في ظلال رمضان.. (19) من (30)
إن هذا الدين حزمة واحدة.. العقائد مع الشعائر مع الشرائع.. القلب مع العمل مع الإيجابية، الجانب الفردي مع الجانب الجماعي والحراك العام، وإلا أثِم العبد عند لقاء الله تعالى.. فسؤاله تعالى لنا عن حزمة هذا الدين وجملته، حيث جاء الإسلامم ليخرج الإنسان نسيجا مختلفا وخلقا جديدا.. كنتم خير أمة أخرجت للناس..
الصيام، والحراك بهذا الدين:
فريضة الصيام شعيرة من شعائر الإسلام، والإسلام حركة تحريرية للإنسان، كل من يؤمن بهذا الدين هو مكلَف بالحركة به وإبلاغه للناس واستنقاذهم من الهلكة«لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم»(التمهيد: 2/218).
يُسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال فيقول الصلاة على وقتها ثم يرتب بعدها بر الوالدين ثم الجهاد في سبيل الله.
في حديث آخر يجعل الجهاد هو ذروة سنام الإسلام، وفي كتاب الله تعالى يربط التخلف عنه بالنفاق، ويجعل الإيمان والجهاد قرينين، ويأمر بالنصرة للدين ولو ارتد من ارتد، ويجعل الجهاد علامة على المحبة ويثني على عدم الالتفات على لوم اللائم في التضحية والنصرة لهذا الدين.. الإسلام حركة تحررية وتحريرية للناس من عبادة العباد الى عبادة رب العباد.. المسلم يحمل للناس الخير وأثمن ما في الوجود وأعزه، وهو الدلالة على الله تعالى.
الرهبنة والانسحاب بالإسلام من حركة الحياة هو أمر غريب على طبيعة دين الله تعالى، وعلى الصائمين.
والحركة بهذا الدين، حركة الصُوام القُوام، على محاور:
حركة العلماء ببيان الحق.. ولا بد أن يكون ببيان الحق بأصوله وفروعه وتفصيلاته، فلا يكفي أن يقولوا للناس صلوا أو البسي الحجاب أو غضوا أبصاركم، فهذا مطلوب نعم لكنه يأتي ثانيا بعد معنى التوحيد بتحقيق العبودية لله تعالى بقبول شرعه ورفض ما سواه، وإفراد الله بحقه الخالص في التشريع وفي العبادة.
فيجب أن يطالَ العلم والتوجيه والدعوة الأفراد، كما يجب أن يوجه نحو المؤسسات التي ترسخ الإباحية والإلحاد والعلمنة للمجتمعات، كما يجب أن يوجه العلم والدعوة الى الأنظمة العلمانية التي تفصل الدين عن الدولة وتنحيه جانبا.
أما إذا رأيتهم يقولون للناس غضوا والبسي وافعل، ثم يتركون المؤسسات التي نخاف منها على أبنائنا وعلى أجيالنا وعلى مقدراتنا ومستقبل أمتنا ـ كما يتلاعبون اليوم ـ ثم يتركون جريمة تبديل الشرائع وترسيخ حق التحليل والتحريم القانوني لغير الله تعالى، فاعلم أنهم دخلوا في الأجرة او الغفلة.. غفلة تشتبه كثيرا بالخيانة.
ومع حركة العلماء والدعاة فلا بد من حركة المجتمع واستمرار حراكه وتنوع أطروحاته وخياراته لرفض الظلم والحفاظ على الهوية وإقامة الدين.
فالمحور الآخر هو حركة المجتمع، حركة يمتلك فيها من القوة والبدائل ما يحمي بها دينه وحريته ويمنع الفساد والاستبداد والعلمانية والتبعية وانهيار الأمة، ويحمي نفسه من تزييف الحقائق.
نزل القرآن في رمضان، وجعل تعالى صوم الشهر معللا بنزول القرآن فيه، وانتصر الإسلام يوم بدر يوم الفرقان، الذي نحن اليوم مسلمون بسببه، وهذا في رمضان، فالفرقان البياني والفرقان الميداني كلاهما في هذا الشهر الكريم.
فليعِ الصائم عن ربه كلامه وبيناته، وليعِ عن ربه أمره بإقامة الحق ومنازلة الباطل ومطاردته.. {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ}[النساء: 104] (الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد الى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا الى سعة الآخرة، ومن جور الأديان الى عدل الإسلام).
إن هذا الدين حزمة واحدة.. العقائد مع الشعائر مع الشرائع.. القلب مع العمل مع الإيجابية، الجانب الفردي مع الجانب الجماعي والحراك العام، وإلا أثِم العبد عند لقاء الله تعالى.. فسؤاله تعالى لنا عن حزمة هذا الدين وجملته، حيث جاء الإسلام ليخرج الإنسان نسيجا مختلفا وخلقا جديدا.. كنتم خير أمة أخرجت للناس، قال أبو هريرة (أنتم خير الناس للناس).. فنعْم العبد، ونعْم الإخراج، ونعْم هذا الدين.
- التصنيف: