا يرضوا بأي وجه كان بارزاً في إعانة الظالم، فالمؤمن كيِّس فُطِنٌ، وقناعتي أنَّه لا بدَّ من جلسات الوعي السياسي، واستبانة سبيل المجرمين وطرائق حرفهم لمسيرة الثورات والتغيرات إلى حيث الرجوع لمراحل سيئة أو للمربع الأول ، وإدراك مآرب من يحتالون على الثورة بألاعيبهم وكيدهم ودجلهم، فيجب أن يعرفوا أنَّه لا مجال للكذب والدجل بعد هذه الثورات، وأنَّ الشباب مستعد للنزول للشارع مرة أخرى إن لم يوفِّ من امتلكوا ناصية البلاد عهودهم ومواثيقهم ووعودهم.



10) اعتراف الشباب بالفضل والجميل لجميع الحركات والجماعات والتيارات الإسلاميَّة، الذين خاضوا مع هذه الأنظمة الكثير من الصعوبات والبلاءات، وجنت عليهم هذه الأنظمة بجبروتها، وقتل بعض أنصارها، وتشريدهم وتفريقهم بدداً، وسجن الكثيرين منهم وما يزال كثير منهم في السجون، وإيذاء بعضهم بالمنع من السفر، ووضع بعضهم رهن الإقامة الجبريَّة، ومحاربة الكثيرين منهم، فكل أولئك خاضوا معارك مع الطغيان لعشرات السنين، وكانت لها نتائجها في ربط الناس بالإسلام، ونشر التدين، وانتشار اليقظة الإسلاميَّة، فلا بد أن يتذكر فضلهم وألاَّ يُنسى جهدهم وجهادهم المدني، بل من الجميل أن يعتبر أولئك الشباب المسلم الثائر على الظلم والطغيان ما قاموا به هدية وجائزة لما قامت به تلك التوجهات الإسلاميَّة بشتَّى ألوانها وتتويجاً لهم بالنصر، وإني لأجزم أنَّ كثيراً من أولئك الشباب الثائر على الطغاة قد تأثروا من خطبة عالم رباني لا يخاف في الله لومة لائم، وحديث مفكر يتحدث عن الطغيان والاستبداد، وهموم مجتمع المثقفين وهم ينادون بالحرية والعدالة والكرامة، فكلَّ هذا كان مختزناً في العقل الباطن لدى أولئك الشباب الحي الحر الأبي، وعلى كلٍّ فمعرفة الشباب لأهل الفضل فضلهم أمرٌ جميل وخلق نبيل، سواء أكانوا إسلاميين أو وطنيين أحرار شرفاء.



11) أن يحذر الشباب من المحاولات الغربية الرسمية الرامية إلى مديح فعالهم، ومحاولة كسبهم، والتحدث بلهجتهم من قبيل الثورة على الظلم، وضرورة نشر الحريات والاعتناء بحقوق الشعوب، فما تلك إلاَّ من ضمن محاولاتهم البائسة للتأثير على الشعوب وغالبيتهم من الشباب اليافع، لتحسين صورة الحكومات الغربية عمومًا والأمريكية خصوصًا.



12) هذه الثورات المباركة لا تقل خطراً على أعداء الدين من الجهاد في سبيل الله، ولقد رأيناهام يراقبونها عن كثب، ويتابعونها وبمرارة حينما يرون أزلامهم يسقطون على أيدي عموم الشعب المسلم، فإنَّ هذه الثورات المباركة تعطينا دلالة على أنَّ الأمَّة المسلمة لم تمت، وأنَّ فيها ماء الحياة، وأنَّها قد تُجرح وقد تتألَّم، ولكنَّها إن وثبت وثبة فإنَّها تأكل الأخضر واليابس، وكم كنت أتخيل منظر اليهود الصهاينة وقادتهم المحتلين لفلسطين، وهم يرون شباب الإسلام ورجالهم ونساءهم في ميدان التحرير وقد كانوا قرابة ثلاثة ملايين نسمة، وهم يصلون الجمعة ويقولون جميعاً (الله أكبر)، فإني وربي كنت أتخيل أولئك القادة الصهانية وهم يتلجلجون في أماكنهم وترتعد فرائصهم وتصطك رُكَبهم خوفاً وهلعاً من شباب الإسلام الذين ذللوا سبل المعالي وما عرفوا سوى الإسلام ديناً، إنَّ ذلك يعطينا سعادة غامرة أنَّ هناك روحاً جهاديَّة في الأمَّة المسلمة، يستحيل أن تنساها؛ حيث قامت هذه الأمَّة بتطويح الأصنام، وتكسير الأوثان، ومن هنا فإنَّ تربية الشباب على معاني الجهاد في سبيل الله، وأهميَّة الإعداد الكامل له، وذكر قصص المجاهدين، والاعتزاز بها، وتحديث النفس بالغزو، كلّ هذه الأمور ملحّ طرقها في زمن الصراع الديني والحضاري، وإنَّ من صفات هذه الأمَّة أنَّ راية الجهاد قائمة فوق سنامها، وأنَّه ماضٍ إلى قيام الساعة، وأنَّ من صفات الطائفة المنصورة مواصلة المقاومة للكفرة المحتليَّن ، وجهاد أعداء الدين ، ولو كره الكافرون.



13) جدير بأولئك الشباب المسلم الذين حطَّموا الطاغوت في بلادهم أن يكون لديهم ارتباط وثيق بالإيمان بالله عبادة والتزاماً وأداء للشعائر، وقياماً بالواجبات الدينيَّة؛ فإنَّ غاية الله من خلقه هي أن يكونوا أحراراً لا يعبدون إلاَّ الله، ولا يتحاكمون إلاَّ إليه، ولقد امتدح الله تعالى شباب الكهف، فقال عنهم : {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى . وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} [سورة الكهف:13-14].



فهؤلاء هم الشباب الذين يرضى الله عنهم ويرضى عنهم الناس؛ إذ إنَّهم كانوا في خط المواجهة مع العدو الطاغوتي، وهم كذلك لا يلجؤون إلاَّ إلى الله تعالى في أزماتهم ووقت رخائهم، ونتذكر قوله صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث الصحيح المتفق عليه: (وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ)، فما أجمل الشباب أن يعيشوا حياتهم في طاعة الله تعالى وعبادته بتحقيق الشعائر الدينية، وإعمار الأرض بحضارة الإيمان، وحمل الأمانة التي كلَّفهم الله إيَّاها، وخدمة العباد والبلاد، والحذر من أهل الفسق والفجور والعصيان، وفي الحقيقة لقد رأيت من شباب ميدان التحرير في القاهرة معايير جميلة حينما قاموا بطرد أحد دعاة الفسق والمجون والحب والغرام الزائف، حينما هاجمهم وكان يتحدث وكأنه بوق للنظام، فحينما شعر بأنَّ الموجة بدأت تسير لصالح المتظاهرين في ميدان التحرير نزل إليهم لكي يركب الموجة، فما كان منهم إلاَّ أن طردوه شرّ طردة، فليس هو ولا أمثاله من الراقصين على جراح أمَّتنا يستحقون الاحتفال بالنصر، أو يقفون لكي يخطبوا في الناس خطباً ضدَّ الطغيان والاستبداد.



14) إنَّني على قناعة أنَّ ما وقع من أحداث في تلك البلدان ليس إلاَّ مفتاح البداية، وأعتقد أنَّ مآلاتها ستكون فتحاً عظيماً على جميع الأمَّة الإسلامية، وقد يأتي من خلالها ابتلاءات، ولكنَّ من كانت بدايته محرقة كانت نهايته مشرقة، ومن ركب الأهوال نال الآمال، ولن تدرك الراحة إلاَّ بترك الراحة، والنعيم لا يُدرك بالنعيم ، ومن يطلب الحسناء لم يغله المهر، ومن لم يُعانِ لم يدرك المعاني، وعلى الشباب أن يدرك أنَّ المسلم لا يتوانى ولا يكل ولا يعجز، بل يمتثل قوله تعالى: {ادخلوا عليهم الباب}، ويوقن بعدها بالغلبة كما قال تعالى: {فإذا دخلتموه فإنكم غالبون}، ولهذا فإنَّه يقتحم ويبادر ولا ينتظر الأوامر إلاَّ من عند الله ـ عزَّ وجل ـ ، ويرى أنَّ هذه العوائق والعقبات التي تعترضه في طريقه أمر لا بدَّ منه ، ولا مفر عنه ، فيزمُّ نفسه بالعمل ويبذل الجهد والطاقة لينال رضا الرحمن، ومن ثمَّ رضا الذات، فيكون الشاب عصامياً ، واثقاً من ربه، ملتزماً بالمنهج الإسلامي الذي يسير عليه، معتمداً على نفسه ومستعيناً برأي إخوانه، فيكون الشاب المسلم من صِغَره داعية إصلاح ومعلم تغيير، ومن أولئك الغرباء الذين أثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «فطوبى للغرباء الذين يُصلِحُون ما أفسد الناس، أو الذين يَصْلُحون إذا فسد الناس»، فهذه المعاني هي التي تتّقد في قلوب الشباب فتدفعهم للبذل في الدين وممارسة الدعوة إلى الله على بصيرة.



والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.


 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 3
  • 0
  • 11,506

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً