ادعاء اليماني المهدوية
دخل سرداب سامِرَّاء طفلاً صغيراً من أكثر من خمسمائة سنة، فلم تره بذلك عين، ولم يحس فيه بخبر ولا أثر، وهم ينتظرونه كل يوم، ويفقون بالخيل على باب السرداب، ويصيحون به أن يخرج أليهم: أخرج يا مولانا، أخرج يا مولانا، ثم يرجعون بالخيبة والحرمان، فهذا دأبهم ودأبه
ادعاء اليماني المهدوية:
إن أي شخص يدعي المهدوية لهو ضرب من الهوس والخزعبلات، فاليماني وغيره عندما يدَّعون المهدوية فقد أصابهم هوس عقلي وخيبة ذهنية، فقد ذكر الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي في خاتمة رسالته" مثل هذه الترهات المعزوة الآن لمن يدعي أنه عيسى أو المهدي مع ما هو منسوب له ومسطور عنه من الكذب وتناقض الأقوال وتحريف الكلم عن مواضعه واللحن الفاحش الذي يأمن منه من قرأ المقدمة الأجرومية بل من خالط أدنى مخالطة للسان العرب لا ينبغي أن يلتفت إلى تضييع ساعات من نهار في مطالعته بل لا يلتفت إليها إلا سخفاء العقول ويقال في حق من صغى إليها {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الفرقان:44]"[1].
فالشيخ الشنقيطي في كلامه يؤكد أن ادعاء المهدوية ترهات وكذب على الناس، ويناقض ما تواتر عن رسول الله، ويظهر فيه التحريف والخطأ الفاحش، ثم لأمثال أتباع اليماني أنهم سخفاء
العقول بل هم أضل من الأنعام.
وقد ادعى المهدويةَ أناسٌ كثيرون أو اُدعيت لهم، "وقد حاول كثير من المدعين استغلال هذه العقيدة، فادعوا زوراً وبهتاناً أنهم المهدي المنتظر الموعود به على لسان رسول الله، وقد اختلفت أغراضهم وأحوالهم في ذلك، فقد ادعاها بعضهم وغرضهم إفساد الدين، وإهلاك الحرث والنسل، وبعضهم ادعاها طلباً للملك والسلطان وحرصاً على الدنيا، وبعضهم لبس عليه الأمر لخفة عقله، أو أثر عليه اجتهاده في العبادة والزهد، وقد ادعيت المهدية لأناس لم يدعوها لأنفسهم، ادعاها لهم أتباعهم ومحبوهم والمغالون فيهم"[2].
ثانياً: اعتقاد المَهْدِيّين-أتباع اليماني- في الإمام الثاني عشر:
اعتقد المَهْدِيُّون ما اعتقده الإِمَامِيَّة بأن المهدي المنتظر هو الإمام الثاني عشر-محمد بن الحسن العسكري-، وهو ما يختلف تماماً عن أهل السنة والجماعة، وقد ذكر الإمام ابن كثير تحت قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ۖ وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ ۖ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۚ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [المائدة:12]، وبعد حديث جابر بن سَمُرَة رضي الله عنه ، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « «لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً» »، ثم تكلم النبي بكلمة خفيت علي، فسألت أبي: ماذا قالل النبي" قال: « «كلهم من قريش» »[3]، قوله: "والظاهر أن منهم المهدي المبشر به في الأحاديث الواردة بذكره: أنه يواطئ اسمه اسم النبي، واسم أبيه اسم أبيه، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، وليس هذا بالمنتظر الذي يتوهم الرافضة وجوده ثم ظهوره من سرداب (سامِرَّاء)، فإن ذلك ليس له حقيقة ولا وجود بالكلية، بل هو من هوس العقول السخيفة، وتوهم الخيالات الضعيفة، وليس المراد بهؤلاء الخلفاء الاثني عشر الأئمة الاثني عشر، الذين يعتقد فيهم الاثنا عشرية من الروافض، لجهلهم وقلة عقلهم"[4].
وفيما ذكره الإمام ابن كثير-رحمه الله- ما يعبر عن رأي واعتقاد أهل السنة في هل المهدي الوارد في أحاديث النبي هو محمد بن الحسن العسكري، أو غيره؟ وكان الجواب عند ابن كثير أنه ليس المهدي الذي ذكرته الروايات الصحيحة عن رسول الله هو ما تزعمه الشِّيَعة الإِمَامِيَّة، فما يعتقده الشِّيَعة نوع من الهوس والخيالات.
وفي كلام للإمام ابن القيم وهو يصنف أربعة أقوال للعلماء حول المهدي، ففي القول الرابع:"وهو أن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري، المنتظر، من ولد الحسين بن علي، لا من ولد الحسن، الحاضر في الأمصار، الغائب عن الأبصار، الذي يورث العصا، ويختم الفضا، دخل سرداب سامِرَّاء طفلاً صغيراً من أكثر من خمسمائة سنة، فلم تره بذلك عين، ولم يحس فيه بخبر ولا أثر، وهم ينتظرونه كل يوم، ويفقون بالخيل على باب السرداب، ويصيحون به أن يخرج أليهم: أخرج يا مولانا، أخرج يا مولانا، ثم يرجعون بالخيبة والحرمان، فهذا دأبهم ودأبه،... ولقد أصبح هؤلاء عاراً على بني آدم، وضُحكة يسخر منهم كل عاقل"[5].
[1] رسالة الجواب المقنع المحرّر في الرد على من طغى وتجبر بدعوى أنه عيسى أو المهدي المنتظر، ص67.
[2] العرف الوردي في أخبار المهدي، ص8.
[3] صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب الناس تبع لقريش، والخلافة في قريش، ص1012، حديث رقم(1821).
[4] تفسير ابن كثير، ج3/65و66.
[5] المنار المنيف في الصحيح والضعيف، ص153.
- التصنيف: